لا تسيطر إسرائيل أو الصهيونية العالمية على المشهد العالمي بقوة السلاح فقط، ولكن بقوة السردية. كانت الصهيونية تعي تأثير قوة السردية على السيطرة على وعي العالم.

روّجت السردية الإسرائيلية منذ البداية لنفسها باعتبارها «الضحية المطلقة»، ونسجت حول مشروعها الاستيطاني شبكة سرديات عاطفية، قوامها الهولوكوست، والديمقراطية، والحداثة، بينما تمّ تصنيف الفلسطيني كخطر أمني دائم أو كرقم في تقارير المساعدات.

لكن بدا أن العالم يمكن أن يستيقظ، ويمكن أن يعيد قراءة السرديات بعقل ووعي نقديين. منذ أن بدأت حرب «طوفان الأقصى» بدا أن تماسك الرواية الإسرائيلية يتآكل تحت ضغط الحقيقة، وضغط الصورة، وضغط الضمير. لم تعد «الشرعية الأخلاقية» لإسرائيل مسلّمة في وعي النخب الغربية. طلبة الجامعات الغربية مثل هارفارد وكولومبيا وكامبريدج لم يخرجوا للتعبير عن احتجاجهم، كان الأمر أكثر عمقا من ذلك، إنها لحظة كسر الصمت الطويل الذي فرضته الصناعة الدعائية الإسرائيلية لعقود طويلة. فجأة، أصبح الاحتلال يُسمّى احتلالا، والمجازر تُسمّى مجازر، والصمت جريمة.. وتواطؤ.

لا يعني هذا الصمت مجرد سقوط للقناع، ولكنه أيضا، وقبل ذلك، بداية إعادة التوازن السردي في الثقافة العالمية. وكسرت الرواية الفلسطينية قيودها وتجاوزت قصائد محمود درويش أو مذكرات لاجئ، وخطت خطوات كبيرة لتقال بصوت مسموع في لغات عدة، وفي الجامعات الكبرى، وفي الأغاني، وفي شاشات السينما، وحتى في شوارع بروكلين وبرلين وأمستردام وبروكسل.

لكن هذا الوعي الناشئ هشّ، وإذا لم يُواكبه مشروع ثقافي فلسطيني وعربي منظم، سيتبدد سريعا. لا يكفي أن تنكشف السردية الإسرائيلية، فهذا لا يكفي أمام العقود الطويلة من سيطرة وتغلغل تلك السردية، يحتاج الأمر إلى تُبنى سردية فلسطينية بديلة تقوم في المقام الأول على إبراز الإنسان الفلسطيني في تعقيده، وفي مدنيّته، وفي فنّه وإبداعه، وفي حقه في الحياة لا في الشهادة فقط.

لقد آن أوان الانتقال من خطاب الذاكرة المجروحة إلى خطاب المعنى المستعاد. تحتاج فلسطين إلى شجاعة المثقف العربي ليكون فاعلا لا مجرد شاهد على ما يحدث.

لا بد أن ينهض من تحت الركام في غزة صوت المثقف والفنان ليقول بصموت مسموع: كنّا هنا دائما، أنتم فقط لم تسمعونا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ليست إلا البداية

في 1 نوفمبر 2023، أي بعد أقل من شهرين من حرب الإبادة التي بدأتها إسرائيل في غزة بعد 7 أكتوبر 2023، استقال هاريسون مان، الضابط برتبة "ميجر" (رائد)، من المخابرات العسكرية الأمريكية بسبب الدعم الأمريكي لإسرائيل.

انتظر مان نحو ستة أشهر، أي في مايو 2024، لنشر رسالة على حسابه على "لينكد إن" للبوح ببواعث استقالته، قائلا "إن الخوف منعه من ذلك".

وفي نص استقالته أشار هاريسون مان إلى أن "الدعم الأمريكي غير المشروط" للهجمات الإسرائيلية على غزة أدى إلى مقتل عشرات آلاف الأبرياء من الفلسطينيين وتجويع آخرين.

وأضاف أنه شعر وكأنه يعيش في "عالم آخر موازٍ" عندما رأى حجم دعم زملائه في وكالة استخبارات الدفاع لإسرائيل وهجماتها على غزة.

الضابط الأمريكي أوضح أنه ينحدر من أسرة يهودية أوروبية، وأنه عمل طيلة 13 عاما في صفوف جيش بلاده، فيما كانت يعمل قبل استقالته في مهمة "محلل استخبارات الشرق الأوسط".

وأعرب حينها عن شعوره بـالخزي والذنب إزاء مشاهد القتل والدمار الوحشية "القادمة من غزة"، مؤكدا أنه "لم يكن بإمكانه مواصلة عمله متجاهلا كل ذلك".

وقد واصل الضابط ظهوره الإعلامي والتعبير عن إدانته لجرائم إسرائيل في حق الفلسطينيين والدعم الأمريكي لها من قبل إدارة بادين، حينها، والذي استمر، بل زاد وبشكل أكثر تبجحا وتواطؤا من قبل إدارة ترامب.

وقد نشر ضابط الاستخبارات السابق هذا الأسبوع على حسابه على "لينكد إن"، ما اعتقد أنه من أكثر المنشورات خطورة، وتعبيرا وتحذيرا مما يحدث في غزة.

وقد كتب مان مخاطبا أصدقاءه ومتابعيه في العاصمة واشنطن: "إذا كنتم مرعوبين من المجاعة في غزة الآن.. فإن غزة هي مجرد البداية".

وحذر من أنه "إذا لم يتم إيقاف إسرائيل، فستقتل أو تطرد كل رجل وامرأة وطفل في غزة، وهو ما لن يمثل نهاية الإبادة الجماعية، بل مجرد نهاية المرحلة الغزية منها". وأكد الضابط اليهودي على أن "قادة إسرائيل السياسيون صريحون في رغبتهم في تطهير ملايين الفلسطينيين من الضفة الغربية، وقد سرعوا بالفعل من التطهير العرقي هناك؛ ورؤى "إسرائيل الكبرى" لا تعرف حدودًا".

هذه التحذيرات تقرع أجراس خطر جدية، وفعلية خاصة وأنها تأتي من ضابط استخبارات أمريكي سابق، يتحدث عن قناعة وإطلاع، وشجاعة كبيرة، إن لم تكن نادرة، بالنظر لخلفيته اليهودية، التي لم تمنعه من أن يرفع صوته عاليا ليحذر من أن "ما تقوم الدولة العبرية في غزة ليس إلا البداية، وأن رؤى "إسرائيل الكبرى" لا تعرف حدودًا، كما يعلن ذلك قادتها".وشدد مان على "أن الصور المزعجة لمذابح غزة ستبدأ في التدفق من الضفة الغربية، وبعد ذلك من لبنان وسوريا، وبعد ذلك، من يدري؟ مصر، الأردن؟ وقد أشار وزير من حزب نتنياهو مؤخرًا إلى تركيا على أنها إيران القادمة".

وذهب الضابط الأمريكي السابق للقول إنه "بالنسبة لأولئك الذين تحركهم غزة، يجب أن نفهم أن هذه معركة طويلة ـ فنحن "فقط" في السنة الثانية من 5 أو 10 أو 15 سنة أخرى ـ وتذكير بأنه لا يزال هناك الكثير من الضرر الذي يمكننا منعه.

وفي ما بدت لي انتباهة مثيرة فعلا يستشف من كلام هاريسون مان أن هناك تنافسا بين الجمهوريين والديمقراطيين في دعم إسرائيل وحرب إبادتها، وأن الأمر يتجاوز ترامب وإدارته، واعتبر أن ما أسماهم "الرعاة الأصليون لحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة من إدارة بايدن يسعون للعودة إلى مناصب السلطة حيث يمكنهم مرة أخرى دعم جرائم إسرائيل ضد الإنسانية" إن "لم تكن هناك عواقب قانونية أو مهنية أو حتى اجتماعية في واشنطن العاصمة. على هؤلاء".

وكتب مان "أعلم أنهم يعتزمون العودة إلى السلطة لأنهم يقبلون أدوارًا مؤثرة ومعززة للمكانة في مؤسسات مرتبطة بالحزب الديمقراطي (انظر أنتوني بلينكن (وزير الخارجية السابق) في مجلس إدارة مركز التقدم الأمريكي أو جاك سوليفان (مستشار الأمن القومي السابق)، الذي يشارك في تأليف "مشروع 2029").

وأضاف هاريسون مان "أعلم أنهم سيسهلون الإبادة الجماعية القادمة لإسرائيل لأنه منذ مغادرتهم منصبهم، دافع بلينكن وسوليفان وبريت ماكغورك (المبعوث الأمريكي الخاص السابق للشرق الأوسط وشمال أفريقيا) بفخر عن سجلاتهم في دعم إسرائيل دون قيد أو شرط."

هذه التحذيرات تقرع أجراس خطر جدية، وفعلية خاصة وأنها تأتي من ضابط استخبارات أمريكي سابق، يتحدث عن قناعة وإطلاع، وشجاعة كبيرة، إن لم تكن نادرة، بالنظر لخلفيته اليهودية، التي لم تمنعه من أن يرفع صوته عاليا ليحذر من أن "ما تقوم الدولة العبرية في غزة ليس إلا البداية، وأن رؤى "إسرائيل الكبرى" لا تعرف حدودًا، كما يعلن ذلك قادتها".

لقد أعذر من أنذر.. ولا عذر لمن يتعذر!

مقالات مشابهة

  • السجن لا يكفي.. جماعة “القربان” والانتحار المؤسَّس في أطراف ذي قار
  • أجويرو: مانشستر سيتي يملك ما يكفي للمنافسة بقوة على جميع البطولات
  • بكري: المؤامرات ضد مصر تحركات جماعة اعتادت الإذعان للحركة الصهيونية
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ليست إلا البداية
  • جامعة الحديدة تنظم وقفة احتجاجية تنديدًا بجرائم الإبادة الصهيونية في غزة ودعمًا لمعركة طوفان الأقصى
  • افتتاحية: عن الفلسفة الضائعة من سياق حياتنا
  • “الإعلامي الحكومي”: الاحتلال يواصل منع دخول الصحافة العالمية إلى غزة خوفاً من انكشاف جرائمه
  • احتجاجات شعبية واشتباكات مع الشرطة ضد السياحة الإسرائيلية
  • لقاء للعلماء والخطباء في عمران لمناقشة المستجدات في ظل الجرائم الصهيونية في غزة