جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-24@11:08:24 GMT

المؤثر!

تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT

المؤثر!

 

 

فاطمة الحارثية

 

استطاعت بعض المدونات أن تهدم جهودا عظيمة، وبضع كلمات أخرى كادت أن تصنع من الجهل رأيا؛ "على هذه الهشاشة نعيش"، هل تستوعب معي ذلك؟ خلطنا الصفات فـأصبح كل من مُعلق..."مؤثر"، وكل من علا صوته على المواقع المختلفة "ناشط"، وكل من سكب بعض الحبر "مدوناً"، نحن من أعطينا للجهل هيبة، ولراصف المفردات العقيمة قيمة، والأكثر عجبا، أسميناهم بصفات عظيمة مثل "مؤثر" و"ناشط اجتماعي" و"مشهور"، وغيرها من الوصف، البعيد كل البعد عن حقيقتهم، شتان بين الواقع والقصد اللغوي والسلوكي.

"المؤثر" ليست صفة عادية، ولا يمكن أن يكون له أتباع ولا قطيع، في اللغة الدارجة "متابعين"، عكس المشهور تماما، فهو في الأساس يتأهل لنعته مشهورا، عند زيادة عدد المتابعين له والمقلدين، في كل أمر يقوم به غثا كان أم قيما، ولا يمكن الاستهانة بالمتطرفين منهم؛ ونجد أن الوعي هو ما يضع الأمور في نصابها، ويسمح لنا أن ننقل للنشأة ماهية الأمور، حتى نقيهم من سلبيات السعي نحو شهرة ضعيفة القيم والمبادئ، فقد يراها الكثير من الناس أنها مسلية ولا بأس منها، لكنها ليست كذلك فالشهرة العقيمة قد تودي بصاحبها في غياهب جحيم الدنيا والآخرة.

عندما يتكرر على مسمعك، أمر ما ومن أكثر من شخص، تعمل ذاكرتك على المقاربة، وللحصول على الفهم الأقرب للحقيقة، أجدني أتعمق أكثر وأكثر، من مجرد المقاربة، أو القصد الظاهر والمبطن، واستشف ذلك من خلال لغة المفردات والجسد التي اختارها المرسل، للتأثير عليَّ في قياسي للأمور، للأمانة بالنسبة لي هذه أفضل الطرق التي استخلص منها مشاعر المتحدث، وصدق حديثة وإذا كان يُبالغ أو له في نفسه مآرب أخرى.

المؤثر الحقيقي لا يُغير رأي الناس من حوله، ولا يرغب أن يُقلدوا فعله أو معتقده، بل من يستطيع أن يؤثر على حياة المتلقي على المستوى الفردي، وصُناع القرار على المستوى الجماعي، ولن تجده أبداً على رأس الطاولة، وليس لديه صوت رنان عالٍ، يُدرك عمق الكلمة التي يقدمها للجموع، ويتقي الله سبحانه وتعالى في وعي تام، لمغبة مثل هذه الهبة والمهارات التي تصاحبها، ولنحترم الفروقات، ولا ننعت الناس بما ليسوا أهلاً له، وليس كل رأي ظهر على منابر التواصل الاجتماعي، يسمح لنا أن نحول صاحبه إلى مؤثر أو مشهور، وليس علينا أيضًا أن نتفاعل معه، خاصة إن كانت مذمة من ناقص.

يكرس عدد كبير من الناس أنفسهم، من أجل جذب الانتباه، وأغلبهم لسد عقدة الحب والاضطراب العاطفي أو الاجتماعي لديهم، ولا يجب على كل مجتهد مخلص، أن يتأثر بأمثالهم وآرائهم لأنها تفتقر إلى الإخلاص والصحة الفكرية، ولا أن يسمح لمفاهيمهم الناقصة والمضللة، أن تأخذ حيزا في بلورة علاقاته مع الآخرين، ومناشطه، وإخلاصه في أدائه، لا ريب أن ارتداد الكلمات على مسامعنا يصنع الكثير من الفوضى، سواء الفوضى الخلاقة أو الفوضى الهدامة، وبأيدينا أن ننغمس في تلك الكلمات، ونترجمها على هوانا لنسمح لها أن تفعل بنا ما نشاء.

