هل فبركت أياد خفية الاتهامات لكريم خان؟ ولماذا؟
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
باريس – يخضع كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق بتهمة "سوء السلوك المزعوم" عقب اتهامات بسلوك جنسي غير لائق تجاه موظفة العام الماضي.
وأعلنت المحكمة، ومقرها لاهاي، في بيان لها الجمعة، أن خان سيتنحى مؤقتا من منصبه إلى حين انتهاء تحقيق يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة في الاتهامات الموجهة ضده وإرسال تقريره إلى رئيس الهيئة الإدارية للمحكمة لمراجعة استنتاجاته.
وتتزايد الشكوك بشأن صحة وأهداف هذه الاتهامات بسبب تزامنها مع الفترة التي كان يستعد فيها المدعي العام لإصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت في 20 مايو/أيار 2024.
سابقة قضائيةوأعربت رئاسة جمعية الدول الأطراف (وهي الهيئة الرقابية الإدارية والتشريعية للمحكمة)، في بيان صادر أمس الاثنين، عن ثقتها التامة باستمرار عمل المحكمة لتحقيق العدالة بصورة طبيعية ومن دون أي انقطاع، في ظل قيادة الرئاسة والمسجل ونائبي المدعي العام.
وأضاف البيان، أن مكتب الجمعية يتابع التحقيق لضمان إجراء عملية تحقيق مستقلة ومنصفة وعادلة بالكامل، بما يتوافق مع الإطار القانوني الخاص بالجنائية الدولية ونظام روما الأساسي.
إعلانوعن المدة التي من المتوقع أن يستغرقها التحقيق مع خان، أوضح المحامي عبد المجيد مراري أن ما يحدث هو سابقة قضائية في تاريخ الجنائية الدولية "لم يسبق فتح تحقيق مع أي مدع عام في هذه المحكمة، منذ تأسيسها وأعتقد أن إصدار نتائج التحقيق سيستغرق شهرين كحد أقصى".
وفي حديث للجزيرة نت، يرى مراري، أن بيان جمعية الدول الأطراف، يؤكد أن الجنائية الدولية غير مرتبطة بالأشخاص، وإنما بمكاتب ومؤسسات تعمل باستمرار في إطار ما يُصطلح عليه باستمرارية المرفق العمومي.
ومن جهة أخرى، أعرب العضو في الفريق القانوني الذي قاد مذكرات الاعتقال عن استغرابه من توقيت هذه الاتهامات "ونعتبرها محاولة لإلهاء المحكمة والقضاء الدولي والعدالة الدولية في القيام بمهامها للتحقيق في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة".
ملف غزة مستمروفي ظل الاضطرابات التي تحوم بالعدالة الدولية، يعتبر أستاذ القانون الدولي بجامعة ميدلسكس في لندن، والرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويليام شاباس، أن قرار كريم خان التنحي مؤقتا ريثما يُجرى التحقيق، هو القرار الصحيح، قائلا "هذا ما يجب فعله عند وجود ادعاء خطِر كهذا، وعندما يكون التحقيق جاريا. ليس لدي رأي بشأن ما إذا كان قد حدث شيء أم لا".
ومن حيث المبدأ، يرى شاباس ـفي حديث للجزيرة نت ـ أن المزاعم الموجهة للمدعي العام لا ينبغي أن تغير من مسار ملف الحرب على قطاع غزة داخل الجنائية الدولية لأن نوابه المنتخبين سيتولون مهمة متابعة القضية التي يجب أن تستمر.
وقد أعلن مكتب المدعي العام للجنائية الدولية، الاثنين، تولي النائبين، نزهات شميم خان ومامي ماندياي نيانغ، قيادة المكتب وإدارته، عقب قرار كريم خان أخذ إجازة مؤقتة، لضمان استمرارية أنشطة المكتب في جميع مجالات العمل، خاصة في مهمته المتمثلة بالتحقيق في أخطر الجرائم وملاحقة مرتكبيها باستقلالية وحيادية.
إعلانكما شدد المكتب على التزامه بمواصلة التنفيذ الفعال لولايته المتمثلة في تحقيق العدالة لضحايا الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، في جميع الحالات والقضايا على مستوى العالم.
وفي هذا السياق، أشار الخبير في القانون الدولي مراري إلى عدم وجود أي تأثير على عمل المحكمة وأن التواصل لم ينقطع بين الفريق القانوني ومكتب المدعي العام، لكن الهدف من الاتهامات -حسب مراري- هو ضرب المحكمة في العمق، معتبرا أن هذا الشق الأخلاقي لموظفي العدالة أمر خطِر جدا قد يصيب العدالة الدولية في مقتل ويفقدها مصداقيتها ومهنيتها.
شكوك مشروعةوفي 6 فبراير/شباط الماضي، أعلن مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على الجنائية الدولية، مبررا ذلك بانخراطها "في أعمال غير مشروعة ولا أساس لها من الصحة تستهدف أميركا وحليفتنا الوثيقة إسرائيل".
ولذلك، فقد المدعي العام إمكانية الوصول إلى بريده الإلكتروني وجُمدت حساباته المصرفية، كما تم إبلاغ الموظفين الأميركيين في المحكمة بلاهاي أنهم سيُعرضون أنفسهم لخطر الاعتقال في حال سفرهم إلى الولايات المتحدة.
وبالاعتماد على أحداث كثيرة سابقة كان الهدف منها، هو الضغط على عمل الجنائية الدولية، لم يُنكر أستاذ القانون الدولي شاباس المزاعم القائلة، إن الاتهامات الموجهة لخان عملت عليها قوى موالية لإسرائيل.
في المقابل، لم يرد التعليق مطولا بشأن هذا الموضوع لأنه لا يستطيع الجزم بأن هذه القوى هي أصل القضية، موضحا "أنا متردد جدا في التكهن نظرا لغياب أدلة قاطعة تثبت ذلك".
وإلى حين إثبات العكس، يعتقد المحامي مراري، أن المدعي العام بريء مما نُسب إليه لأن "قرائن فبركة هذا الملف واضحة للجميع، إلا لمن أراد أن يسير في اتجاه الانتصار لإسرائيل وإضفاء الشرعية على جرائمها".
وقد تكون قضية المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا المحرك الرئيسي لهذه الشكوك، إذ تعرضت هي وأسرتها ومستشاروها للتهديد في أثناء عملها على ملفات حساسة، في فترة توليها منصب رئيسة للادعاء بين عامي 2012 و2021.
إعلانوخلال العام الماضي، أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، أن الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين هدد بنسودا في اجتماعات سرية للضغط عليها والتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا الإطار، يرى القاضي الكندي شاباس، أن احتمال محاولة الموساد والقوات الإسرائيلية التأثير على مكتب المدعي العام كريم خان أمر راسخ، موضحا "لم نتلقَّ أي مزاعم بأنهم فعلوا ذلك حتى الآن، لكن لدينا كل الأسباب للاعتقاد أنهم سيحاولون فعل أشياء مماثلة معه كما فعلوا سابقا مع بنسودا".
وتابع "لا أظن أن الإسرائيليين سيتصرفون بطريقة مبنية على المبادئ والصواب لأنهم جماعة شريرة وسيفعلون أي شيء لحماية دولتهم. وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل واضح إلا أن كل الاحتمالات واردة".
من جانبه، لا يستبعد مراري فبركة وزيف الادعاءات ضد خان الذي تلقى العديد من الضغوط والتهديدات قبل وبعد إصدار مذكرات التوقيف، مؤكدا "نشهد استمرارية نهج التهديد وفبركة الملفات مثلما حدث مع السيدة فاتو بنسودا التي تم ابتزازها بمقاطع فيديو وصور وتسجيلات مفبركة لزوجها".
وعليه، يعتقد الخبير في القانون الدولي، أن عدم تغير الأساليب والخطط لا يستهدف شخص المدعي العام، بل التشكيك في أخلاقيات مؤسسة الادعاء العام، ما يعني القضاء على المحكمة الجنائية الدولية لأنها أصبحت تؤرق إسرائيل والولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجنائیة الدولیة القانون الدولی المدعی العام کریم خان
إقرأ أيضاً:
بريطانيا المنافقة تتحرّش بـ"الجنائية الدولية" لحماية نتنياهو
◄ لندن هددت المحكمة بوقف التمويل والانسحاب من "نظام روما"
◄ بريطانيا أظهرت الالتزام بقرار المحكمة وفي السر تدعم مجرمي الحرب
الرؤية- غرفة الأخبار
كشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أن الحكومة البريطانية هددت بوقف تمويل المحكمة والخروج من نظام روما الأساسي الذي أنشأها، إن مضت في خططها لإصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأشار خان في مذكرة قدمها للمحكمة دفاعا عن قراره بمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي 23 أبريل 2024، إلى أنه تلقى اتصالا هاتفيا حازما من مسؤول بريطاني لم يكشف عن هويته. لكن تقارير إعلامية رجحت أن يكون المتصل وزير الخارجية البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون.
وأضاف خان أن المسؤول البريطاني اعتبر أن إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت أمر غير متناسب. وأوضح المدعي العام -وهو بريطاني من أصول باكستانية- أن التهديدات البريطانية لم تكن الوحيدة، فقد تلقى أيضا تحذيرات من مسؤول أميركي بأن إصدار مذكرات التوقيف سيؤدي إلى "عواقب كارثية".
وخلال مكالمة أخرى في الأول من مايو 2024، حذره السيناتور الأميركي ليندسي غراهام من أن تنفيذ المذكرات قد يدفع حركة حماس إلى قتل الأسرى الإسرائيليين.
وفي مواجهته لدعوات تأجيل إصدار مذكرة التوقيف، قال خان إنه أصرّ خلال المكالمة على أنه لم تكن هناك أي إشارة إلى استعداد الحكومة الإسرائيلية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أو تغيير سلوكها.
وكشف خان أنه أصر على إرسال رد قوي من 22 صفحة على طلب إسرائيل بإلغاء المذكرات، "بعد أن رأى أن الرد الأولي كان ضعيفا". كذلك، أوضح المدعي العام للجنائية الدولية أنه شكّل لجنة من خبراء القانون الدولي لتقييم اختصاص المحكمة وإمكانية محاكمة نتنياهو وجالانت و3 مسؤولين من حماس.
وعبرت عدة دول أوروبية عن التزامها بقرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو، مما أجبره على تفادي المرور في أجواء هذه الدول الأوروبية خوفا من اعتقاله.
وإذا كانت بريطانيا، حاولت سرا إنقاذ نتنياهو فإنها لم تعارض علنا مذكرة توقيفه، بل أبدت احترام المحكمة وأكدت التزامها بميثاق روما الأساسي.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن لندن "ستتبع الإجراءات القانونية الواجبة" إذا زار نتنياهو البلاد.
وجاء ذلك تعليقا على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الأخير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وردا على سؤال عما إذا كانت لندن ستنفذ أمر الاعتقال، قال لامي: "نحن موقعون على نظام روما، ودائما نلتزم بتعهداتنا بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي".