أبوظبي تطلق «الحكومة الذاتية».. أول نظام ذكي عالمي يدير الخدمات تلقائياً!
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
في خطوة رائدة تُعزز من مكانة الإمارات في صدارة الحكومات الذكية، كشفت إمارة أبوظبي عن إطلاق ميزة “الحكومة الذاتية”، التي تمثل أول نموذج عالمي لإدارة المهام الحكومية المتكررة تلقائيًا دون الحاجة لأي تدخل بشري.
وتشمل هذه المهام تجديد التراخيص، دفع فواتير الخدمات العامة، وحجز المواعيد الطبية الروتينية، حيث تعمل الميزة بسلاسة دون إزعاج المستخدم أو انتظار إجراءات، ما يمنح المواطنين والمقيمين المزيد من الوقت للتركيز على أنشطتهم الشخصية المفضلة بعيدًا عن الروتين الإداري.
وجاء هذا الإعلان على هامش معرض “جيتكس جلوبال 2025″، بالتزامن مع إطلاق النسخة الجديدة من منصة “تم” الموحدة للخدمات الحكومية في أبوظبي، والتي تعد مركزًا رقميًا يضم أكثر من 1100 خدمة حكومية وخاصة.
“تم” والمساعد الذكي
تعتمد ميزة الحكومة الذاتية على المساعد الذكي “تم”، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي يوفر تجربة تقديم مبسطة وذكية، مع قدرة على التكيف مع احتياجات المستخدمين واستباق خدماتهم، ما يسمح بإتمام العديد من الإجراءات نيابة عنهم، مما يعزز تخصيص الخدمات وجودتها.
وأكد أحمد تميم هشام الكتّاب، رئيس دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، أن هذه الخطوة تمثل تحولاً نوعياً نحو حكومة المستقبل، حيث أصبحت الحكومة شريكًا ذكيًا يضع احتياجات الفرد في صدارة أولوياته، متاحًا في اللحظات التي تهم المستخدم أكثر.
وقال الكتّاب إن أبوظبي تقدم نموذجًا عالميًا للحكومة الرقمية الاستباقية، عبر أول موظف حكومي رقمي يعمل بالذكاء الاصطناعي، مما يفتح الباب أمام إنجاز المعاملات بشكل متكامل وذكي دون الحاجة للتدخل اليدوي.
وتقدم منصة “تم” كرفيق رقمي يرافق المتعاملين خلال رحلاتهم الحكومية، مع ميزات متقدمة مثل الدليل الذكي الذي يبسط الإجراءات المعقدة عبر إرشادات بصرية وصوتية، والتصوير الفوري للوثائق لتفادي الأخطاء، بالإضافة إلى الترجمة الفورية والتفاعل الصوتي باللغتين العربية والإنجليزية، مما يتيح تصفحًا سهلاً وبدون استخدام اليدين.
لوحات تحكم شخصية وتجربة مستخدم فريدة
تعرض المنصة لوحات تحكم شخصية تذكّر المستخدمين بالمواعيد والمهام المقررة، مع إمكانية تخصيص الإجراءات بما يتوافق مع أولوياتهم، محولة إجراءات كانت تستغرق ساعات إلى تجارب يمكن إنجازها في لحظات.
وشرح الدكتور محمد العسكر، مدير عام منصة “تم”، أن التحديثات الجديدة تعيد تشكيل دور الحكومة في حياة الأفراد، من خلال الانتقال من تنفيذ معاملات فردية إلى توفير رحلات ذكية تتكيف مع كل مستخدم، مما يمنحه مزيدًا من الوقت والراحة.
مساحات جديدة للتواصل الإنساني الذكي
لم تقتصر منصة “تم” على الأتمتة فقط، بل توسعت لتشمل ثلاث منصات جديدة باسم “مساحات تم”: العائلة، والتنقل، وصحتنا، والتي تركز على الاحتياجات اليومية مثل إدارة السجلات الطبية، تحديثات التعليم، تخطيط التنقل، والتفاعل المجتمعي، مبنية على واقع الحياة وليس فقط الإجراءات الإدارية التقليدية.
وسيتم إطلاق خدمات “تم” عبر وحدات هولوغرام متنقلة في أنحاء إمارة أبوظبي، تسمح بالاتصال الفوري بموظفين افتراضيين يقدمون دعمًا شخصيًا باللغتين العربية والإنجليزية، محافظين على المزيج المثالي بين التفاعل البشري والكفاءة الرقمية.
إضافة إلى ذلك، تم إطلاق خدمة “تم لكم” التي تتيح للمواطنين والمقيمين والزوار والشركات اقتراح خدمات جديدة، التصويت عليها، والمساهمة في تصميمها بما يتماشى مع احتياجات المجتمع الإماراتي.
شراكات استراتيجية وتوسع الخدمات
تضم منصة “تم” أكثر من 1100 خدمة مقدمة من أكثر من 90 شريكًا من القطاعين الحكومي والخاص، مع إضافات جديدة مثل سوق أبوظبي للأوراق المالية، شركة كوميرا، بنك ويو، دائرة القضاء، وشركة ساعد، لتوفير معاملات شاملة ومتكاملة داخل التطبيق الواحد.
ويأتي إطلاق “تم 4.0” وميزة الحكومة الذاتية ضمن استراتيجية أبوظبي الرقمية 2025-2027، التي تهدف إلى تحقيق معايير عالمية جديدة في الحكم الرقمي، مع تقديم خدمات تواكب أولويات حياة المستخدمين، وتعزز الثقة في التعاملات الحكومية الذكية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الإمارات الحكومة الذاتية الذكاء الاصطناعي الحکومة الذاتیة
إقرأ أيضاً:
لماذا نحتاج إلى نظام عالمي جديد حقًّا؟
نحن نعيش بالفعل في إطار نظام عالمي جديد قد بدأ في التشكل بوضوح في عصرنا الراهن باعتباره عالمًا متعدد الأقطاب قام من خلال عملية إزاحة تدريجية للعالم ذي القطب الواحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الهيمنة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية بفعل انتصار الحلفاء في الحرب، وبفعل التراجع التدريجي في نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي تبدى بوضوح في مرحلة الثمانينيات وانتهى بتفكيكه في بداية التسعينيات.
دامت هذه الهيمنة طيلة النصف الأخير من القرن الفائت وحتى بدايات الألفية الجديدة.
هذه الهيمنة بدأت الآن في التراجع بفعل صعود قوى عالمية جديدة تشكل عالمًا متعدد الأقطاب، أي: عالمًا متعدد القوى المؤثرة في النظم السياسية والاقتصادية؛ ولعل الصين وروسيا هما أبرز هذه القوى، وإن كانت هناك قوى أخرى صاعدة في العالم الشرقي: لقد كنا نتحدث خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن النمور الأسيوية، وأصبحنا ننظر الآن في دهشة إلى المارد الصيني الجديد الذي أصبح يشكل ليس قوة عسكرية نووية منافسة لأعتى القوى العسكرية على مستوى العالم وحسب، وإنما أيضًا قوة اقتصادية مهيمنة على العالم. وها هي روسيا تفيق من كبوتها مدفوعة بروح الإمبراطورية القيصرية لتصبح أضخم قوة عسكرية نووية، وذات اقتصاد قوي استطاع الصمود حتى في أثناء حربها في أوكرانيا، رغم كل العقوبات الأخيرة التي حاصرت إنتاجها وصادراتها. ولذلك أصبح لهاتين القوتين تأثير ملحوظ في موازين السياسة الدولية. وبالإضافة إلى هاتين القوتين، فإن هناك قوى أخرى داعمة لهما أو متعاونة معهما، ومؤثرة في حسابات السياسة الدولية، ومنها: كوريا الشمالية والهند وباكستان وإيران وتركيا.
لا شك في أن هذه القوى تشكل الآن تعدد الأقطاب في ذلك النظام العالمي الجديد من خلال خلق توازنات جديدة في السياسات والصراعات الدولية، ولكن السؤال الذي يبقى ملحًَّا هو: إلى أي حد يمكن أن تحقق هذه التوازنات بين القوى حالة من العدالة؟! ذلك هو السؤال؛ لأن هذه التوازنات إزاء اتخاذ قرار بشأن حالة ما، عادةً ما تكون متأرجحة وفقًا للوضع أو الحالة الكائنة في فترة زمنية ما. وهكذا، فإن هذه التوازنات عندي تبدو أشبة بميزان تتأرجح كفَّتاه صعودًا وهبوطًا بسبب أننا نغير وضعية الميزان على الدوام، فلا تثبت كفتَّاه على قرار أو وضع ما. وبذلك تنشأ حالة من السيولة في المعايير التي تحكم النظام العالمي الجديد، على نحو يشبه تلك السيولة التي نجدها في عالمنا الثقافي الذي يكاد ينكر أصلًا وجود أية معايير. وإذا كان هذا هو ما يحدث في حالة الاختلاف أو التباين أو حتى التضارب في المواقف بين هذه القوى؛ فما الذي يمكن أن يحدث في حالة الصراع الذي يمكن أن يدمر هذا العالم؟ هل يمكن مع ذلك كله أن ننشد العدالة في ضوء هذا النظام العالمي الجديد؟!
هناك شواهد لا حصر لها على أن هذا النظام قد فشل بكل قواه ومنظماته الدولية في إقرار العدالة أو السلام والأمن عبر العالم، حتى في تلك المناطق من العالم التي تعاني شعوبها من الظلم والقهر والاضطهاد والإبادة. حالة الحرب على غزة قد شهدت بوضوح على هذا الفشل من خلال مشاهد مرئية مروعة من القتل الوحشي والإبادة الجماعية، وهي مشاهد ظل العالم يشاهدها لحظيًّا طيلة عامين من العدوان الصهيوني على غزة ومجمل الأراضي الفلسطينية. ولقد تكرر هذا الفشل ولا يزال إزاء الحرب الدائرة في السودان التي لم تكن أقل بشاعة مما جرى في غزة، من دون قدرة أو إرادة من جانب قوى العالم ومؤسساته الدولية في وأد هذه الحروب والصراعات عبر العالم.
وربما يُقال إن حرب غزة قد انتهت الآن، ولكن هذا القول يتناسى أن هذا قد تحقق فقط بعد أن تم تدمير غزة وإبادة قطاع واسع من شعبها؛ كما أن هذا القول غافل عن أن اتفاقات إنهاء الحرب التي يجرى توقيعها الآن ليست ضامنة حقيقية لعدم تجدد الحرب، طالما أنه لا تُوجد منظمات دولية ضامنة لها. ولذلك، فلا غرابة أن نجد الإدارة الأمريكية تصرح مؤخرًا بأن الرئيس ترامب هو الضامن الوحيد لهذا الاتفاق! هكذا تُدار الأمور الجسام في نظامنا العالمي الراهن الذي تحكمه توازنات القوى، ولكنها توازنات زائفة لا تخضع لمنطق العدالة، وهذا الأمر عندي يبدو(إن جاز التشبيه) كما لو أن إحدى القوى تخاطب غيرها قائلة: سأترك لك إدارة هذه القضية مقابل أن تتركي لنا إدارة غيرها! ولذلك، فإننا ينبغي أن نتساءل عما يحتاجه هذا النظام العالمي الجديد؛ كي يضبط عملية توازناته، ويتجاوز فشله. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تعديل في ميثاق جديد للأمم المتحدة وهيئاتها أو أجهزتها، سواء من حيث آلية عملها أو من حيث القدرة على إنفاذ قرارتها.
وليس ببعيد عنا أن قرارات هذه الأجهزة ـ ومنها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ـ يُضرب بها عُرض الحائط من دون قدرة على تنفيذها، بل يتعرض بعض أعضائها للتشهير والملاحقة من جانب إدارة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن مجلس الأمن نفسه ـ الذي يأتي على رأس هذه الأجهزةـ لا يستطيع أن يتوخى العدالة في اتخاذ القرارت الكبرى المتعلقة بمصير الشعوب، طالما أنه لا يزال يعمل وفقًا لآلية «حق النقض» الذي هو بالتأكيد حق غير مشروع، كما سبق أن تناولت هذا الأمر في مقالي بهذه الجريدة الرصينة بعنوان «حق النقض غير المشروع». وذلك قليل من كثير مما يمكن أن يُقال في هذا الصدد.