لن تقوم المجتمعات إلا بشباب واع، يضع كل كلمة في محلها، وكل أداة في موضعها، وكل إنسان في مكانته الصحيحة دون ضرر ولا تفريض، جميعنا نستحق العيش بسلام خلال السنوات التي قدرها الله لنا، والسلام لا يعني الخمول والكسل والبذخ، بل هو الشعور الذي يُسهل علينا إتمام الابتلاءات، والصبر على الشقاء والسعي وتعب الحياة، على أكمل رضا لما قُدر لنا.

وإن طال...

الخطوات الصغيرة المتتالية، هي الطريقة الأسرع نحو النمو والتنمية، تصنع التوازن المطلوب وتُبعد العيون المُفسدة، ونادرًا ما تصنع جعجعة تؤرق من على وتيرتها، ونتائجها مُفاجآت جميلة مستمرة ومستدامة، تسر المتابع والمشاهد والعامل عليها.

من الحماقة أن تستصغر جهدًا لم تعشه يومًا؛ لأن عقلك المحدود لا يقدر أن يرى النتائج.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أنجبت الفوضى "نبيًا"!

 

الطليعة الشحرية

في تاريخ الأمم، لا يُولد الغلو إلّا في أحشاء الاضطراب، وعندما تهتز الخلافة، أو تسقط الدولة، ينهض من تحت الركام من يدّعي أنه المُنقذ، إما بوحي من السماء، أو ببيعة مزوّرة تحت ظل السلاح. الأحمدية وداعش وجهان متضادان لعملة واحدة: عملة الفوضى، والتشظي، وانهيار المركز الديني والسياسي في العالم الإسلامي.

عند اختلال ميزان القوى ينتشر الفراغ الأسود مبتلعًا الغث والسمين فتنتفخ بطن الباطل وتلد لنَا أنبياء وسكاكين، في التاريخ الإسلامي الحديث، يُمكن تتبُّع نشأة تيارات منحرفة مثل الأحمدية وداعش ضمن سياقات سياسية مضطربة جعلت من الوعي الديني فريسة سهلة لأصحاب المشاريع الأيديولوجية أو للأنظمة التي تبحث عن أدوات للسيطرة.

المهدي بلا سيف!

في عام 1889، كان الإسلام جريحًا، الدولة العثمانية تترنح، والاحتلال البريطاني يعبث بجسد الهند، والمقاومة تُنهكها الانقسامات. في هذا السياق، خرج ميرزا غلام أحمد القادياني، مدّعيًا أنه المسيح الموعود والمهدي المُنتظر. ذكر ميرزا غلام عن التعاون المثمر بين الاحتلال والطائفة الأحمدية في كتبة مثل "تبليغ رسالة وإزالة الأوهام"؛ حيث أكدد مرارًا طاعته للسلطة البريطانية قائلًا: "لقد أنفقت عمري في تأييد الحكومة البريطانية، وألّفتُ عشرات الكتب ضد الجهاد"، وهذا ما أكدته وثائق الأرشيف البريطاني (India Office Records)؛ حيث أشارت إلى متابعة نشاط الأحمديين لا كخطر؛ بل كجماعة "مفيدة" لكبح التطرف الإسلامي.

لم يحمل مهديّ هذه المرحلة سيفًا؛ بل قلمًا يُحرِّم الجهاد، ويحُث على طاعة المَلِكة البريطانية، ويصف حكومتها بأنها "من نِعَم الله على المُسلمين". رجل يضع يده في يد المحتل، ويزعم أن وحيًا إلهيًا ينزل عليه من السماء، بينما تتبخّر كرامة الأمة تحت حذاء الإمبراطورية.

