توماس فريدمان: مستقبل إسرائيل كدولة طبيعية مهدد بين الأمم
تاريخ النشر: 9th, May 2025 GMT
في مقال تحليلي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، وجّه الكاتب والمحلل السياسي توماس فريدمان رسالة مباشرة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محذرا فيها من خطورة السياسات التي تتبعها حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي وصفها بأنها لم تعد تتصرف كحليف موثوق للولايات المتحدة.
واستهل فريدمان رسالته بالإشارة إلى دعم بعض سياسات ترامب خلال ولايته الثانية، باستثناء مقارباته المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، معبّرا عن ارتياحه لقرار الرئيس بعدم لقاء نتنياهو خلال زيارته المرتقبة للمنطقة، حيث اعتبر ذلك مؤشراً على إدراك متنامٍ لحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعمل ضد المصالح الحيوية لأمريكا في المنطقة.
ويؤكد فريدمان أن نتنياهو أخطأ التقدير حين ظن أنه يستطيع التلاعب بترامب كما فعل مع رؤساء أمريكيين سابقين، ويثني على الرئيس لقيامه بإشارات واضحة في مفاوضاته مع قوى إقليمية مثل حماس وإيران والحوثيين، بأنه لا يخضع لأي إملاءات من نتنياهو، ما دفع الأخير إلى حالة من الذعر السياسي.
ويضيف أن الشعبين الأمريكي والإسرائيلي يحتفظان بروابط تاريخية وثقافية عميقة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي يتزعمها ائتلاف يميني متطرف ذي نزعة قومية٬ لم تعد تضع تحقيق السلام مع العرب في سلم أولوياتها، بل تركز على ضم الضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين من غزة، وإعادة بناء المستوطنات فيها، وهي سياسات يرى فريدمان أنها تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة وتُقوّض النظام الأمني الإقليمي الذي بنته الولايات المتحدة على مدار عقود.
ويعود فريدمان إلى جذور هذا التحالف الأميركي-العربي-الإسرائيلي، فيُذكّر بأن أساسه وُضع بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 من قبل إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر، اللذين نجحا في إبعاد الاتحاد السوفيتي وتعزيز الهيمنة الأمريكية في المنطقة من خلال دبلوماسية معقدة أفضت إلى اتفاقيات فك الاشتباك ثم معاهدة كامب ديفيد، ما مهّد لاحقاً لاتفاقيات أوسلو، وترسيخ منظومة أمنية شرق أوسطية تخدم المصالح الأمريكية.
إلا أن فريدمان يرى أن هذا البناء الاستراتيجي القائم على الالتزام بحل الدولتين، مقابل اعتراف فلسطيني بدولة الاحتلال الإسرائيلي ونزع سلاح الدولة الفلسطينية المستقبلية، يتعرض الآن للانهيار بسبب سياسات حكومة نتنياهو. فمنذ عودته إلى السلطة في أواخر عام 2022، جعل نتنياهو من ضم الضفة الغربية أولوية، متجاهلاً الجهود الأمريكية الرامية إلى الحفاظ على استقرار المنطقة.
ويشير الكاتب إلى أن إدارة الرئيس السابق جو بايدن سعت على مدار عام لإقناع نتنياهو بقبول فتح حوار مع السلطة الفلسطينية حول تسوية سياسية مستقبلية، وهو شرط سعودي لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، كان من الممكن أن يفضي إلى تحالف إقليمي جديد يوازن نفوذ إيران ويحد من التغلغل الصيني، ويُترجم بمعاهدة أمنية بين واشنطن والرياض.
لكن نتنياهو رفض هذا المسار تحت ضغط حلفائه من المتطرفين اليهود في حكومته، والذين هددوا بإسقاطه في حال التنازل. كما أن نتنياهو، الغارق في قضايا فساد ومهدد بالسجن، متمسك بمنصبه لحماية نفسه من الملاحقة القضائية.
ويقول فريدمان إن نتنياهو بهذا السلوك لا يخدم لا الاحتلال الإسرائيلي ولا الولايات المتحدة، بل يقدّم مصالحه الشخصية على المصلحة الوطنية للطرفين.
ويتابع الكاتب أن التطبيع بين السعودية والاحتلال لو تم، لفتح الأبواب أمام تعاون اقتصادي وثقافي غير مسبوق بين إسرائيل والعالم الإسلامي، ولأسهم في تخفيف التوتر الديني على المستوى الدولي، وعزز الدور الأمريكي الإقليمي لعقود قادمة.
غير أن محاولات نتنياهو، على مدار عامين، لخداع الجميع أفشلت هذا المسار، وأجبرت الأمريكيين والسعوديين على استبعاده من أي اتفاق، ما اعتبره فريدمان خسارة مؤسفة لإسرائيل والشعب اليهودي على حد سواء.
ويستشهد فريدمان بتقرير لوكالة "رويترز" أشار إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تشترط تطبيع العلاقات بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي للمضي في اتفاقات التعاون النووي المدني مع الرياض، في دلالة على تغير المقاربة الأمريكية.
