حين قررت الدولة المصرية أن تتجاوز حدود الوادي الضيّق وتنطلق في بناء مدن جديدة، لم تكن القضية فقط مسألة عمرانية تتعلق بإسكان أو بنية تحتية، بل كانت إعادة صياغة شاملة لمعنى التنمية. وكانت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة هي الأداة التنفيذية الأهم في هذا التحول، ليس فقط بوصفها جهة تخطيط، وإنما كطرف فاعل في تشكيل بيئة استثمار حقيقية، تُحوّل الأرض إلى قيمة اقتصادية، وتُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمستثمر.

من خلال تجربتي مؤخرًا أثناء حضوري ورشة عمل مهمة، أدركت عن قرب أن الهيئة بدأت بالفعل مرحلة جديدة من التفكير، تجاوزت فيها النموذج التقليدي الذي يقف عند حدود تقسيم الأراضي وطرحها، لتتحول إلى كيان اقتصادي يستهدف إدارة الأصول وتنميتها، وتقديم خدمات متكاملة للمستثمرين تعزز من ربحيتهم وتقلل من حجم المخاطرة.

المستثمر حين يأتي إلى مدينة جديدة، لا يبحث فقط عن أرض، بل عن بيئة آمنة، وتشريعات واضحة، وزمن تنفيذ مضمون، ومرافق جاهزة، وسوق مستقر، وشريك حكومي يفهم احتياجاته. وهيئة المجتمعات العمرانية قادرة على تقديم ذلك كله، بل وأكثر من ذلك. فهي تملك الأرض، وتدير البنية التحتية، وتُشرّع وتُرخص، وتراقب وتتابع، والأهم أنها تمتلك رؤية اقتصادية قادرة على التكيف مع المتغيرات.

ما يمكن أن تقدمه الهيئة للمستثمر يتجاوز فكرة البيع، فهي تستطيع أن تساعد في تحسين رأس ماله وتعظيم عوائده من خلال تقليل تكلفة الوقت، فالإجراءات الموحدة والنافذة الواحدة داخل الأجهزة تختصر للمستثمر شهورًا من الدوران، وتمنحه بداية حقيقية سريعة تعني تقليل المصروفات وزيادة التركيز على الإنتاج. كما تتيح نماذج شراكة مرنة، تُمكِّن المستثمر من ضخ أمواله في مشروعات كبرى دون الحاجة لشراء كامل الأرض، بل من خلال نظام الشراكة أو حق الانتفاع، ما يرفع العائد على رأس المال ويقلل الأعباء الثابتة. والهيئة أيضًا قادرة على توفير تسويق مستمر للمشروعات الكبرى، من خلال المنصات الرسمية والمعارض الدولية والترويج المؤسسي، ما يمنح المستثمر رافعة دعائية مجانية وموثوقة. 

والأهم من كل ذلك، أن المدن الجديدة التي تُشرف عليها الهيئة تحقق نموًا في القيمة السوقية بشكل دوري، ما يعني أن كل جنيه يضعه المستثمر اليوم في قطعة أرض أو مشروع داخل هذه المدن، يتضاعف تلقائيًا بعد عام أو اثنين بفعل حركة التطوير المحيطة.

وليس أدل على ذلك من الطفرة العقارية والاقتصادية التي شهدناها في العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة، حيث تحولت الأراضي إلى أصول قابلة لإعادة التقييم، وتحولت المدن إلى بيئات جاذبة لرؤوس الأموال المحلية والإقليمية والدولية.

هيئة المجتمعات العمرانية تمتلك اليوم فرصة تاريخية لتكون أكثر من مجرد مؤسسة تنفيذية، بل لتصبح المطوّر العام للدولة، والعقل الاستثماري الذي لا يكتفي بتسليم الأرض، بل يشارك في تعظيم قيمتها وصناعة شراكة حقيقية مع المستثمر الجاد.

نحن أمام مرحلة فارقة، تُبنى فيها المدن بطريقة جديدة، وتُكتب فيها العقود بعقلية اقتصادية حديثة، ويُعاد فيها تعريف العلاقة بين الأرض ورأس المال، وبين الجهاز التنفيذي والمستثمر. وهيئة المجتمعات العمرانية تملك الموقع والشرعية والموارد لتقود هذا التحول بنجاح.

من هنا، فإن كل مدينة جديدة تُخطط وتُنفذ اليوم ليست مجرد مسكن، بل منصة اقتصادية متكاملة، وكل قطعة أرض تُطرح ليست مجرد مساحة، بل أصل استثماري قابل للنمو، وكل مستثمر يدخل هذه المدن ليس مجرد عميل، بل شريك في مشروع وطني كبير عنوانه: بناء المستقبل.

وهكذا، لا تعود الهيئة فقط مسؤولة عن تطوير الأراضي بالمعنى التقليدي، بل تصبح شريكًا في تطوير رأس المال بالمعنى الاقتصادي الشامل، وتنتقل من كونها مطورًا للعمران إلى كونها صانعًا للقيمة ومهندسًا للعوائد.

