خور عبد الله ليس ملفاً مغلقاً: رد على مقال “السياسة” الكويتية
تاريخ النشر: 22nd, May 2025 GMT
22 مايو، 2025
بغداد/المسلة: طالب محمد كريم
في مقاله المنشور مؤخراً بصحيفة “السياسة” الكويتية، شنّ الكاتب حسن علي كرم هجوماً لفظياً مبطناً على الأصوات العراقية الرافضة لاتفاقية “تنظيم الملاحة في خور عبد الله”، واصفاً المنتقدين بـ”الحاقدين”، و”المرضى نفسياً”، بل و”الجهلة الذين يملؤون عقول البسطاء بالأكاذيب”.
ورغم أن المقال لا يقدم حججاً قانونية جديدة، إلا أنه يعكس نموذجاً من الخطاب السياسي الذي يرفض الحوار، ويستبدله بلغة الاستعلاء والتحقير.
إن الطعن في الاتفاقية الذي تقدّم به نواب عراقيون، وأيّده القضاء الدستوري، لا يخرج عن كونه إجراءاً قانونياً يستند إلى الدستور العراقي، لا إلى عقدة نفسية. فالمحكمة الاتحادية العليا أبطلت التصويت البرلماني على الاتفاقية استناداً إلى المادة (61/رابعاً) التي تشترط تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب على الاتفاقيات ذات الطابع السيادي، وهو ما لم يتحقق في تصويت 2013.
إن محاولة اختزال الموقف العراقي في حالة “نكران للقرارات الدولية” أمر مجافٍ للحقيقة، فالعراق لا يطعن في قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993 من حيث صدوره، بل في ما تلاه من اتفاقيات ثنائية جرى تمريرها بطريقة غير دستورية. والاتفاقية محل الطعن لا تتعلق بترسيم الحدود وفق القرار الأممي، بل بتنظيم الملاحة – وهو تنظيم جرى بشروط غير متكافئة، وبموافقة سياسية أُخذت في ظرف سياسي غير ناضج.
الأدهى أن الكاتب نفسه يعترف – ضمنياً– بخلل التوازن، حين يورد أن الخور قُسّم بحيث كان الجزء العميق من نصيب الكويت، بينما حصل العراق على الجزء الضحل مع “وعد بتعميقه”. كما يؤكد أن ميناء مبارك بُني على طرف الخور مباشرة، في حين أن ميناء الفاو العراقي لا يطل عليه، ما يضع العراق أمام تهديد استراتيجي حقيقي يتعلق بسيادته البحرية ومشروعه الاقتصادي.
فهل المطالبة بإعادة التفاوض، أو الاعتراض على آلية التصديق، هي شتيمة؟ وهل الدفاع عن السيادة الوطنية صار نوعاً من “الجهل” أو “التحريض”؟
ما نحتاجه اليوم، ليس نصوصاً تستدعي الغزو في كل مرة يختلف فيها العراقي مع الكويتي، بل نحتاج لغة تتحدث بمسؤولية، تتعامل مع الجار باحترام، لا بوصاية. فإن كنتم تثقون بعدالة قرارات مجلس الأمن، فنحن نحتكم إلى عدالتنا الدستورية أيضاً.
الاعتراض العراقي ليس مرضاً، بل تعبير عن وعي سيادي، يُريد أن يعيد ترتيب أوراق الدولة على أسس قانونية رصينة.
ولا يجوز لأي خطاب إعلامي أن يضع الموقف السيادي في مقابل الشعور بالذنب التاريخي، أو يستبدل المنطق السياسي بالتقريع الأخلاقي.
لسنا بلا ذاكرة، ولسنا ضد العلاقات المتوازنة، ولكننا – أيضاً– لسنا بصمتنا شركاء في خنق أنفسنا.
ختاماً: نمد يد الحوار من موقع السيادة لا من موقع الخضوع، وندعو العقلاء من الشعبين إلى استئناف الحديث بلغة القانون والتاريخ لا بلغة التحقير والتشهير.
العراق بلد الذاكرة الطويلة، والسيادة لا تُقايض بالخرائط، ولا تُكمم بالاتهامات …
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
من مواكب الأطفال إلى سيوف الرجال: العراق يحيي الحسين بروح واحدة
6 يوليو، 2025
بغداد/المسلة: تسير كربلاء هذه الأيام على إيقاع منسجم، كأن المدينة أعادت ضبط نبضها على وتيرة الزائرين، بقلوب مفتوحة وطرقات بلا قطوعات، كما وصفها رئيس لجنة العشائر والمناسبات الدينية في مجلس المحافظة محمد المسعودي. فالوضع الأمني مستقر، والمداخل الثلاثة تتنفس الزحف البشري بسلاسة، كأنما كربلاء كلها قررت أن تصبح دربًا لخطى العاشقين.
وتتناثر المواكب الحسينية كأزهار شتوية نبتت في صيف محرم، 740 موكبًا مسجلًا رسميًا داخل المدينة القديمة، ومئات غيرها تمد ذراعيها في الأزقة والأحياء، تقدّم الماء على حافة العطش، والطعام عند أول تعثّر بالجوع، وكأن كل مواطن تحوّل إلى خادم، وكل دار إلى مأوى، فيما المدارس بدورها فتحت أبوابها لا للتعليم هذه المرة، بل للإيواء والدعم.
ويتجلى مشهد التكافل الشعبي كأحد أعمدة الطقوس غير المكتوبة. فالمسعودي أشار إلى تمازج الجهود الرسمية والشعبية كما لم يحدث من قبل، تنسيقٌ يليق بالذكرى، ويرفع منسوب الأمان في لحظة كثافة بشرية ووجدانية معقدة.
وفي ليلة العاشر، حين يتقاطع الزمان بالمأساة، تنقلب الليالي إلى خنادق روحية، تتوزع فيها العيون بين النواح والصمت. فنساء الجنوب وبغداد وكركوك وديالى وبابل والمحافظات الاخرى، يتنادين للمجالس، لاطمات باكيات، وكأن قلوبهن بوصلة تقودهن نحو الحسين دون التباس.
وفي أغلب العزاءات، تُشعل المشاعل وتُرفع السيوف في مشهد يشبه العهد الأول، حيث الطف لم تنتهِ بعد.
وتتكرر مشاهد الطفولة الحسينية ببساطتها العميقة: الطفلة زهراء تؤسس موكب “دمعة رقية”، والفتى إبراهيم يقيم موكب “ساقي عطاشى كربلاء”، مشروبات خفيفة وبسكويت ومعجنات، لا أكثر، لكنها تحمل في ذراتها من الرمزية ما يعجز الكبار عن تجسيده. فهنا لا دعم خارجي، لا مظاهر فخمة، فقط براءة تنسكب في قدح ماء.
ويظل كل هذا الامتداد الحسيني مشدودًا بخيط الذاكرة الجمعية،العراقية التي تجمع كل الاطياف.
تمضي كربلاء، لا تغفو. ولا تنسى. ولا تتراجع عن موعدها السنوي مع الحزن، وكأنها تقول: هنا لا يمر الزمن كما ينبغي له، بل كما يليق بالحسين.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts