في ظل المشهد السياسي المصري المتسم بالتعقيد والتوتر، برز اسم السياسي أحمد الطنطاوي كأحد أبرز رموز المعارضة التي سعت لإحداث تغيير حقيقي من داخل المجال السياسي.

وقد خاض الطنطاوي تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه واجه خلالها ضغوطًا شديدة وإجراءات أمنية قمعية، انتهت باعتقاله عقب انتهاء العملية الانتخابية.



وفي هذا الحوار الحصري مع موقع "عربي21"، يستعرض الطنطاوي تجربته في مواجهة السلطة، ويقدم رؤيته لمستقبل العمل المعارض في مصر، إلى جانب تقييمه لأداء النظام القائم، وموقفه من الملفات الحقوقية وعلى رأسها قضية المعتقلين السياسيين.

كما يتطرق الحوار إلى موقفه من القضية الفلسطينية، التي شكلت دائمًا إحدى أولوياته الوطنية والإنسانية، في محاولة لرسم ملامح الصراع القائم بين طموح التحول الديمقراطي والواقع القمعي الذي يرزح تحته المواطن المصري.
رجوع الأمل... أصبح على بُعد ساعات.

بعد شهور طويلة من الصبر والثبات والإيمان،
بنزف ليكم خبر طال انتظاره: كلها ساعات وتنتهي إجراءات الإفراج، وإن شاء الله أحمد الطنطاوي راجع بيته النهارده.#أحمد_الطنطاوي#رجوع_الأمل#الحرية_لمصر pic.twitter.com/12BgeIHdYE — Ahmed Altantawy - أحمد الطنطاوي (@a_altantawyeg) May 28, 2025
كيف تقيم ظروف الإفراج عنك، ولماذا ترى أنها لم تكن طبيعية؟
الإفراج عني لم يكن طبيعيًا لا في توقيته ولا في طريقته، رغم أنني كنت مصرا منذ اللحظة الأولى على أن أُعامل كأي سجين، دون استثناءات أو تمييز، وأن تُطبق علي الإجراءات المعتادة التي تسري على الجميع. لكن ما حدث معي كان فرض حصار داخل الحصار، أو ما يمكن تسميته "سجنا داخل السجن". 

الخروج تأخر بلا مبرر، وجاء بإجراءات استثنائية ومن مكان غير معتاد، وكل ذلك بهدف واضح "منع أي فرصة لأن يكون هناك أحد من أهلي أو أصدقائي أو زملائي لحظة الإفراج"، وكأن السلطة أرادت أن تمر اللحظة في عزلة تامة، دون شهود أو دعم رمزي. 

وهذا النهج يعكس رغبتهم في طمس حقيقة أن السجن لا يُغير أصحاب القضايا، ولا يُنسي الناس من دفعوا أثمانًا باهظة من أجل مبادئهم. وأنا لست استثناءً، بل أُكمل مسيرة طويلة سبقني فيها كثيرون ممن ضحوا أكثر، وأحبوا هذا الوطن بصدق.


هل أثرت تجربة السجن على شعورك الداخلي وعلى علاقتك برفاقك في النضال السياسي؟
أحد الأمور التي أستطيع اعتبارها من مميزات هذه التجربة القاسية، هو أنني شعرت بدرجة أعلى من السلام الداخلي دون أن أقصد٬ منحتني السلطة فرصة أن أكون مثل غيري، بل مثل من هم أفضل مني٬ أولئك الذين بدأنا معهم الطريق واتفقنا على أن نتقاسم الألم بكبرياء، ونتشارك الأمل بشجاعة.

خرجت من السجن بينما ما زال 150 من أعضاء حملتي الانتخابية، وزملائي، وأساتذتي، قابعين خلف القضبان، من بينهم المهندس يحيى حسين عبد الهادي الذي كان معي في نفس السجن، ولا يزال محتجزًا في مستشفى السجن. 

كنت أشعر بالعجز تجاههم، لأننا لم ننجح بعد في رفع الظلم عنهم، وهم لم يرتكبوا جريمة سوى التمسك برأي ومبدأ. وحين تتعرض لما تعرضوا له، تشعر بشيء من الرضا الداخلي؛ لا لأن السجن تجربة مرغوبة، بل لأنه حين يُكتب عليك أن تمر بها، تتقبلها بإيمان ورضا. 

