السيد القائد عبدالملك الحوثي: الضلال خطير جداً على الناس في كل مجالاته
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
قال السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي: يقول الله سبحانه وتعالى {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} وهو يعمل -النبي إبراهيم عليه السلام- على هداية قومه، وفي مسيرة الهداية يحاول أن يعالج معهم فيه من مشكلة الشرك الذي هو باطلٌ فظيع، يترتب عليه بقية التفاصيل من الضلال والباطل، باطلٌ رهيب.
وأضاف السيد القائد خلال محاضرته استكمالا لمحاضرات القصص القرآني، مساء اليوم الأربعاء 1 ذو الحجة 1446هـ الموافق 28 مايو 2025م: كما يقول تعالى {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} لأنهم يعكفون على العبادة لها، من خلال طقوس معينة معهم، هذا السؤال- كما قلنا- هو سؤالٌ يهدف إلى إلجائهم إلى الاعتراف بالحقيقة؛ لأنهم يعرفون حقيقة تلك التماثيل، التي صنعت على يد الإنسان نفسه.. {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} يعني: ليس لهم أي مستند في أن يجعلوا من تلك التماثيل التي صنعوها هم آلهة، صناعتهم لها بشكل معين لا يجعل منها آلهة، ولا يستطيعون أن يبرروا ذلك، فاستندوا فقط إلى مستند ليس حجةً لهم، وهم أنهم ورثوا العبادة لها كظاهرة اجتماعية، وعادة اجتماعية من آبائهم.
وأردف قائلا: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} يعني: ملة التوحيد لله سبحانه وتعالى، فهي بالنسبة له موروث من آبائه، لكن موروث حق، موروث هدى، موروث صواب، وآباؤه أنبياء، وهو يسير على نهج أنبياء، وخطى أنبياء، وطريق أنبياء هداه مهتدين.. فلذلك ما كان موروثاً حقاً كان عليه من هم على حق، من هم على هدى، فهو موروثٌ عظيم، مقدِّس، يستحق الاستمرار عليه، والافتخار به، والانتماء إليه، وما كان بخلاف ذلك فعلى العكس من ذلك.. {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأن ضلالهم واضح، {مُبِينٍ}، فهم على معتقد باطل، ضلوا فيه عن الحقيقة، وتاهوا فيه عن الحقيقة، وضلال في نفس الوقت خطير وكبير، يعني: لا يمكن التقبل له، أو أن يبقى ولا يكون له آثاره وأضراره الكبيرة المؤثِّرة عليهم في حياتهم؛ لأنهم باطل كبير، يترتب عليه الكثير من الباطل، ويتفرع عنه الكثير من الباطل.. {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} وهم في نقاشٍ معه، هم لم يعد لديهم أي حجة، ولا برهان، ولا مستند صحيح؛ ولذلك عندما اتَّجهوا لجداله بهذا الأسلوب، هل أنت جاد؟ هل أنت تمتلك الدليل على ما لديك أنت، على ما تدعيه أنت؟ {أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} تهدف إلى إثارة الشكوك في ما نحن عليه، والتلاعب بذلك.. {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} فهو يتحدث معهم بكل جدية، ويستند إلى ما هو حقٌ واضح، حقٌ له دلائله الكبرى، وبراهينه العظيمة.
وأضاف قائلا: الله سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض، وهو ربُّ السماوات والأرض، المالك للسماوات والأرض، والخالق لهذا الكون وكل ما فيه.. {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} لأن أنبياء الله ورسل الله صلوات الله عليهم، هم يأتون بالحق الذي يؤمنون به إيماناً قاطعاً حاسماً لا ريب عندهم، ولا شك أبداً، ويشهدون على ذلك الحق، ويقدِّمون للناس بما هداهم الله إليه من الدلائل، والبراهين القاطعة، والحجج النيرة، حتى تكون الحقيقة واضحة تماماً للناس.. ثم عندما يكون هناك انحراف في المقابل، هو انحراف وهلاك عن بيِّنة، لم يعد على أساس غموض في الحق، أو عدم اتِّضاح للحقائق… أو غير ذلك، فالمسألة واضحة، وهو يتحرك على أساس هذا الحق، وأساس هذا الهدى، هو يبلِّغهم هذا الحق، وهو يؤمن به، ويتحرك على أساسه.