تغاضت بريطانيا عن دعوته؛ بل سُمِح له بنشر كُتُبه، وتأسيس جماعته، ونشر دعاة جماعته في كلّ مستعمرة بلغها النفوذ البريطاني. أكان ذلك من قبيل حرية التعبير؟ أم لأنها كانت دعوة تُخدّر لا تُحرّك، تُلهي لا تُحرّض؟

هكذا تستثمر الإمبريالية الاستعمارية منذ عقود الفوضى وتصنع انبياء يخفون سكاكين تقطر دمًا خلف ظهورهم، تتوشح السنتهم بالخطاب السلمي كالأحمدية، فيما حملت داعش راية الجهاد ونصرة الحق والمظلوم إلا أن كليهما وُلد في لحظة سقوط، وتمدد في زمن الفراغ، واستثمر في أزمات الأمة. وبين المهدي البريطاني وخليفة الخراب، أنجبت الفوضى أنبيائها.

الخليفة بلا عقل

في القرن الحادي والعشرين، ظهر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كظاهرة صادمة في تاريخ الحركات "الإسلامية الجهادية"، بعنفه الدموي وتطرفه المُفرِط، واستطاع أن يحتل أجزاءً واسعة من سوريا والعراق، وأن يُعلن ما زعم أنها "خلافة إسلامية" سرعان ما تحولت إلى أداة لإثارة الذعر وتشويه صورة الإسلام عالميًا.

اللافت أن صعود داعش تزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، ومع تصاعد الفوضى في سوريا، نعم إنها الفوضى الخلاقة التي تُنجب نبيًا.

اتُهم التنظيم بالاستفادة من "فراغ السلطة" الذي خلفه التدخل الأمريكي، كما وُجهت اتهامات مباشرة للاستخبارات الأمريكية (CIA) والبريطانية (MI6) بأنها غضّت الطرف أو حتى ساعدت في خلق الظروف التي سمحت بظهوره، ضمن استراتيجية "الفوضى الخلاقة" لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم المصالح الغربية.

وكما صعد نبيٌ مهديٌ بلا جهاد قبل قرن، صعد على المنبر نبيٌ يطلب الجهاد بلا عقل، يُعيد ويكرر السياق ذاته، ويخرج شبح آخر، ليس مهديًّا هذه المرة؛ بل "خليفة المسلمين"، يعلن خلافة من الموصل إلى الرقة، ويستحل الدم باسم الدين.

داعش لم تكن مشروعًا إصلاحيًا؛ بل آلة قتل، تحوّلت فيها السجون إلى مدارس "شرعية"، والعمليات الانتحارية إلى "مناهج جهادية"، والإسلام إلى مسرحٍ للمجازر.

ومثل ما خرجت الأحمدية من تحت عباءة الاستعمار البريطاني، خرجت داعش من رحم الاحتلال الأمريكي، وفساد الحكومات، وتواطؤ القوى الكبرى. كلا التنظيمان استغلا الغيبوبة الجماعية التي تصيب الأمة عند انهيار الدولة؛ حيث وُلِد داعش مُستثمِرًا الفراغ والفوضى وصُنع أنبياء الخلافة على جماجم المدن، فيما وُلِد مهدي الإنجليز وخليفة البنتاجون من رماد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.

حلَّ الجيش العراقي، وفكَّكت مؤسسات الدولة، وتصاعدت الطائفية، وظهر تنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم لاحقًا تطور إلى ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). عزف داعش على أوتار مظلومية السنّية، مستفيدًا من المجازر الطائفية وتوسع نطاق الانقسامات الداخلية. واستغل السجون مثل "بوكا" في العراق، والتي خرج منها أغلب قادة داعش، كمدرسة لصناعة الجهاديين وانطلق مشروع الدماء بإعلان الخلافة في 2014 بقيادة أبو بكر البغدادي.

وعلى الرغم من معاداته "داعش" للغرب، فإن بروزه المفاجئ، وامتلاكه تمويلًا وتسليحًا متطورًا، طرح تساؤلات حول اختراقه استخباراتيًا.

