لجريدة عمان:
2025-06-25@11:29:34 GMT

الهويات الخليجية والأسئلة الحائرة

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

تناولنا في الجزء الأول من هذه المقالة الأسئلة الحائرة التي يثيرها واقع الهويات الاجتماعية في مجتمعات دول الخليج العربية، التي تنبعُ من عناصر الخطر المحدقة بها، سواء في اتصالها الثقافي، أو في بنية المجتمعات الديموغرافية وما تفرضه من تحولات في نمط نقل الهوية عبر الأجيال، أو في سياق بيئة العولمة الثقافية والاتصالية ككل وما تحدده من مسارات لنمو وتلاشي وضمور أو تطور تلك الهويات.

ويعنينا في هذا الجزء أن نستعرض السبل والممكنات التي يمكن من خلالها لهذه المجتمعات أن تحافظ على هوياتها في ظل مشهد عالمي يتسم بـ (هوياتٍ هشة fragile identities). سمة هذه الهويات في كونها معرضة بشكل مباشر للاستهداف المتعدد وغير المنضبط في فضاءات اتصالية وتربوية ومفاهيمية غير محدودة، وفي المقابل يتم استدعاء بعض عناصر هذه الهويات وتوظيفها أيديولوجيًا في سياق صراعات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

إن من السبل الممكنة لحفظ واستدامة الهويات في هذه المجتمعات هو إدماجها في الدورة الاقتصادية؛ فمع إمكانيات الإنتاج وخطط التوسع والتنوع الاقتصادي التي تقودها هذه الدول، يشكل تنشيط الاقتصاد الثقافي فرصة كبيرة على مستوى تنوع الاقتصاد، ويحقق في الآن ذاته وظيفة اجتماعية من خلال المساهمة في حفظ بعض عناصر الهوية واستدامتها وجعلها حاضرة في الوجدان الاجتماعي. إن المنتجات من السلع والخدمات التي تخدم من عناصر ثقافية (مادية / غير مادية) محلية بما في ذلك الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والترفيه الرقمي والسياحة القائمة على الإرث المحلي والمزارات التاريخية والمصنوعات الحرفية المحلية والأطعمة وأنماط اللباس التي يمكن أن تتحول لعلامات تجارية، وحتى أدوات الزينة وسواها التي تنتج وتخدم من العناصر المحلية ترسخ هذه الهويات بشكل مباشر وغير مباشر، ويزداد دورها في ترسيخ تلك الهويات كلما غدت قادرة على عبور الأسواق المحلية إلى الإقليمية والعالمية، ومنها يتشكل ارتباطها بعناصر الفخر والحضور والرمزية الاجتماعية والهوياتية، وفي المقابل تصبح داعمة لرحلة تنوع الاقتصادات؛ فالاقتصاد الثقافي بحسب التقديرات يسهم اليوم بأكثر من 4% من حجم الاقتصاد العالمي، ويسهم في الآن ذاته في توظيف نحو 7% من القوى العاملة العالمية، وهو ما يشكل منفعة اقتصادية واجتماعية في الآن ذاته.

