«ما الذي يجري عندكم في تونس ؟!»..
في نوع من البهتة، يسارع كثر إلى هذا السؤال ظنا منهم أنك قد تكون من بين من يُفترض أنهم على اطلاع أوسع من غيرهم بحقائق الأمور هناك، بل وقد يطرح السؤال نفسه بلهفة أكبر بين التونسيين أنفسهم في محاولة للفهم غالبا ما تنتهي بمزيج قاس من المرارة والفشل: مرارة استعراض العبث الجاري هناك، وفشل العثور على بصيص نور في نهاية هذا النفق.
الصحافة العربية والدولية وشبكات التلفزيون العالمية لم تقف عند هذا الحد، فقد استقرت لديها، تدريجيا وبشكل متصاعد، صورة سلبية للغاية عن تونس وحاكمها، تسندها في كل مرة ما تقوله المنظمات الدولية عن واقع الحريات وحقوق الانسان، وما تورده التقارير الاقتصادية عن حال البلاد والعباد، وما تعبّر عنه نخبة البلاد السياسية والاجتماعية بخصوص حالة اختناق لا أحد يدري متى تنتهي.
في كل ما يكتب ويقال اليوم عن تونس في مختلف المنابر العالمية، لا شيء إيجابيا على الاطلاق!! ما من صحيفة أو مجلة أو إذاعة أو تلفزيون تطرّق إلى الشأن التونسي إلا ووجد من المعطيات الصارخة ما يؤثث به صورة سلبية للغاية عن الكيفية التي تدار بها البلاد حاليا على أكثر من صعيد.. فهل كل ذلك افتراء وتجن؟! بالتأكيد لا.
لا شيء يرفع صورة أي دولة في الخارج ويجمّلها إلا ما يفعله القائمون على شؤونها في الداخل في المقام الأول، ولا شيء يشينها ويشوّهها سواه، ولا فائدة هنا في اجترار حديث سمج مفاده أن الدوائر الأجنبية لا تضمر لنا خيرا ومغتاظة من سياستنا المرتكزة على السيادة الوطنية واستقلال القرار، أو أن لوسائل الاعلام الدولية أجندة غير عادلة في تقييم ما يجري في هذا العالم ففي هذا الكلام بعض الحق الذي يراد به كل الباطل.
لقد مرت سمعة تونس العالمية بمراحل مد وجزر طوال العقود الماضية كانت أبهاها في السنوات الأولى بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وبروز اسم الحبيب بورقيبة زعيما كبيرا تكاد البلاد لا تُعرف إلا به، وكذلك في السنوات الأولى بعد ثورتها على نظام زين العابدين بن علي عام 2011.
من الصعب، على سبيل المثال لا غير، أن ننسى تلك الزيارة التاريخية التي أدّاها بورقيبة إلى الولايات المتحدة في مايو/ أيار 1961 وفيها حظي باستقبال حار للغاية سواء من الرئيس جون كينيدي أو من عشرات الآلاف الذين خرجوا لاستقباله في شوارع وشرفات مدينة نيويورك. من الصعب كذلك أن ننسى ما حظيت به تونس من صيت عالمي حين خاطب الرئيس محمد منصف المرزوقي البرلمان الأوروبي في فبراير/ شباط 2013، أو حصول 4 منظمات تونسية على جائزة نوبل للسلام عام 2015، أو حين حضر الرئيس الباجي قايد السبسي قمة الدول السبع في إيطاليا في مايو/ أيار 2017.
من أوجز وأوجع ما كتب عن تونس مؤخرا ما جاء في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط» للكاتب اللبناني المعروف سمير عطاء الله في عموده اليومي المواظب عليه منذ 1987 حين كتب في 12 مايو/ أيار الحالي تحت عنوان «التونسية في السجن» أن « تونس كانت بعيدة عنا جغرافياً، وصلاتنا معها قليلة، وليس بيننا، على سبيل المثال، طيران مباشر. لكن بورقيبة أتقن كيف يجعل كل الدنيا قريبة من تونس. وفي الداخل أقام حكماً راقياً وعادلاً، وجعل التعليم إلزامياً. ولم تكن تونس دولة غنية، لكنها كانت دولة محترمة (…) وجاء من بعده زين العابدين بن علي، فلم يكن ممكناً أن يكون بورقيبة آخر، كما أنه أُحيط بحاشية أفسدت عليه الحكم. لكن بناء الدولة بقي قائماً (…) ثم مضى وقت وتونس لم تعد تونس. وفي كرسي بورقيبة، بعد 60 عاماً، حلّت أمزجة متوترة، وقلوب غاضبة، وتسامح قليل، وإدارات لا تعرف كيف تستقر على سكة الحكمة».
