د. كلثوم لغدايش **

 

يتّسم التعاون الاقتصادي بين الصين والمغرب بالدينامية والحداثة المتسارعة. واليوم تسير الصين والمغرب في مسارٍ متقارب نحو ترقية العلاقات الثنائية من مستوى دبلوماسي إلى شراكة استراتيجية، وذلك بعد توقيع عدد من الاتفاقيات المهمة خلال الزيارات الرسمية التي قام بها العاهل المغربي للصين في ماي 2016، وقد شملت هذه الاتفاقيات إحداث منطقة صناعية، وتعزيز التعاون في مجالات الاستثمار، المالية، والنقل السككي، الجيولوجيا والمعادن، الهيدروكربونات والطاقة، السياحة وغيرها، والتي ستساهم في سد الفجوة الاقتصادية بين البلدين.

ورغم أهميتها الكبرى، إلا أن هذه الشراكة الاستراتيجية جاءت متأخرة نوعا ما، نظرا إلى أن العلاقات المغربية الصينية كانت قائمة منذ عام 1958، وكان المغرب ثاني بلد إفريقي وعربي يعترف بجمهورية الصين الشعبية، في خضم الحرب الباردة، لكنها بقيت محدودة التأثير على المستويين الإقليمي والدولي، بخلاف علاقات الصين مع دول عربية أخرى كجمهورية مصر التي عرفت انفتاحا شاملا على الصين. وفي وقت مبكر شمل التبادل الثقافي، والمنح الدراسية، وتبادل الوفود… بالتالي شكل البعد الجغرافي الكبير بين البلدين عائقًا طبيعياً أمام نشوء علاقات قوية ومباشرة، كما ساهمت الحرب الباردة في تعميق الفجوة السياسية والإيديولوجية بين البلدين، حيث كان المغرب أقرب إلى المعسكر الغربي (فرنسا، أمريكا)، في حين كانت الصين ضمن المعسكر الشيوعي. هذا التناقض الإيديولوجي ساهم في إبطاء تطور العلاقات المغربية-الصينية، وجعلها تقتصر لسنوات طويلة على مجرد تمثيل دبلوماسي دون تفعيل فعلي على أرض الواقع. غير أن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيًا، لتشهد العلاقات بين البلدين تطورا مفاجئا وسريعا بعد أن وسّعت الصين في السنوات الاخيرة من رؤيتها الاستراتيجية لتشمل شمال إفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق سنة 2013 والمعروفة أيضا بطريق الحرير الجديد في تعزيز هذا التحول، رغم أن تركيزها الأولي كان منصبًا على الدول الآسيوية. وقد انخرط المغرب رسميا في المبادرة سنة 2017، بعد أربع سنوات من إطلاقها، وذلك بعد اتباعه نهجًا استراتيجيًا قائمًا على المراقبة الدقيقة لتطور المبادرة وتقييم أهدافها بعيدة المدى ومنافعها الفعلية. ثم تعزز هذا الانخراط في يناير 2022، حين وقّع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وهي اتفاقية تحدد سُبل التعاون العملي والمجالات ذات الأولوية بين البلدين في إطار المبادرة. وقد انعكست هذه الدينامية الجديدة على مستوى الشراكة الاقتصادية، إذ أصبحت الصين في سنة 2022 ثالث شريك اقتصادي للمغرب بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. أما في سنة 2023، فقد احتل المغرب المرتبة الثالثة ضمن أكثر الدول الإفريقية جذبًا للاستثمارات الصينية، بعد كل من مصر وجنوب إفريقيا. هذا التسارع في وتيرة التعاون المغربي الصيني تم خلال فترة زمنية قصيرة، وبإيقاع لم تعرفه حتى بعض الدول التي تربطها بالصين علاقات ممتدة منذ عقود. ويُعزى ذلك إلى الدور المحوري الذي أصبح المغرب يلعبه في إنجاح هذه المبادرة العملاقة على مستوى القارة الإفريقية، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل الجديدة التي أعادت تشكيل العلاقة الثنائية. فقد نجح المغرب في جذب اهتمام الصين بفضل مجموعة من المعطيات الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية، جعلت منه شريكًا محوريًا لها في شمال إفريقيا، ومن أبرز هذه العوامل: 1. الاستقرار السياسي الذي يتمتع به المغرب في المنطقة، والذي جعله شريكًا موثوقًا ويشجع على إقامة مشاريع طويلة الأمد في المملكة. 2. السياسة الخارجية المتوازنة للمغرب تفتح المجال للتعاون مع القوى الكبرى دون انحياز، والانفتاح على تنويع شركائه الاقتصاديين والدبلوماسيين، في إطار سياسة متعددة الأقطاب، بالاضافة لتشارك الصين والمغرب في عدد من الرؤى السياسية والاقتصادية: عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاهتمام بالاقتصاد الافريقي 3. الأهمية الاستراتيجية للموقع الجغرافي للمغرب؛ باعتباره بوابة محورية للصين نحو شمال وغرب إفريقيا، ونقطة عبور حيوية نحو السوق الأوروبية 4. امتلاك المغرب بنية تحتية متطورة تشمل موانئ حديثة، وشبكة طرق وسكك حديدية متقدمة، إضافة إلى مدن صناعية ذكية، وهو ما يعزز مكانتها كحلقة وصل استراتيجية في سلاسل التوريد بين القارتين الإفريقية والأوروبية. 5. توفر المغرب على أكبر احتياطات الفوسفات في العالم، إلى جانب موارد معدنية استراتيجية تدخل في صلب الصناعات التكنولوجية المتقدمة، لا سيما تلك المرتبطة بصناعة البطاريات والطاقات المتجددة 6. التواجد القوي للمغرب في القارة الإفريقية، ومساهمته الراسخة في تطوير اقتصادات الدول الإفريقية، وهو ما يتجلى في مبادراته الرائدة، وعلى رأسها المبادرة الأطلسية، التي تعكس التزامه الراسخ بتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي وبناء شراكات جنوب-جنوب مستدامة 7. المغرب "همزة وصل اقتصادية" يمكن للصين التعاون معها لتصدير منتجاتها الصناعية إلى أوروبا وأميركا الشمالية وقد بدأت ثمار هذه الشراكة تظهر اليوم، إذ أصبحت المملكة المغربية وجهة رئيسية للاستثمارات الصينية، خصوصًا في قطاعات البنية التحتية، والتكنولوجيا، إلى جانب إطلاق عدد من المشاريع التنموية والاستثمارية المشتركة وهي خطوة مهمة جدا بالنسبة للمغرب من أجل خلق مزيد من فرص العمل، وتطوير مهارات الموارد البشرية، والموازنة اعتمادها على اقتصاداتها ما بعد الاستعماري. وفي مارس 2024 خلال زيارته إلى المغرب، التقى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو وزير التجارة المغربي رياض مزور، وعرض الأخير إمكانات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي تعد وسيلة لتطوير المنتجات المغربية والصينية للأسواق الأفريقية الواعدة، وأشار وانغ إلى أن المملكة أصبحت وجهة مفضلة للشركات الصينية. باختصارٍ.. يتّضح أن المغرب والصين يسيران بخطى ثابتة نحو بناء شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. غير أن هذا التقارب يطرح تساؤلات جوهرية: هل سينجح المغرب في الحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق بين شراكته الجديدة مع الصين وعلاقاته التقليدية والراسخة مع المعسكر الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة؟ أم أن تنامي التعاون مع بكين قد يُلقي بظلاله على تحالفاته التاريخية؟ كما يبقى السؤال مطروحًا حول مدى تأثير التنافس الصيني الأمريكي على مستقبل العلاقات الصينية المغربية ومسار تطورها. ** باحثة وأستاذة جامعية مغربية مختصة باللغة الصنية والعلاقات العربية الصينية

 ** يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

 

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نواب يثمنون زيارة الرئيس السيسي لليونان: تعزز الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وأثينا

ثمن نواب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اليونان، منوهين لدورها في تعزيز الشراكة الاستراتيجية والعلاقات الثنائية بين البلدين.

برلماني: زيارة الرئيس لليونان تفتح أفاقا استثمارية واعدة للبلدينبحضور يمامة.. اللجنة النوعية للانتخابات بالوفد تناقش طلبات المرشحين للانتخابات البرلمانيةمقترح لتدريس مادة جديدة.. برلمانية توجه رسالة إلى وزير التعليمبعد تحرك البرلمان .. عقوبة تنفيذ رحلات الحج بالمخالفة

وأكد النواب أن هذه الزيارة تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون القائم على المصالح المتبادلة والتكامل الاقتصادي، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمار والأمن الإقليمي.

أحمد محسن: زيارة الرئيس لليونان محطة هامة في مسار العلاقات بين البلدين

قال النائب أحمد محسن عضو لجنة القيم بمجلس الشيوخ، إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة اليونانية أثينا تمثل محطة مهمة في مسار العلاقات المصرية اليونانية، وتأتي في إطار توجه مصري واضح نحو تعميق التعاون الإقليمي مع الشركاء المتوسطيين، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات متلاحقة تستدعي المزيد من التنسيق السياسي.

وأكد محسن في تصريح صحفي له اليوم، أن اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي بنظيره اليوناني يعكس مكانة مصر المحورية في ملفات الإقليم، ويؤكد الثقة المتبادلة بين الجانبين في ما يتعلق برؤية كل طرف للأمن والاستقرار في شرق المتوسط، مشيراً إلى أن اللقاء شهد مناقشة موسعة لقضايا ذات طابع ملحّ، يأتي على رأسها الوضع في قطاع غزة، والذي بات يمثل أزمة إنسانية وسياسية كبرى، تستوجب تحركاً مشتركاً لاحتوائها ومنع اتساع نطاقها الإقليمي.

وتابع عضو مجلس الشيوخ، إلى جانب مناقشة تطورات الساحة السورية والليبية واليمنية، وهي ملفات متشابكة ترتبط مباشرة بأمن المتوسط والملاحة في البحر الأحمر، ما يعزز أهمية التشاور المستمر بين القاهرة وأثينا.