ويعتبر الحضور الرقمي للهوية سبيلًا رئيسيًا لتعزيزها في عالمنا المعاصر، في ظل مجتمعات تتواصل رقميًا، وتنشط معرفيًا وفكريًا بشكل رقمي، وتتبادل الأفكار والقيم والاتجاهات وفق أدوات رقمية. لا يزال حضور المنطقة في إنتاج المحتوى على شبكة المعلومات محدودًا جدًا، رغم معدلات الاستهلاك العالية للشبكة، ومعدلات النشاط العالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هنا يتوجب وضع استراتيجيات لتعزيز الحضور الخليجي في إنتاج المعرفة والمحتوى عمومًا في كل المجالات، والقادر على تسويق وتعزيز الهوية من ناحية، والعبور بها كقوة ناعمة لهذه المجتمعات من ناحية أخرى، فلو أخذنا على سبيل المثال المحتوى المرتبط بـ (الترفيه الرقمي)، وهو من أشكال المحتوى الأكثر استهلاكًا في منطقة الخليج العربي، حيث تشير التقارير إلى أن قيمته بلغت في المنطقة نحو 11.75 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بالوصول إلى 76.81 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 21.5%. لكن في المقابل ما نسبة المحتوى الخليجي في سياق هذا السوق المتكامل، الذي تستهلكه فئات عمرية واسعة، مع التركيز على الفئة العمرية الحرجة - اتصالًا بتعزيز الهوية - وهي فئة الشباب بين (15 - 39)، عوضًا عن شريحة الأطفال التي تتماس كذلك بشكل مباشر مع محددات التنشئة الأولى للهوية وتركيبها ضمن سياق التنشئة الاجتماعية. إن إنتاج محتوى رقمي متكامل في كافة المجالات، والاستفادة من فرص سوق الترفيه الرقمي تحديدًا في تعزيز حضور الهوية، وبث الرسائل المتصلة بها، وتجسيد الرمزيات النابعة منها، ومراعاة قيمها عبر هذه الأدوات يشكل سبيلًا يتواءم مع طبيعة المرحلة ومتغيراتها وطبيعة الفاعلين فيها.

يمكن كذلك تطوير بعض المبادرات المبتكرة والجزئية، فعلى سبيل المثال تطبق بعض الدول ما يُعرف بـ (البعثات المدنية Civil missions)، وذلك لأغراض التعرف وصيانة وتطوير التراث الثقافي المادي وغير المادي داخل محيط الدولة، ويمكن الاستفادة من مثل هذه التجربة في تطوير برامج مماثلة للطلبة من خريجي التعليم العام، أو الجامعات والكليات، حيث يمكن إشراكهم في رحلات استكشافية للتراث الثقافي المادي وغير المادي داخل الدولة، وتطوير مشروعات لصيانته والمحافظة عليه، أو تسويقه أو بناء المحتوى حوله. وهو ما يسهم في زيادة رقعة الاهتمام به كعنصر أصيل من عناصر الهوية. كل هذه سبل يعضدها أيضًا إعادة تصور الدور التقليدي للتعليم في نقل وترسيخ الهوية، وإنتاج محتوى إعلامي مبتكر ومقبول وجاذب لترسيخ الهوية وتصديرها، وتوسيع مناطق النقاش الجادة حول مستقبل الهوية، وألا يكون حوار الهويات حوارًا هامشيًا أو استعراضيًا تحويه معارض الكتب أو النوادي الثقافية أو الجلسات الفكرية البعيدة عن حياة الشارع وما يدور فيه، والاستفادة من بزوغ ما يُعرف بالاقتصاد الإبداعي ومنتجاته وتجاربه العالمية، والتي شكلت اليوم لبعض الدول أحد أهم مواردها الاستراتيجية.

وفي كل الأحوال فإن الحفاظ على الهوية يبقى ليس مجرد شعار وطني أو استحضار حضاري يترافق مع الخطط والاستراتيجيات والرؤى السياسية والتنموية، بل هو رأس مال استراتيجي رئيسي لا يمكن للتنمية أن تستديم إلا بحضوره، ولا يمكن أن تستقر المجتمعات وتحفظ اتصال أجيالها إلا به، ولا يمكن أن يتحقق التوازن الاجتماعي إلا بتحقيق شرطياته.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سبیل ا

إقرأ أيضاً:

هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي .. مرحلة جديدة لرفع كفاءة الإنفاق بتكامل واستدامة

نقلة نوعية في حوكمة المشاريع والمشتريات الحكومية للعمل بشأنها على نحو استراتيجي بناء على أولويات ومستهدفات «رؤية عُمان 2040»

السياسة الوطنية للمحتوى المحلي محطة محورية في مسيرة تمكينه

التأكيد على الدور كجهة مرجعية فنية ومركز امتياز لكل ما يعنى بتعزيز المحتوى المحلي وحوكمة المشاريع والمشتريات الحكومية والمناقصات والعقود الخاصة بها

