تناقش بروكسل إمكانية انضمام النرويج، رفيقة آيسلندا، إلى الاتحاد الأوروبي. تبيّن التسريبات والتقارير الإعلامية أنّ الاتحاد الأوروبي يعتزم توظيف انضمام الأولى كأداة جيوسياسية يبتغي من خلالها التدخل في مسألة غرينلاند. فبرغم المعايير الصارمة التي وضعها للاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الانضمام إليه، إلا أنّه لطالما برع في استخدام هذه القضية كـ"أداة سياسية" كما هو الحال مع أوكرانيا، وكذلك تركيا على سبيل المثال.



اللافت أنّ النرويج ليست مُدرجة، كما آيسلندا، على لائحة الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وعددها 8: ألبانيا - مقدونيا الشمالية - البوسنة والهرسك - الجبل الأسود - تركيا - مولدوفيا - جورجيا - أوكرانيا. وهو الأمر الذي يعزّز من العناصر الجيوسياسية في عملية تكتسي بغطاء اقتصادي- مالي رقيق.

الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا.

الصفة المشتركة بين الدول الثماني المرشحة، هي أنّها تعاني من أوضاع اقتصادية هشّة، وبالتالي سوف تكون من الدول المتلقية للمساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا من المؤكد أنّه سيزيد من حجم الضغوط التي تثقل كاهل أعضاء الاتحاد، من دون وجود عوائد سياسية كبرى، باستثناء أوكرانيا وبدرجة أقل تركيا
وتشتهر النرويج بكونها دولة مانحة للمساعدات وبرامج التنمية والنهوض، كما أنّ دخولها إلى الكتلة الأوروبية سيعزز من أوراقها الاقتصادية وأداوتها المالية، علاوة على أنّه يتسق مع سياسة بروكسل بتوسعة حدودها استجابة للواقع الجيوسياسي الذي أوجدته الحرب في أوكرانيا.

بيد أنّ ذلك ليس سوى رأس جبل الجليد ضمن مناورة جيوسياسية أوروبية كبرى تروم إحداث التوازن المفقود أو المنكسر مع أمريكا في عهد ترامب، حيث تبتغي بروكسل من خلال الموافقة على انضمام النرويج ومعها آيسلندا، تعزيز الوصول إلى القطب الشمالي، وإحكام قبضتها على الكتلة الجيوسياسية المؤثرة في جزيرة غرينلاند، التي صارت موضع اهتمام عالمي عقب كشف ترامب عن نيته ضمها.

ذلك أنّ غرينلاند، أو أرض الناس حسب تعريف سكانها الأصليين، هي جزيرة شبه مستقلة تخضع لحكم ذاتي يتبع اسميا ونظريا للدانمارك، وهي من أعضاء الاتحاد الأوروبي، فيما تدار من قبل القوات الجوية الأمريكية. فمع أنّها تُعد جزءا من قارة أمريكا الشمالية، إلا أنّ غرينلاند ارتبطت سياسيا وثقافيا بأوروبا، وبالتحديد بالنرويج والدانمارك.

تقع هذه الجزيرة بين المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الأطلسي الشمالي، وتبعد عن كندا نحو 26 كلم فقط، تبلغ مساحتها نحو 2.166.086 كيلومتر مربع، بعدد سكان يصل إلى 56 ألف نسمة، حسب الموسوعة البريطانية للعام 2024.

تكتسي مطالبة ترامب بضم هذه الجزيرة بأبعاد جيوسياسية واقتصادية، إذ لطالما اعتبرتها أمريكا موقعا استراتيجيا لأمنها القومي نظرا لقربها من سواحلها، حتى أنّها تعد الخاصرة الرخوة للساحل الشرقي الأمريكي.

علاوة على أنها تتيح لأمريكا مراقبة الممرات المائية بين الجزيرة وآيسلندا وبريطانيا، ولا سيما ممر "GUK" (غرينلاند- آيسلندا- المملكة المتحدة)، خصوصا أنّها تُعد بوابة للسفن البحرية والغواصات النووية الروسية. كذلك فإن "أرض الناس" كما أوكرانيا، تعد أرضا غنية بالمعادن الطبيعية وخصوصا اليورانيوم والليثيوم.