ومما يزيد الطين بلة، بحسب فريدمان، أن نتنياهو يستعد لشن هجوم عسكري واسع على قطاع غزة، في خطة ترمي إلى حشر سكان القطاع في مساحة ضيقة جداً بين البحر والحدود المصرية، بالتزامن مع تسريع ضم الضفة الغربية.
ويحذر الكاتب من أن هذه الحملة قد تقود إلى مزيد من اتهامات جرائم الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في ظل التوقعات باستخدام الجيش الإسرائيلي لقوة مفرطة قد تدمر ما تبقى من البنية التحتية المدنية، وتؤدي إلى موجات نزوح ومجاعات، بما يعرّض قادة إسرائيل للملاحقة القانونية، وعلى رأسهم رئيس الأركان إيال زامير.
ويضيف أن تداعيات هذه السياسات قد تمتد إلى خارج حدود فلسطين، مهددة استقرار دول حليفة لأميركا مثل الأردن ومصر، اللتين تخشيان من أن تؤدي سياسات نتنياهو إلى تهجير الفلسطينيين باتجاه أراضيهما، ما قد يشعل اضطرابات إقليمية خطيرة.
وينقل فريدمان عن هانز ويكسل، المستشار السياسي السابق للقيادة المركزية الأميركية، قوله إن "اليأس الفلسطيني المتزايد يُضعف الرغبة الإقليمية في المضي قدماً في مشروع التكامل الأمني بين واشنطن والعرب وإسرائيل، وهو المشروع الذي كان يمكن أن يمنح الولايات المتحدة مزايا استراتيجية طويلة الأمد دون الحاجة لوجود عسكري كبير".
ويختتم فريدمان مقاله بنداء موجه لترامب يحثه فيه على الإصغاء لحدسه المستقل، محذراً من أن مستقبل إسرائيل كدولة طبيعية بين الأمم مهدد، مشيراً إلى أن أحفاده اليهود قد ينشؤون في دولة منبوذة دولياً، إن استمرت السياسات الحالية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية فريدمان ترامب نتنياهو الضفة غزة غزة نتنياهو الضفة فريدمان ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تدين جريمة اغتيال إسرائيل 6 صحفيين بغزة
أدانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي 6 صحفيين فلسطينيين بينهم مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع بقصف خيمتهم بمدينة غزة، واعتبرت ذلك "انتهاكا صارخا للقانون الإنساني الدولي".
وفي إدانتها لمجزرة قتل الصحفيين، قالت المفوضية الأممية عبر منصة إكس: "يجب على إسرائيل احترام وحماية جميع المدنيين في قطاع غزة، بمن فيهم الصحفيون".
وأضافت أنها "تدين مقتل 6 صحفيين فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي باستهداف خيمتهم، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي".
كما دعت إلى إتاحة وصول فوري وآمن ودون عوائق لجميع الصحفيين من وسائل الإعلامية العالمية إلى قطاع غزة الذي يواجه حربا إسرائيلية شرسة منذ 22 شهرا.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأممية لحقوق الإنسان إن على إسرائيل احترام الصحفيين وحمايتهم وليس استهدافهم.
وأضاف المتحدث للجزيرة أن استهداف الصحفيين يثير القلق من نيات إسرائيل، وفق تعبيره.
جريمة اغتيال غادرة
وغيبت صواريخ طائرة مسيرة إسرائيلية -مساء أمس الأحد- الصحفي الفلسطيني مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف أيقونة التغطية الإعلامية للحرب على قطاع غزة رفقة مراسل القناة الآخر محمد قريقع و3 من طاقم التصوير، بعد استهداف مباشر لخيمتهم المقامة أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة.
وتأتي جريمة الاحتلال الإسرائيلي بعد عملية تهديد وتحريض مركزة شنّها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ضد الصحفي الشريف، امتدت على مدى أشهر طويلة.
وفي وقت سابق اليوم، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة وفاة الصحفي محمد الخالدي متأثرا بجراح أصيب بها إثر قصف إسرائيلي استهدف خيمة الصحفيين بمحيط مستشفى الشفاء مساء الأحد.
وبجريمة الاحتلال الجديدة، ارتفع عدد الشهداء من الصحفيين إلى 238 منذ بداية حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
إعلانومنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية لم يتوقف الشريف وقريقع عن نقل الأحداث وتطورات وتداعيات القصف المتواصل على القطاع على مدار 22 شهرا.
ونعت الهيئات والأطر الصحفية الفلسطينية والدولية طاقم قناة الجزيرة الذي ارتقى الليلة الماضية، وأكدت أن الجريمة تأتي في إطار المحاولات الإسرائيلية المتواصلة لتغييب الصوت والصورة، والاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة بعيدا عن عدسات الكاميرات، كما اعتبرتها استهدافا مباشرا لحرية التعبير.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة الإسرائيلية 61 ألفا و430 شهيدا و153 ألفا و213 مصابا، إضافة إلى آلاف المفقودين ومئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.