تونس- رغم أن غالبية السكان في تونس لا تزال تنتمي إلى الفئة الشابة، فإن مؤشرات الشيخوخة السكانية باتت أكثر وضوحا سنة بعد أخرى ما لم يتم اتخاذ سياسات جذرية تعيد التوزان المفقود إلى الهرم السكاني.

ويؤكد باحثون في علم الاجتماع أن البلاد دخلت فعليا مرحلة تهرم سكاني تدريجي بناء على إحصاءات رسمية، ستكون له تداعيات عميقة على اليد العاملة والتوازنات المالية للصناديق الاجتماعية المختلة أصلا.

وأظهرت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 أن عدد سكان تونس بلغ أكثر من 11.9 مليون نسمة، بمعدل نمو سنوي لا يتجاوز 0.87%، وهو الأضعف منذ الاستقلال الوطني في 1956.

أطفال أقل

وإذا كانت الفئة النشيطة المتراوحة بين 15 و60 سنة لا تزال تمثل نحو 60% من مجموع السكان، فإن تركيبة الأعمار بدأت تميل بوضوح نحو الكبر والشيخوخة، مما ينذر بتحولات ديمغرافية عميقة.

فقد بلغت نسبة من تفوق أعمارهم 60 سنة نحو 16.9%، مقابل 5.9% فقط للأطفال دون سن الخامسة، وهي نسبة كانت تتجاوز 18% سنة 1966، وكانت في حدود 8% في سنة 2004.

وانخفضت نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاما إلى 17%، بعد أن كانت تبلغ 27.8% في الستينيات. أما مؤشر الشيخوخة فبلغ 73.9%، في حين وصل متوسط العمر 35 سنة.

إعلان

وحول تفسيره للتراجع الملحوظ للولادات، يقول الباحث في علم الاجتماع مهدي مبروك للجزيرة نت إن ذلك يعود إلى استمرار السياسة السكانية نفسها التي بدأت منذ أواخر الستينيات ولم تخضع لمراجعة جوهرية.

ويوضح أن الدولة اعتمدت بعيد الاستقلال سياسة لتحديد النسل ساندها خطاب تمجيدي للأسرة النووية، التي لا تتجاوز طفلين أو 3 أطفال ضمن رؤية تعتبر أن موارد البلاد المحدودة لا تسمح بارتفاع السكان.

سياسة دولة

ويرى أن الدولة واصلت تمجيد الأسرة محدودة العدد وقد انعكس ذلك على عدد من السياسات الاجتماعية كالتغطية الاجتماعية التي لا تشمل الطفل الرابع، وبرامج الإسكان التي لا تراعي الأسر الكبيرة.

ويؤكد أن السياسات السكانية لم تشهد إلى اليوم سوى تغييرات طفيفة تجلت في تغيير سياسة تحديد النسل إلى التنظيم العائلي، في حين بقيت القناعة الأساسية ذاتها وهي عدم التشجيع على التناسل.

لكن مبروك لا يُحمّل السياسات العمومية المسؤولية وحدها في تراجع الولادات، بل يشير أيضا إلى تحولات ثقافية وقيمية طرأت على المجتمع، خاصة لدى الفئات المتعلمة التي تمجد الأسرة محدودة العدد.

ويقول إن "كثيرا من الأزواج باتوا يعتقدون أن الإنجاب المفرط ينهك الجسد ويُقيد حياة المرأة ويؤثر على جودة العلاقة الزوجية والعائلية"، مؤكدا أن تراجع الإنجاب لا يتعلق فقط بمسألة الإمكانيات المادية.

كما أن ارتفاع أمل الحياة بفضل الخدمات الصحية وتطور طب الشيخوخة ساهم في اتساع شريحة كبار السن، دون أن يقابله تجديد في القاعدة السكانية الشابة، مما يهدد التوازن العام للهرم السكاني، وفق مبروك.

عوامل اجتماعية

من جهته، يعتبر الباحث في علم الاجتماع سامي نصر أن تونس على عتبة التهرم السكاني، مشيرا إلى أن نسبة الولادات لم تتجاوز 0.87% في سنة 2024 مقارنة بآخر تعداد سكاني رسمي في سنة 2014.

ويقول للجزيرة نت إن مؤشرات تراجع الولادات وتقلص الأطفال بدأت مؤشراتها تظهر على أرض الواقع منذ سنوات من خلال تراجع عدد التلاميذ في التعليم الابتدائي دون اتخاذ أي سياسات لحل الأزمة.

إعلان

ورغم أنه يقر بتأثيرات السياسة السكانية القديمة لتحديد النسل في تراجع الولادات، فإنه يشير إلى تأثيرات العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تفسيره إلى تراجع نسبة الولادات بشكل ملحوظ في تونس.

