لجريدة عمان:
2025-05-10@21:22:32 GMT

الهويات الخليجية والأسئلة الحائرة

تاريخ النشر: 10th, May 2025 GMT

تناولنا في الجزء الأول من هذه المقالة الأسئلة الحائرة التي يثيرها واقع الهويات الاجتماعية في مجتمعات دول الخليج العربية، التي تنبعُ من عناصر الخطر المحدقة بها، سواء في اتصالها الثقافي، أو في بنية المجتمعات الديموغرافية وما تفرضه من تحولات في نمط نقل الهوية عبر الأجيال، أو في سياق بيئة العولمة الثقافية والاتصالية ككل وما تحدده من مسارات لنمو وتلاشي وضمور أو تطور تلك الهويات.

ويعنينا في هذا الجزء أن نستعرض السبل والممكنات التي يمكن من خلالها لهذه المجتمعات أن تحافظ على هوياتها في ظل مشهد عالمي يتسم بـ (هوياتٍ هشة fragile identities). سمة هذه الهويات في كونها معرضة بشكل مباشر للاستهداف المتعدد وغير المنضبط في فضاءات اتصالية وتربوية ومفاهيمية غير محدودة، وفي المقابل يتم استدعاء بعض عناصر هذه الهويات وتوظيفها أيديولوجيًا في سياق صراعات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

إن من السبل الممكنة لحفظ واستدامة الهويات في هذه المجتمعات هو إدماجها في الدورة الاقتصادية؛ فمع إمكانيات الإنتاج وخطط التوسع والتنوع الاقتصادي التي تقودها هذه الدول، يشكل تنشيط الاقتصاد الثقافي فرصة كبيرة على مستوى تنوع الاقتصاد، ويحقق في الآن ذاته وظيفة اجتماعية من خلال المساهمة في حفظ بعض عناصر الهوية واستدامتها وجعلها حاضرة في الوجدان الاجتماعي. إن المنتجات من السلع والخدمات التي تخدم من عناصر ثقافية (مادية / غير مادية) محلية بما في ذلك الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والترفيه الرقمي والسياحة القائمة على الإرث المحلي والمزارات التاريخية والمصنوعات الحرفية المحلية والأطعمة وأنماط اللباس التي يمكن أن تتحول لعلامات تجارية، وحتى أدوات الزينة وسواها التي تنتج وتخدم من العناصر المحلية ترسخ هذه الهويات بشكل مباشر وغير مباشر، ويزداد دورها في ترسيخ تلك الهويات كلما غدت قادرة على عبور الأسواق المحلية إلى الإقليمية والعالمية، ومنها يتشكل ارتباطها بعناصر الفخر والحضور والرمزية الاجتماعية والهوياتية، وفي المقابل تصبح داعمة لرحلة تنوع الاقتصادات؛ فالاقتصاد الثقافي بحسب التقديرات يسهم اليوم بأكثر من 4% من حجم الاقتصاد العالمي، ويسهم في الآن ذاته في توظيف نحو 7% من القوى العاملة العالمية، وهو ما يشكل منفعة اقتصادية واجتماعية في الآن ذاته.