إزاء ما سبق، وما يبديه ترامب من جدية حيال "مسألة غرينلاند" واعتبارها أولوية على صعيد متقدمة على صعيد الأمن القومي الأمريكي، فإنّ نفوذ بروكسل على الكتلة الجيوسياسية على بحر النرويج المتصلة بغرينلاند يتيح لها إحداث توازن جيوسياسي مع واشنطن، من خلال تحولها هي إلى جهة التفاوض مع إدارة ترامب حول هذه المسألة، خصوصا مع الرفض الواضح الذي يبديه السكان الأصليون للجزيرة أمام مطامع واشنطن، الأمر الذي يعزز من أوراقها في المنازلة التي تخوضها مع ترامب الذي يرى في القارة العجوز حليفا مكلفا ومحدود الأهمية على الصعيد الجيوسياسي، وكذلك الاقتصادي. ومع ذلك فإنّ نقطة الضعف التي تبرز في هذه السياسة هي بريطانيا، والتي عدا عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي فإنها تعد الحليف الأقرب تاريخيا للولايات المتحدة الأمريكية.

ولندن كما أسلفنا، تُعد ركنا من المثلث في ممر "GUK"، وتتبع حكومتها نهجا مغايرا عن القادة الأوروبيين في التعامل مع ترامب أكثر انسجاما مع توجهاته غير التقليدية، ناهيكم عن أنّ انضمام النرويج وآيسلندا سيفجّر غضب أوكرانيا التي تضغط منذ اندلاع الصراع على أراضيها من أجل الانضمام إلى التكتل الأوروبي، وسط رفض حازم من بعض أعضائه.

وهذا ما قد يؤدي إلى ابتعاد كييف عن بروكسل وباريس ولندن وبرلين بشكل تدريجي، مع ما لذلك من تأثير دراماتيكي على الصراع في أوكرانيا، قد يفضي إلى قبول زيلنسكي وأركان إدارته بالخضوع للشروط الأمريكية، ومن ورائها خضوعه للمعايير الروسية، وبالتالي الإطاحة بكل الجهود والسلاح والأرواح والإنفاق المالي التي تكبدتها أوروبا خلال سنوات الصراع، بينما الأمر الأهم هو فقدان ورقة جيوسياسية شديدة الأهمية تفسح المجال أمام التمدّد الجيوسياسي لروسيا، وهو لم يُتح للاتحاد السوفييتي نفسه في عزّ قوته.. وبذلك، تكون بروكسل قد راهنت على حساب ما تبقى من أوراق نفوذها المتهاوية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الاتحاد الأوروبي غرينلاند أوروبا امريكا أوروبا الاتحاد الأوروبي غرينلاند مدونات مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

المحكمة العليا تجيز لترامب سحب الحماية المؤقتة من الترحيل لنحو 350 ألف فنزويلي

سمحت المحكمة العليا الأمريكية لإدارة ترامب بسحب الحماية المؤقتة من الترحيل (TPS) لنحو 350 ألف فنزويلي، بعد رفع الأمر القضائي الذي كان يوقف القرار، رغم مخاوف من تأثيره الإنساني والاقتصادي. اعلان

سمحت المحكمة العليا الأمريكية يوم الاثنين لإدارة الرئيس دونالد ترامب بسحب الحماية المؤقتة من الترحيل (TPS) لنحو 350 ألف فنزويلي يعيشون في الولايات المتحدة، بعد أن ألغت الأمر القضائي الذي كان يوقف تنفيذ هذا القرار.

وكان القاضي الفيدرالي إدوارد تشين، المقيم في سان فرانسيسكو، قد أصدر سابقاً أمراً قضائياً يوقف قرار وزيرة الأمن الداخلي كريستي نيوم بإنهاء برنامج "الوضع المحمي مؤقتًا" للفنزويليين. لكن المحكمة العليا وافقت على طلب وزارة العدل برفع هذا الأمر، ما يمكّن الإدارة من المضي قدماً في إنهاء الحماية القانونية لهذه الفئة من المهاجرين.

