آخر تحديث: 13 ماي 2025 - 10:14 ص بقلم:سمير عادل سمعنا من قبل عن نظرية “السلام بالقوة” التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حال تنصيبه في ولايته الثانية، كأحد عناوين البلطجة الجديدة في السياسة العالمية. واليوم، نسمع عن محاولة تجميل صورة الحكومة العراقية بالقوة أيضًا. فقد أصدرت وزارة الداخلية العراقية قرارًا يقضي بمنع التظاهرات خلال فترة انعقاد “القمة العربية”، بذريعة الحفاظ على الأمن والنظام العام.
ويُعد هذا القرار، في ظاهره، انتهاكًا صارخًا لحق المواطنين في التعبير والتظاهر السلمي، لكنه في جوهره يعكس عمق الأزمة السياسية والاجتماعية البنيوية، ليس على مستوى الحكومة العراقية فحسب، بل على مستوى النظام السياسي القائم بأكمله. ويبدو أن الحكومة العراقية ما تزال تعيش في عقود القرن الماضي، حيث تعتقد ما زال بالإمكان؛ التعتيم الإعلامي، طمس الحقائق، تزييف الواقع، وتضليل الرأي العام المحلي والدولي بشأن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكذلك حال الحريات وحقوق الإنسان في المجتمع العراقي. وحيث تتوهّم حكومة السوداني أن حجب الحقيقة يمكن أن يجمّل صورة العراق أمام الراي العام الإقليمي والدولي. ان القرار السياسي الذي يقف خلف منع التظاهرات خلال انعقاد القمة العربية، يكشف عن محاولة واضحة لتسويق صورة السوداني وحكومته أمام جامعة الدول العربية، على أمل أن يحظى بدعمها السياسي واعترافها واعضائها بأي حكومة يسعى إلى تشكيلها بعد الانتخابات. كما يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق مكاسب انتخابية داخلية، عبر إظهار نفسه كقائد يحظى بقبول إقليمي، وإلى كسب ثقة الشركات الرأسمالية وتشجيعها على الاستثمار في العراق، رغم الواقع المضطرب الذي تحاول حكومته تغطيته بستار من الإنكار الإعلامي والبهرجة السياسية. وكما حدث في تجارب الأنظمة العسكرية التي جاءت إلى السلطة عبر الانقلابات خلال النصف الثاني من القرن الماضي، في ما يُعرف بدول “المخروط الجنوبي” أو بلدان أمريكا اللاتينية، فقد شهدنا على سبيل المثال، وليس الحصر، تنظيم كأس العالم في الأرجنتين عام ١٩٧٨، في وقت كانت البلاد تخضع لحكم عسكري جاء بانقلاب دموي، تخلله تنفيذ سلسلة من الإعدامات والاعتقالات ضد المعارضين اليساريين واختفى قسرًا أكثر من 30,000 شخص، معظمهم من النشطاء اليساريين أو المعارضين السياسيين، وجرى تعذيب واحتجاز آلاف المعتقلين في مراكز سرية، وفرضت رقابة مشددة على الإعلام والمجتمع المدني. كان تنظيم كأس العالم، بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية آنذاك، جزءًا من محاولة مدروسة لتعزيز النزعة القومية في الأرجنتين عبر كرة القدم من جهة، ومن جهة أخرى لتجميل صورة النظام العسكري القمعي أمام العالم، وإعادة تأهيله سياسيًا، بعد أن شوهته جرائمه وانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد أنفقت الحكومة مبالغ ضخمة على البنية التحتية والمنشآت، في حين كانت البلاد غارقة في القمع والفقر والاختفاءات، مثلما يحدث اليوم بالإعداد لمؤتمر القمة العربية في بغداد. – انظر- عقيدة الصدمة-نعومي كلاين- قد يتساءل البعض: ألا تبالي حكومة السوداني بصورة “الديمقراطية” في العراق، أو بصورة حكومته أمام العالم، عندما تتخذ مثل هذه القرارات القمعية؟ والجواب لا يحتاج إلى كثير من الجهد؛ فـ “الديمقراطية”، إذا ما عُرِّفت بمفهومها الغربي، لا تعني شيئًا لا لحكومة السوداني، ولا لجامعة الدول العربية وأعضائها، ولا حتى للشركات الرأسمالية وممثليها السياسيين في العالم. ما يهم هذه الأطراف حقًا هو وجود حكومة قادرة على السيطرة على الأوضاع السياسية بـ”الحديد والنار”، وتوفير بيئة آمنة وجذابة للاستثمار الرأسمالي في منطقتنا. ومتى ما تحققت هذه الشروط، يُمنح لتلك الحكومة الدعم الإعلامي والسياسي، بل وحتى المالي، بلا تردّد. إن مكانة العراق في التقسيم العالمي للإنتاج الرأسمالي تتركّز في صناعة النفط، وعلى هوامش هذه الصناعة قد تُقام بعض المشاريع أو الصناعات التي تكمّل هذا الدور، لكنها في جوهرها تصب في خدمة سلسلة الإنتاج الرأسمالي العالمي، وتذهب الغالبية العظمى من أرباحها إلى جيوب الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، الدول الإمبريالية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي. أما الحصة التي تُمنح لتابعييها في العراق، والتي تمثّلها فعليًا حكومة السوداني وأطراف العملية السياسية، فلا يهم من أين تأتي أو كيف تُوزع. أي بعبارة أخرى، لا يكون لهذه الشركات من وسيلة لضمان استمرار أرباحها سوى عبر فرض شروط عمل قاسية على العمال، وتكريس مناخ من قمع الحريات، بهدف منع أي مطالب بالعدالة الاجتماعية أو تحسين مستوى المعيشة، لأن أي تحسّن في رفاهية العمال يعني اقتطاعًا من أرباح تلك الشركات، وهو ما تسعى بكل الوسائل إلى منعه. ولا يمكن مقارنة الوضع في العراق بما هو عليه في الدول الغربية، حيث تشهد تلك البلدان، على سبيل المثال، خلال اجتماعات مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) أو قمم حلف الناتو، تظاهرات واسعة، واعتراضات جماهيرية، واشتباكات عنيفة مع قوات الشرطة، دون أن يُنظر إليها كتهديد للاستقرار أو مبرر لقمع الحريات. لكن رغم ذلك، لا تُعد هذه التظاهرات تهديدًا حقيقيًا لاستقرار تلك الأنظمة، لأنها تقوم على مؤسسات راسخة ودول ذات هوية سياسية واضحة، وضربت جذورها في المجتمع عبر قرون. ولكن في العراق، فحتى هذه اللحظة، لا توجد “دولة” بالمعنى السياسي والمؤسسي الكامل، ولا هوية سياسية متفق عليها. إن جميع القوانين والقرارات التي تصدر في عهد حكومة السوداني ليست سوى محاولات لحسم مصير الدولة وهويتها السياسية، وهي محاولات لا تزال تتخبط في مهب الريح، بفعل التحولات العميقة التي تضرب منطقة الشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، لا حكومة السوداني، ولا الحكومات السابقة أو القادمة، قادرة على تحمل تظاهرات من النوع الذي نشهده في ما يُسمى بالدول الديمقراطية. ولهذا السبب، تسعى هذه الحكومة إلى توجيه ضربات استباقية لأي حركة احتجاجية جماهيرية قد تُحدث هزة إضافية لصورتها المهزوزة أصلًا أمام المجتمع الدولي. إن صوت العاطلين عن العمل، والمحرومين، و الناقمين على منظومة الفساد والمحاصصة والطائفية، لن يُسكت بقرارات أمنية مؤقتة. بل سيظل يرتفع، مهما حاولت السلطة خنقه أو تجاهله، لأن الحق في الحياة الكريمة والعمل والكرامة الإنسانية لا يخضع لمزاج القمم أو حسابات الدعاية الرسمية. ما يحتاجه العراق ليس تلميعًا زائفًا لصورة النظام، بل تغييرًا جذريًا للواقع السياسي والاجتماعي الذي أنتج كل هذا الخراب. ولن يكون ذلك إلا من خلال تمكين الجماهير من التعبير عن نفسها بحرية، وفرض التغيير بإرادتها، لا بخطب المؤتمرات وقرارات المنع. فالف قمة عربية ومؤتمر إقليمي ودولي يقام في العراق او يشارك حكومته فيه، لن يغير من صورة حقيقة النظام السياسي الحاكم في العراق القائم على منظومة الفساد والتضليل والقمع والتمييز بكل اشكاله الديني والطائفي والجنسي.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: حکومة السودانی فی العراق التی ت
إقرأ أيضاً:
دعوة السوداني.. هل تعيد تشكيل علاقة دولة العراق بالفصائل المسلحة؟
في مشهد سياسي وأمني شديد الحساسية، فتحت دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لحصر السلاح بيد الدولة نقاشا واسعا حول مستقبل العلاقة بين مؤسسات الدولة والفصائل المسلحة، في ظل توازنات معقدة بين الشرعية الرسمية والنفوذ الميداني لتلك الفصائل.
