في سجلات التاريخ الطويلة، تتكرر ظاهرة لا تخطئها عين: الطغاة لا يرون هزيمتهم القادمة، ولا يعترفون بها حتى وهم يجرّون أذيالها. إنهم يسيرون بثقة العُميان نحو نهايتهم المحتومة، وقد غشاهم الغرور وسكروا بقوة زائفة.
قد يتساءل البعض: لماذا لا يرى محمد بن زايد هزيمته الواضحة في السودان، رغم فشل مليشياته، وسقوط خططه، وتغير موازين القوى؟
لكن الجواب بسيط: هذه سنة الطغاة، فهم لا يبصرون إلا وهج نارهم، ولا يسمعون إلا صدى أصواتهم.
قال الله تعالى:
> “سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأملي لهم إن كيدي متين”
(الأعراف: 182-183)
فرعون، مع كل ما أوتي من قوة، رأى بعينيه البحر ينشق لسيدنا موسى ومن معه، ولم يمنعه ذلك من الإقدام على دخول البحر خلفهم، وهو يظن أنه سينتصر!
أي عقل هذا الذي لا يدرك أن من يشق البحر بعصاه لن يُهزم؟
قال تعالى:
> “فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم. وأضل فرعون قومه وما هدى”
(طه: 78-79)
هتلر، أحرق أوروبا بناره، ورغم انكساراته المتتالية، ظل يحشد الجنود ويؤمن بالنصر حتى آخر لحظة، فكانت نهايته في قبو معزول وهو يبتلع السم.
جنكيز خان، رغم انتصاراته المدوية، قاده طغيانه إلى بطش لا حدود له، فتحول اسمه من رمز قوة إلى لعنة على الشعوب، وانهارت إمبراطوريته بعد موته بسنوات.
قال تعالى:
> “حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون”
(الأنعام: 44)
الحجاج بن يوسف الثقفي، أشهر ولاة بني أمية، سفك الدماء، وأرهق العباد، حتى صار اسمه مرادفًا للبطش والظلم. ظن أن جبروته سيخلّد مُلك الأمويين، فإذا بهم يسقطون بعده بزمن وجيز، وتتبخر دولتهم التي بنيت على السيف لا العدل.
قال ابن خلدون:
> “الظلم مؤذن بخراب العمران.”
وهكذا، فإن محمد بن زايد ليس استثناءً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة الطغاة الذين أعماهم الكبرياء، وأغرتهم القوة الزائلة.
لا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ويظنون أن عجلة الزمن ستتوقف لهم، لكنها تمضي، وتسحقهم كما سحقت من قبلهم.
سنة الله التي لا تتبدل
هذه السنن ليست عبثًا، بل هي وعد رباني لا يتبدل:
> “فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها، وبئر معطلة وقصر مشيد”
(الحج: 45)
خاتمة:
الطغاة مشروع جثث مؤجلة
الذين لا يتعلمون من التاريخ، محكوم عليهم أن يكرروه.
وكل طاغية هو مشروع جثة مؤجلة، يمشي نحو قبره مختالاً، بينما تحفر سنن الله العادلة مصيره بأناة وصبر.
إنها سنة.. فالطغاة يُعتم عليهم حتى يأتيهم اليقين.
وهم لا يستيقظون إلا بعد فوات الأوان، حين لا يُجدي ندم، ولا يُنفع نداء.
بقلم وليد محمدالمبارك احمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يكشف عن أعمال ينبغي فعلها فى هذا الزمن المليء بالفتن .. تعرّف عليها
نشر الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عبر صفحته على فيسبوك منشورًا جديدًا قال فيه:
إن الله سبحانه وتعالى منَّ علينا بأن أرسل إلى هذه الأمة رسولَنا الكريم، وذلك استجابةً لدعاء إبراهيم عليه السلام:
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
ويقول ربنا: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ}
أي استجابةً لدعوة إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان القواعد من البيت -
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى كلّفنا بثلاثة تكاليف ربانية:
التكليف الأول: الذِّكر
قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
(لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله عز وجل).
وها نحن، كلما قرأنا القرآن، نؤوَل إلى الذكر،
فهلّا انخلعتَ من نسيانك وغفلتك، ودخلتَ في دائرة الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات،
حتى يُخفف الله عنك - أو عن الأمة بك - هذا البلاء؟
التكليف الثاني: الشكر
قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.
ألا تستخدم النعم التي أنعم الله بها عليك في معصيته.
تُبْ إلى الله واستغفره في اليوم مرات؛ فإن سيد الخلق ﷺ يُعلّمنا -وهو من غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر-: "واللّهِ إني لأستغفرُ اللّهَ وأتوبُ إليه في اليوم أكثرَ من سبعينَ مرَّة".
التكليف الثالث: الصبر والصلاة
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وكان رسول الله ﷺ إذا حزبه -أي ضايقه وأهمه- أمرٌ، صلّى.
ويقول: "يا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا".. كان يجد راحته في مناجاة ربه.
ونوّه أنه في زمن البلاء: إذا ضاق صدرك مما تشاهد أو تسمع، فافزع إلى الصلاة.. ادخل فيها.. ناج ربك والجأ إليه.
أعتقد العقيدة الصحيحة في هذه الدنيا؛ أنها فانية وزائلة، ولا تساوي عند الله جناح بعوضة.
وكشف جمعة عن برنامج عمل وقال: عودوا إلى ذكر ربكم بقلوبكم قبل ألسنتكم، وعودوا إلى الصلاة بخشوعها، وعودوا إلى الصبر الذي تُنكرون به المنكر بقلوبكم وألسنتكم وأفعالكم.
إننا في محنة عظيمة وفتنة كبيرة، وقد أخبر عنها رسول الله ﷺ بقوله: "فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا".