المنطوق واللامنطوق في البناء الاجتماعي
تاريخ النشر: 4th, June 2025 GMT
«ماذا نستطيع أن نعمل، بينما نحن على قيد الحياة، من أجل العالم؟ يتمنى كثير من الناس أن يقدموا خدمة للبشرية ولكنهم يجدون أنهم فـي حيرة إذ تبدو قوتهم بلا أثر. يدركهم اليأس ويصيب العجزُ من تكونُ أمنيتهم أشدّ ويمكن لانعدام الأمل أن يحطمهم اليأس روحيا. ولطالما نفكر بالمستقبل المباشر فقط، فإن ما نستطيع القيام به يبدو قليلا جدا.
تبدو الحياة المتسارعة فـي شتى مجالاتها أنها تنطلق نحو الأتمتة الشاملة لكل شيء، وكلما تقدم بنا الزمن ذاب الآليُّ فـي الإنسان. حتى يصل المرء إلى أن بعض قدراته التي كانت فـي الأمس القريب شيئا بديهيا لا يُساءَل ولا يفكر فـيه أحد؛ شيئا بالغ الصعوبة ويحتاج إلى التدريب والمران لاستعادتها بشكلها الطبيعي فحسب، لا لتطويرها أو ابتغاء المزيد منها. فـي عالم كهذا، لا بد أن تتقافز فـي الذهن أسئلة من قبيل «ماذا بعد؟»، «ما فائدة العلم؟»، إلى نصل إلى مساءلة أنفسنا عن ماهيتنا وذواتنا. فالإنسان الخامل يفقد القدرة على معرفة نفسه، يفقد قيمته لذاته وحياته وما يرتبط بها. وهذا الخمول المذكور هنا، ليس الخمول الجسدي، بل خمول المعنى وغيابه من حياة الإنسان.
ماذا نستطيع أن نغير إذن؟ نشأ الإنسان فـي جماعة، وسيظل فـي جماعة إلى أن تنتهي الحياة بالنسبة إليه أو بالنسبة إلى البشرية جمعاء؛ وفـي الحالين فإن الثابت هي طبيعته ولزوم حاجته إلى أخيه الإنسان. فكما يقول فـيلسوف الشعراء وحكيمهم، أبو العلاء المعري:
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ
بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
هذا يقودنا إلى الشيء الوحيد المتبقي أمامنا بثبات ورسوخ فـي ختام اليوم، وفـي ختام الحياة؛ إنه البناء الاجتماعي. فنحن وإن لم نستطع تغيير نمط الحياة والتخلي المطلق عن التطورات الحادثة فـيها، إلا أن بيدنا تغيير الإنسان بطريقين؛ تغييره فرديا، أو جمعيا. فالتغيير الفردي يتطلب وقتا لا نملكه والحال هذه من التسارع والتغيرات الهائلة فـي فترة قياسية لا يمكن اللحاق بها. لكن التغيير الجمعي ممكن ومتاح، وميزته أنه يمكن فـيه أن يستعمل المرء التطورات والأدوات التي تدمر الإنسان، فـي بناء الإنسان!، أو فـي ترميمه على الأقل. والعلم الذي يتيح لنا هذه التغييرات هو الإنسانيات. والعلوم الإنسانية حقل شائك متعدد المنطلقات والنتائج، ولكنه جذريّ الحلول والتطبيقات من لدن متخصصيه والبارعين فـيه.
