رام الله- يعيش عبد السلام عودة وزوجته في حافلة قديمة منذ نزوحه عن مسكنه في مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية، مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية "السور الحديدي" في يناير/كانون الثاني الماضي. ولم يسمح له ضيق العيش بالبناء على أرضه التي عمل طوال حياته لشرائها ليؤمّن بها مستقبل أبنائه.

ويقول للجزيرة نت "نزحت في البداية عند أقاربي، ثم ساعدني صديقي في توفير هيكل حافلة أعيش فيه الآن فليس لدي خيار آخر".

ولا يتسع إلا لشخصين، يسكن فيه هو وزوجته بينما يعيش أبناؤه في قرية قريبة من المدينة. ويقول بأسى "نعيش مشتتين بعد أن كانت لنا منازل وحياة في المخيم".

ومثل سكان مخيم طولكرم، البالغ عددهم بحسب الإحصاءات الأخيرة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) 27 ألف لاجئ، لا يرى عودة نهاية لما يعيشه أو أفقا لتغيير الحال في ظل الوضع الراهن واستمرار العملية العسكرية بمخيمات شمال الضفة الغربية.

عبد السلام متشائم من المستقبل بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية (الجزيرة) هدم شامل

وخلال هذه العملية التي بدأت في مخيم جنين قبل 6 أشهر:

هدم الاحتلال في مخيمي طولكرم ونور شمس -وفق محافظة طولكرم- قرابة 86 مبنى تضم 258 وحدة سكنية، إلى جانب الهدم المستمر لدفعة جديدة تتكون من 104 مبانٍ سكنية في مخيم طولكرم تحتوي على 400 وحدة سكنية. وفي مخيم نور شمس وحده، هدم الاحتلال 75 مبنى يضم 225 وحدة سكنية. وفي مخيم جنين هدم 690 وحدة سكنية، إلى جانب التبليغ في يونيو/حزيران الماضي عن هدم 96 مبنى تحتوي على 340 وحدة سكنية جديدة. وهذه تضاف لما هدم منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والمقدّر بـ50 وحدة سكنية بشكل كلي، و1036هدما جزئيا لمبان ومحلات جراء العمليات العسكرية السابقة في المخيم.

بعض هذه المباني لا يعرف عددها حتى الآن بسبب منع الاحتلال الأهالي والجهات الرسمية من الدخول إلى هذه المخيمات، ويمنع إعادة بنائها بسبب قيام الجرافات الإسرائيلية بفتح شوارع وتوسيع أخرى على حسابها.

إعلان

وبحسب إحصاءات دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، فإن ما بين 45 و50 ألف لاجئ نزحوا من مخيمات شمال الضفة الغربية خلال الأشهر الستة الفائتة.

كان منزل فاطمة صالح (54 عاما) أحد هذه المنازل التي هدمت في اليوم الأول للعملية العسكرية في مخيم جنين. وقد نزحت في البداية إلى بلدة "اللبن الشرقية" أقصى جنوب مدينة نابلس عند أقارب زوجها، ثم بعد شهرين إلى لجأت إلى بيت شقيقتها في المدينة، ثم عادت إلى جنين ليكون مصيرها في "سكنات الجامعة الأميركية" ببلدة الزبابدة والتي خصصت لمئات النازحين من مخيم جنين.

النازحة فاطمة صالح (يمين) مع أشقائها في مدينة نابلس (الجزيرة) مستقبل مجهول

تعيش فاطمة مع زوجها وشقيقيها في وحدة سكنية عبارة عن غرفة ومطبخ صغير وحمام، لا تتجاوز جميعها مساحة 30 مترا، كما تقول للجزيرة نت. وتقع هذه الوحدة في عمارة تسكنها 60 عائلة نازحة من مخيم جنين كانت مخصصة للطلبة لكنها أصبحت تؤوي المئات رغم ضعف شبكات الكهرباء والمياه غير المخصصة لأعداد كبيرة.

وتقول "فكرنا كثيرا في البحث عن بيت آخر لاستئجاره ولكن الأوضاع الاقتصادية منعتنا، فمنذ بداية الحرب والاحتلال يفرض على المخيم وأهله حصارا وعطّل كل حياتنا".

وتتخوف فاطمة من اليوم التالي لوقف العملية العسكرية، فبيتها من المنازل التي جرفها الاحتلال لشق الطرق وتوسيعها في المخيم وذلك يجعل إمكانية إعادة إعماره مستحيلة، و"الأوضاع لا تبشر بإمكانية تعويض من أي جهة لشراء منزل أو حتى استئجاره".

نهاية الجندي تنتقد الصمت الرسمي تجاه أزمة النازحين (الجزيرة)

كذلك امتدت عملية "السور الحديدي" بشكل جزئي إلى مخيمات نابلس وطوباس، محدثة تغيرات جغرافية واقتصادية واجتماعية في بنيتها.