وأضاف النائب أحمد محسن، أن الزيارة تأخذ أبعاداً أكثر عمقاً مع انطلاق أعمال مجلس التعاون رفيع المستوى بين مصر واليونان، حيث يتيح هذا الإطار المؤسسي توسيع نطاق التعاون ليشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة، في ضوء الإمكانات التي تمتلكها مصر كبوابة رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا، وكذلك ما تمثله اليونان من منفذ استراتيجي لهذا التوجه.

برلمانى : زيارة الرئيس السيسى لليونان ستكون ناجحة وستحقق جميع أهدافها

وأعرب النائب محمود قاسم عضو مجلس النواب عن ثقته التامة فى أن الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى الى اليونان سوف تكون ناجحة وستحقق جميع أهدافها والمزيد من التعاون والتنسيق والعمل المشترك بين القاهرة وأثينا فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية وغيرها مؤكداً أن علاقات مصر واليونان أصبحت علاقات استراتيجية وقائمة على التعاون المشترك وهناك تطابق حقيقى بين القاهرة وأثينا تجاه جميع القضايا الاقليمية والدولية.

وأكد " قاسم " فى بيان له أصدره اليوم أن التاريخ والواقع أكدا للعالم كله أن العلاقات المصرية اليونانية ترتكز على إرث حضاري وتاريخي ضارب في القدم، وامتدت في العصر الحديث لتصبح نموذجًا للتعاون السياسي والاقتصادي، وهو ما ظهر بوضوح من خلال التنسيق الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص، وكذلك عبر مشروعات الربط الكهربائي وتبادل المصالح في مجالات الطاقة والغاز موضحاً أن هذه الزيارة والتى تعد الخامسة للرئيس السيسى تحمل دلالات استراتيجية مهمة، خاصة في ظل التحولات الدولية الراهنة.

أبو هميلة: الزيارة تعزز الشراكة الاستراتيجية

وأكد اللواء محمد صلاح أبوهميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري بمجلس النواب، الأمين العام للحزب، أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى اليونان، تعزز الشراكة الاستراتيجية والعلاقات الثنائية بين القاهرة وأثينا خاصة أن هناك تقاربا شديدا وعلاقات قوية بين الدولتين خلال الأعوام الماضية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.

أوضح أبوهميلة، أن مصر واليونان تربطهما روابط تاريخية استراتيجية وعلاقات قوية، مشيرا إلى وجود تعاون كبير بين القاهرة وأثينا في كافة المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية في العديد من القطاعات مثل الطاقة والسياحة والاستثمار، مشيرا إلى عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى بين مصر واليونان خلال زيارة الرئيس السيسي لليونان، إضافة إلى توقيع البلدين على الإعلان المشترك بشأن الشراكة الاستراتيجية وتوقيع عدد من الاتفاقيات التي تعزز التعاون في كافة المجالات، مما يعكس الإرادة المشتركة للارتقاء بالعلاقات إلى مستويات أكثر عمقا واتساعا.

وأكد الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة اليونانية أثينا، تعكس حرص الدولة المصرية على ترسيخ علاقاتها مع شركائها الاستراتيجيين في منطقة شرق البحر المتوسط، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تمثل امتدادا للعلاقات العريقة التي تربط مصر باليونان، والتي تمتد جذورها إلى ما قبل الميلاد، وتؤكد على ثوابت السياسة الخارجية المصرية القائمة على الانفتاح والتعاون البناء.

وأوضح "محسب"، أنه من المقرر أن يترأس الرئيس السيسي الجانب المصري في الاجتماع الأول لمجلس التعاون رفيع المستوى مع الجانب اليوناني، الأمر الذي يعكس تطورا نوعيا في العلاقات الثنائية، ويؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة القائمة على المصالح المتبادلة والتكامل الاقتصادي، خاصة في مجالات الطاقة والتبادل التجاري والاستثمار.

طباعة شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي اليونان أحمد محسن الرئيس السيسي الثقة المتبادلة

مقالات مشابهة

  • القوات الجوية وشركة كاتيك الصينية تحتفلان بمرور 45 عامًا على التعاون المشترك
  • «المشاط»: ترفيع العلاقات المصرية الفرنسية إلى الشراكة الاستراتيجية خطوة محورية تجسد قوة العلاقات بين البلدين
  • الرئيسان السيسي وبوتين يؤكدان عمق الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا
  • التخطيط: الشراكة الاستراتيجية بين مصر واليونان نموذج مُتقدم للتعاون الثنائي
  • الشعب يرفض وصول المسيرات الصينية إلى الجنجويد ويعتبر الصين مسئولة عن ذلك
  • قمة السوداني - أردوغان.. دعم لغزة وسوريا وتسريع طريق التنمية وتعزيز الشراكة الاستراتيجية
  • مصر وفرنسا تعززان الشراكة الاستراتيجية بدعم الاستثمار والتعاون في مشروعات النقل والصناعة
  • الحكومة البريطانية تؤكد التزامها بإحراز تقدم في العلاقات وتعميق الشراكة مع المغرب
  • نواب يثمنون زيارة الرئيس السيسي لليونان: تعزز الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وأثينا