أعلنت وزارة الخارجية التونسية، الأحد، عن إعادة فتح القنصلية العامة لتونس في مدينة بنغازي الليبية، واستئناف تقديم خدماتها القنصلية في المنطقة الشرقية من البلاد، بعد سنوات من الإغلاق بسبب الأوضاع الأمنية.

وأكدت الوزارة في بيان رسمي أن هذه الخطوة تأتي في إطار "تعزيز التعاون القنصلي بين البلدين وتيسير تقديم الخدمات للمواطنين التونسيين المقيمين في المنطقة الشرقية من ليبيا"، في إشارة إلى عشرات الآلاف من التونسيين الذين يعيشون ويعملون هناك.



ويُنظر إلى هذا القرار كإشارة سياسية ذات أبعاد دبلوماسية، خاصة في ظل الانقسام السياسي في ليبيا بين شرقها وغربها، حيث تمثّل بنغازي معقلًا للسلطة الموازية بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويرى مراقبون أن استئناف العمل القنصلي في بنغازي يعكس مساعي تونس لتوازن علاقاتها مع مختلف أطراف المشهد الليبي، دون الانحياز لأي جهة، مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية، وخصوصًا على صعيد ضبط الحدود وتدفق اليد العاملة.

وكانت القنصلية التونسية في بنغازي قد أغلقت أبوابها في السنوات الأولى من الأزمة الليبية، في ظل تدهور الوضع الأمني، وتعرض البعثات الدبلوماسية في ليبيا لاعتداءات متكررة، من بينها حادثة خطف عدد من موظفي القنصلية التونسية في طرابلس عام 2015.

عودة القنصلية إلى العمل في بنغازي تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات التونسية-الليبية ديناميكية جديدة، تشمل ملفات اقتصادية وتجارية ومعابر حدودية، وسط آمال بأن تسهم هذه الخطوة في إعادة نسق التعاون الثنائي إلى مستواه الطبيعي.

ورحّبت وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، ومقرها طرابلس، بإعادة افتتاح القنصلية التونسية في بنغازي، ووصفت الخطوة بأنها تعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، وتسهم في تسهيل الخدمات القنصلية للتونسيين في المنطقة الشرقية.



وجاء هذا الترحيب الرسمي رغم توقيت الإعلان الذي تزامن مع تصاعد المظاهرات والاحتجاجات في العاصمة طرابلس، حيث يطالب المتظاهرون بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية، ويدعون إلى توحيد المؤسسات الليبية تحت سلطة سياسية واحدة، ما يضفي على الخطوة التونسية بُعدًا حساسًا في سياق الانقسام السياسي المستمر في البلاد.

وتمثل عودة القنصلية التونسية إلى بنغازي مقاربة براغماتية من تونس، التي تحاول تحييد الملف الليبي عن التجاذبات الإقليمية والدولية، من خلال نسج علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الليبية، سواء في الشرق أو الغرب.

وتعي تونس جيدًا أن استقرار ليبيا يعني استقرارها الداخلي، بحكم الروابط الجغرافية والديموغرافية والاقتصادية، ولهذا فإنها تعتمد سياسة "الحياد النشط" لضمان مصالحها القنصلية والأمنية، خاصة في ظل هشاشة الوضع الليبي وغياب توافق وطني شامل على مسار سياسي موحد حتى الآن.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية التونسية القنصلية ليبيا العلاقات ليبيا تونس علاقات قنصلية المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القنصلیة التونسیة فی بنغازی

إقرأ أيضاً:

عُمان وإيران.. توازن هادئ في إقليم مضطرب

يبدأ الرئيس الإيراني الدكتور مسعود بزشكيان الثلاثاء زيارة رسمية لسلطنة عُمان تُقرأ في العالم أجمع بكثير من العناية سواء من حيث توقيتها أو من حيث دلالاتها. ورغم أن العلاقات التاريخية بين البلدين تجعل مثل هذه الزيارة طبيعية ومتوقعة في أي وقت، لكن ما تشهده المنطقة من تحولات وتحديات جيوستراتيجية تحمّل الزيارة الكثير من الدلالات التي لا يمكن تجاوزها، خاصة وأن المنطقة تمر بلحظة حرجة تُعاد فيها صياغة معادلات القوة، ويُعاد فيها اختبار مفاهيم الردع، والشرعية، والوساطة.. إنها بصياغة أخرى الاختبار الأصعب منذ نهاية الحرب الباردة.

تُعنى الزيارة في مستواها الأول الظاهر، كما أشارت البيانات الرسمية في البلدين، بتعزيز العلاقات الثنائية، ومناقشة آفاق التعاون في ملفات اقتصادية وأمنية معروفة، لكن خلف الإطار الرسمي، هناك الكثير من الملفات التي تشغل إيران وتشغل جيرانها وربما العالم أجمع، وفي مقدمتها الملف النووي الذي تقوم فيه سلطنة عمان بدور الوسيط بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الملف في حالة وصوله إلى خط الاتفاق العادل من شأنه أن يفتح لإيران بوابة عودة تدريجية إلى النظام الدولي، إن تم ضبط الشروط بعناية بعد سنوات من العزلة والحصار السياسي الاقتصادي والثقافي.

غير أن إيران، بعد طوفان الأقصى، تواجه اختبارا مركبا من الداخل والخارج، إذ إن اهتزاز موازين الردع الإقليمي يعيد صياغة محيطها الحيوي بطريقة ليس من السهل التنبؤ بها خاصة أنها لأول مرة تخوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل ومن أرضها وعمقها الاستراتيجي.. كما ترافق الزيارة استحقاقات أمريكية جديدة، مع عودة ترامب، إلى المشهد، حيث تحكم الواقعية القومية منطق العلاقات لا المبادئ، ولذلك تعيد أمريكا تموضعها الاستراتيجي في المنطقة بناء على هذه العقيدة، ومن خلال نافذة الوساطات وليست الحروب.

أمام هذا المشهد المزدحم بالأحداث والتحولات والاستراتيجيات الجديدة، التي باتت معالمها واضحة جدا، تقف سلطنة عُمان في الموقع الأكثر تعقيدا بالنظر إلى عقيدتها السياسية وأخلاقيات دبلوماسيتها التي لا تحيد عنها الأمر الذي حملها دائما عبء نزع فتيل الحرب في الإقليم ما وسعتها الظروف والإمكانيات. من هنا، لا يمكن قراءة زيارة الدكتور بزشكيان إلا ضمن سياق المحاولة المستمرة لتثبيت «هندسة الممكن» بين طهران وواشنطن، وتوفير بيئة عقلانية تخرج الملف النووي من عباءة الأيديولوجيا إلى مائدة المصالح الاستراتيجية.

تاريخيا، لم تبنِ عُمان علاقاتها مع إيران على العداءات العميقة التي طبعت ذاكرة المنطقة، بل على فهم واقعي للعلاقة القوية بين الجغرافيا والسياسة. وقد أثبتت التجربة، من وساطتها بين طهران وواشنطن في عهد أوباما، إلى دورها غير المعلن في تسهيل قنوات الحوار بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، أن سلطنة عُمان تملك رأسمال استراتيجيا ثمينا بات يتحدث عنه الجميع في المنطقة وهو: المصداقية. وهي قيمة نادرة في دبلوماسية مشبعة بالتصعيد في مختلف أرجاء العالم.

لكن الزيارة تأتي أيضا في توقيت مقلق: الحرب في غزة وصلت إلى «منطقة اللاعودة» من ناحية التدمير الأخلاقي والإنساني، والغرب بدأ، ولو بشكل متأخر، بإعادة تموضعه الرمزي تجاه إسرائيل. هذا لا يعني تحولا جذريا في الموقف الغربي، لكنه يشير إلى بدء تفكك التحالفات المطلقة، وفتح نافذة للتفكير الاستراتيجي خارج مظلة القوة العسكرية وحدها. في هذه اللحظة تحديدا، تُدرك طهران أن استمرار الحرب في غزة قد يوفر لها أوراقا تفاوضية إضافية، ولكنها تدرك أيضا أهمية عامل السرعة والحسم من أجل الخروج من العزلة الاقتصادية التي يفرضها عليها العالم في لحظة استراتيجية خطِرة قابلة لأي تطور وفي أي اتجاه.

في هذا السياق، لا يُنظر إلى مسقط فقط كوسيط، بل كضابط إيقاع إقليمي، يحرص على ألا ينهار التوازن الاستراتيجي الدقيق الذي يحكم الخليج منذ عقود. إنها تُجسد بهذه المرونة والحكمة، فلسفة «الوسيط الوقائي» الذي يدرأ الانفجار ولا يدّعي صناعته.

يراقب العالم هذه الزيارة التي يرى فيها لحظة متخمة بالأمل رغم كل ما يحيط بها، ووحدها طهران القادرة على تحويل هذه اللحظة من فرصة دبلوماسية إلى لحظة تحول استراتيجي تستعيد فيه الكثير من مكامن قوتها التاريخية عندما تقرأ بشكل دقيق تأثير ما يحدث في العالم على أمنها وأمن الإقليم.

مقالات مشابهة

  • “الأخوة الأردنية–التونسية” تؤكد عمق العلاقات وتعزيز التعاون المشترك
  • رئيس مجلس الأعيان يلتقي السفيرة التونسية
  • تونس تعيد فتح قنصليتها في بنغازي بعد سنوات من الإغلاق
  • تونس تعود إلى الشرق الليبي.. الهدف علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف
  • وزارة الخارجية ترحّب بإعادة تفعيل القنصلية التونسية في بنغازي
  • بعد 10 سنوات من إغلاقها.. تونس تعيد فتح قنصليتها في بنغازي
  • بعد أكثر 10 سنوات.. تونس تعيد فتح قنصليتها في بنغازي
  • عُمان وإيران.. توازن هادئ في إقليم مضطرب
  • إعادة فتح القنصلية العامة التونسية في بنغازي