وقال السيد القائد: ثم يتَّجه إلى الحديث عن خطوات عملية: {وَتَاللَّهِ} هنا يقسم بالله سبحانه وتعالى، {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} نبي الله إبراهيم عليه السلام بدأ التحضير لخطوةٍ عمليةٍ ذات أهمية كبيرة جداً من الواقع العملي، لإثبات أنَّ تلك الأصنام لا تمتلك أي قدرة، ولا أي تأثير، ولا أي مؤهل لأن يجعل منها آلهة، بل هي دون مستوى ما عليه البشر مما وهبهم الله من قدرات، وطاقات، وإمكانات.. فهو يحضِّر لهذه الخطوة العملية، التي هي جزءٌ من مساعيه لهدايتهم، ولإيضاح الحقيقة لهم، ولإنقاذهم مما هم فيه من ضلالٍ مبين.. الضلال خطير جداً على الناس في كل مجالاته: (الضلال على المستوى العقائدي، الضلال على المستوى الفكري والثقافي، الضلال على مستوى المواقف والتوجهات)، الضلال بكله خطيرٌ جداً على الإنسان، ضياعٌ له، إبعادٌ له عن الحقائق، وتيهٌ به في الاتِّجاه الخاطئ، الذي لا يوصله إلى النتيجة الصحيحة.
وأوضح قائلا: هنا في وعيده الذي أقسم عليه بالكيد لأصنامهم، هو أيضاً يقدِّم درساً مهماً، يشهد على عجز أصنامهم؛ لأنه هنا يتوعَّد أصنامهم، فهي لو كانت تمتلك ما يعتقدونه هم، ويدَّعونه لها من القدرات الخارقة، وأنها تضر، وأنها تؤثر.. وغير ذلك؛ لكانت تمكَّنت من أن تدفع عن نفسها مسبقاً ما توعَّدها به، وتوعَّد أن ينالها به، في قوله: {لَأَكِيدَنَّ} لأن معنى ذلك أنه سيستهدفها من خلال خطة خفية يعد لها ويحضِّر لها لاستهدافها بها، فهذا الوعيد بنفسه، وهذا التهديد بنفسه هو شاهدٌ على عجزها، على ضعفها، أنها ليست ذات شعور، أو معرفة، أو إدراك لما قال، ولا ذات قدرة على الامتناع لما يخطط له، ولا تمتلك شيئاً لنفسها.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: سبحانه وتعالى
إقرأ أيضاً:
جلال كشك.. الذي مات في مناظرة على الهواء مباشرة وهو ينافح عن رسول الله
يقدّم الكاتب والباحث المصري جمال سلطان في هذا المقال، الذي تنشره "عربي21" بالتزامن مع نشره على صفحته في فيسبوك، قراءةً حميمة ومكثّفة في سيرة واحد من أكثر المثقفين العرب إثارة للجدل وحضورا في معارك الوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين: محمد جلال كشك.
فمن خلال استعادة شخصية كشك وتجربته الفكرية وتقلباته وتحولاته وصراعاته، لا يكتب سلطان مجرد شهادة شخصية، بل يعيد تفكيك مشهد ثقافي وسياسي كامل، كانت فيه مصر ـ والعالم العربي ـ تتشكل تحت وطأة الإيديولوجيات الكبرى، والمشاريع السلطوية، وصدامات الهوية، ومحاولات التأريخ والهيمنة على الذاكرة.
تتكشّف في هذه السطور صورة كاتب عركته التجارب، واشتعل بالأسئلة، وامتلك جرأة لا تلين في مواجهة ما اعتبره زيفا أو تزويرا للوعي، حتى آخر لحظة في حياته.
