“إننا نبحر في المياه المجهولة، وإن كل شيء نعتقد أننا نعرفه عن الأسلحة النووية، ولاسيما ما يتعلق بالردع، والإكراه، بات قواعد تَستنِد إلى تاريخ قصير للغاية ومحدود بين فترتين من أكثر الفترات استقراراً في العالم، مقارنة بما يشهده العالم اليوم”.

بهذه الجملة يُلخِّص محلل شؤون الدفاع ديفيد كوبر، الإطار العام لما يمكن تناوله حول طبيعة التفاعلات النووية التي يشهدها العالم في المرحلة الحالية، وهي تفاعلات ترتبط بعملية الانتقال ما بين العصور النووية توازياً مع تطور التفاعلات الحادة في النظام الدولي، فالعصر النووي الأول ارتبط بظهور واستخدام القنبلة النووية ضد هيروشيما وناغازاكي في عام 1945؛ ما أنهى الحرب العالمية وخلق نظاماً دولياً جديداً.

أما العصر النووي الثاني، فقد ظهر عَقَبَ الحرب البادرة وسقوط الاتحاد السوفيتي والهيمنة الأمريكية، وكان كيث باين، هو أول من أطَّر لتعبير العصر النووي الثاني في عام 1996، في كتابه “الردع في العصر النووي الثاني”، حيث أضاف إلى التحولات في النظام الدولي عاملاً آخر هو أثر التطور التكنولوجي أو عملية “الأتمتة” على القوة النووية. وفي عام 1999، أضاف بول براكن، ملمحاً آخراً إلى هذا العصر النووي هو سعي دول إقليمية، وتحديداً في الشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا، لامتلاك السلاح النووي.

واليوم، ومع الانتقال لمرحلة العصر النووي الثالث، أثبتت التكنولوجيا أنها المحدد الأكثر أهمية في عملية الانتقال ما بين العصور النووية، في ظل الطفرات الهائلة في عصر ثورة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وانعكاسات هذه الطفرات المتسارعة على حالة التسلح النووي والصاروخي؛ بحيث لم يَعُد بالإمكان إدراج كافة القوى تحت مظلة عصر نووي واحد؛ بل على العكس من ذلك ستكون هناك قوى نووية متقدمة وأخرى أقل تقدماً.

في القلب من ذلك، فإن القارة الآسيوية هي أحد أبرز مناطق الإبحار إلى المجهول، وفق تعبير ديفيد كوبر، فهي تضم الكتلة النووية الأكبر في العالم، بما فيها روسيا، التي تُعد القوة النووية العظمى، في ظل تفاعلات أمنية خطرة، مع تعديل روسيا عقيدتها النووية بَعْد الحرب مع أوكرانيا، بالإضافة إلى الأزمة الدائمة بين الكوريتين على خلفية برنامج بيونغ يانغ النووي، وأزمة تايوان، ومساعي الصين لأن تكون في الصدارة العالمية؛ ما يتطلب الوصول لقدرات نووية أكثر تقدماً من ناحية الكم والكيف معاً.

على هذا النحو، تبدو الخريطة الآسيوية مليئة بالبؤر الساخنة؛ ومع ذلك، فإنها ليست حالة استثنائية في تاريخ القارة، فعلى العكس من ذلك، قد تكون جولة اعتيادية جديدة في التاريخ، في مشهد متكرر يتزامن مع عملية الانتقال ما بين نظام دولي سابق وآخر جديد.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

في أوسلو.. ويتكوف يخطط للقاء عراقجي لاستئناف المفاوضات النووية

في أوسلو.. ويتكوف يخطط للقاء عراقجي لاستئناف المفاوضات النووية

مقالات مشابهة

  • شرطة النووي.. تاريخ إسرائيل في تدمير المفاعلات النووية العربية
  • 5 لاعبين من مانشستر يونايتد يطلبون الرحيل
  • طالبي يحسم موقفه من الانتقال لدوري روشن
  • كأس رئيس الدولة للخيول العربية «قمة النخبة» في ألمانيا
  • وزير الخارجية الصيني: الحل العسكري لأزمة البرنامج النووي الإيراني يهدد العالم بكارثة نووية
  • حرب السودان الانتقال من الوكالة الي ارهاب الدولة وضرب الأمن الاقليمي
  • عودة سيارة ستيلانتس SRT إلى الحياة بشكل جديد
  • بتوجيهات رئيس الدولة وبرعاية هزاع بن زايد.. مهرجان العين لسباقات الهجن ينطلق اليوم
  • في أوسلو.. ويتكوف يخطط للقاء عراقجي لاستئناف المفاوضات النووية
  • بلحيف النعيمي يستقبل وفدين من روسيا والهند ويبحثون آفاق التعاون