وتدرك أن المبدأ الذي نسعى لتحقيقه يستحق هذا الثمن، حتى يأذن الله بزوال الظلم وتحقيق المستقبل الذي نؤمن بأننا نستحقه، وقادرون عليه، وقد دفعنا ثمنه عن قناعة.

السياسي #أحمد_الطنطاوي: سأواصل البحث عن مخارج وطرق تقود إلى الأمل والمستقبل #مزيد pic.twitter.com/LcLYJMOo4y — مزيد - Mazid (@MazidNews) June 2, 2025
كيف تواجه شكوك المواطنين في جدوى العمل السياسي٬ خاصة في ظل تجارب خذلتهم في الماضي؟
في إحدى جولات الانتخابات البرلمانية عام 2020، قابلني سائق توكتوك وقال لي إنه يعتقد بنسبة 75% أن كل ما نقوم به تمثيلية، لكنه لا يزال يحتفظ بـ25% من التصديق. 

أجبته بأنك لن تصدقني إلا إذا أسقطوني أو سجنوني، وربما حينها ستقول إنهم يفعلون ذلك ليمنحوني مصداقية. والحقيقة أن الناس معذورة في شكوكها بعد ما رأوه من خيبات أمل متكررة خلال السنوات الماضية. لكن في النهاية لا أحد يوقع شيكًا على بياض لأي شخص يحمل فكرة.

لو رأيت شخصًا يدافع عن حقوقك بصدق، فأيده اليوم حتى يتمكن من مواصلة الدفاع، وإذا انحرف غدًا، قف ضده. هذا ما يعطيك المصداقية الحقيقية. والدعم ليس التزامًا أبديًا، والأفكار نفسها قابلة للتغيير. قد لا يتغير من يحمل الفكرة، بل قد تكون أنت من يغير موقفه حين يؤمن بفكرة جديدة. المهم أن تظل بوصلتك هي المبدأ لا الأشخاص.


الطنطاوي: كلفة التعبير عن الرأي باتت باهظة للغاية

كيف ترى توازن العلاقة بين السلطة والشعب في ضوء التجاوزات الأمنية، وانسحاب المواطنين من المجال العام؟

المعادلة بين السلطة والشعب لها جانبان، وكل جانب فيه اتجاهات متباينة. من جهة السلطة، التزامها بالدستور والقانون يجب ألا يكون محل اجتهاد أو تفضيل؛ فالسلطة ليست صاحبة فضل، بل موظفون لدى الشعب يؤدون دورًا لفترة زمنية محددة وفق قواعد واضحة لا يجوز أن تُطبق بانتقائية أو على أساس شخصي. 

داخل هذا المعسكر، هناك من يؤمن بالعقل السياسي، وآخرون لا يعرفون إلا منطق القبضة الأمنية. لكن الواقع يشير بوضوح إلى ضمور العقل السياسي وتضخم غير صحي للعضلات الأمنية.

أما على جانب الناس، فالممارسات الأمنية القمعية دفعت الغالبية إلى الانسحاب من الحياة العامة، لا جبنًا أو خيانة، بل لأن كلفة التعبير عن الرأي باتت باهظة٬ من فقدان الحرية والاستقرار الأسري إلى تهديد المستقبل المهني. 

وقدرة الناس على تحمل هذه الكلفة تختلف من شخص لآخر، بل ومن لحظة لأخرى لدى الشخص نفسه، لذلك لا يصح أن نقسو على من أرهقته الظروف. ورغم كل ذلك، ستظل هناك أقلية وهذه طبيعة الأشياء٬ تصر على استكمال النضال. وكلما اشتدت المعاناة زاد التمسك بالفكرة. 

وأنت يا أحمد، تمثل هذه الفئة؛ شاب مصري دفع عشر سنوات من حياته لأنه صاحب موقف.
السلطة حين تختار القمع، فهي تراهن على كسر الشخص، أو تخويف غيره، أو التخلص منه مؤقتًا لأنه يمثل عقبة في طريقها. لكنها في المقابل، تدفع ثمنًا باهظًا من شرعيتها الأخلاقية والسياسية، ومن نظرة الناس والعالم لها.

