رحلة القنصلية المصرية في الرياض من الطابور إلى الرقمنة
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
لطالما كانت صورة القنصلية أو السفارة هي المرآة التي يرى فيها المواطن بلاده خارج حدود الوطن، ولطالما كانت هي البوابة التي تنبعث منها هيبة الدولة أو تنكسر، احترامًا أو إهمالاً.
ومن هنا، كانت تجربتي مع القنصلية المصرية بالرياض منذ عشرات السنوات، نقطةً مفصليةً قادتني إلى إدراك عميق بأن الإرادة وحدها كفيلة بتحويل المؤسسات من العبء إلى النموذج.
أعيش في الرياض منذ سنوات طويلة، وحضرت تعاملات العديد من البعثات الدبلوماسية، ومعايشتي لتطوراتها دفعتني للمقارنة «دون تعصب » بين ما كانت عليه القنصلية المصرية وبين نظيراتها من السفارات، ففي أحد أيام الصيف، منذ ثلاث سنوات، ذهبتُ إلى القنصلية المصرية بصحبة صديق، لأفاجأ بمشهد صادم: عشرات المئات من المواطنين من رجال ونساء وكبار في السن، يقفون في طوابير طويلة خارج القنصلية تحت شمس تتجاوز حرارتها الخمسين، في انتظار الحصول على خدماتهم، كان المشهد موجعًا ومهينًا، لا يليق بدولة بحجم مصر ولا بمواطنيها.
غادرت المكان وقتها، لا من باب التذمر، بل من شدة الألم، إذ إنني أؤمن بأن هناك مؤسسات وطنية تمثل قدس أقداس الدولة، لا يجب انتقادها على العلن في الإعلام، بل التعامل معها من خلال قنوات التواصل المباشر، ومنها الخارجية المصرية التي تمثل الدولة في الخارج. ومن هنا بدأت محاولاتي الشخصية للتواصل مع بعض المسؤولين أملاً في الوصول إلى حل.
وبعد أيام قليلة، جاءت زيارة وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج السفيرة سها جندي إلى الرياض، وبرفقتها السفير المصري السابق بالرياض أحمد فاروق، وخلال فعالية حضرتها الجالية، طُلب مني إلقاء كلمة ترحيب لكنني، مدفوعًا بالألم، وجهت كلمة غاضبة وصريحة أمام الجميع، تحدثت فيها عمَّا يواجهه أبناء الجالية من إهانة ومعاناة في سبيل الحصول على أبسط الخدمات القنصلية، وهو ما أثار صدمة كبيرة بين الحضور.
وعقب هذه الكلمة، كتبت مقالاً تفصيليًّا بعنوان «طوابير المصريين أمام القنصلية المصرية بالرياض»، تناولت فيه حجم الأزمة، وأرفقت مقترحًا عمليًّا لحلها يتمثل في: التحول الكامل إلى الحوكمة والرقمنة، باعتبارهما السبيل الوحيد لاستيعاب جالية يفوق عددها المليونين في العاصمة السعودية.
وبعد ذلك بأيام قليلة، جاءني اتصال من القنصل العام الجديد آنذاك، السفير طارق المليجي، الذي كان قد تولى مهام منصبه حديثًا. دار بيننا حديث صريح وشفاف، استمعت فيه إلى رؤيته الطموحة، حيث أكد لي أن تحويل القنصلية إلى نموذج إداري رقمي يمثل أولوية قصوى بالنسبة له. بل أبلغني بأنه بدأ فعليًّا أولى خطوات التعاون مع أحد البنوك لإطلاق مرحلة التعاملات الإلكترونية.
ومن هنا بدأت رحلة التحول.
بدأ الرجل بخطوات عملية ومدروسة، من تجهيز أماكن مخصصة للانتظار داخل أسوار القنصلية، إلى تنظيم حركة الدخول والخروج، وتحديث آليات العمل الداخلي، وصولاً إلى إطلاق منصة إلكترونية شاملة لحجز المواعيد والاستعلام عن الخدمات، والتي شهدت توسعًا كبيرًا خلال الفترة اللاحقة، حتى أصبحتِ القنصلية المصرية بالرياض واحدةً من أكثر القنصليات العربية تنظيمًا ورقمنة.
واليوم، وبعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل، لم يعد هناك أي طابور أمام القنصلية، وأصبحتِ الشكاوى والانتقادات اللاذعة التي كانت تنتشر على مواقع الجروبات المصرية بالسعودية بكثافة معدومة، بل تحولت إلى شكر وإشادة، وأصبح المواطن المصري ينجز معاملاته بسهولة واحترام، بل يشعر بأن هناك دولة تحميه وتقدّره في غربته. كل ذلك تم تحت قيادة واعية وإدارة متطورة آمن أصحابها بأن مصر تستحق الأفضل.
وخلال حضوري فعالية أقامها المركز الثقافي المصري بالرياض بدعوة من القنصل العام السفير طارق المليجي ليلة الجمعة 16 مايو، وبحضور كوكبة من الرموز الرسمية، مثل الدكتور أحمد السعيد الملحق الثقافي، والمستشار العمالي محمد عليان، والقنصل النشيط عبد الله حسني، شعرت بأننا أمام نموذج جديد للمسؤول المصري. فقد قدم هؤلاء المسؤولون رؤيةً واضحةً ومتكاملةً عن الحاضر والمستقبل، وكان حضورهم مميزًا من حيث الطرح والاقتراب من الجالية، سواء من خلال اللغة العلمية الدقيقة للدكتور السعيد، أو الشرح المتميز من المستشار عليان لقوانين العمل، أو الكاريزما الواضحة والثقافة المتعمقة التي اتسم بها القنصل عبد الله حسني، والذي نال إعجابًا وإشادة وتصفيقًا حارًا من الحضور بسبب تفرده واستثنائية طرحه الممزوج بالمعرفة والعلم.
