حقق الشاب فؤاد بن هيثم الحديدي شهرة واسعة خلال فترة قصيرة نسبيًا في الوسط الاجتماعي العُماني، بل والخليجي، إذ ارتفع عدد متابعيه في منصة "إنستجرام" من نحو 10 آلاف متابع إلى أكثر من 230 ألفًا خلال عام واحد تقريبًا. واشتهر بجملته المتكررة: "كم كيلو لازم أركض عشان أحرق؟"، وتتنوّع الإجابات حسب الوجبة بين "مندازي"، و"سمبوسة"، و"هريس"، و"شواء"، وغيرها من الأكلات الشعبية العُمانية.

من يتابع الحديدي يدرك أن رسالته تتمثل في نشر ثقافة النشاط البدني، إذ يحمل شعارًا دائمًا يردده في منشوراته ولقاءاته: "Don't skip cardio"، أي "لا تتجاوز التمارين الهوائية".

بدأ فؤاد رحلته التوعوية دون نية مسبقة ليصبح ما هو عليه اليوم من شهرة وتأثير؛ إذ كان في البداية يركض ويصوّر نفسه، لكنه وجد في ذلك مللًا وقلة حماس. ثم خطرت له فكرة "كم كيلو لازم أركض؟"، فبدأ بتناول وجبة معينة، يستعرض عدد السعرات الحرارية فيها، ثم يحسب المسافة التي عليه قطعها جريًا لحرق تلك السعرات. ويختار غالبًا أكلات تُعد خفيفة أو غير أساسية، ليطرح في النهاية سؤالًا لمتابعيه: "هل تستحق السمبوسة -مثلًا- كل هذا الجهد؟"، تاركًا لهم التفكير والإجابة.

وفي حديث خاص لـ"عُمان"، قال الحديدي: "جاءت الفكرة تزامنًا مع موسم العيد، حين يُقبل الناس على الحلوى العُمانية كطبق أساسي، فصورت مقطعًا عنها، وربطته بعدد السعرات الحرارية اللازمة لحرق ملعقتين منها، وانتشر المقطع بشكل هائل، وتجاوز المليون مشاهدة، رغم أن عدد متابعيني حينها لم يكن كبيرًا".

يسعى فؤاد إلى تقديم محتوى ترفيهي توعوي في آنٍ واحد، إذ يرى أن الفائدة تُثمر أكثر حينما تُقدَّم بأسلوب ممتع، ويؤكد على موثوقية المعلومات التي يقدمها، موضحًا: "أنا دائم الاطلاع على المصادر الموثوقة وكل جديد في المجال. كما أنني لا أروّج لنظام غذائي معيّن، فالمسألة تتعلق دائمًا بالكمية. فمثلًا، لا بأس بكوب من القهوة، لكن المشكلة تبدأ حين يُفرِط الشخص في تناولها".

ويستهدف الحديدي فئة عمرية تتراوح بين 18 و35 عامًا، وهي الأكبر ضمن جمهوره، وتشكل نحو 60% من متابعيه، إلى جانب فئات أخرى، خاصة فئة المراهقين. ومهما اختلفت الفئة، فإنه يشعر بالمسؤولية تجاه ما يقدّمه، ويحرص على تعميم ثقافة الحياة الصحية، فلا يقتصر على النشاط البدني فقط، بل يقدّم نصائح تتعلق بالأكل غير الصحي، وأضرار التدخين، وكذلك الجانب النفسي مثل الاكتئاب.

وعن مسؤوليته تجاه محتواه، قال: "بكل أمانة، أنا دائمًا أبدأ بنفسي، وأحاسبها قبل الآخرين. وأسأل نفسي: هل سيكون أهلي فخورين بما أقدّمه؟ هل أبنائي في المستقبل سيفخرون بي؟ فالمقياس الأول بالنسبة لي هو رضاي الشخصي. وحتى الآن، لم أندم على شيء قدّمته".

ويتّضح أن المحتوى الهادف الممزوج بروح الدعابة والكوميديا يلقى صدى واسعًا. فبعد أن أصبح فؤاد مؤثرًا اجتماعيًا، بات مقصدًا للعديد من الجهات المنظمة للفعاليات الرياضية التي تؤمن برسالته وقاعدته الجماهيرية. وقد روّج للعديد من المبادرات والماراثونات داخل سلطنة عُمان وخارجها. وقال عن بعض مشاركاته: "تعاونت مع شركات كثيرة، أولها (سابكو) المنظمة لماراثون مسقط، كما شاركت في ماراثونات بمحافظات أخرى. وتعاونت أيضًا مع جهات في السعودية والبحرين، ومؤخرًا مع (ريد بُل) في فعالية ركض عالمية".