ويقول إن "الصعوبات الاجتماعية والعزوف عن الزواج وتأخر سن الزواج وتراجع الخصوبة لدى الرجل والمرأة والتوتر النفسي ورداءة نوعية الغذاء وانتشار التدخين والمخدرات كلها عوامل تقلص من الولادات".

تداعيات متوقعة

وحول رأيه في تداعيات ارتفاع نسبة كبار السن مقارنة خاصة بفئة الشباب، يقول نصر إن التأثيرات ستكون مباشرة على منظومة الحماية الصحية والاجتماعية، في ظل الصعوبات المالية للصناديق الاجتماعية.

فمع تقلص الفئة المنتجة، وتحديدا من هم بين 20 و45 سنة، ستواجه صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي صعوبات كبرى في التوازن المالي، لأنها ستدفع لمعاشات أكثر مقابل مساهمين أقل، وفق نصر.

من جانبه، يقول الباحث مبروك إن تونس قد تجد نفسها خلال عقد أو 15 سنة مضطرة إلى استيراد يد عاملة لتغطية العجز في قطاعات حيوية، في حال لم تتخذ إجراءات سريعة لإعادة التوازن إلى الهرم السكاني.

ويتفق الباحثان على أن الحل لهذه الوضعية الديمغرافية يمر حتما عبر مراجعة جذرية للسياسات السكانية والتأسيس لمرحلة جديدة تقوم على توازن بين الحاجيات الاقتصادية والواقع الديمغرافي التونسي.

ويدعو الباحثان إلى صياغة إستراتيجية عمومية متكاملة، تقوم على تشخيص دقيق للوضع، ورسم بدائل واقعية قابلة للتطبيق، لأن تفاقم الأزمة الديمغرافية سيؤدي إلى إضعاف المجتمع اقتصاديا واجتماعيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

ماء بغداد: إنشاء مجمعات إضافية لتحسين التوزيع في مناطق الكثافة السكانية

الاقتصاد نيوز - بغداد

أكدت مديرية ماء بغداد، اليوم الخميس، أن إنتاجها اليومي من المياه يصل إلى أربعة ملايين و250 ألف متر مكعب، فيما كشفت عن إنشاء مجمعات إضافية لتحسين التوزيع في مناطق الكثافة السكانية.

وقال مدير المديرية، حكمت عبد المجيد حميد، في تصريح أوردته وكالة الأنباء الرسمية، واطلعت عليه "الاقتصاد نيوز"، إن "هذه الطاقة القصوى التي ننتجها تتماشى مع المحدد العالمي لصرفيات الماء للفرد الواحد، والتي تتراوح بين 250 إلى 300 لتر يوميًا للفرد الواحد، وبالنظر إلى ظروفنا وأجوائنا، فإن الكمية قد تصل إلى 350 لترًا لكل مواطن يوميًا".

وأضاف حميد، "الكمية المنتجة من المياه تتوزع على عدد السكان، لكن التحدي يكمن في عدالة التوزيع واختلاف الكثافات السكانية بين المناطق، فمناطق الرصافة، على سبيل المثال، تعاني من كثافة سكانية عالية، مما يزيد الضغط على شبكات المياه".

وتابع، "من واجبنا معالجة هذا الاختلال، حيث يتحمل المواطنون في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية العبء الأكبر، ونحن، بدورنا، نقوم بإجراء حسابات دقيقة، وإذا لم تكن الكميات التي تأتي عبر الأنابيب الناقلة كافية، فالمديرية تنفذ مشاريع مجمعات صغيرة إلى متوسطة لتوفير الكميات الإضافية اللازمة لتلبية احتياجات المواطنين في مناطق الكثافة السكانية".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • ماء بغداد: إنشاء مجمعات إضافية لتحسين التوزيع في مناطق الكثافة السكانية
  • تراجع معدلات التدخين في مصر إلى 14.2% | وطبيب يوضح أسباب الانخفاض وأهمية استمرار التوعية
  • 3 أسباب وراء تراجع كامل أبو علي عن استقالته من رئاسة المصري البورسعيدي
  • نسب مشاهدة قياسية لـيوروفيجن عبر التلفزيون والشبكات الاجتماعية
  • 10 تخصصات جامعية مستقبلية تمنحك وظيفة في أي دولة
  • الشركات الأوروبية تُقلص خططها الإستثمارية في الصين على وقع تباطؤ اقتصاد بكين
  • الصحة: خفض نسبة الولادات القيصرية إلى أقل من 30%
  • «الصحة»: نسعى إلى خفض نسبة الولادات القيصرية إلى أقل من 30%
  • تراجع طفيف في سعر الذهب العالمي وسط تفاؤل حذر بالهدنة الاقتصادية