ورغم أن السوداني أكد أنها موجهة إلى جميع الأطراف بلا استثناء، فإن الأنظار تركزت على فصائل الحشد الشعبي، التي تشكلت أصلا لمواجهة تنظيم الدولة، لكنها تحولت إلى لاعب سياسي وعسكري يملك حضورا واسع النفوذ في العراق.
توقيت دعوة السوداني حمل دلالات متشابكة، فهو يتزامن مع اقتراب الانتخابات التشريعية، وتحقيقات طالت عناصر محسوبة على الحشد، ومع تصاعد الضغوط الغربية بشأن مستقبل الفصائل المسلحة.
وبالنظر إلى ارتباط الحشد الشعبي بالقائد العام للقوات المسلحة، يرى محللون أن تصريح السوداني قد يستهدف بالأساس فصائل خارج إطار الحشد، خصوصا تلك التي تعلن عداءها لواشنطن وتنخرط في عمليات مسلحة ذات بعد إقليمي.
المحلل السياسي هادي جلو مرعي يقرأ الطرح في سياق أوسع؛ فالحكومة العراقية -بحسب تقديره- تسعى لإظهار قدرتها على اتخاذ قرارات صعبة تعزز ثقة المجتمع الدولي، حتى وإن اصطدمت بحساسيات داخل التحالفات الشيعية.
رسالة مزدوجةويرى في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن الخطوة تحمل رسالة مزدوجة، داخلية وخارجية، بأن العراق يملك إرادته الأمنية والسياسية، ويسعى لترتيب بيته الداخلي استعدادا لمرحلة جديدة من الانفتاح الدولي.
في المقابل، يحذر المحلل علي فضل الله من تبسيط المشهد عبر حصره في مواجهة مع الحشد، مؤكدا أن هذه القوة تشكل -من وجهة نظره- أحد أعمدة الدولة، وأن سلاحها يخضع لسلطة القائد العام.
ويشير إلى أن الحكومة نجحت خلال الفترة الماضية في إقناع الفصائل بوقف استهداف القوات الأميركية، في إطار تفاهمات أفضت إلى قرب انسحاب معظم القوات الأجنبية.
إعلانلكن خلف هذا التباين، يظل الجدل مرتبطا بمسألة أشمل هي علاقة العراق بالمحاور الدولية والإقليمية.
فواشنطن، كما يرى مرعي، لا تخفي رفضها للحشد الشعبي نفسه، فضلا عن الفصائل المستقلة، وتتعامل معهما كامتداد للرؤية الإيرانية في المنطقة، ما يجعل أي خطوة لتنظيم أو دمج هذه القوى اختبارا دقيقا للسياسة العراقية.
مشهد معقدورغم أن بعض قيادات الإطار التنسيقي، مثل نوري المالكي، أبدت رفضا صريحا لطرح حصر السلاح، فإن التحالفات الانتخابية بين السوداني وشخصيات بارزة في الحشد تعكس تعقيد المشهد الشيعي، حيث تتداخل الحسابات الانتخابية مع ضرورات الحفاظ على وحدة الصف أمام الضغوط الخارجية.
ويرى فضل الله أن الفصائل العراقية أظهرت في محطات سابقة قدرة على البراغماتية، كما حدث في الملف السوري حين انسحبت استجابة لاعتبارات سياسية، معتبرا أن المرحلة الراهنة تفرض تنسيقا وثيقا بين الحكومة وقوى الإطار لتفادي منح خصوم العراق الإقليميين والدوليين ذرائع للتصعيد.
أما مشروع قانون الحشد الشعبي، فيشكّل عقدة إضافية في هذا الجدل، فالقانون الجاهز للإقرار يواجه تعطيلا مستمرا بفعل اعتراضات أميركية وأطراف كردية وسنية، تخشى أن يكرّس نفوذ الحشد في بنية الدولة.
ويرجّح مرعي أن أي إصرار على تمريره من دون توافق قد يفتح الباب أمام عقوبات اقتصادية وضغوط سياسية تهدد توازن العملية السياسية برمتها.
ومع أن السوداني يقدّم خطوته كإجراء لتعزيز الدولة، فإن مسار تطبيقها سيظل مرهونا بقدرة بغداد على الموازنة بين إرضاء القوى الدولية المؤثرة والحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية.