ترامب في الـ100 يوم الأولى.. ازدهار أم بداية الانهيار؟
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
شهدت الأيام المئة الأولى من وصول ترامب إلى البيت البيضاوي وحتى الآن تطورات دراماتيكية على الصعيدين المحلي والعالمي، وصل بعضها إلى حد وصفها بالثورة على البيروقراطية والفساد والانهيار الإداري والاقتصادي؛ الذي بدا وكأنه متأصل في البلاد منذ عقود، وبعضها الآخر وصل إلى ما وُصِفَ بأنها حرب تجارية وضعت العالم على حافة الهاوية.
ولقد كشفت هذه التطورات عن شخصية ترامب الغريبة السلوك والأطوار والمزاج والخطاب واللهجة والنظرة والوقفة والكلمة. وظهر في خطابه الأخير الكرنفالي أمام الكونغرس كرئيس عربي قُوطع عشرات المرات بالتصفيق والهتافات؛ لربما كان هتافهم "بالروح بالدم نفديك يا دونالد".
تمحورت هذه التطورات والإجراءات والقرارات حول قضايا عديدة؛ أبرزها زيادة الرسوم الجمركية والهجرة وأمن الحدود، ومواجهة التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والعقارات، خاصة بعد ورود أرقام عن انكماش في الاقتصاد الأمريكي بعدما شهد نموا بلغ 2.4 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي.
ما أن بدأ ترامب عهده الذي وصفه بـ"الذهبي"، حتى اتخذ سلسلة قرارات وإجراءات تنفيذية وتصريحات وخطوات هجومية انعكست على حرب أوكرانيا والحرب في غزة التي شهدت هدنة ما لبثت ان تحولت إلى جحيم كما وعد بذلك، وانعكست أيضا على حلف الناتو وأوروبا ودول أمريكا الوسطى واللاتينية، والعلاقات التجارية مع الشرق لا سيما مع الصين حيث شهدت العلاقة معها ما يشبه ماراثون تنافس الرسوم؛ حيث وصلت رسوم ترامب على الصين إلى 145 في المئة ورسوم الصين إلى نحو 125 في المئة، وكأنها حرب رسوم.
وأدى فرض ترامب زيادة الرسوم الجمركية على دول العالم إلى اضطرابات في الأسواق العالمية، وتراجع الدولار وارتفاع أسعار الذهب.
أما على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية فتم عقد عدة جولات من المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي؛ الأمر الذي شهد استياء وتهديدات مباشرة إسرائيلية عندما زار نتنياهو البيت الأبيض مؤخرا، وعاد خائبا على الرغم من وعودٍ أمريكية باستخدام الضغط والقوة العسكرية في حال فشل هذه المفاوضات.
ومن جهةِ أخرى تأجج التوتر مع دول الناتو نتيجة لبعض التصريحات الهجومية لترامب والمتعلقة بالإسهامات المالية للحلف والعلاقة مع روسيا. وعلى ضفة الحرب الروسية الأوكرانية، شهد اللقاء مع الرئيس الأوكراني مشادة كلامية شهدها العالم بأسره أمام عدسات الكاميرات، ظهر فيها ترامب منحازا تماما لروسيا، ونال من مكانة زيلينسكي وبلاده بعد رفض الأخير توقيع اتفاق المعادن النادرة، وتصاعدت بعدها وتيرة الهجمات الروسية على كييف، واحتلال المزيد من الأراضي الأوكرانية؛ وكأنه الضوء الأخضر من ترامب لبوتين.
وطال التوتر العديد من الدول نتيجة لتصريحات ترامب المتكررة بضم كندا واعتبارها إحدى الولايات الأمريكية، وتغيير تسمية خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وطالب أيضا بالسيطرة على قناة بنما، والسيطرة على غرينلاند كضرورة أمنية حيوية لأمن الولايات المتحدة قائلا "سنحصل عليها بطريقة أو بأخرى". كل هذه الأطماع تؤكد النزعة الاستعمارية الإمبريالية التي طالما اتسمت بها العلاقات الأمريكية مع دول العالم، وما ينطوي على ذلك من السيطرة على ثرواتها، والتحكم بمقدراتها، والتدخل بشؤونها، ورسم سياساتها المستقبلية.
في الشأن الداخلي، جاء تكليف الملياردير إيلون ماسك -الذي يرى فيه منقذا ومخلصا من الهدر والفساد المالي والوظيفي- باستحداث وزارة الكفاءة الحكومية مما أسفر عن تسريح مئات الآلاف من الموظفين بحجة القضاء على الفساد والتزوير وترشيد الإنفاق الحكومي، مع إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية والإغاثة؛ التي كانت تقدم المساعدات للعديد من الدول النامية، وتم إغلاق وزارة التعليم وتسليم مهمتها إلى الولايات؛ وسط انتقادات حادة من أعضاء الكونغرس واندلاع مظاهرات ضده.
كما شهدت الأيام المئة الأولى مواقف عدائية لترامب تجاه جامعة هارفارد وكولومبيا، واعتقال وترحيل العديد من الأكاديميين الأجانب بحجة مناهضتهم للحرب على غزة وبتهمة معاداة السامية، وكذلك العمل على ترحيل 20 مليون مهاجر غير شرعي زاعما أن معظمهم "كانوا قتلة ومجرمين". وقد رأى محللون في هذا الادعاء تعبير عن شخصية ترامب العنصرية خاصة عندما عمد إلى تجزئة مفهوم الحرية قائلا: "يجب الدفاع عن الحرية الأمريكية"؛ وكأن حرية الشعوب الأخرى ليست حرية، وأن حرية شعب فلسطين لا تستحق أن تُحقق أو أن يناضل من أجلها شعبنا.
ولطمأنة الأمريكيين أعلن حالة الطوارئ في مجال الطاقة، وعن قرارات تخفيض أسعار الطاقة، وتحدث عن إجراءات للإعفاء الضريبي والرسوم لجلب الاستثمارات، والبدء بالتنقيب عن النفط واستخراج الفحم. وادعى أنه حصل على 1.7 تريليون دولار من الاستثمارات الجديدة خلال الأسابيع الأولى من عهده بفضل شعار "أمريكا أولا". ويرى متابعون ومراقبون لسياسة ترامب أنه اتبع مبدأ "السلم عبر القوة" لتحقيق أهدافه المنشودة.
من ناحيةٍ أخرى، اتخذ ترامب قرارات وُصفت بالانتقامية بإقالة العديد من الموظفين الكبار ممن كانوا مناوئين له إبان عهد بايدن الذي وصفه بأنه "عهد المجانين اليساريين المتطرفين"، وشملت هذه الإقالات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل والبنتاغون، ومكاتب وزارة الخارجية.
كما فرض رسوما جمركية على الواردات التي بلغت 25 في المئة على الفولاذ والخشب والألمنيوم والسيارات، وذلك بهدف تشجيع الصناعات المحلية الأمريكية. إن هذا السلوك الترامبي أقرب ما يكون إلى انقلاب أبيض في الداخل الأمريكي.
وعلى الصعيد العربي، تخلّت الولايات المتحدة عن مسؤولياتها العالمية بوصفها دولة عظمى تقود العالم؛ إذ لم تفصح سياسة ترامب عن أية مبادرة أو حل أو حتى تحرك باتجاه حل القضية الفلسطينية سوى حديثه المتكرر عن تدمير حماس وإنهاء حكمها في غزة، وكذلك رغبته في شراء غزة وتحويلها إلى"ريفيرا الشرق" بعد تهجير سكانها، مانحا نتنياهو الضوء الأخضر لقتل المزيد من المدنيين وتدمير ما تبقى من قطاع غزة؛ لدفع الغزاويين إلى التهجير القسري الذي رفضه العالم بأسره.
وقد نشطت الدبلوماسية الأمريكية في عقد مفاوضات مباشرة مع حركة حماس بخصوص الرهائن، الأمر الذي أفشله نتنياهو وأيده ترامب الذي يسعى إلى إحياء عمليات التطبيع، التي كان قد بدأها في ولايته الأولى مع الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية وعُمان. وتزامنت هذه المفاوضات مع صمت ترامب إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان وسوريا؛ التي شهدت سقوط نظام بشار الأسد وإبقاء ترامب على العقوبات المفروضة على النظام البائد، مما يزيد من معاناة الشعب السوري، كذلك رفض ترامب القيام بخطوة إيجابية واحدة نحو تطبيع العلاقات مع دمشق؛ سعيا منه لفرض شروط جديدة أولها التطبيع مع دولة الكيان وضمان أمن "إسرائيل" وحلفائه في المنطقة.
ولتأكيد دعمه للكيان ناصب العداء للمنظمات والهيئات الدولية الداعمة للحق الفلسطيني وأوقف الإسهامات المالية لها.
كما شهد العالم أول حروب ترامب ضد اليمن في منتصف آذار/ مارس، حيث حُشدت حاملات الطائرات والقطع البحرية الحربية وشُنت مئات الغارات والاعتداءات بهدف فك الحصار البحري الذي فرضه اليمنيون على "إسرائيل"، لكن دون جدوى، حتى أُعلن عن وقف العمليات العسكرية الأمريكية هناك، واستمرار عمليات إسناد اليمن لغزة برغم هذا الاتفاق الذي رعته سلطنة عُمان؛ الأمر الذي أغضب دولة الكيان. ويُعتقد أن وقف إطلاق النار هذا جاء تمهيدا لتنقية الأجواء خلال زيارة ترامب المزمع القيام بها لدول الخليج بين 13 و16 أيار/ مايو، وترافق هذا مع مفاجأة سيعلن عنها ترامب قريبا.