ويعتبر الحضور الرقمي للهوية سبيلًا رئيسيًا لتعزيزها في عالمنا المعاصر، في ظل مجتمعات تتواصل رقميًا، وتنشط معرفيًا وفكريًا بشكل رقمي، وتتبادل الأفكار والقيم والاتجاهات وفق أدوات رقمية. لا يزال حضور المنطقة في إنتاج المحتوى على شبكة المعلومات محدودًا جدًا، رغم معدلات الاستهلاك العالية للشبكة، ومعدلات النشاط العالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هنا يتوجب وضع استراتيجيات لتعزيز الحضور الخليجي في إنتاج المعرفة والمحتوى عمومًا في كل المجالات، والقادر على تسويق وتعزيز الهوية من ناحية، والعبور بها كقوة ناعمة لهذه المجتمعات من ناحية أخرى، فلو أخذنا على سبيل المثال المحتوى المرتبط بـ (الترفيه الرقمي)، وهو من أشكال المحتوى الأكثر استهلاكًا في منطقة الخليج العربي، حيث تشير التقارير إلى أن قيمته بلغت في المنطقة نحو 11.75 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بالوصول إلى 76.81 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 21.5%. لكن في المقابل ما نسبة المحتوى الخليجي في سياق هذا السوق المتكامل، الذي تستهلكه فئات عمرية واسعة، مع التركيز على الفئة العمرية الحرجة - اتصالًا بتعزيز الهوية - وهي فئة الشباب بين (15 - 39)، عوضًا عن شريحة الأطفال التي تتماس كذلك بشكل مباشر مع محددات التنشئة الأولى للهوية وتركيبها ضمن سياق التنشئة الاجتماعية. إن إنتاج محتوى رقمي متكامل في كافة المجالات، والاستفادة من فرص سوق الترفيه الرقمي تحديدًا في تعزيز حضور الهوية، وبث الرسائل المتصلة بها، وتجسيد الرمزيات النابعة منها، ومراعاة قيمها عبر هذه الأدوات يشكل سبيلًا يتواءم مع طبيعة المرحلة ومتغيراتها وطبيعة الفاعلين فيها.

يمكن كذلك تطوير بعض المبادرات المبتكرة والجزئية، فعلى سبيل المثال تطبق بعض الدول ما يُعرف بـ (البعثات المدنية Civil missions)، وذلك لأغراض التعرف وصيانة وتطوير التراث الثقافي المادي وغير المادي داخل محيط الدولة، ويمكن الاستفادة من مثل هذه التجربة في تطوير برامج مماثلة للطلبة من خريجي التعليم العام، أو الجامعات والكليات، حيث يمكن إشراكهم في رحلات استكشافية للتراث الثقافي المادي وغير المادي داخل الدولة، وتطوير مشروعات لصيانته والمحافظة عليه، أو تسويقه أو بناء المحتوى حوله. وهو ما يسهم في زيادة رقعة الاهتمام به كعنصر أصيل من عناصر الهوية. كل هذه سبل يعضدها أيضًا إعادة تصور الدور التقليدي للتعليم في نقل وترسيخ الهوية، وإنتاج محتوى إعلامي مبتكر ومقبول وجاذب لترسيخ الهوية وتصديرها، وتوسيع مناطق النقاش الجادة حول مستقبل الهوية، وألا يكون حوار الهويات حوارًا هامشيًا أو استعراضيًا تحويه معارض الكتب أو النوادي الثقافية أو الجلسات الفكرية البعيدة عن حياة الشارع وما يدور فيه، والاستفادة من بزوغ ما يُعرف بالاقتصاد الإبداعي ومنتجاته وتجاربه العالمية، والتي شكلت اليوم لبعض الدول أحد أهم مواردها الاستراتيجية.

وفي كل الأحوال فإن الحفاظ على الهوية يبقى ليس مجرد شعار وطني أو استحضار حضاري يترافق مع الخطط والاستراتيجيات والرؤى السياسية والتنموية، بل هو رأس مال استراتيجي رئيسي لا يمكن للتنمية أن تستديم إلا بحضوره، ولا يمكن أن تستقر المجتمعات وتحفظ اتصال أجيالها إلا به، ولا يمكن أن يتحقق التوازن الاجتماعي إلا بتحقيق شرطياته.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: سبیل ا

إقرأ أيضاً:

10 نصائح لتحقيق النجاح على منصات التواصل الاجتماعي

دبي: «الخليج»
نظم مقر المؤثرين، أول مقر للمؤثرين في الإمارات والشرق الأوسط، خلال فعالياته لشهر مايو، ورشة عمل، بعنوان «أسرار عمر فاروق غير المعلنة لتحقيق النجاح» قدم خلالها صانع المحتوى عمر فاروق، رؤاه ونصائحه عن تجربته الشخصية في صناعة المحتوى، بحضور 100 مشارك.
وتمت مناقشة كيفية بناء مسيرة مهنية ناجحة في عالم الإعلام الرقمي، واستعراض استراتيجيات التغلب على التحديات، و10 نصائح لصناع المحتوى الجدد لمساعدتهم على تحقيق النجاح والاستمرار.
واستهل عمر فاروق ورشة العمل بالحديث عن بداياته، ابتداء من تصوير الأفلام القصيرة، وصولاً إلى سلسلة فيديوهات «عمر يجرّب» التي لاقت رواجاً كبيراً، وبلغ عدد متابعيه أكثر من مليوني متابع على يوتيوب في عام 2017، ليحترف بعدها العمل على مواقع التواصل الاجتماعي، ويثبت تفوقه، ويعد اليوم، أحد أكثر المؤثرين مشاهدة في المنطقة، حيث يتابعه أكثر من 18 مليون شخص على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وتعرض مقاطع الفيديو التي يقدمها على قائمة أكثر الفيديوهات رواجاً في منطقة الخليج.
وقدم فاروق 10 نصائح يمكن لأي صانع محتوى مبتدئ أن يتبعها لتحقيق النجاح، وقال: «نصيحتي الأولى (ابدأ من حيث انتهى الآخرون)، فيجب أن تلعب بذكاء، لأن مجال التواصل الاجتماعي يحتاج إلى المرونة، ويتطلب التواضع، والنصيحة الثانية (لا تتصادم فتخسر المستقبل)، فقد تحصد بعض النتائج الآنية من خلال التصادم، لكن على المدى البعيد سوف تفقد متابعيك وتخسر ثقتهم.
أما نصيحته الثالثة فهي (المعلن الوفي هو المعلن الغني)، بحيث يجب أن تتمسك بالمعلن الوفي الذي استثمر معك منذ البداية، والرابعة (سخر طاقتك للإبداع وليس للإدارة)، وفر طاقتك وجهدك للإبداع، ولا تهدرهما في ملاحقة الأمور الإدارية البسيطة».
وقال في نصيحته الخامسة: «(الانتقاد لا يجب أن يكسرك)، أي لا تسمح لـ 1 % من النقد السلبي أن يشتت أفكارك ويثنيك عن متابعة الرحلة، وبشأن النصيحة السادسة (لا تكرر نفسك فتحترق) قال إننا نعيش في عالم متجدد وسريع جداً لذلك يجب أن نواكب هذه التغيرات.
أما النصيحة السابعة (غيّر مسارك في الوقت الصحيح)، يجب أن تعرف متى تغير المحتوى الذي تقدمه، وأن تعلم كيف سيتقبل المتابعون هذا التغيير، وفي الثامنة (يجب أن تتحكم في كل ما تظهره للجمهور)، أي لا تتخلى عن مبادئك وآرائك لإرضاء المتابعين، وكن أنت سيد المحتوى الذي تقدمه.
وفي النصيحة التاسعة خاطب عمر فاروق، صانع المحتوى المبتدئ: '(كن أنت الفعل.. لا ردة الفعل)، كن علامة فارقة في عالم صناعة المحتوى حتى لا يتم استبدالك بسهولة، أما في نصيحته العاشرة (الفرص حولك في كل مكان)، قال إن كل ما من حولك يشكل فرصة لمحتوى جديد، إننا في بلد الفرص، لكن يبقى السؤال: هل أنت جاهز لاستغلال الفرصة؟ فالحظ هو عبارة عن مزيج بين الفرصة المناسبة والجهوزية.

مقالات مشابهة

  • اقتصاد المؤثرين في المغرب.. نمو سريع وتحديات قانونية
  • سفير قطر لدى إيطاليا: مشاركة قطر في بينالي فينيسيا تعزز التعاون الثقافي
  • نادر كاظم الناقد الثقافي
  • ربيع شهاب حالة مستفزة في المشهد الثقافي
  • طنجة تمد جسر الحوار والتبادل الثقافي والإقتصادي مع تاراغونا الإسبانية
  • حملة المحتوى الهابط.. اعتقال مطرب شعبي تطاول على الذات الإلهية في الأنبار
  • تجربة المجتمعات المحلية في السودان مع التطرف العرقي والصراع الاجتماعي
  • ملف لبنان حاضر في جولة ترامب الخليجية
  • 10 نصائح لتحقيق النجاح على منصات التواصل الاجتماعي