ويعتبر برنامج TPS آلية إنسانية بموجب القانون الأمريكي تمنح مواطني الدول المتضررة من حروب أو كوارث طبيعية حماية مؤقتة من الترحيل وإمكانية العمل بشكل قانوني في الولايات المتحدة، ويتم تجديد هذا التصنيف بواسطة وزير الأمن الداخلي.

وخلال فترة حكم إدارة الرئيس جو بايدن، صُنّفت فنزويلا ضمن البرنامج مرتين، في عامَي 2021 و2023، وفي يناير الماضي، قبل أيام من عودة ترامب إلى الرئاسة، أعلن بايدن تمديد تصنيف فنزويلا حتى عام 2026.

لكن الوزيرة نيوم، المعينة من قبل إدارة ترامب، ألغت لاحقاً هذا التمديد، وقررت إنهاء الحماية بالنسبة لفئة معينة من الفنزويليين الذين استفادوا من التصنيف الصادر في 2023، وأشارت وزارة الأمن الداخلي إلى أن نحو 348,202 فنزويلياً كانوا مسجلين ضمن هذا التصنيف.

Relatedالمحكمة العليا الأمريكية تجهض محاولة ترامب استئناف عمليات الترحيل السريع للفنزويليينوزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تزور سجنا مشدد الحراسة في السلفادور يضم مبعدين فنزويليينالمحكمة العليا الأمريكية تقرر تعليق عمليات ترحيل مهاجرين فنزويليين

وقضى القاضي تشين بأن قرار الوزيرة نيوم ينتهك القانون الفيدرالي المنظم لعمل الوكالات الحكومية، مشيراً إلى أن الإلغاء استند إلى "صور نمطية سلبية"، واعتبر اتهامات بالإجرام الجماعي لهذه الفئة "لا أساس لها وتتنافي مع الحقائق".

وأضاف أن حاملي وضع TPS من الفنزويليين مستواهم التعليمي أفضل من متوسط المواطنين الأمريكيين وهم أقل عرضة لارتكاب الجرائم.

وفي 18 أبريل، رفضت محكمة الاستئناف الأمريكية في الدائرة التاسعة، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، طلب الإدارة بتعليق أمر القاضي.

من جهتهم، زعم محامو وزارة العدل في الطعن أمام المحكمة العليا أن القاضي تشين تجاوز صلاحياته وتدخل في إدارة السياسة الهجرة التي تخضع حصرا لاختصاص السلطة التنفيذية، وأكدوا أن قراره يتعارض مع الاختصاصات الأساسية للسلطة التنفيذية ويُعرقل اتخاذ القرارات السياسية الحساسة في مجال يتطلب المرونة والسرعة.

فيما حذر المدعى عليهم، ومن بينهم مستفيدون من برنامج TPS ومجموعة الدفاع الوطنية عن الوضع المحمي مؤقتًا، من أن تنفيذ القرار سيحرم نحو 350 ألف شخص من العمل ويعرّضهم للترحيل إلى دولة تعاني من ظروف غير آمنة، وسيسبب أيضا خسائر اقتصادية بالمليارات.

وحذرت وزارة الخارجية الأمريكية حالياً من السفر إلى فنزويلا بسبب مخاطر الاحتجاز التعسفي والجريمة وعدم الاستقرار.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب أنهت في أبريل أيضاً برنامج TPS لآلاف الأفغان والكاميرونيين في الولايات المتحدة، لكن هذه القرارات لا تدخل ضمن القضية الحالية المتعلقة بالفنزويليين.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ما هي الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا إذا قررت ضرب أوكرانيا؟
  • المحكمة العليا تجيز لترامب سحب الحماية المؤقتة من الترحيل لنحو 350 ألف فنزويلي
  • بوتين لترامب: مستعدون لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا
  • المجلس الأوروبي: عقوبات جديدة ضد روسيا إذا لم توقف العدوان على أوكرانيا
  • أوربان: انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أكبر تهديد لهنغاريا وسنقاوم
  • سيارتو: أوكرانيا ليست مؤهلة بأي حال من الأحوال للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
  • المجر: انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي يهددنا
  • تصريحات متناقضة لترامب حول المقاتلة المستقبلية F-55
  • قمة التجمع السياسي الأوروبي يناقش أزمة أوكرانيا وغزة