السؤال هنا، هل وضع ترامب الولايات المتحدة على حافة الازدهار والعظمة مجددا -كما قال عقب فوزه بالرئاسة "الرب أنقذني لأجعل أمريكا عظيمة"- أم أنه وضعها على حافة الفشل والانهيار؟
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب السياسة امريكا سياسة رئاسة ترامب قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المئة
إقرأ أيضاً:
العالم يتفاعل مع وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال.. هدنة هشة أم بداية انفراجة؟
أثار إعلان وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، موجة واسعة من ردود الفعل الدولية والعربية، تراوحت بين الترحيب والدعوة لتثبيت التهدئة، والتحذير من هشاشتها في ظل تصاعد التوترات في المنطقة.
وجاء الاتفاق الذي تم الإعلان عنه فجأة بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة، نتيجة وساطات إقليمية ودولية مكثفة، على رأسها قطر وتركيا والولايات المتحدة، وأسفر عن إنهاء متبادل للعمليات الهجومية المباشرة بين الطرفين، بما في ذلك الغارات الجوية والهجمات الصاروخية.
الأمم المتحدة ترحب وتدعو للالتزام
رحب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالاتفاق، واصفًا إياه بـ"الخطوة المهمة على طريق خفض التصعيد"، داعيًا في بيان رسمي إلى التزام الطرفين ببنود الاتفاق، وتوفير الحماية للمدنيين في كافة مناطق النزاع، خصوصًا في غزة ولبنان.
الولايات المتحدة: تهدئة مشروطة بالحذر
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق بأنه "خطوة ضرورية لاحتواء التوتر في الشرق الأوسط"، لكنه شدد في بيان للبيت الأبيض على أن "واشنطن ستراقب مدى التزام الطرفين، خصوصًا الاحتلال الإسرائيلي، بوقف الاستفزازات"، مؤكدًا أن "الضغط الدبلوماسي الأمريكي كان حاسمًا في الوصول إلى هذه النتيجة".
وبعد انتهاك الاتفاق قال ترامب إنه ليس راض كون إسرائيل وإيران انتهكتا وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن قدرات إيران النووية "انتهت" وأنها لن تتمكن من إعادة بناء برنامجها مجددًا.
ودعا ترامب إسرائيل إلى عدم قصف إيران قائلًا: "لا تسقطوا تلك القنابل، إذا فعلتم ذلك، فسيكون ذلك انتهاكًا خطيرًا، أعيدوا طياريكم إلى ديارهم الآن".
الاتحاد الأوروبي: بداية لحل سياسي أوسع
من جهته، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الهدنة تشكل فرصة لإعادة إطلاق الجهود الدبلوماسية المتوقفة، وقالت مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل إن "وقف النار يجب أن يتبعه حوار مباشر بين طهران وتل أبيب، تحت مظلة إقليمية ودولية"، مؤكدة أن بروكسل مستعدة لدعم أي مسار تفاوضي يفضي إلى استقرار دائم.
أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلق بالغ إزاء تنامي تصعيد النزاع في الشرق الأوسط. وقال إنه أدان مرارا أي تصعيد عسكري في هذا النزاع، بما في ذلك هجوم #إيران اليوم الاثنين على أراضي #قطر.
وجدد عوته لجميع الأطراف بوقف القتال.https://t.co/UF7P6I7K4N — أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) June 23, 2025
روسيا: دعم مشروط وتحذير من الخروقات
وعبر الكرملين عن "دعمه الكامل" للاتفاق، لكنه حذر من "إمكانية انهيار التفاهمات إذا لم يتم تفعيل آليات مراقبة مستقلة"، بحسب بيان لوزارة الخارجية الروسية.
أكدت موسكو التي تربطها علاقات مع طهران وإسرائيل على حد سواء، أنها عرضت لعب دور الوسيط في أي مفاوضات مستقبلية.
تركيا: الهدنة لا تكفي دون محاسبة إسرائيل
واعتبرت الخارجية التركية الاتفاق "نتيجة طبيعية لصمود محور المقاومة"، لكنها شددت على أن "وقف إطلاق النار يجب ألا يكون غطاءً لجرائم الاحتلال في غزة"، داعية إلى تحقيق دولي فوري في الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين.
قطر: الوساطة نجحت... والجهود مستمرة
وأعلنت قطر رسميًا أنها لعبت دورا محوريا في الوساطة التي قادت إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وأكدت في بيان رسمي أنها "مستمرة في جهودها الدبلوماسية لتثبيت التهدئة وضمان إدخال المساعدات إلى غزة"، مشيدة بالتنسيق مع واشنطن وأنقرة في الوصول إلى هذه المرحلة.
مصر والسعودية: منع التصعيد أولوية
رحبت القاهرة والرياض باتفاق الهدنة، واعتبرته "خطوة ضرورية لتفادي انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة"، وأكد بيان مشترك للبلدين دعمهما لأي مسار يضمن استقرار الأوضاع ووقف الانتهاكات، مع التركيز على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة كشرط لاستدامة التهدئة.