تقاطع المُصلحين الزائفين

رغم تناقضهما، فإن المقارنة بين الأحمدية وداعش تكشف مفارقة مثيرة: الأولى زعمت أنها تُحيي الإسلام عبر مهديٍ يُحرِّم الجهاد، والثانية زعمت إقامة الخلافة عبر الجهاد المُسلَّح ضد الجميع... إلّا إسرائيل!! الأحمدية سلّمت للمُستعمِر، وداعش حرَّكت السيف ضد الأمة نفسها.

كلا المشروعان نشأ في فراغ سياسي، وكلاهما قدّم نفسه كمُخلِّص؛ الأول نزع عن المسلمين سلاح الجهاد، والثاني جعلهم ضحاياه. أحدهما حارب العقل بنبوءات مختلقة، والثاني حارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع.

بين نبي لا يُوحى إليه وخليفة بلا أمة

لطالما استخدمت القوى الاستعمارية الدين كأداة ناعمة لفرض النفوذ عبر التاريخ، وحرصت الإمبراطوريات الكبرى قديمًا وحديثًا على تمزيق النسيج الديني والثقافي لمجتمعات مُستهدفة، وتمكين تيارات وظيفية تشكل واجهة أيديولوجية لنزع السلاح الفكري أو إثارة الفوضى وتمكين تيارات وظيفية تمارس التأثير باسم الدين، وتخدم أجندات السياسة.

في هذا السياق، لا يُمكن فهم الأحمدية أو داعش كظواهر دينية بحتة؛ بل كمشاريع سياسية مُتنكِّرة في زي العقيدة. الأحمدية ظهرت في لحظة أُفول الخلافة، فدعت إلى طاعة المُستعمِر، وداعش وُلدت من رماد الاحتلال الأمريكي، فدعت إلى الذبح باسم الخلافة، الأولى نزع عن المسلمين سيف الجهاد، والثانية ألغت العقل وحارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع. والأدهى أن كليهما استفاد من غفلة الأمة، وصمت العلماء، وتوظيف القوى الكبرى لهذه التيارات، سواء بالتساهل، أو بالتوظيف غير المباشر.

في النهاية، لا الأحمدية كانت نبوءة، ولا داعش كانت خلافة، كلاهما كان انفجارًا دينيًا في فراغ سياسي. أحدهما لبس عباءة الأنبياء وحرَّم الجهاد، والآخر رفع راية الخلافة وحرَّم العقل. وكلما ضعفت الدولة، وبهت العلماء، سيخرج من تحت الركام "مهدي جديد"، أو سفّاحٌ يرتّل سورة "الحديد" على جماجم الأبرياء.

وبين هذا وذاك، يبقى المسلم العادي هو الضحية… بين نبي لا يُوحى إليه، وخليفة لا يعرف من الخلافة سوى السيف.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • باحث في الشأن الإيراني: الهجمات على طهران استهدفت النظام وليس المواطنين
  • لن يتحرر السودان كاملاً إلا بعودة قوية وفاعلة لقوات الاحتياط الشعبي، وليس مجرد الاستنفار
  • سامسونج تسرع تحديث أندرويد 16.. وليس فقط لهواتفها الرائدة
  • تلعب دورًا مؤثرًا.. ما مدى التطور الذي وصلت إليه الألغام البحرية؟
  • أنجبت الفوضى "نبيًا"!
  • خبير في الشأن الإيراني: طهران لن تدخل حربا مفتوحة.. والتركيز الآن على إسرائيل وليس واشنطن
  • قزيط: قادة المجموعات المسلحة مكانهم السجن وليس العيش على طريقة هارون الرشيد
  • مسؤول أمريكي: الإدارة أوضحت لإيران أن الهجوم كان عملية "واحدة فقط" وليس بداية حرب تهدف لتغيير النظام
  • محلل سياسي: واشنطن ترى البرنامج النووي الإيراني امتلاكا للسلاح وليس نشاطا بحثيًا
  • السعدي : الأحرار جعل من الشباب فاعلين في السياسة وليس مجرد أدوات انتخابية