طاقة صحفية وفكرية مذهلة
كنت في شبابي مغرما بالكاتب الراحل الكبير محمد جلال كشك، وما زلت، كان الرجل طاقة صحفية وفكرية مذهلة، ولديه صبر ودأب على القراءة والكتابة بشكل تحار فيه العقول، ويكفي أنه كان يقرأ كتب الراحل الكبير أيضا محمد حسنين هيكل ويجري مقارنات صبورة بين ما يكتبه هيكل في النسخة الانجليزية التي تصدر للتسويق الخارجي وما يكتبه في النسخة العربية ، ليكشف عن تناقضات في الروايتين، وهو جهد صعب للغاية، كما كان كتابه المهم "ودخلت الخيل الأزهر" أهم موسوعة حديثة في تسجيل جرائم الغزو الفرنسي لمصر، والعملاء الذين خدموه في الداخل، والكتاب أثار ضجة في حينه، كما كان كتاباه: كلمتي للمغفلين، وثورة يوليو الأمريكية، من أخطر الكتب التي صدرت عن تجربة ثورة يوليو وعبد الناصر، وهو ما قلب عليه القوميين والناصريين بشدة، وهو كان يبادلهم كراهية بكراهية وله كتابات أخرى في هذه المعارك .
لذلك كانت سعادتي كبيرة عندما قدمتني له الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، خاصة عندما قرأ كتابا لي صدر في أول التسعينات الماضية "أزمة الحوار الديني"، وأبدى إعجابه الشديد به، وكان مندهشا أن كاتبا شابا يكتب بتلك اللغة والمعلومات، ودعاني لزيارته في شقته بالزمالك وأكرمني كرما حاتميا مما جعلني أحكي تلك "العزومة" الفاخرة لصافي ناز على سبيل التباهي بأنها أتتني من كاتب كبير في قيمة وقامة جلال كشك، فلما بلغه كلامي وغزلي في العزومة غضب، واعتبر أن "العزومة" وما فيها من أسرار البيوت وأنني بذلك لم أحترم بروتوكل الزيارات، فلم يكررها ثانية، وبصراحة كان محقا في ذلك وقد تعلمت من هذا الموقف فيما بعد، لكني وقتها خسرت الكثير من الحمام المحشي والمشوي وخلافه، رغم أنه ـ رحمه الله ـ لم يكن يأكل إلا قليلا بسبب إصابته بالسكر والكوليسترول وأمراض أخرى اجتمعت عليه .
شهدت أفكار محمد جلال كشك تحولات، مثل تحولات عبد الوهاب المسيري وعادل حسين وطارق البشري وجيل كبير من المثقفين المصريين، بدأ حياته الفكرية والسياسية ماركسيا وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي، ثم تركه وتركهم وقدم نقدا عنيفا للماركسية ومنظماتها في الستينيات ونشر سلسلة مقالات أزعجت الاتحاد السوفيتي، حتى ردت عليه صحيفة البرافدا واعتبرت أن وجود جلال كشك في الصحافة المصرية هو إساءة للاتحاد السوفييتي، وكانت علاقات عبد الناصر وقتها قد توثقت بموسكو، فأوقفه عبد الناصر عن الكتابة وعن العمل كلية ثلاث سنوات كاملة، ولم يعد إلا بعد النكسة، فعاد إلى مؤسسة أخبار اليوم، ثم ترك مصر كلها وهاجر، وقضى حقبة من حياته في بيروت في حالة لجوء اختياري بعد مضايقات عصر السادات، حتى كانت الثمانينيات حاسمة في توجهه إلى الفكرة الإسلامية، والانحياز للإسلام كحضارة وهوية للأمة وشرط لنهضتها.