«عمان»: في ظل ما يشهده الجهاز الإداري للدولة من تطوير شامل، وتماشيًا مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» الرامية إلى حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع يأتي تعديل مسمى الأمانة العامة لمجلس المناقصات إلى هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي للبناء على ما تحقق من إنجازات وضمان استدامتها من خلال استكمال العمل على إيجاد منظومة متكاملة لتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي المرتبط بالمشاريع والمشتريات الحكومية وتعزيز المحتوى المحلي في خطوة تعكس التحول الاستراتيجي في إدارة المشاريع والمشتريات الحكومية ويعزز من الدور في قيادة المنظومة المشار إليها، ويعكس هذا التعديل رؤية طموحة نحو بناء نموذج مؤسسي وطني متكامل يتعامل مع المشاريع والمشتريات الحكومية على أنها روافد استراتيجية للتنمية الاقتصادية، ويحول سياسات المحتوى المحلي من توجهات عامة إلى إجراءات مؤسسية قابلة للقياس والتتبع، حيث أحدث مشروع إعادة هيكلة الأمانة العامة لمجلس المناقصات نقلةً نوعية في حوكمة المشاريع والمشتريات الحكومية للعمل بشأنها على نحو استراتيجي بناء على أولويات ومستهدفات «رؤية عُمان 2040»، وذلك وفق أولوية حوكمة الجهاز الإداري للدولة والموارد والمشاريع وأولوية التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية وأولوية القطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي، وذلك وفقا للمرسوم السلطاني رقم ٣٢ / ٢٠٢٢ بتعديل بعض أحكام المرسوم السلطاني رقم ٨٤ / ٢٠٢٠ في شأن الأمانة العامة لمجلس المناقصات.

وجاء ذلك من خلال استحداث مكتب متابعة المشاريع ليتولى ضبط جودة المشاريع الحكومية وتقليل الأوامر التغييرية وضمان سرعة التنفيذ والالتزام بالموازنات المالية المعتمدة، بالإضافة إلى استحداث المديرية العامة للمشتريات الحكومية لإيجاد استراتيجيات لإدارة المشتريات المتكررة وفق اقتصاديات الكم لتحقيق أفضل خدمة وقيمة للسلع والخدمات للجهات المعنية، واستحداث المديرية العامة للمحتوى المحلي للعمل على تطوير الإجراءات التي تضمن تحقيق أعلى قيمة محلية مضافة من الإنفاق على المشاريع والمشتريات الحكومية، لتُشكل جميع هذه المديريات- بالإضافة إلى المديرية العامة للمناقصات- منظومة عمل متكاملة بهدف تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وإيجاد قيمة محلية مضافة من مشاريعها ومشترياتها.

وتلا ما تقدم، نقل الاختصاصات المتعلقة بمراجعة العقود من وزارة العدل والشؤون القانونية إلى الأمانة العامة لمجلس المناقصات وفقا للمرسوم السلطاني رقم ٧٣ / ٢٠٢٣ بإسناد الاختصاصات المتعلقة بمراجعة العقود إلى الأمانة العامة لمجلس المناقصات نقلا من وزارة العدل والشؤون القانونية، وذلك توحيدا للجهود والرأي الفني والقانوني المتعلق بعقود المشتريات والمشاريع الحكومية وضمان مواءمتها بما يحقق المصلحة العامة، ويرعى مصلحة الحكومة في هذه العقود بناء على السعي نحو تقليص الدورة المستندية للمشاريع والمشتريات والعمل على إنجازها في وقت قياسي بما يسهم في تحقيق «رؤية عُمان 2040».

كما تكللت المنظومة باعتماد السياسة الوطنية للمحتوى المحلي انطلاقا من الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيده الله -، التي تؤكد على أهمية المحتوى المحلي كركيزة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وذلك لدى تفضل جلالته برئاسة جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 9 يناير 2024م، لتتولى الأمانة العامة بناء على ما تقدم تنظيم ومتابعة المحتوى المحلي في جميع القطاعات على المستوى الوطني والعمل على نحو تكاملي وشمولي من خلال إيجاد مؤشرات وركائز وطنية وقطاعية محددة كاشفة لنسب المحتوى المحلي بما يتواءم مع «رؤية عُمان 2040»، وضمان تكامل البيانات، وتوحيد الأنظمة والممارسات واللوائح العامة المنظمة للمحتوى المحلي وفق الركائز ومؤشرات الأداء المحددة في السياسة الوطنية للمحتوى المحلي، التي تعد محطة محورية في مسيرة تمكين المحتوى المحلي.

