لطالما كانت صورة القنصلية أو السفارة هي المرآة التي يرى فيها المواطن بلاده خارج حدود الوطن، ولطالما كانت هي البوابة التي تنبعث منها هيبة الدولة أو تنكسر، احترامًا أو إهمالاً.

ومن هنا، كانت تجربتي مع القنصلية المصرية بالرياض منذ عشرات السنوات، نقطةً مفصليةً قادتني إلى إدراك عميق بأن الإرادة وحدها كفيلة بتحويل المؤسسات من العبء إلى النموذج.

أعيش في الرياض منذ سنوات طويلة، وحضرت تعاملات العديد من البعثات الدبلوماسية، ومعايشتي لتطوراتها دفعتني للمقارنة «دون تعصب » بين ما كانت عليه القنصلية المصرية وبين نظيراتها من السفارات، ففي أحد أيام الصيف، منذ ثلاث سنوات، ذهبتُ إلى القنصلية المصرية بصحبة صديق، لأفاجأ بمشهد صادم: عشرات المئات من المواطنين من رجال ونساء وكبار في السن، يقفون في طوابير طويلة خارج القنصلية تحت شمس تتجاوز حرارتها الخمسين، في انتظار الحصول على خدماتهم، كان المشهد موجعًا ومهينًا، لا يليق بدولة بحجم مصر ولا بمواطنيها.

رحلة القنصلية المصرية في الرياض

غادرت المكان وقتها، لا من باب التذمر، بل من شدة الألم، إذ إنني أؤمن بأن هناك مؤسسات وطنية تمثل قدس أقداس الدولة، لا يجب انتقادها على العلن في الإعلام، بل التعامل معها من خلال قنوات التواصل المباشر، ومنها الخارجية المصرية التي تمثل الدولة في الخارج. ومن هنا بدأت محاولاتي الشخصية للتواصل مع بعض المسؤولين أملاً في الوصول إلى حل.

وبعد أيام قليلة، جاءت زيارة وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج السفيرة سها جندي إلى الرياض، وبرفقتها السفير المصري السابق بالرياض أحمد فاروق، وخلال فعالية حضرتها الجالية، طُلب مني إلقاء كلمة ترحيب لكنني، مدفوعًا بالألم، وجهت كلمة غاضبة وصريحة أمام الجميع، تحدثت فيها عمَّا يواجهه أبناء الجالية من إهانة ومعاناة في سبيل الحصول على أبسط الخدمات القنصلية، وهو ما أثار صدمة كبيرة بين الحضور.

وعقب هذه الكلمة، كتبت مقالاً تفصيليًّا بعنوان «طوابير المصريين أمام القنصلية المصرية بالرياض»، تناولت فيه حجم الأزمة، وأرفقت مقترحًا عمليًّا لحلها يتمثل في: التحول الكامل إلى الحوكمة والرقمنة، باعتبارهما السبيل الوحيد لاستيعاب جالية يفوق عددها المليونين في العاصمة السعودية.

وبعد ذلك بأيام قليلة، جاءني اتصال من القنصل العام الجديد آنذاك، السفير طارق المليجي، الذي كان قد تولى مهام منصبه حديثًا. دار بيننا حديث صريح وشفاف، استمعت فيه إلى رؤيته الطموحة، حيث أكد لي أن تحويل القنصلية إلى نموذج إداري رقمي يمثل أولوية قصوى بالنسبة له. بل أبلغني بأنه بدأ فعليًّا أولى خطوات التعاون مع أحد البنوك لإطلاق مرحلة التعاملات الإلكترونية.

رحلة القنصلية المصرية في الرياض

ومن هنا بدأت رحلة التحول.

بدأ الرجل بخطوات عملية ومدروسة، من تجهيز أماكن مخصصة للانتظار داخل أسوار القنصلية، إلى تنظيم حركة الدخول والخروج، وتحديث آليات العمل الداخلي، وصولاً إلى إطلاق منصة إلكترونية شاملة لحجز المواعيد والاستعلام عن الخدمات، والتي شهدت توسعًا كبيرًا خلال الفترة اللاحقة، حتى أصبحتِ القنصلية المصرية بالرياض واحدةً من أكثر القنصليات العربية تنظيمًا ورقمنة.

واليوم، وبعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل، لم يعد هناك أي طابور أمام القنصلية، وأصبحتِ الشكاوى والانتقادات اللاذعة التي كانت تنتشر على مواقع الجروبات المصرية بالسعودية بكثافة معدومة، بل تحولت إلى شكر وإشادة، وأصبح المواطن المصري ينجز معاملاته بسهولة واحترام، بل يشعر بأن هناك دولة تحميه وتقدّره في غربته. كل ذلك تم تحت قيادة واعية وإدارة متطورة آمن أصحابها بأن مصر تستحق الأفضل.

وخلال حضوري فعالية أقامها المركز الثقافي المصري بالرياض بدعوة من القنصل العام السفير طارق المليجي ليلة الجمعة 16 مايو، وبحضور كوكبة من الرموز الرسمية، مثل الدكتور أحمد السعيد الملحق الثقافي، والمستشار العمالي محمد عليان، والقنصل النشيط عبد الله حسني، شعرت بأننا أمام نموذج جديد للمسؤول المصري. فقد قدم هؤلاء المسؤولون رؤيةً واضحةً ومتكاملةً عن الحاضر والمستقبل، وكان حضورهم مميزًا من حيث الطرح والاقتراب من الجالية، سواء من خلال اللغة العلمية الدقيقة للدكتور السعيد، أو الشرح المتميز من المستشار عليان لقوانين العمل، أو الكاريزما الواضحة والثقافة المتعمقة التي اتسم بها القنصل عبد الله حسني، والذي نال إعجابًا وإشادة وتصفيقًا حارًا من الحضور بسبب تفرده واستثنائية طرحه الممزوج بالمعرفة والعلم.