وفي كلمته خلال الفعالية، أصر السفير طارق المليجي على أن ينسب الفضل لفريق العمل داخل القنصلية، مؤكدًا أن ما تحقق هو ثمرة جهد جماعي، لا يُنسب لشخصه وحده.
وقد عبّرت كلمات رموز الجالية المصرية خلال اللقاء عن مشاعر فخر وامتنان لهذا القنصل الذي غيّر وجه القنصلية بالكامل، وأعاد لها قيمتها ودورها، وأصبح له مكانة خاصة في قلوب الجميع.
ومع قرب انتهاء فترة عمل السفير طارق المليجي، تعالتِ الأصوات المنادية بضرورة مخاطبة وزارة الخارجية المصرية، وعلى رأسها الوزير القدير السفير بدر عبد العاطي، لطلب تمديد فترة عمل هذا القائد الإداري، ليستكمل ما بدأه من ثورة رقمية وإدارية حقيقية.
طارق المليجي لم يكن مجرد قنصل، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، آمن بأن كرامة المواطن تبدأ من أبواب القنصلية، وأن التحول الرقمي ليس رفاهية بل ضرورة. وقد نجح في صناعة نموذج يُحتذى في كافة بعثاتنا الدبلوماسية حول العالم.
اقرأ أيضًاالأردن والإمارات يختتمان الجولة الأولى للمشاورات القنصلية فى أبو ظبى
غدا.. أوبرا الإسكندرية والقنصلية التركية تنظمان حفلا لأغاني الجاز
وزير الخارجية يتفقد القنصلية العامة في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الرياض القنصلية المصرية الرقمنة القنصلية المصرية بالرياض صورة القنصلية السفير طارق المليجي القنصلیة المصریة فی الریاض
إقرأ أيضاً:
«الزراعة» تشارك في الدورة الـ 15 للجنة المصرية الروسية المشتركة
شاركت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ممثلة في الإدارة المركزية للحجر الزراعي، في اجتماعات الدورة الخامسة عشرة للجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني برئاسة المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، وبحضور المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي.
وقال الدكتور محمد المنسي رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي، إن ذلك يأتي في إطار تكليفات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي وتوجيهات الدكتور أحمد عصام رئيس قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة، نحو تيسير انسياب حركة الصادرات الزراعية المصرية لمختلف دول العالم.
وأشار المنسي إلى أنه تم خلال الاجتماعات بحث سبل تعزيز التعاون وتيسير انسياب حركة التجارة بين البلدين، وذلك خلال لقاءات حضرها ممثلو الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة البيطرية والصحة النباتية والهيئة الفيدرالية الروسية لحماية المستهلك ورفاه الإنسان.
وأضاف أن عام 2024، شهد زيادة ملحوظة في صادرات بعض المحاصيل الزراعية المصرية إلى روسيا، مقارنةً بعام 2023، وعلى سبيل المثال البرتقال بنسبة 42.3%، حيث تم تصدير 297 ألف طن عام 2024 مقارنةً بـ 208.7 ألف طن تم تصديرها إليها عام 2023، فضلاً عن اليوسفي الذي ازدادت صادراته إلى روسيا بنسبة 2.2 مرة، من 83.8 ألف طن عام 2023 إلى 181.5 ألف طن عام 2024.
وأوضح أنه في عام 2025، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، ازدادت صادرات بطاطس المائدة المصرية الطازجة إلى روسيا بمقدار 4.6 مرات، حيث تم خلال الفترة نفسها من عام 2024 تصدير 59.3 ألف طن، وبلغت هذا العام 274.5 ألف طن، كما ازدادت صادرات البصل بنسبة 71.9%، من 7.6 ألف طن إلى 13 ألف طن.
وتابع أن الجانبين اتفقا على تيسير حركة الصادرات الزراعية المصرية إلى روسيا، حيث طلب الجانب الروسي أن تكون مصر مصدرًا لعدة سلع زراعية أخرى بديلاً عن بعض الدول نظرًا للمزايا التنافسية التي تتمتع بها المنتجات المصرية والجودة المشهود بها.
وشارك ممثلو الحجر الزراعي المصري أيضًا في الاجتماعات الجانبية لرجال الأعمال من دولة روسيا، بحضور وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، حيث تمت دراسة مقترح إنشاء أكبر سلاسل السوبر ماركت الروسية محطات فرز وتعبئة بالأراضي المصرية لتصدير المنتجات من مصر إلى روسيا الاتحادية بما يتوافق مع متطلبات سلاسل السوبر ماركت ووجود برامج للتصدير مباشرة على مدار العام.
اقرأ أيضًا«الزراعة» تُصدر 345 ترخيصا لتشغيل مشروعات الثروة الحيوانية خلال 15 يوما
وزير الزراعة: نتوقع إنتاج 10 ملايين طن قمح هذا العام