كيف تقيم موقف السلطة من الحراك الشعبي، وما هي رسالتك بشأن استمرار نهج القمع؟
لا توجد سلطة تستطيع أن تدعي أنها غير مهتمة بما يجري من حولها، لكنها قد تختار أن تتظاهر بعدم الاكتراث. والدليل أنه مع مرور الوقت، نلاحظ تعزيزًا مستمرًا لآلة السيطرة والقمع؛ ولو أن الأمر لا يعنيهم فعلًا، فلماذا تتصاعد أدوات التحكم بهذا الشكل؟

رسالتي هنا، ونصيحتي الصادقة، وإن كانت موجهة لسلطة قد لا تهمني شخصيًا، إلا أن ما يهمني فعلًا هو مصير هذا البلد؛ استمرار هذا النهج القائم على الضغط المتواصل على الناس، قد ينجح فعلًا في دفع الأغلبية العظمى للانسحاب من المشهد العام، وإيثار السلامة على المواجهة. 

لكن الخطورة تكمن في القلة التي قد تلجأ إلى أساليب أخرى لا تتحملها الدولة، ولا نرغب نحن كمجتمع في المخاطرة بها، خصوصًا عندما يكون أمامنا طريق سلمي وآمن لتحقيق التغيير المنشود وبناء دولة تحترم القانون وتقوم على مؤسسات حقيقية.

فيعني لو مش بنشارك اخبار ماما لحظة بلحظة زي قبل كدة ده عشان احنا بس مستهلكين
هحاول اكتب حاجة تفصيلية اكتر اخر اليوم

بس بشكل عام كل حاجة زي ما هي
ماعندناش اخبار اكيدة او جديدة عن علاء
ماما في المستشفى تحت الملاحظة ٢٤ ساعةhttps://t.co/oYf78Om2V3#saveLaila #FreeAlaa — Mona Seif (@Monasosh) June 3, 2025
 الطنطاوي: ليلى سويف تقاوم بصمود من أجل ابنها

كيف تنظر إلى أوضاع المعتقلين السياسيين في مصر، وما تقييمك لخطاب السلطة حول السجون؟

أولًا، لا يمكن أن يأتي الحديث عن المعتقلين دون توجيه التحية والإعجاب الصادق لجسارة الدكتورة ليلى سويف، ليس فقط في موقفها اليوم، بل في صمودها الطويل في مواجهة محنة سجن ابنها. ومن هذا المنبر أُوجه تحية لكل أصحاب الرأي والفكر الذين ما زالوا في السجون.

أما ما تقوله السلطة عن "عدم وجود سجناء سياسيين"، فهو يتناقض تمامًا مع الواقع؛ في الداخل يُطلق على المعتقلين أرقام وتصنيفات مثل "سياسي" و"جنائي"، رغم إنكار وجودهم كـ"سياسيين" رسميًا. 

هم يسمّون السجن مركز تأهيل، والزنزانة غرفة، لكن الجوهر لا يتغير بهذه المسميات. وإذا كانت هناك نية صادقة للإصلاح، فلتكن البداية بتحويل هذه السجون فعلًا إلى مراكز تأهيل حقيقية، يُقاس نجاحها بالنتائج لا بالبروفات المعدة سلفًا، أو الحفلات المصورة بعناية، حيث يُنتقى فيها الأبطال والكومبارس بعناية لخدمة مشهد مزيف.

وكل من يدعو للمشاركة أو المقاطعة لديه وجاهة في منطقه، والواجب علينا أن نرتقي بنقاشاتنا السياسية ونتقبل الاختلاف كجزء أصيل من العمل السياسي، لا كاستثناء. ومن يرى أن لا جدوى من انتخابات تفتقد النزاهة وتكافؤ الفرص رأيه محترم، ومن يرى أن المشاركة فرض واجب لفرض الشروط وتحقيق التغيير التدريجي رأيه كذلك يستحق التقدير.

أنا من المدرسة التي ترى أن الأصل هو المشاركة، ما لم يتم منعي. وهذا حدث فعلًا في انتخابات 2020، ورغم العقبات غير المتخيلة التي خضناها٬ فقد نجحنا في صناديق الاقتراع، ورغم ذلك مُنعت من دخول البرلمان. 

ومع ذلك، اعتبرت أن مجرد تصديق الناس أنهم أغلبية، وأنهم يستحقوا فرصة، فهذا في حد ذاته مكسب. 

وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، رغم علمي بعدم توافر الشروط، أصريت على الترشح حتى منعتني السلطة.

وأرى أن ما نحتاج تطوره فعلًا هو أداء المعارضة نفسها٬ فليس من المعقول أن في كل مرة نكرر نفس الأسئلة ونفس الحيرة ونرجع نرتبك وننقسم في اللحظة الأخيرة.  النضال الحقيقي يتطلب موقف واضح، وليس تردد دائم.