وفي عالم التواصل الاجتماعي، تتنوّع المعلومات المتعلقة بالرياضة، وتتضارب أحيانًا، خاصة فيما يخص إنقاص الوزن، ما قد يثير الجدل بين المتابعين. فهل يدخل الحديدي في هذه الدوامة؟ يجيب: "أغلب التناقضات تتركز في مسألة واحدة، هي إنزال الوزن. لذلك، وبعيدًا عن كل الآراء، هناك قاعدة بسيطة: إذا كان هناك عجز في السعرات الحرارية، فسوف ينخفض الوزن. أي أنك إذا أكلت أقل من احتياجك اليومي، فستخسر الوزن. والمعادلة هي: مارس الرياضة، واضبط كميات الأكل، وستصل إلى هدفك".

وعن شعاره "Don't skip cardio" وسبب اختياره، يقول فؤاد: "أهدف إلى نشر ثقافة ممارسة الرياضة يوميًا بأبسط الوسائل وأقل التكاليف، فرياضة الكارديو – أي الرياضات الهوائية مثل المشي والجري – لا تحتاج إلى مهارات أو أدوات معقدة، ويمكن للجميع ممارستها. هذا ما أحاول غرسه في المجتمع: أن تصبح الرياضة أسلوب حياة. ولا يعني هذا أن تمارين المقاومة ليست مهمة، بل العكس، يمكن ممارستها في المنزل بأدوات بسيطة أو حتى بدون أدوات، بعيدًا عن الاشتراكات المكلفة. كذلك من المهم اكتساب ثقافة الأكل الصحي، والاطلاع على مكونات الأطباق. فمثلًا، قد تكون سلطة معينة أعلى في السعرات من وجبة برغر. تثقيف النفس أمر جوهري".

وفي لقائنا مع فؤاد الحديدي، لمسنا شخصيته المتصالحة مع الآخرين، المتقبّلة للجميع، والتي لا تكترث بالتعليقات السلبية، إذ يقول: "هي تعكس صاحبها". لكنه لم يجد سبيلًا للتصالح مع "الماتشا"، المشروب الأخضر الشهير، رغم تشابه لونه مع لون سيارته الغريبة التي يجوب بها مسقط وتحمل عبارة "كالو". وعن ذلك يقول: "قبل أن أجرب الماتشا، كنت مع مجموعة من السياح في أحد الأودية، وسألونا عن الطحالب، فأجبت مازحًا أنها (ماتشا)، وانتشر المقطع. لاحقًا، قدّم لي أحد الأصدقاء مشروب الماتشا، لكن لم أستسغه، ووصفته بطعم الحناء. لا يعني أني تذوقت الحناء، لكن أحيانًا نشعر بالطعم من خلال الرائحة".

أما عن "كالو"، فيقول: "هي شركة ارتبطتُ معها للترويج، وتقوم على فكرة نمط الحياة الصحية. بدأت في دول خليجية، وحطّت رحالها في مسقط، وتقدّم وجبات صحية محسوبة السعرات. والسيارة الغريبة هي وسيلة لجذب الانتباه وتشويق الجمهور للتعرف على (كالو)".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دائم ا

إقرأ أيضاً:

ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل

في ظل مشهد مضطرب تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد، تتكشف حقيقة صادمة: لم تُبنَ في ليبيا دولة بالمعنى الحقيقي، رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على الاستقلال، ورغم ما توفر من ثروات وفرص. بل إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل أزمة بنيوية عميقة في الوعي والانتماء، وفي العلاقة بين المواطن والدولة.

من الاستقلال إلى التيه

استقلت ليبيا عام 1951، في تجربة رائدة على مستوى أفريقيا والعالم العربي، وكان من الممكن أن تشكّل نموذجًا للدولة الوطنية الحديثة.

وبالفعل، شهدت البلاد خلال الستينات وحتى أواخر السبعينات تقدمًا في مجالات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، بل صُنفت حينها من بين الدول المتقدمة نسبيًا.

لكن هذا التقدم لم يكن مستندًا إلى بنية مؤسسية راسخة، بل ظل هشًا، يعتمد على مركزية القرار، وعلى النفط كمصدر وحيد للثروة، دون تنمية ثقافة العمل والإنتاج.

دولة الريع وتآكل الوعي

منذ اكتشاف النفط، تحوّلت الدولة إلى “خزانة” توزع الموارد بدل أن تبني اقتصادًا متوازنًا، فترسّخت ثقافة الاتكالية، وتراجعت قيمة العمل، وتحول المواطن إلى تابع ينتظر “العطاء”، لا شريكًا في التنمية.

تآكلت بذلك ثقافة المسؤولية، وغاب الشعور بالملكية الجماعية للوطن، وتم استباحة المال العام، والمؤسسات، وحتى فكرة “الدولة” نفسها.

المجتمع… بين الجهوية والقبيلة

لم تتطور الهوية الوطنية الجامعة، وبقيت الانتماءات القبلية والجهوية والمناطقية هي السائدة. ليس ذلك فحسب، بل أصبحت أحيانًا أدوات صراع على السلطة والمناصب والثروة، حتى في أوساط المتعلمين والنخب. فما بالك بالمواطن البسيط الذي لم يتح له الوعي، ولا أدوات المشاركة الحقيقية؟

هذه الولاءات الضيقة ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، وأضعفت روح المواطنة، وعرقلت بناء مؤسسات وطنية مستقلة عن النفوذ العصبوي والمناطقي.