لم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.كان جلال كشك يجمع بين الجدية والصرامة في الكتابة وبين خفة الظل والصراحة في المواجهة، وعندما ابتلي في سنواته الأخيرة بسرطان البروستاتا، كان يتردد على لندن للعلاج والفحص، وفي آخر زيارة طبية، أجرى التحاليل، فقال له الطبيب أن أمامه ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر فقط في الدنيا ثم يموت، ويومها كتب مقالا مؤثرا للغاية في مجلة أكتوبر، وكان لها شأن في تلك الأوقات، كان عنوانه "أنعي لكم نفسي"، وحكى فيه ما جرى وأنه ينتظر الموت خلال ستة أشهر على الأكثر، هي كل ما بقي له من الدنيا، ويودع قراءه، ورغم الحزن والمفاجأة، إلا أنه لم يتخل عن خفة ظله في هذا المقال، فحكى فيه أنه بعد أن تسلم من المستشفى اللندني التحليل الذي يؤكد قرب وفاته، فوجئ باتصال يأتيه من شركة أمريكية متخصصة في "دفن الموتى"، وقالوا له: مستر جلال نحن لدينا تجهيزات راقية للجنازات، ومقابر مميزة وبأسعار مناسبة ويمكن أن نحجز لك مقبرة تسرك!!، وراح في المقال يلعن سلسفيل جدودهم، ولم يمكث جلال كشك بعدها سوى ثلاثة أشهر فقط، وكان من كرم الله عليه أن مات بأزمة قلبية وهو في مناظرة على الهواء ضد نصر حامد أبو زيد يدافع فيها عن رسول الله في وجه خطابات علمانية وغربية متطرفة، فقبضت روحه وهو على هذه الحال.
كان جلال كشك شرسا في معاركه الفكرية، موسوعي الثقافة، قوي الحجة، حاضر الذهن، صاحب جلد وصبر غير عادي على البحث والكتابة، لذلك كان مزعجا جدا لأكثر من تيار فكري ، وبشكل خاص كان مكروها من الأقباط المتطرفين، ومن استصحبوا الوعي الطائفي من المثقفين في كتاباتهم عن تاريخ مصر، ولذلك كان يكرهه بشدة الناقد المعروف لويس عوض وكذلك غالي شكري ، خاصة وأنه في كتابه "ودخلت الخيل الأزهر" كشف عن دور "المعلم يعقوب" والفيلق القبطي الذي شكله للقتال بجوار الجيش الفرنسي الذي احتل مصر، وكان لويس عوض يثني في كتاباته على "المعلم يعقوب" عميل الاحتلال الفرنسي ويعتبره بطلا .
أيضا، يكرهه الناصريون بشدة، لأنه صاحب أهم الكتب التي كشفت عن الدعم الكبير الذي قدمته المخابرات الأمريكية "CIA"، لانقلاب ضباط حركة يوليو 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وكان كتاباه "كلمتي للمغفلين"، و"ثورة يوليو الأمريكية" أشبه بزلزال ضرب الوعي الخرافي الذي سوقته آلة الدعاية الناصرية على مدار عقود، وذلك بسبب ما حواه الكتاب من وثائق وأدلة دامغة على الاتصالات واللقاءات السرية التي كانت تجري بين عبد الناصر وبعض ضباطه وبين السفارة الأمريكية، والترتيبات الأمريكية لدعم وحماية انقلاب الضباط ومنع جيش الاحتلال الانجليزي من التدخل، حيث كان جيشهم يرابط في منطقة القناة، على بعد ساعة واحدة من القاهرة.
أيضا، كان يحظى بكراهية شديدة من محبي الأستاذ محمد حسنين هيكل، ومجاذيبه، لأنه القلم الوحيد الذي جرؤ على إهانة هيكل وإحراجه، بل وإعلان احتقاره وتحديه، في مقالات كثيرة، وفي كتب أيضا، وكشف تناقضاته، كما كشف تمريره لمعلومات غير صحيحة على الإطلاق، وتعتبر تضليلا للرأي العام، وكان له صبر عجيب في تتبع هيكل وإحراجه، ولذلك كان الناصريون وأنصار هيكل أكثر من شنعوا على جلال كشك، وأطلقوا حوله الشائعات والشبهات، ورموه بالاتهامات المرسلة والسخيفة والكاذبة التي يسهل إطلاقها على أي أحد، بدون أي دليل، محض كراهية وبهتان وتصفية مرارات عالقة في النفوس.
تتفق أو تختلف مع جلال كشك ، الذي توفاه الله في العام 1993 ، إلا أنك لا يمكن أن تتجاهل أن الثقافة العربية والصحافة العربية خسرت بموته قلما جبارا، وطاقة لا تكل ولا تمل من إثارة المعارك الفكرية والصحفية التي أحدثت استنارة حقيقية في جيل بكامله من المثقفين المصريين والعرب أراد البعض لهم أن يرسفوا في أغلال الزيف والبهتان، يرحمه الله .