والذي يشارك لابد أن يكون بديلا حقيقيا، وليس تابعا للسلطة على قوائمها، لأنه ليس هناك شيء اسمه معارضة تدخل البرلمان بأسماء اختارتها السلطة ونسب قررتها سلفًا. ونحن لازلنا في مرحلة النضال وليس "اللعبة السياسية"، ولذلك مطلوب منا أن نكون جادين، واضحين، وواقفين بندية،  ولا نمثل دور المعارضة المسموح بها.


ما تقييمك لتجربة مشاركة بعض أطياف المعارضة في الحياة السياسية ضمن شروط السلطة؟
أظن أن التجربة أثبتت بوضوح أن الذين دخلوا بهذا الشكل دفعوا ثمن دخولهم امتنانًا للسلطة، وليس مكسبًا سياسيًا حقيقيًا. التجربة أثبتت أن هذا طريق مشروط، لا يضمن للمعارضة دور، ولا يضمن للناس تمثيل حقيقي.

ولذلك واجب على المعارضة أن تتعلم من الذي مضى وتستعد جيدا٬ وتوحد صفوفها وتدخل المشهد وهي ترى نفسها كبديل للسلطة، وليس كتابع لها أو كجزء من ديكورها السياسي.

 الطنطاوي: لو منعوا التوكيلات سنعمل كحزب تحت التأسيس

واجهت صعوبات كبيرة في جمع التوكيلات سواء للترشح للرئاسة أو لتأسيس حزب سياسي.. كيف تصف هذه التجربة؟
الذي حدث في توكيلات الرئاسة تتكرر بالحرف في توكيلات تأسيس الحزب، والسلطة تتعامل بنفس أدوات المنع والتضييق. 

أيام الرئاسة، الذين تصدروا مشهد التوكيلات تعرضوا للحبس والقمع، وهذا ما يحدث الآن.

موظفو الشهر العقاري نفسهم كانوا يتندرون أنهم أطلقوا على الكتاب الدوري الذي جمّد توكيلات الأحزاب اسم "الكتاب الدوري لأحمد الطنطاوي"، وخصصوا مكتب أو اثنين في كل محافظة، وأي حد يحاول يعمل توكيل يتم التعامل معه بنفس منطق "روّح يا ابني"، رغم إن في ناس أصرت وعملت التوكيلات، ومنهم زملاء وأصدقاء يدفعون الآن ضريبة الحرية.

المفارقة أن هناك أحزاب تعمل تحت التأسيس منذ سنين، لكن التعامل معنا كان مختلف لأننا بنقول كلام واضح ونعمل في النور.  ورغم التضييق، أنا دائما أقول لهم: لو أعطيتونا ساعتين فقط بدون تدخلات سنكمل الخمس آلاف توكيل. ومع ذلك اتهمونا زورًا بتزوير التوكيلات، وهذا رغم إن الحكم القضائي نفسه وصفها بالمخالفة الانتخابية٬ لأننا لم نأخذ إذن الهيئة الوطنية، وليس لأنها مزورة.

وعندما أصر الناس خارج مصر على عمل التوكيلات٬ وظهر أن الأغلبية الكاسحة كانت لصالحي. هنا السلطة ضاقت ذرعا وبدأت السفارات تغلق أبوابها أو تحد من عدد التوكيلات. 

نفس القلق يحدث الآن في تأسيس الحزب، لكن نقول لهم: نحن لن نرهق الناس، ومجرد ما نستوفي الشروط "5 آلاف توكيل من 10 محافظات" سنقدم ولو منعتونا سنكمل كحزب تحت التأسيس، وهذا ليس بجديد على تاريخ مصر السياسي.

وفي النهاية، إذا اختارت السلطة أن تكمل على نفس النهج٬ فهي تختار أن تبقى خارج لحظة الشرف التي يمنحها التاريخ للأنظمة عندما تفتح المجال العام. لكن هذه البلد أكبر منهم، وأحلام الناس عمرها أطول من عمر أي سلطة.


كيف تنظر إلى مستقبل السلطة القائمة في مصر، في ضوء التجربة التي عشتها خلال السنوات الماضية؟
أنا سأتكلم بما تستحقه السلطة فعلًا، فهي لا تستحق ختامًا يليق بعصرنا ولا بتضحيات الشعب المصري ولا بمكانة الدولة المصرية، بعد كل ما فعلته في السنوات الماضية. 