وأضاف الكاتب، وكأنه يعتذر عن أنه اضطر للكتابة عن تونس، خاصة بعد ما تم الزج بنساء تونسيات في السجون، لأنشطتهن الاجتماعية السلمية أو لآرائهن السياسية، بعد أن كانت البلاد نفسها تفخر بمكاسبها المختلفة في مجال المرأة، بأنه «منذ سنوات وأنا أمنع نفسي عن الكتابة في الشأن التونسي، لأن معرفتي به لا تؤهلني، ولذلك، وفي الآونة الأخيرة، تكاثرت وتراكمت وتفاقمت السياسات المسيئة لسمعة الدولة، التي كانت نموذجاً ذات يوم».
موجعة للغاية تلك الإشارة بأن تونس زمن بورقيبة «لم تكن غنية لكنها كانت دولة محترمة»، وبأن في زمن بن علي «بناء الدولة بقي قائما»، مع ما يعنيه ذلك للأسف بأنها اليوم لم تعد لا هذه ولا تلك. كلام يبقى مع ذلك أقل بكثير مما يقال اليوم في كبريات الصحف والمجلات العالمية مما رسّخ صورة قاتمة عن هذا البلد في محنته الحالية. ومع ذلك، ما من شيء يدل على أن القوم هناك مستعدّون لمراجعات تفرضهما المصلحة والحس السليم معا، قبل أن تقتضيها أصول السياسة في حدّها الأدنى.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تونس بورقيبة السجون تونس سجون بورقيبة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عن تونس
إقرأ أيضاً:
«الصحة»: المملكة خالية من توطين الملاريا.. وجازان تتصدر رصد الحالات الوافدة
أعلنت وزارة الصحة رسمياً خلو المملكة تماماً من أي إصابات محلية بمرض الملاريا خلال عام 2024م، في إنجاز نوعي يعكس نجاح استراتيجيات الرصد الوبائي وبرامج المكافحة، رغم تسجيل 7041 حالة إيجابية جميعها وافدة أو مستقدمة من الخارج، تم اكتشافها عبر فحص أكثر من 654 ألف عينة في مختلف المناطق والمنافذ.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وكشفت البيانات الإحصائية أن طفيل «المتصوّرة المنجلية» المعروف بالنوع الخبيث، استحوذ على النسبة الأكبر من الحالات المكتشفة مسجلاً 3798 إصابة، بينما جاءت «المتصوّرة النشيطة والبيضاوية» أو ما يعرف بالثلاثية الحميدة في المرتبة الثانية ب 2876 حالة، في حين انحصرت «المتصوّرة الملارية» الرباعية الحميدة في 54 حالة فقط، بالإضافة إلى رصد 313 حالة مختلطة.جازان تتصدر مناطق المملكةوتصدرت منطقة جازان القائمة بوصفها خط الدفاع الأول، حيث سجلت أعلى معدلات الفحص والنتائج الإيجابية بإجمالي تجاوز 149 ألف مفحوص، كشفت عن 3251 حالة مؤكدة جميعها قادمة من الخارج، تنوعت بين 2099 حالة من النوع الخبيث، وتوزعت تصنيفاتها النظامية ما بين حالات وافدة وأخرى مستقدمة.
أخبار متعلقة "الأرصاد" ينبه من أمطار ورياح نشطة على منطقة جازاناستشاري لـ”اليوم“: الكشف المبكر ونمط الحياة.. سلاحا مبادرة 10KSA لمواجهة السرطانوحلّت منطقة عسير في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات المكتشفة بتسجيل 869 حالة إيجابية من بين أكثر من 23 ألف عينة تم فحصها، تلتها محافظة جدة في المركز الثالث ب 667 حالة إيجابية، غلب عليها النوع الثلاثي الحميد، مما يعكس تباين أنماط الوفود والحركة السكانية بين المناطق.
وسجلت العاصمة الرياض 513 حالة إيجابية جميعها مستوردة من الخارج، وذلك بعد إجراء فحوصات مكثفة شملت أكثر من 66 ألف شخص، مما يؤكد يقظة الأنظمة الصحية في المناطق المركزية والكثيفة سكانياً لمنع أي توطين للمرض.
وفي المنطقة الشرقية، كثفت الفرق الصحية جهودها لتحتل المرتبة الثانية وطنياً في عدد الفحوصات بإجمالي تجاوز 124 ألف عينة، أسفرت عن رصد 434 حالة إيجابية وافدة فقط، تنوعت بين الخبيثة والحميدة والمختلطة، فيما تفاوتت الأرقام في بقية فروع الوزارة ومكاتبها، مؤكدة شمولية الغطاء الرقابي الصحي لكافة أرجاء المملكة.