لندن- استطاعت بريطانيا إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإبرام أول اتفاق تجاري توقعه إدارته منذ فرضها رسوما جمركية على وارداتها العالمية، وفي الوقت الذي لم يُكشف بعد عن تفاصيل الاتفاق يخشى البريطانيون من الثمن الاقتصادي والسياسي الذي ستسدده حكومة بلادهم لقاء عقد تلك الصفقة.

وتقدمت بريطانيا صفوف الدول الساعية إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة لتخفيف أعباء الحرب التجارية التي فجّرها ترامب، حيث تمكن المفاوضون البريطانيون من انتزاع إعفاء كامل من الرسوم الجمركية على قطاع الصلب، وخفض التعريفات الجمركية على قطاع السيارات من 27.

5 إلى 10% فقط.

وانعكس إعلان الاتفاق مباشرة على مؤشرات أسواق التداول الأميركية والأوروبية التي قابلت الاتفاق بارتياح، خاصة مع إعلان ترامب بدء مفاوضات تجارية جديدة مع الصين.

ووصفت صحيفة فايننشال تايمز الاتفاق بأنه إشارة مطمئنة للمستثمرين بشأن جدية الرئيس الأميركي في التفاوض مع الدول الراغبة في تخفيف الرسوم الجمركية الأميركية.

الرسوم مستمرة والسياسات الحمائية باقية

ورغم هذا التقدم فإنه يبدو أن الرئيس الأميركي لا ينوي التخلي عن سياساته الحمائية، إذ فشلت حكومة حزب العمال البريطانية في إقناع المسؤولين الأميركيين بإلغاء التعريفات الجمركية على باقي الواردات البريطانية، والتي بلغت نسبتها 10%.

إعلان

وأكدت الحكومة البريطانية أنها ستواصل التفاوض مع الولايات المتحدة لخفض الرسوم على "القطاعات ذات الأهمية"، في إشارة إلى أن الإعفاءات الحالية لا تمثل سوى خطوة جزئية ضمن طموح أوسع.

صناعة الصلب البريطانية تستعيد أنفاسها بعد الإعفاء من الرسوم الأميركية (شترستوك)

ورأت صحيفة فايننشال تايمز أن الاحتفاء الأميركي بما توصف بـ"العلاقات الخاصة" مع بريطانيا لم يُترجم إلى إعفاء واسع من الرسوم الجمركية، مما يعكس تمسك إدارة ترامب بسياسات حمائية مفروضة لتبقى، وإن كانت تتيح هامشا تفاوضيا ضيقا.

كما يبقى الاتفاق دون طموح بريطانيا منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، والذي كانت تأمل أن يعوضه اتفاق شامل للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة يعيد إلى الاقتصاد البريطاني بعض امتيازاته التي خسرها في السوق الأوروبية.

انتقادات داخلية وخشية من المقابل

بدوره، قال وزير التجارة البريطاني جوناثان رينولدز إن إبرام الاتفاق مع الولايات المتحدة كان مهمة مستعجلة لحكومته من أجل الحفاظ على آلاف الوظائف التي أصبحت مهددة بفعل الرسوم الجمركية الأميركية.

لكن الخطوة لم تمر دون انتقادات من داخل بريطانيا، فقد قالت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك إن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يستعجل فقط التوقيع على الاتفاقيات، دون أن يكون معنيا بالتفاوض الجيد على تفاصيلها.

وشددت بادينوك على أن حزبها رفض تقديم التنازلات التي قبل بها ستارمر من أجل إبرام اتفاق تجارة حرة مع واشنطن خلال وجوده في السلطة.

كما أعاد توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة الجدل بشأن المقابل السياسي والاقتصادي الذي قدمته الحكومة البريطانية للحصول على هذه الإعفاءات الضريبية، خاصة في ظل استعجال رئيس الوزراء البريطاني توقيع الاتفاق لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية.

وطالب زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي إدوارد دوناثان بعرض تفاصيل الاتفاق كاملة على البرلمان البريطاني وإخضاعها للمناقشة والتصويت قبل دخوله حيز التنفيذ.

تنازلات زراعية وتقنية

في المقابل، منحت الحكومة البريطانية المزارعين الأميركيين حق الوصول إلى الأسواق البريطانية من خلال خفض التعرفة الجمركية على منتجاتهم، وسط مخاوف متزايدة من تغيير المعايير الغذائية الصارمة التي لطالما تمسكت بها بريطانيا، ولا سيما فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية المستوردة.

إعلان

كما وافقت على رفع الرسوم الجمركية عن 1.4 مليار لتر من الإيثانول الأميركي، في خطوة أثارت جدلا بشأن الأثر البيئي والصناعي.

وإلى جانب ذلك، تعهدت بريطانيا بالتفاوض مع شركات التكنولوجيا الأميركية بشأن ضريبة الخدمات الرقمية التي يطالب المفاوضون الأميركيون بإلغائها.

وفي حين ترى واشنطن أن الضريبة تمثل عبئا على شركاتها العملاقة يحذر بعض المسؤولين البريطانيين من انعكاسات خطوة مماثلة على الموارد الضريبية للبلاد، وعلى سيادتها الرقمية وقدرتها على مراقبة هذه الشركات النشطة بقوة في السوق البريطاني.

وفد بريطاني يتفاوض تحت ضغط الحاجة الاقتصادية وبحثا عن مكاسب سياسية (الفرنسية) مكسب اقتصادي دون رؤية متكاملة

من جانبه، يرى توماس سامبسون أستاذ التجارة الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (إل إس إي) أن الحكومة البريطانية حققت اختراقا مهما عبر تأمين هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة، واستطاعت أن تمنع خسائر كارثية على قطاعات بالغة الأهمية للاقتصاد البريطاني، مثل الصلب وصناعة السيارات.

لكن سامبسون اعتبر في حديث للجزيرة نت أن الحكومة البريطانية رغم اندفاعها لتوقيع عدد من الاتفاقيات التجارية من أجل تحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز النمو فإنها لا تملك رؤية شاملة ومتكاملة للسياسة التجارية التي تعتزم تبنيها.

وأضاف أن بريطانيا تعقد تلك الاتفاقات تحت ضغط الحاجة والضرورة، لا في إطار خطة طويلة الأجل تعيد تأهيل البلاد كسوق جاذبة للاستثمار.

وتابع سامبسون أن بريطانيا -بلغة الأرقام- لا تعد سوى شريك تجاري هامشي بالنسبة للولايات المتحدة التي تسعى عبر الاتفاق التجاري مع لندن إلى فتح باب لصفقات أهم ترغب في عقدها مع قوى اقتصادية كبرى تحتل أولوياتها، مثل الصين والاتحاد الأوروبي.

شراكة تقليدية في عهد جديد

وتعد الولايات المتحدة أحد أهم الشركاء الإستراتيجيين لبريطانيا، حيث تجمع بينهما علاقات تاريخية ممتدة في مجالات الدفاع والسياسة والاقتصاد.

إعلان

لكن هذه العلاقات دخلت منعطفا جديدا منذ وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، حيث بدا أكثر استعدادا للتخلي عن التزامات بلاده داخل حلف شمال الأطلسي الذي تعد بريطانيا أحد أبرز أعمدته.

ويعمل ترامب على الدفع نحو توقيع اتفاق مع روسيا ينهي الحرب في أوكرانيا رغم المخاوف البريطانية من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الأمن القومي الأوروبي.

وقبل أسابيع وخلال زيارته الأولى إلى البيت الأبيض حاول رئيس الوزراء البريطاني إدارة علاقته مع ترامب بحذر شديد، مؤكدا مرارا أنه لا ينوي المفاضلة بين الصلات التاريخية مع الحليف الأميركي والشراكة مع الجيران الأوروبيين الذين يسعى إلى إعادة رص الصفوف معهم تحسبا لأي انسحاب أميركي من التحالف الغربي.

ويرى دافيد هانيغ مدير برنامج السياسات التجارية البريطانية في المعهد الأوروبي للاقتصاد السياسي (إي سي آي بي إي) أن النجاح الذي حققته بريطانيا عبر انتزاع اتفاق مبكر مع الولايات المتحدة لا ينبغي أن يخفي هشاشة تلك العلاقة، خاصة في ظل قدرة ترامب على تغيير مواقفه وسلوكياته السياسية في أي لحظة.

ويصر الباحث على أن "عقيدة ترامب التجارية" شأنها شأن عقيدته السياسية تقوم على منطق "الصفقة والربح اللحظي" دون أي التزام حقيقي بشراكات إستراتيجية طويلة الأمد حتى مع الحلفاء التقليديين مثل لندن.