لكن رغم كل شيء، نحن من نعمل من أجل البلد٬ لابد أن نعلو فوق مشاعرنا الشخصية ونفكر بمنطق المصلحة العامة. أتمنى يكون هناك صوت عاقل داخل السلطة، يأخذها ولو خطوات بسيطة في اتجاه مفهوم "الحكم الرشيد".

ورغم كل ما بيني وبين السلطة، وكل ما أثبتته الأيام من صحة رؤيتي في طريقة إدارتهم، مازلت لا أتمنى لهم الفشل. لأن الفشل الحقيقي يدفع ثمنه الناس وليس هم. والناس لا تأكل من الدعاية، ولا تتعالج منها، ولا تدفع إيجارها بها. والذي رأيته بعد خروجي، رغم إن غيابي لم يكن طويلا، إلا أن الوضع أصبح أسوأ والناس تعيش هذا يوميًا.

الطنطاوي: الحبس الاحتياطي يستخدم كأداة لكتم الأصوات


ما رؤيتكم لقضية المعتقلين السياسيين وأوضاع أسرهم في مصر؟

أولًا، لا يجب أن نتعامل مع المعتقلين وأسرهم بمنطق التفضيل الشخصي أو التقييم العاطفي، فالدولة ليست فردًا من العامة يقول "فلان عاجبني وفلان لا"، الدولة يحكمها الدستور، وهي ملزمة بتطبيقه على الجميع دون تمييز، سواء من يؤيدونها أو يعارضونها، من يتفقون معها أو يختلفون.

إذا كنا نريد أن نُريح ضمير هذا الوطن، وإذا كانت السلطة تريد بركة حقيقية في ما تفعله، فعليها أن تتقي دعوة المظلوم. والمظالم كثيرة، ولا يُرجى معها توفيق من الله دون أخذ بالأسباب. لا أحد فوق القانون، ولا يجب أن يُستخدم الحبس الاحتياطي كأداة لكتم الأصوات.

نسمع دائمًا أن السلطة مستقرة وأمورها "تمام"، طيب، إذا كانت السلطة فعلاً مستقرة كما تُعلن، فما الذي يخيفها من إطلاق سراح من لم يرتكبوا جريمة حقيقية؟ ما الذي يجعل إنسانًا يُسجن ثلاث سنوات ونصف احتياطيًا دون محاكمة، ثم يُفرج عنه فجأة دون أي تبرير قانوني؟

هؤلاء ليسوا أرقامًا، بل أبناء لهذا الشعب، وهذه المظالم جرح غائر في ضمير الوطن، وقد آن الأوان لعلاجه. ولا ينبغي أن تظل حرية الرأي تُعامَل كتهديد، خاصة في نهاية عمر أي سلطة تحترم نفسها وتحترم شعبها.


ما موقفكم من القضية الفلسطينية في ظل الأحداث الجارية؟
أول ما يجب قوله هو أننا نعتذر لفلسطين، وندرك تمامًا أن من حق الفلسطينيين ألّا يقبلوا هذا الاعتذار، لكنه محاولة صادقة للتخفيف من ألم الضمير الذي يثقلنا جميعًا بسبب ما عجزنا عن فعله تجاههم.

الشعب الفلسطيني اليوم يمنح لكلمة "عربي" معناه الأسمى. لقد أثبت في كل المحطات أنه عنوان للبطولة والصمود، وهو في هذه الأيام يكتب واحدة من أنبل صفحات التاريخ الإنساني.

أما من اتهموا الفلسطينيين زورًا بأنهم "باعوا أرضهم"، فالواقع يفضح هذه الأكاذيب. ومن لم يرَ صمود الفلسطينيين في نكبة 1948 أو نكسة 1967، أمامه الآن فرصة لا تعوّض ليرى شعبًا يصمد في وجه آلة عسكرية مدمّرة، بإمكانيات شديدة التواضع، وبدون دعم حقيقي.

الشعب الفلسطيني في غزة، وبدرجة أقل في الضفة، يعيش ظروفًا أقسى من تلك التي عاشتها ستالينغراد – التي صمدت ستة أشهر بدعم من الاتحاد السوفييتي – لكن الفلسطينيين يصمدون وحدهم، ويدفعون ضريبة الدم والجوع، بينما كثيرون إما يشاركون في العدوان، أو يقفون يتفرجون بصمت.

التاريخ حاضر، ويسجّل والشعب الفلسطيني، بمقاومته وصبره، لا يدافع فقط عن أرضه، بل عن كرامة أمة بأكملها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مقابلات المصري الطنطاوي المعتقلين مصر السيسي المعتقلين الطنطاوي المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أحمد الطنطاوی فی مصر

إقرأ أيضاً:

البيانوني يروي لـعربي21 شهادة مرحلة مفصلية في تاريخ الإخوان بسوريا

في هذه الحلقة الجديدة من مذكرات المحامي علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، والتي اختار أن يرويها حصريًا عبر صحيفة "عربي21"، نغوص في واحدة من أهم المحطات في تاريخ الجماعة، تلك التي شهدت إنهاء الانقسام الداخلي وعودة اللحمة التنظيمية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى توليه موقع المراقب العام، وقيادة مرحلة مفصلية في تاريخ الجماعة اتسمت بإعادة البناء والتوسع والانفتاح السياسي.

وفي الوقت الذي أسجّل فيه هذه الشهادات كإعلامي ومتابع، أحرص ـ أنا عادل الحامدي ـ على أن تشكل هذه المذكرات شهادة تاريخية حيّة، يقرؤها السوريون اليوم وهم يسعون إلى بناء دولتهم الجديدة، ويواجهون حرب إبادة صامتة تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وسط صمت دولي مطبق، وتهديد مباشر للمنطقة برمّتها. فالتحدي أمام سورية المستقبل لم يعد فقط التحرر من نظام الاستبداد، بل مواجهة مشروع هيمنة يطرق أبوابها، ويخيّرها بين الخضوع أو المواجهة، وهي معركة مصيرية خاصة إذا كان من يقود الدولة هم أبناء تيار إسلامي له امتداد شعبي واسع، يرى في مقاومة الاحتلال مدخلًا للنهوض الوطني والتاريخي.

16 ـ إنهاء انقسام عام 1986، وعودة اللحمة إلى صف الجماعة:

كما أشرت قبل قليل، فقد انقسمت الجماعة في عام 1986، إلى فريقين، على خلفية الموقف من التفاوض، بين إغلاق باب التفاوض نهائياً، وبين إبقاء الباب مفتوحاً تنظر فيه الجماعة حين يُعرَضُ عليها، وتدخّل بعض الإخوة غير السوريين، وأجروا انتخابات تحت إشرافهم، فاز فيها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، على منافسه الأستاذ عدنان سعد الدين، الذي رفض نتيجة الانتخابات، بحجّة أن الإخوة المشرفين عليها لم يحتسبوا الأوراق البيضاء.

لكن بعد مضيّ أكثر من أربع سنوات على الانقسام، وجد الإخوة أنه من الناحية العملية لم يكن هناك خلاف حقيقيّ بين الفريقين، فلا الذين أبقَوْا بابَ التفاوض مفتوحاً، وصلوا من خلاله إلى حلّ سياسيّ مع النظام، ولا الذين أغلقوا هذا الباب حقّقوا شيئاً من موقفهم.

لذلك تحرّك بعض الإخوة من الفريقين، لإنهاء الانقسام، ولم يجدوا صعوبة في الوصول إلى صيغة تعيد اللحمة إلى الجماعة، بقيادة الدكتور حسن هويدي، وافق عليها مجلس الشورى لكلّ فريق، وتم تشكيل قيادة واحدة، في عام 1991، كنت أحد أعضائها، نائباً للمراقب العام، وعملتْ هذه القيادة على إزالة آثار الانقسام، وتوحيد المكاتب والأجهزة، ونجحت في ذلك خلال فترة وجيزة.

17 ـ تولّي مسؤولية المراقب العام للجماعة

لم أكمل الفترة المحدّدة لي في قيادة الجماعة مع الدكتور حسن هويدي،  فاعتذرت لفضيلته، واستقلت من القيادة بعد أقل من سنة على تشكيلها. واتفقت مع الأخوين حسان الصفدي (أبو رامز)، وإبراهيم المشوخي (أبو عبد الله) صاحب (دار المنار للنشر والتوزيع في الزرقاء)، على افتتاح مكتبة وفرع لدار المنار في عمان، تولّيت مع الأخ أبي رامز إدارتها. واستمرّت هذه الشركة حتى مغادرتي عمان إلى بريطانيا في شهر حزيران 2000.