تقول نهاية الجندي، عضو لجنة خدمات مخيم نور شمس، للجزيرة نت، إن التغيرات التي أحدثها الاحتلال في المخيم وبعد تهجير سكانه جذرية، "جعلتنا نعيش حياة بدائية بكل تفاصيلها، ومن دون أي توقعات لما يمكن أن يكون عليه مصيرنا بعد انتهاء هذه العملية".

ووفقا لها، فإن "حالة التخبط والإهمال التي تتعامل بها الجهات الرسمية الفلسطينية بعد 6 أشهر على العملية تؤكد عدم وجود أي خطط مستقبلية لديها للتعامل مع اليوم التالي للانسحاب الإسرائيلي من المخيمات".

وتتساءل عن مصير عشرات المنازل التي هُدمت ولا أحد يعرف مصير أصحابها، "فهل سيتم تعويضهم أو البناء لهم في مناطق جديدة أو استحداث مخيمات جديدة؟ أم تركهم لمصيرهم مثل ما يحدث حاليا؟".

وتضيف أن "معظم التصريحات التي نتابعها في الإعلام الآن هي وعود لا يتحقق أغلبها، وإن حدث فجزئيا وتكون بطريقة عشوائية وبلا خطط واضحة".

مصير المقاومة

وألقت الحملة العسكرية بظلالها على واقع المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية بالكامل. فتفريغ المخيمات في هذه المنطقة ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ لم يسبق للاحتلال أن عمد إلى تهجير منطقة سكنية بالكامل وهو ما يعتبره الخبراء والمراقبون "تحوّلا خطيرا يمكن أن يؤسس لخطوات أكثر اتساعا".

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي ساري عرابي أن إسرائيل لن تسمح بإعادة بناء المخيمات وفق هندستها القديمة، وهذا ما سيلقي بظلاله ليس فقط على المقاومة و"صعوبة إعادة تشكيل نفسها من جديد"، بل على السكان اقتصاديا واجتماعيا، فهم لا يملكون امتدادا خارجها ليتمكنوا من البناء على أراضٍ أو السكن في مناطق أخرى، "مما سيخلق أزمات اقتصادية واجتماعية من الصعب التنبؤ بها الآن".

إعلان

وخلال هذه الحملة، استهدف الاحتلال البنية التحتية للمقاومة التي انطلقت "بعد سنوات من التراجع" من خلال تشكيل الكتائب المسلحة التي بدأت بكتيبة جنين عام 2021 وتمددت إلى مخيمي طولكرم ونور شمس ومنها إلى طوباس والفارعة، ومدينة نابلس حيث برزت مجموعات "عرين الأسود" و"كتيبة بلاطة".

ويقول عرابي للجزيرة نت إن الاحتلال لا يستهدف فقط المقاومين بالاغتيال والاعتقال، وإنما يستهدف حاضنتهم الشعبية بتفكيك الحيز الجغرافي الذي ينتمون إليه؛ فتجريف المنازل وهدمها وإعادة هندسة عمارة المخيمات "سيؤثر على هذه التشكيلات العسكرية التي كانت تستفيد من بنية المخيم الخاصة، من حيث ضيق الأزقة وتلاصق الأبنية والترابط في العلاقات الاجتماعية نتيجة القرب الشديد".

ولا يعتقد عرابي بإمكانية عودة هذه التشكيلات على الشكل التي ظهرت فيه سابقا نتيجة الظرف الأمني في الضفة الغربية، الذي يراه غير مهيأ لها، "فالضفة منذ عام 2000 في قبضة الاحتلال الذي يمارس فيها مهام أمنية حتى في المناطق المصنفة (أ) -تحت سيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة- إلى جانب منظومة الحواجز والمراقبة الإلكترونية".

وتابع "من مراجعة للهبّات (الحراكات الجماهيرية والثورات) التي توالت من عام 2000 حتى الآن في الضفة وصولا إلى ظاهرة الكتائب المسلحة، يمكن الجزم بأن البنية التحتية الأمنية والسياسية في الضفة لا تسمح بالتمدد والاستمرار لمثل هذا العمل المقاوم".

في المقابل، يرى عرابي أن هناك الكثير من المحفّزات في الضفة للتحرك ضد الاحتلال، منها: اعتداءات المستوطنين، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ومخزون الغضب على ما يجري في غزة، والحصار والحواجز؛ "فكل ذلك لا بد أن ينفجر ولكن من الصعب التوقع كيف ومتى".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات العملیة العسکریة الضفة الغربیة وحدة سکنیة للجزیرة نت مخیم جنین فی المخیم فی الضفة فی مخیم

إقرأ أيضاً:

الضفة تشتعل ومواجهات في جنين

صراحة نيوز-شهدت محافظة جنين (شمالي الضفة الغربية المحتلة) سلسلة اقتحامات نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، تخللتها عمليات هدم ومداهمة في عدد من البلدات، وقد أعقبها اندلاع مواجهات مع الشبان الفلسطينيين.