غياب ثقافة الدولة والمجتمع المدني

لم تُبنَ ثقافة الدولة لدى الأفراد. لم نُدرَّب في المدارس ولا في الإعلام ولا في المساجد على احترام القانون، وعلى أن الوطن فوق الجميع. لم تُزرع قيم العطاء والمبادرة، بل سادت ثقافة التلقّي، و”من الدولة لنا”، لا “منّا للدولة”.

كما لم يتشكل مجتمع مدني حقيقي، بل تمت محاصرته، أو تم تسليحه، أو تحريكه بالمال السياسي، ففقد دوره التوعوي والتنموي.

فشل النخب قبل فشل السلطة

من المثير للأسف أن النخب المتعلمة لم تنجُ من عدوى الانتماء الضيق، ولم تتمكن من تقديم خطاب وطني جامع. في كثير من الأحيان، تحوّلت إلى أدوات في الصراع، أو وقفت عاجزة أمام تعقيدات المشهد، فغاب المشروع، وغابت القيادة المجتمعية.

لماذا تراجعت ليبيا؟

الجواب ببساطة: لأن الدولة لم تُبنَ على قاعدة من الوعي، ولم يُبنَ الإنسان الليبي كمواطن حرّ ومسؤول، بل ظل تابعًا، هشًا، يقاد بالعاطفة، لا بالعقل.
ولهذا، حين انهارت السلطة بعد 2011، انهارت معها الدولة، لأن البناء لم يكن حقيقيًا، والمؤسسات كانت هشة، والمجتمع كان مفككًا.

نهاية الحلم وبداية الحقيقة

اليوم، لم يعد يختلف عاقلان على أن ليبيا دخلت نفقًا ضيقًا ومظلمًا، وأن الليبيين باتوا يندمون على ما آل إليه حال البلاد. فقد تبيّن أن الدولة ما قبل 2011، رغم عيوبها، كانت أكثر استقرارًا وسيادة من واقع الفوضى والانقسام الراهن، حيث كانت السلطة موحّدة، وصوت القرار واضح، وإن اختلف معه الكثيرون.

فلا يُعقل أن تُسمى “ثورة”، ثم تعود البلاد إلى فوضى شاملة، وفساد غير مسبوق، يهدد بانهيار كامل، في ظل أخطار خارجية متزايدة، تجعل ليبيا عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو فرض إرادتها.

ومع فشل مشروع “الديمقراطية الموعودة”، لم تعد هناك أولوية تتقدّم على استعادة القانون، وبسط النظام، وإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها.

خاتمة: وعي الإنسان قبل بناء الدولة

ليبيا ليست دولة فقيرة، ولا تفتقر إلى الثروات أو الإمكانات. لكنها افتقرت — وتفتقر — إلى وعي حقيقي بمعنى الدولة، وإلى إنسان مؤمن بقيم المواطنة والانتماء.

ولهذا، لم تُبنَ في ليبيا دولة حقيقية، بل كيان مؤجل، ينتظر من يؤمن به ويُخلِص له، ويعيد بناءه على أسس راسخة: إنسان حر، مجتمع واعٍ، ودولة عادلة.

أما إذا استمر غياب الوعي، فسوف تظل الأزمات تتوالى، والانهيارات تتكرّر، وتضيع البلاد. فالتحديات جسيمة، تبدأ من ضرورة إعادة بناء الإنسان والمجتمع، لا سيما فئة الشباب الذين يعانون البطالة، والمخدرات، وانعدام الدعم، فضلًا عن التحديات الديموغرافية المقلقة، كتراجع معدلات الخصوبة، وارتفاع العنوسة، واتساع الفجوة الاجتماعية.

لهذا، آن الأوان لأن يتحرّك الليبيون بوعي وجدية. فالشعارات لم تعد تكفي، والوقت لم يعد في صالح أحد. لا بد من سلطة وطنية واحدة وقوية، تبسط الأمن والاستقرار، وتعيد للدولة هيبتها وفاعليتها… قبل أن يفوت الأوان.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • بعد مراقبة دقيقة.. عامل يسرق مطعم ويشعل النيران به لإخفاء جريمته
  • حقق التوازن بين الأقدمية والكفاءة.. اللواء ياسر الحديدي يتولى قطاع شئون الضباط بالداخلية
  • حين يجعلك التوتر تُفرِط في تناول الطعام!
  • أفضل الأطعمة لزيادة الوزن والتخلص من النحافة
  • ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل
  • السعرات الحرارية في فاكهة الصبر
  • إشارات يرسلها الجسم عند نقص الفيتامينات
  • “الرياضة تجمعنا”
  • واقع مخيمات الضفة ومستقبلها بعد 6 أشهر على السور الحديدي
  • جريت وول موتورز تثير الحماس في سوق السيارات الخارقة الصينية