الاتحاد الأوروبي يتصدى لترامب: النرويج مقابل غرينلاند؟
تاريخ النشر: 20th, May 2025 GMT
تناقش بروكسل إمكانية انضمام النرويج، رفيقة آيسلندا، إلى الاتحاد الأوروبي. تبيّن التسريبات والتقارير الإعلامية أنّ الاتحاد الأوروبي يعتزم توظيف انضمام الأولى كأداة جيوسياسية يبتغي من خلالها التدخل في مسألة غرينلاند. فبرغم المعايير الصارمة التي وضعها للاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الانضمام إليه، إلا أنّه لطالما برع في استخدام هذه القضية كـ"أداة سياسية" كما هو الحال مع أوكرانيا، وكذلك تركيا على سبيل المثال.
اللافت أنّ النرويج ليست مُدرجة، كما آيسلندا، على لائحة الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وعددها 8: ألبانيا - مقدونيا الشمالية - البوسنة والهرسك - الجبل الأسود - تركيا - مولدوفيا - جورجيا - أوكرانيا. وهو الأمر الذي يعزّز من العناصر الجيوسياسية في عملية تكتسي بغطاء اقتصادي- مالي رقيق.
الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا.
الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا
وتشتهر النرويج بكونها دولة مانحة للمساعدات وبرامج التنمية والنهوض، كما أنّ دخولها إلى الكتلة الأوروبية سيعزز من أوراقها الاقتصادية وأداوتها المالية، علاوة على أنّه يتسق مع سياسة بروكسل بتوسعة حدودها استجابة للواقع الجيوسياسي الذي أوجدته الحرب في أوكرانيا.
بيد أنّ ذلك ليس سوى رأس جبل الجليد ضمن مناورة جيوسياسية أوروبية كبرى تروم إحداث التوازن المفقود أو المنكسر مع أمريكا في عهد ترامب، حيث تبتغي بروكسل من خلال الموافقة على انضمام النرويج ومعها آيسلندا، تعزيز الوصول إلى القطب الشمالي، وإحكام قبضتها على الكتلة الجيوسياسية المؤثرة في جزيرة غرينلاند، التي صارت موضع اهتمام عالمي عقب كشف ترامب عن نيته ضمها.
ذلك أنّ غرينلاند، أو أرض الناس حسب تعريف سكانها الأصليين، هي جزيرة شبه مستقلة تخضع لحكم ذاتي يتبع اسميا ونظريا للدانمارك، وهي من أعضاء الاتحاد الأوروبي، فيما تدار من قبل القوات الجوية الأمريكية. فمع أنّها تُعد جزءا من قارة أمريكا الشمالية، إلا أنّ غرينلاند ارتبطت سياسيا وثقافيا بأوروبا، وبالتحديد بالنرويج والدانمارك.
تقع هذه الجزيرة بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي الشمالي، وتبعد عن كندا نحو 26 كلم فقط، تبلغ مساحتها نحو 2.166.086 كيلومتر مربع، بعدد سكان يصل إلى 56 ألف نسمة، حسب الموسوعة البريطانية للعام 2024.
تكتسي مطالبة ترامب بضم هذه الجزيرة بأبعاد جيوسياسية واقتصادية، إذ لطالما اعتبرتها أمريكا موقعا استراتيجيا لأمنها القومي نظرا لقربها من سواحلها، حتى أنّها تعد الخاصرة الرخوة للساحل الشرقي الأمريكي.
علاوة على أنها تتيح لأمريكا مراقبة الممرات المائية بين الجزيرة وآيسلندا وبريطانيا، ولا سيما ممر "GUK" (غرينلاند- آيسلندا- المملكة المتحدة)، خصوصا أنّها تُعد بوابة للسفن البحرية والغواصات النووية الروسية. كذلك فإن "أرض الناس" كما أوكرانيا، تعد أرضا غنية بالمعادن الطبيعية وخصوصا اليورانيوم والليثيوم.
إزاء ما سبق، وما يبديه ترامب من جدية حيال "مسألة غرينلاند" واعتبارها أولوية على صعيد متقدمة على صعيد الأمن القومي الأمريكي، فإنّ نفوذ بروكسل على الكتلة الجيوسياسية على بحر النرويج المتصلة بغرينلاند يتيح لها إحداث توازن جيوسياسي مع واشنطن، من خلال تحولها هي إلى جهة التفاوض مع إدارة ترامب حول هذه المسألة، خصوصا مع الرفض الواضح الذي يبديه السكان الأصليون للجزيرة أمام مطامع واشنطن، الأمر الذي يعزز من أوراقها في المنازلة التي تخوضها مع ترامب الذي يرى في القارة العجوز حليفا مكلفا ومحدود الأهمية على الصعيد الجيوسياسي، وكذلك الاقتصادي. ومع ذلك فإنّ نقطة الضعف التي تبرز في هذه السياسة هي بريطانيا، والتي عدا عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي فإنها تعد الحليف الأقرب تاريخيا للولايات المتحدة الأمريكية.
ولندن كما أسلفنا، تُعد ركنا من المثلث في ممر "GUK"، وتتبع حكومتها نهجا مغايرا عن القادة الأوروبيين في التعامل مع ترامب أكثر انسجاما مع توجهاته غير التقليدية، ناهيكم عن أنّ انضمام النرويج وآيسلندا سيفجّر غضب أوكرانيا التي تضغط منذ اندلاع الصراع على أراضيها من أجل الانضمام إلى التكتل الأوروبي، وسط رفض حازم من بعض أعضائه.