وأفادت مصادر فلسطينية بأن مواجهات عنيفة اندلعت في السيلة الحارثية (غربي جنين) عقب اقتحام قوات الاحتلال للبلدة وإطلاقها قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية باتجاه الشبان.

كما داهمت قوات الاحتلال منازل في قرية بير الباشا (جنوب جنين) في وقت جابت فيه الآليات العسكرية شوارع بلدات متعددة جنوب وغرب المحافظة.

اقتحام مناطق عدة بالضفة
وفي السياق، شهدت مدن وبلدات عدة -مساء الأحد وفجر الاثنين- في الضفة الغربية المحتلة عمليات اقتحام ومداهمة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ففي طوباس (شمال الضفة المحتلة) اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأحد، بلدة عقابا (شمال المدينة) بعدة آليات عسكرية، ونفذت عمليات مداهمة وتفتيش لعدد من المنازل، وفق مصادر محلية.

وأفادت مصادر طبية بتسجيل 3 إصابات في صفوف شبان فلسطينيين جرى الاعتداء عليهم بالضرب أثناء مرورهم عبر حاجز تياسير (شرق طوباس).

كما داهمت قوات الاحتلال منزل أسير في بلدة عقابا، بالتزامن مع استمرار الانتشار العسكري في محيط البلدة.

وفي سلفيت (شمال غرب الضفة) نفذت قوات الاحتلال حملات مداهمة عدة، حيث اقتحمت قرية مردا (شمال المحافظة) وفتشت عددا من المنازل دون تسجيل اعتقالات، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية.

وتتعرض هذه القرية منذ فترة لاعتداءات متكررة تشمل إغلاق المداخل الرئيسية والفرعية، وتفتيش المنازل خلال الاقتحامات المتواصلة.

وفي سياق متصل، وسّعت قوات الاحتلال إجراءاتها العسكرية في بلدات غرب سلفيت، وأغلقت طرقا فرعية تربط بين بلدتي الزاوية وبديا.

وفي رام الله، قالت مصادر محلية إن مجموعات من المستوطنين اقتحمت أطراف قرية المغير (شرق المدينة).

إصابة فلسطينيين بالرصاص
وفي القدس المحتلة، أُصيب فلسطينيان برصاص الجيش الإسرائيلي، مساء الأحد، قرب الجدار الفاصل في بلدة الرام (شمال المدينة).

وذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن أحد المصابين أصيب بالرصاص الحي في الوجه ونُقل إلى مركز طبي بمنطقة كفر عقب، وأصيب الآخر في الركبة وسقط عند الجدار الفاصل قبل نقله إلى المستشفى.

وقد تزامنت الإصابات مع اقتحام قوات الاحتلال بلدة الرام، وسط انتشار عسكري إسرائيلي مكثف في المنطقة.

ويُسجَّل بشكل شبه يومي إصابة فلسطينيين قرب الجدار الفاصل خلال محاولتهم عبوره بحثا عن عمل داخل إسرائيل التي تمنع منذ عامين عودة الفلسطينيين إلى أماكن العمل منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ووفق الاتحاد العام لعمال فلسطين، فقد قُتل 44 عاملا برصاص إسرائيلي واعتُقل أكثر من 32 ألفا خلال محاولاتهم العمل أو اجتياز الجدار منذ بدء الحرب وحتى 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

مقالات مشابهة

  • الضفة تشتعل ومواجهات في جنين
  • جيش الاحتلال يستأنف هدم منازل بمخيم جنين
  • الضفة تشتعل.. انفجار ضخم في مخيم جنين نتيجة تفجير الاحتلال لعبوة ناسفة
  • هندسة التخريب في مخيمات الضفة.. ما الواقع الجديد الذي يسعى الاحتلال لتحقيقه؟
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل هدم منازل المهجرين في مخيم جنين
  • رئيس بلدية جنين: الاحتلال يفكك المخيمات لفرض واقع جديد
  • قوات الاحتلال تواصل هدم المنازل في مخيم جنين
  • “حماس”: هدم العدو الإسرائيلي 24 منزلا في مخيم جنين جريمة حرب
  • جيش الاحتلال يعلن استعداده لهدم 24 مبنى في مخيم جنين
  • الجيش الإسرائيلي يعلن أنه سيهدم 24 مبنى في مخيم جنين