في مطلع عام 1996 استدعاني فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، إلى تركيا، وكان معه أخَوان قدِما معه من الرياض، ليبلّغني رجاءه وتوصيته لي بأن أقبل تولّي مسؤولية الجماعة، بعد انتهاء ولاية الدكتور حسن هويدي، إذا طلب مني الإخوة، وأن لا أعتذر عن ذلك. فشرحتُ لفضيلته وجهة نظري، أنني لا أستطيع تحمّل هذه المسؤولية، إذا لم تكن لدى الجماعة رؤية واضحة، متفق عليها للمرحلة القادمة، فطلب مني أن أكتب رؤيتي وأعرضها عليه.

في اليوم التالي عرضت على فضيلته ثلاث صفحات كتبتها خلال الليل، تتضمن خطوطاً عامة وعناوين لرؤيتي للمرحلة القادمة، فنالت موافقته، لكني طلبت أن تكون الرؤية متفقاً عليها من قبل دائرة واسعة من الإخوان، فاتفقنا على عرضها على الإخوة في السعودية وفي الأردن، والتحاور معهم حولها. فحمل فضيلته معه نسخة منها إلى الرياض، وحملتُ معي نسخة إلى عمان. ثم أرسل لي مع أحد الإخوة أن الإخوان في السعودية موافقون عليها.

كما أنني عرضتها على المجلس الاستشاري لللإخوة في الأردن، المؤلف من جميع المحافظات السورية، وتمت مناقشتها، مع ورقتين أخريين، إحداهما مقدّمة من الإخوة في محافظة حماه، والأخرى من الإخوة في محافظة إدلب. واتفقنا على إعادة صياغة ورقتي، مستفيداً من هاتين الورقتين، لتشكّلَ فيما بعد ما أطلق عليه (وثيقة النهوض بالجماعة)، التي اعتمدها مجلس الشورى بعد انتخابي مراقباً عاماً للجماعة، في شهر تموز 1996، وقد تمّ على أساسها وضع الخطة العامة للجماعة، للمرحلة الأولى من ولايتي، بين عامَيْ (1996 – 2002).

قبيل انتهاء هذه الولاية الثانية، اتفقت مع الإخوة على اختيار النائب الأول للمراقب العام، الدكتور محمد وليد، مراقباً عاماً جديداً. ووجّهت إلى الإخوان رسالة وداع، تم توزيعها على أبناء الجماعة، لكني فوجئت قبيل اجتماع مجلس الشورى، باعتذار الأخ الدكتور محمد وليد لأسبابٍ خاصة به، فواجهتُ إصراراً جديداً في مجلس الشورى على إعادة انتخابي لولاية ثالثة، ولم يكن هناك مناصٌ من القبولكان النظام الأساسي ـ قبل تعديله ـ يحدّد مدة ولاية المراقب العام بخمس سنوات، وكان ينبغي أن تنتهي ولايتي الأولى  في تموز 2001، لكن مجلس الشورى لم يتمكن من الاجتماع في تلك السنة، فاستمرّت ولايتي حتى تموز 2002، وكنت مصرّاً على عدم تجديدها فترة أخرى، لكنّ إصرار الإخوة في مجلس الشورى، دفعني إلى النزول عند رغبتهم وقبول العهدة الثانية التي تنتهي بعد أربع سنوات في عام 2006، حسب النظام الأساسي المعدّل.

وقبيل انتهاء هذه الولاية الثانية، اتفقت مع الإخوة على اختيار النائب الأول للمراقب العام، الدكتور محمد وليد، مراقباً عاماً جديداً. ووجّهت إلى الإخوان رسالة وداع، تم توزيعها على أبناء الجماعة، لكني فوجئت قبيل اجتماع مجلس الشورى، باعتذار الأخ الدكتور محمد وليد لأسبابٍ خاصة به، فواجهتُ إصراراً جديداً في مجلس الشورى على إعادة انتخابي لولاية ثالثة، ولم يكن هناك مناصٌ من القبول، حتى لا يحدث فراغ (دستوري)، فاشترطت ـ للموافقة ـ تعديل النظام الأساسي، بحيث لا يمكن تجديد انتخاب المراقب العام أكثر من مرة واحدة، حتى لا أواجه مثل هذا الموقف بعد أربع سنوات، وقد تمّ هذا التعديل. وعند انتهاء الفترة الثالثة في عام 2010، سلّمت الأمانة للأخ المهندس محمد رياض شقفة، الذي تم انتخابه من قبل مجلس الشورى.