وتتلخص أبرز اختصاصات الهيئة في اقتراح السياسات المتعلقة برفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعزيز المحتوى المحلي المرتبطين بالمشاريع والمشتريات الحكومية، والسياسات الوطنية والاستراتيجيات المتعلقة بتنمية المحتوى المحلي.، ووضع الخطط والبرامج والمبادرات ذات الصلة بتعزيز المحتوى المحلي في سلطنة عُمان، وتحديد مستهدفات المحتوى المحـلي في جميع القطاعات على المستوى الوطني، وإعداد أطر ومنهجيات لتعزيز كفاءة تخطيط وتنفيذ المشاريع الحكومية، بهدف ضمان جودتها، وسرعة تنفيذها، وتقليل الأوامر التغييرية، والتقيد بالموازنات المعتمدة، والعمل على متابعة وإدارة تنفيذ المشاريع الحكومية بالتنسيق مع الجهات المعنية، وتنظيم العمليات والإجراءات الفنية المتعلقة بإدارة المناقصات، لتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص والمساواة وحرية التنافس، وتقديم خدمات الشراء الموحد وبما يرتبط بذلك من دراسات استراتيجية تحليلية للاحتياجات من المشتريات الحكومية وفق اقتصاديات الكم، ومراجعة متطلبات المحتوى المحلي في العقود والمشتريات والمناقصات التي يسري عليها قانون المناقصات، ومتابعتها بالتنسيق مع الجهات المعنية، والمراجعة القانونية لمشروعات العقود والأوامر التغييرية قبل توقيعها، والبدء في تنفيذها من أي وحدة من وحدات الجهاز الإداري للدولة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.

وتتلخص التعديلات المرتبطة بذلك بإضافة الاختصاصات المتعلقة باقتراح السياسات المتعلقة برفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعزيز المحتوى المحلي المرتبطين بالمشاريع والمشتريات الحكومية، والسياسات الوطنية والاستراتيجيات المتعلقة بتنمية المحتوى المحلي، والاختصاصات ذات الصلة بالمنظومة الوطنية للمحتوى المحلي المتمثلة في إدارة وتنظيم ومراقبة المحتوى المحلي في جميع القطاعات على المستوى الوطني وتعديل اسم المديرية العامة للمحتوى المحلي إلى المكتب الوطني للمحتوى المحلي في الهيكل التنظيمي بناء على ما تقدم، وإضافة الاختصاص بإدارة تنفيذ المشاريع الحكومية بالتنسيق مع الجهات المعنية.

يؤكد ما تقدم على الدور كجهة مرجعية فنية ومركز امتياز لكل ما يعنى بتعزيز المحتوى المحلي وحوكمة المشاريع والمشتريات الحكومية والمناقصات والعقود الخاصة بها.

مقالات مشابهة

  • محافظ جنوب سيناء يكرم ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بعد انتهاء فترة عمله
  • «دبي للصحافة» يطلق النسخة الـ 2 لبرنامج «البودكاست» العربي 7 يوليو
  • هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي .. مرحلة جديدة لرفع كفاءة الإنفاق بتكامل واستدامة
  • مقر المؤثرين يشارك في مهرجان كان ليونز الإبداعي 2025
  • الطيران العُماني يعلّق رحلاته من وإلى عدد من محطاته الخليجية
  • بيان من "الطيران العُماني" حول تعليق رحلاته الخليجية
  • منصة نور.. إمكانيات واسعة لتطوير العملية التعليمية في العصر الرقمي
  • نظير عياد: الخطاب الإفتائي المعاصر يتطلب الوعي بالواقع والانضباط بالمنهج
  • موعد عرض أحلى يوم - The Big Bang Birthday.. تفاصيل
  • فظائع في الظل.. كيف تمددت فاغنر في إفريقيا على أنقاض القانون الدولي؟