ولعل ما يُضفي على هذه المرحلة زخمًا خاصًا، أن من يتولّى رئاسة الحكومة المصرية اليوم هو أحد أبناء هذه الهيئة، الدكتور مصطفى مدبولي، الذي نشأ مهنيًا في أروقتها، وتشبع بثقافتها، وفهم آليات عملها عن قرب، وتعلّم كيف تتحول الصحراء إلى خريطة، وكيف تتحول الخريطة إلى مدينة تنبض بالحياة. لذلك لم يكن غريبًا أن نرى خلال السنوات الأخيرة انطلاقة غير مسبوقة في ملف المدن الجديدة، يقودها رئيس وزراء يعرف تفاصيل اللعبة، ويؤمن بدور الهيئة ليس فقط كذراع تنفيذية، بل كعقل تنموي استراتيجي.

ومع هذا الدعم الكامل من القيادة السياسية، المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أطلق رؤية طموحة لإعادة بناء مصر الحديثة عبر مدن الجيل الرابع، تحوّلت هيئة المجتمعات العمرانية إلى مركز ثقل حقيقي داخل الدولة. فالمدن الجديدة لم تعد مجرد خيارًا عمرانيًا، بل أصبحت أداة لتحقيق الأمن القومي الاقتصادي والاجتماعي، وخريطة استثمار مستقبلية ترسم معالم الجمهورية الجديدة.

الرئيس السيسي لم ينظر إلى الخرائط كمساحات ترابية فقط، بل قرأ فيها فرصًا للحياة والعمل والإنتاج. وبفضل هذه الرؤية الاستباقية، باتت الهيئة تتحرك على الأرض بثقة، مدعومة بتوجيهات سياسية واضحة، وإرادة حكومية متماسكة، وكوادر تنفيذية تعرف أن نجاحها لا يُقاس بعدد الأبراج والمشروعات فقط، بل بما تحققه من استقرار واستثمار وعائد تنموي شامل.

إن ما يحدث اليوم ليس بناء مدن فقط، بل تأسيس دولة جديدة تُبنى بأسس علمية ومفاهيم اقتصادية، فيها يتكامل التخطيط مع المال، والعمران مع الاستثمار، والطموح مع الإرادة.

فليكن واضحًا:

ما تبنيه هيئة المجتمعات اليوم… هو ما ستبني عليه مصر اقتصادها غدًا.

طباعة شارك الاستثمار المجتمعات العمرانية الرئيس السيسي

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاستثمار المجتمعات العمرانية الرئيس السيسي هیئة المجتمعات العمرانیة رأس المال من خلال

إقرأ أيضاً:

فوز مدرسة العويضات الجديدة بالمركز الرابع على مستوى الجمهورية فى برنامج ( العقول الخضراء)

أعلن هانى عنتر الصابر وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا فوز مدرسة العويضات الجديدة للتعليم الأساسي التابعة لادارة قفط التعليمية بالمركز الرابع على مستوى الجمهورية فى برنامج( العقول الخضراء) التى أقيمت بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى والمعهد للحوكمة والتنمية المستدامة لترشيد الأستهلاك والتنمية المستدامة تحت شعار ( أنا حامى الأرض ) للمرحلة الأبتدائية والحصول على درع التميز

وأشار " عنتر" أن البرنامج يهدف إلى تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الأرض والبيئة، متسلحًا بشعار "أنا حامي الأرض"، إذ تسعى المبادرة إلى نشر الوعى والمعرفة بالإضافة إلى تغيير السلوكيات لدى الطلاب وأسرهم ومدرسيهم، بهدف إيجاد مجتمع يشجع على اعتماد نمط حياة مستدام  يتحمل المسئولية تجاه المجتمع والبيئة.  

وأعرب وكيل الوزارة عن إمتنانه لجهود كل من شارك وساهم في حصول تعليم قنا علي هذا المركز المشرف تحت إشراف سوميه عبدالفتاح مدير عام الشئون التنفيذية وتنفيذ الدكتور سيد مرزوق موجه عام التربية الإجتماعية بالمديرية، تقديرًا لدورهم المحورى فى توجيه الطلاب لتحقيق الأهداف المرجوه من البرنامج وهى تمكين الأجيال القادمة من بناء مستقبل أكثر خضرة ووعيًا فى حماية البيئة.

مقالات مشابهة

  • رئيس السياحة العربية: العلمين الجديدة من المدن المتميزة وأصبحت على الخريطة العالمية
  • مصطفى الشيمي يكتب: أحمد من غزة
  • فوز مدرسة العويضات الجديدة بالمركز الرابع على مستوى الجمهورية فى برنامج ( العقول الخضراء)
  • «مكتبة محمد بن راشد».. تطوير الأجيال الجديدة عبر «الخطاب المؤثر»
  • بروتوكول تعاون بين الإسكان والثقافة لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة
  • العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية لعام 2025
  • اختيار العلمين الجديدة عاصمة للمصايف العربية لعام 2025
  • د.حماد عبدالله يكتب: القهر والإبداع !!
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (معرض ياباني)