لكنه -في المقابل- يرى أن الواقعية السياسية والاقتصادية تفرض دعم النهج الذي يتبعه ستارمر عبر توقيع اتفاقيات مع الولايات المتحدة أو الهند أو شركاء آخرين، للمساعدة في تخفيف الأعباء عن الاقتصاد البريطاني، دون انتظار نضوج اللحظة الجيوسياسية المثالية لإبرام صفقات كبرى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مع الولایات المتحدة الحکومة البریطانیة الرسوم الجمرکیة الجمرکیة على اتفاق مع

إقرأ أيضاً:

أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين

أعلنت الولايات المتحدة إنهاء الوضع القانوني المؤقت للمواطنين الإثيوبيين المقيمين على أراضيها، في خطوة جديدة ضمن حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب لتشديد القيود على الهجرة القانونية وغير القانونية.

وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية كريستي نويم، في إشعار نشر في السجل الفيدرالي الجمعة، إن إثيوبيا «لم تعد تستوفي الشروط اللازمة» للاستفادة من برنامج الحماية المؤقتة، وذلك بعد مراجعة الأوضاع في البلاد والتشاور مع الجهات الحكومية المعنية.

ويمنح وضع الحماية المؤقتة للأشخاص القادمين من دول تشهد كوارث طبيعية أو نزاعات مسلحة أو ظروفًا استثنائية، ويتيح لهم الحصول على تصاريح عمل وحماية مؤقتة من الترحيل.

إلغاء برنامج بايدن

وكان البرنامج قد أنشئ عام 1991، وشهد توسعًا كبيرًا خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، التي مددت الحماية لنحو 600 ألف فنزويلي وأكثر من 521 ألف هايتي. إلا أن وزيرة الأمن الداخلي ألغت هذه التمديدات في فبراير الماضي، معتبرة أنها «لم تعد مبررة».

وخلال الأشهر الأخيرة، رفعت إدارة ترامب الحماية المؤقتة عن مواطنين من عدة دول، من بينها هايتي وميانمار وجنوب السودان وسوريا وفنزويلا، كما أعلن الرئيس في نوفمبر الماضي إنهاء الحماية الممنوحة للصوماليين في ولاية مينيسوتا.

ويجعل ترامب من تشديد الرقابة على الهجرة محورًا رئيسيًا في ولايته الرئاسية الثانية، حيث ينظر إلى إلغاء برامج الحماية المؤقتة على أنه دعم لخطته الرامية إلى ترحيل ملايين المهاجرين. وقد قوبلت هذه القرارات بطعون قانونية أمام المحاكم.

وفي هذا السياق، سمحت المحكمة العليا الأمريكية في أكتوبر الماضي للإدارة بالمضي قدمًا في إلغاء وضع الحماية المؤقتة لمئات الآلاف من الفنزويليين، بعد تعليق حكم قضائي سابق كان قد اعتبر أن وزيرة الأمن الداخلي لا تملك صلاحية إنهاء البرنامج أثناء نظر الدعاوى القضائية.

كما أعلنت وزارة الأمن الداخلي، في إشعار منفصل، أنها لم تعد تعالج القضايا القديمة ضمن برنامج لمّ شمل العائلات الكوبية والهايتية، وهو برنامج يسهّل على المواطنين الأمريكيين والمقيمين الدائمين إحضار أفراد عائلاتهم إلى الولايات المتحدة.

طباعة شارك واشنطن إثيوبيا بايدن ترامب هجرة

مقالات مشابهة

  • مجموعة أممية تطالب بالإفراج عن ناقلة النفط التي احتجزتها الولايات المتحدة في الكاريبي
  • أرحلوا حالًا… الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة والمكسيك لتقاسم المياه بعد تهديد ترامب
  • أرحلوا حالًا... الولايات المتحدة تنهي الوضع القانوني المؤقت للإثيوبيين
  • كوسوفو تعلن بدء استقبال المرحلين من الولايات المتحدة
  • غزة.. كواليس دخول خطة ترامب المرحلة الثانية خلال أسابيع
  • الولايات المتحدة تعتزم تفتيش حسابات التواصل الاجتماعي للراغبين بدخولها
  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • المستشار الألماني: أوكرانيا سلمت الولايات المتحدة مقترحًا لخطة السلام
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