وفي كلمته خلال الفعالية، أصر السفير طارق المليجي على أن ينسب الفضل لفريق العمل داخل القنصلية، مؤكدًا أن ما تحقق هو ثمرة جهد جماعي، لا يُنسب لشخصه وحده.

وقد عبّرت كلمات رموز الجالية المصرية خلال اللقاء عن مشاعر فخر وامتنان لهذا القنصل الذي غيّر وجه القنصلية بالكامل، وأعاد لها قيمتها ودورها، وأصبح له مكانة خاصة في قلوب الجميع.

ومع قرب انتهاء فترة عمل السفير طارق المليجي، تعالتِ الأصوات المنادية بضرورة مخاطبة وزارة الخارجية المصرية، وعلى رأسها الوزير القدير السفير بدر عبد العاطي، لطلب تمديد فترة عمل هذا القائد الإداري، ليستكمل ما بدأه من ثورة رقمية وإدارية حقيقية.

طارق المليجي لم يكن مجرد قنصل، بل كان رجل دولة بمعنى الكلمة، آمن بأن كرامة المواطن تبدأ من أبواب القنصلية، وأن التحول الرقمي ليس رفاهية بل ضرورة. وقد نجح في صناعة نموذج يُحتذى في كافة بعثاتنا الدبلوماسية حول العالم.

اقرأ أيضًاالأردن والإمارات يختتمان الجولة الأولى للمشاورات القنصلية فى أبو ظبى

غدا.. أوبرا الإسكندرية والقنصلية التركية تنظمان حفلا لأغاني الجاز

وزير الخارجية يتفقد القنصلية العامة في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الرياض القنصلية المصرية الرقمنة القنصلية المصرية بالرياض صورة القنصلية السفير طارق المليجي القنصلیة المصریة فی الریاض

إقرأ أيضاً:

طارق فهمي: لن يكون هناك دور لحماس لإدارة غزة أو حمل السلاح

أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أنه الآن يجري العمل في مرحلة الترتيبات الأمنية وتجميد سلاح حماس، مشيرا إلى أن مصر تدعو إلى فكرة قوى دولية لتحصين الاتفاق.

ترامب: إعادة إعمار غزة تتطلب نزع سلاح حماس جيش الاحتلال: مستعدون لعودة جميع المحتجزين ونتوقع من حماس الالتزام بشروط الاتفاق

وقال طارق فهمي، خلال لقاء له لبرنامج “مساء دي أم سي”، عبر فضائية “دي أم سي”، نحاول تحصين الإتفاق من خلال الموقعين عليه وهي مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا، مؤكدا أنه سيتم العمل على إطلاق مؤتمر لدعم إعادة إعمار غزة في نوفمبر المقبل وسيكون هناك مؤسسات دولية تشارك به.

وتابع طارق فهمي، أنه لن يكون هناك دور لحماس لإدارة قطاع غزة، أو حمل السلاح، خاصة أن هناك تخوفات من إندلاع حرب أهلية داخل قطاع غزة.

وأشار طارق فهمي إلى أنه  يوجد حوار بين حماس والإدارة الأمريكية لتسهيل تنفيذ الإتفاق، مؤكدا أنه سيتم حل جميع منشات حماس على الأرض لمنع إندلاع أعمال عنف

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الإثنين، أنّ حصيلة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع ارتفعت إلى 67,869 شهيدًا و170,105 إصابة، منذ السابع من أكتوبر 2023، وذلك وفق التقرير الإحصائي الصادر عن الوزارة بتاريخ 13 أكتوبر 2025.

عدد من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات

وأضافت الوزارة أنّ مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية 63 شهيدًا، بينهم 60 تمّ انتشالهم من تحت الأنقاض، إضافة إلى 39 إصابة جديدة.

وأشارت إلى أنّ عددًا من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، في ظل عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة، نتيجة الدمار الواسع واستمرار تعثّر الوصول إلى بعض المناطق المتضررة.


 

مقالات مشابهة

  • وزير العمل يلتقي أعضاء الجالية المصرية بقطر لبحث أوضاع العمالة
  • أبناء الجالية المصرية في قطر يعرضون مطالبهم على وزير العمل خلال لقائه بهم في الدوحة
  • الخارجية الأميركية توقف الخدمات القنصلية غير الطارئة في إيران
  • غروندبرغ يصل الرياض ويباشر مباحثاته مع السفير السعودي وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن .. تفاصل عاجل
  • قنصل مصر بالرياض يشيد بدور أبناء الجالية المصرية بمجالات الاستثمار والعمل داخل المملكة
  • قنصل مصر بميلانو يشارك في احتفال الجالية المصرية بذكرى حرب 6 أكتوبر
  • قنصل مصر في الرياض يلتقي بـ أعضاء الجالية بالمنطقة الشرقية
  • الجالية المصرية بالنمسا: قمة شرم الشيخ جسّدت زعامة الرئيس السيسي ومكانة مصر العالمية
  • طارق فهمي: لن يكون هناك دور لحماس لإدارة غزة أو حمل السلاح
  • القنصل ياسر هاشم يلتقي أبناء الجالية المصرية بالمنطقة الشرقية بالسعودية