18 ـ أهم منجزات الجماعة خلال فترة مسؤوليتي التي امتدّت أربعة عشر عاماً:

وهي ـ في الحقيقة ـ منجزات فريق العمل الذي كنت أعمل معه، وليست منجزاتي الشخصية، إذ لم أكن قادراً على إنجازها لولا الجوّ الأخويّ الذي غمرني إخواني به، ولولا تعاونهم، وأنا مدين لهذا الفريق الذي كان يتجدّدُ في بداية كل مرحلة، بكل ما تحقق بفضل الله:

أ ـ تعزيز وحدة الجماعة وترسيخها، والتخلص من رواسب الفرقة والانقسام، وتأكيد معاني الأخوة والمحبة بين الإخوان، وطيّ صفحة الخلافات، والتواصل مع الإخوة أبناء الصف، من خلال (رسائل المراقب العام) التي كنت أوجهها للإخوان بين حين وآخر، بلغ عددها حوالي ثلاثين رسالة.

ب ـ وضع خطة عامة للجماعة، في بداية كلّ مرحلة، تتضمن أهدافاً محدّدة واضحة، تُشتقّ منها خطط فرعية، وبرامج عمل تنفيذية، ومهمّات قابلة للقياس والمتابعة والمحاسبة.

ت ـ توسيع دائرة الشورى في الجماعة، وتشكيل (مجالس أهل الرأي) في المراكز، بالإضافة إلى اللجان والمجالس الاستشارية للمكاتب والمراكز.

ث ـ تطوير عمل المرأة وجهاز الأخوات، وإشراك الأخوات في مجالس أهل الرأي، والقيادة ومجلس الشورى، ومكاتب الجماعة..

ج ـ تطوير خطاب الجماعة السياسي والإعلامي، والانتقال به من (خطاب الحرب) الذي كان سائداً في المراحل السابقة، خلال المواجهات مع النظام، إلى خطاب سياسي وإعلامي متطوّرين، ومنفتحين على القوى الوطنية الأخرى، وعلى الدول والحكومات..

ح - التواصل مع الأحزاب السياسية السورية والعربية والأوروبية، والحكومات.. والحوار معها حول القضية السورية والقضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك.

خ - المشاركة في تحالفات سورية مع قوى المعارضة الوطنية الأخرى، مثل: مؤتمرالميثاق الوطني بتاريخ 25/8/2002، إعلان دمشق بتاريخ 16/10/2005، جبهة الخلاص بتاريخ 17/3/2006.

د - إصدار مجموعة من الوثائق السياسية للجماعة، حول بعض القضايا الوطنية، وتحديد مواقف الجماعة منها، مثل: ميثاق الشرف الوطني يتاريخ 3/5/2001، والمشروع السياسي لسورية المستقبل (رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية) بتاريخ 17/12/2004، ورؤية الجماعة للقضية الكردية بتاريخ 17/5/2005، ورؤية الجماعة للتكوين المجتمعي السوري والمسألة الطائفية بتاريخ 19/3/2006.

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ "عربي21".. هذه بدايتي

إقرأ أيضا: مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي تفاصيل تجربته في سجون الأسد

إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي شهادته.. من سجون الأسد إلى مفاوضات الطليعة

إقرأ أيضا: علي صدر الدين البيانوني يروي كواليس توحيد اخوان سورية ومعركة حماة الكبرى

إقرأ أيضا: البيانوني: هذا ما جرى حين جلس "الإخوان" وجهاً لوجه مع مخابرات الأسد

مقالات مشابهة

  • محمد عواد: التتويج بكأس مصر تحقق في ظروف صعبة
  • خطة ترمب لإيقاف حرب السودان ومستقبل الإسلاميين
  • البيانوني يروي لـعربي21 شهادة مرحلة مفصلية في تاريخ الإخوان بسوريا
  • ناشط برازيلي في أسطول الحرية لـعربي21: لن نتراجع عن كسر حصار غزة
  • بلحاج لـعربي21: صفعة الفيتو عار على الأنظمة والعلماء.. الشعوب مقهورة
  • ترامب يتحدث عن أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أميركا
  • الوزير خطاب: وجدنا في أرشيف الأمن السياسي ملايين التقارير المرفوعة التي تسبب بأذى المواطنين واليوم أخضعنا الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية وستكون أبوابها مفتوحة للشكاوى
  • العثور على جثة مجهولة الهوية في ظروف غامضة بقنا
  • تحت ظروف صعبة.. تعويم القطعة الرابعة من النفق المغمور في ميناء الفاو