وهذا ما قد يؤدي إلى ابتعاد كييف عن بروكسل وباريس ولندن وبرلين بشكل تدريجي، مع ما لذلك من تأثير دراماتيكي على الصراع في أوكرانيا، قد يفضي إلى قبول زيلنسكي وأركان إدارته بالخضوع للشروط الأمريكية، ومن ورائها خضوعه للمعايير الروسية، وبالتالي الإطاحة بكل الجهود والسلاح والأرواح والإنفاق المالي التي تكبدتها أوروبا خلال سنوات الصراع، بينما الأمر الأهم هو فقدان ورقة جيوسياسية شديدة الأهمية تفسح المجال أمام التمدّد الجيوسياسي لروسيا، وهو لم يُتح للاتحاد السوفييتي نفسه في عزّ قوته.. وبذلك، تكون بروكسل قد راهنت على حساب ما تبقى من أوراق نفوذها المتهاوية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الاتحاد الأوروبي غرينلاند أوروبا امريكا أوروبا الاتحاد الأوروبي غرينلاند مدونات مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
ترامب غريب لترامب: سكان غزة مرّوا بالجحيم وأريد الأمان لهم
أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، بتصريحات لافتة حول حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، مؤكداً أن سكان القطاع "مرّوا بالجحيم"، في تعليق نادر من الرئيس الجمهوري على تداعيات العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ قرابة العامين.
وقال ترامب، خلال حديثه للصحفيين أثناء صعوده طائرة "إير فورس ون" متوجهاً إلى ولاية آيوا، رداً على سؤال بشأن ما إذا كان لا يزال مهتماً بالسيطرة على غزة: "أريد الأمان لشعب غزة. لقد مروا بالجحيم".
ترامب: مستعد للقاء الإيرانيين
في سياق موازٍ، تطرق ترامب إلى الملف الإيراني، مشيراً إلى أن طهران "ترغب في الحوار"، وأضاف: "لا نريد إيذاءهم، بل نريد مساعدتهم على استعادة كيانهم الوطني".
كما أبدى استعداده للقاء ممثلين عن الحكومة الإيرانية "إذا لزم الأمر"، ما يعكس تحولاً لافتاً في لهجته إزاء إيران.
حماس تدرس مقترح الهدنة
في الأثناء، قالت حركة حماس، في بيان صحفي مقتضب، إنها تُجري مشاورات داخلية مع قادة الفصائل الفلسطينية بشأن عرض تلقته من الوسطاء القطريين والمصريين، في إطار جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وأكدت الحركة أنها "تحرص على إنهاء العدوان وضمان دخول المساعدات بحرية"، موضحةً أنها ستسلم الرد النهائي للوسطاء فور انتهاء المشاورات، وسيتم الإعلان عنه رسمياً.
تزامن ذلك مع تقارير إسرائيلية أفادت بأن الرئيس الأمريكي قد يُعلن، الاثنين المقبل، اتفاقاً لوقف إطلاق النار في غزة، خلال اجتماع مرتقب مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن ثمة "تفاؤلاً حذراً" حيال تقدم ملحوظ في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، مشيرين إلى إمكانية إعلان الحركة قبولها بالصيغة الجديدة خلال الساعات المقبلة.
وبحسب الصحيفة، فإن الاستعدادات جارية لعقد جولة جديدة من "محادثات القرب" غير المباشرة بين الجانبين في العاصمة القطرية الدوحة، ما لم تحدث عراقيل في اللحظات الأخيرة.
نتنياهو يوافق على المقترح
من جهتها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن رئيس وزراء الاحتلال أبلغ عائلات الأسرى الإسرائيليين بموافقته على المقترح الأخير المقدم عبر الوسطاء، قائلاً إن "تل أبيب بانتظار رد حماس". ونقلت الهيئة عن مصادر مطلعة قولها إن الرد قد يكون إيجابياً، وأن الإعلان عن اتفاق وشيك قد يتم خلال أيام.
وتشمل القضايا العالقة بين الطرفين تفاصيل آلية انسحاب جيش الاحتلال من القطاع، وتوزيع المناطق، وعدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم، إلى جانب قضية إنهاء الحرب.
وفي تصريحات لقناة "كان" الإسرائيلية، قال دبلوماسي عربي من إحدى الدول الوسيطة، دون كشف هويته: "نحن أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى، لكن لا تزال هناك قضايا قد تتعثر في اللحظة الأخيرة".
انقسام داخل "الكابينت"
في سياق متصل، يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) جلسات متواصلة لبحث مستقبل الحرب على غزة، وسط انقسامات حادة بشأن الصفقة المرتقبة.
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن نتنياهو "يدفع بقوة" نحو إبرام الصفقة، لاقتناعه بأن "الفرصة السياسية المتاحة اليوم قد لا تتكرر لاحقاً".
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن حرب شاملة على قطاع غزة، تشمل عمليات قصف وتدمير وتهجير وتجويع ممنهج، متجاهلاً جميع الدعوات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية لوقف العمليات.
وقد أسفرت الحرب، بدعم أمريكي مباشر، عن سقوط أكثر من 192 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 10 آلاف مفقود، وآلاف النازحين الذين يعيشون ظروفًا إنسانية كارثية، وسط تفشي المجاعة والأوبئة.