يتربع علم النفس على الكرسي الأوسع فـي حقل العلوم الإنسانية المعاصرة، ففهم الإنسان ومراقبة تطوراته والتغيير الذي يلحق بمدركاته وبالتالي مخرجات تلك المدركات؛ مما يندرج تحت رعايته ونطاق تأثيره، ولكن علم النفس يعالج شيئا مختلفا، يعالج شيئا باطنا وظاهرا فـي آن، فكيف العمل والحال هذه؟ إن تغيير المدخلات ومراقبة الكلمات والأفعال والخيالات ومراجعة ما يبدو ثابتا راسخا، هو أول خطوة فـي سبيل الإصلاح وكشف الشقوق فـي النفس البشرية؛ فالإنسان كالبناء تماما، يهترئ ويصيبه الذبول إن لم يقف مع نفسه مراجعا ومصححا لما يتبناه ويعتمل فـي دواخله من أفكار ومعتقدات لا يمكن إلا أن تخرج فـي شكل كلمات عاجلا أو آجلا. هنا تتحقق أهمية معرفة المنطوق واللامنطوق فـي أفعال الناس، فإن لم نستطع تغيير مجرى الرياح، فإننا نملك القدرة على تغيير مسارنا! ومعنى هذا، أن الإنسان الذي يتأثر بأخيه الإنسان لا محالة، يمكن له أن يستبدل محيطه إن لم يستطع تغيير ذلك المحيط ومعالجته. ويتردد فـي ذهني قول الشاعر:
كادَت عيونهُمُ بالبُغضِ تنطق لي
حَتّى كأنَّ عُيونَ القَوم أفواهُ
وهو ما سنتعامل معه فـي المناسبة الآتية، العيد. لكن المسألة هنا ليست مسألة البغض أو الكراهية، بل هي مسألة المنطوق واللامنطوق. فالمنطوق من الكلمات والأفعال يتبدى بسرعة ويمكن رصده ومعالجته فـي حينه، لكن اللامنطوق مما يعتمل فـي النفس البشرية من مشاعر غير مرئية قد تتبدى فـي شكل حركات جسدية لاإرادية، وقد تظل خفـية غير مرئية؛ تلك هي أس المشكلة ومربط الفرس كما يقال. إننا بحاجة إلى علم النفس اليوم أكثر من أي وقت مضى، فالإنسان الذي بنى حضارته ببنائه لمجتمعات تلك الحضارة أولا، يخاطر اليوم بتمزق ذلك المجتمع بترك الأمور على عواهنها وعدم معالجتها. ولا أستطيع انتظار اليوم الذي يتحد فـيه علما الاجتماع والنفس ليعالجا التسربات والتشققات فـي البناء الاجتماعي، ويسائلا المسلمات كي يغدو المجتمع قويا منتجا؛ وكما قلت من قبل، إن لم نستطع تغيير الأفراد فردا فردا، فإن تغيير العقل الجمعي وجعل المسألة مشاعة للنقاش والحوار والمساءلة، هي أول الخطوات لمجتمع قوي صلب يستعمل التطورات الحديثة فـي صالحه، لا أن يكونَ رهنا لتلك الرياح تأخذه حيث تشاء وتلقي به فـي مهاوي الردى لا محالة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البناء الاجتماعی
إقرأ أيضاً:
وزير الداخلية في مقابلة مع الإخبارية: سنحاول من خلال الهيكلية الجديدة تغيير المفهوم الأمني ليكون مصدر أمان للسوريين
دمشق-سانا
أكد وزير الداخلية السيد أنس خطاب أن الوزارة ستحاول من خلال الهيكلية الجديدة تغيير المفهوم الأمني ليكون مصدر أمان للسوريين لا مصدر قلق.
وقال وزير الداخلية السيد أنس خطاب خلال مقابلة مع قناة الإخبارية السورية: إن الوزارة وأجهزة الأمن في عهد حافظ الأسد وابنه بشار كانت مصدر رعب وقلق للسوريين في الداخل والخارج وهذا ما دفعنا لإعادة هيكلة الوزارة وتغيير مفهوم العمل الأمني.
وأضاف الوزير خطاب: درسنا تجارب الكثير من الدول في استخدام الوسائل التقنية الحديثة ودمجنا العمل الأمني بالشرطي وإحداث إدارات جديدة والإبقاء على أخرى.
وتابع وزير الداخلية: أردنا أن تمحى أسماء مثل أمن الدولة والأمن السياسي والجوي من ذاكرة السوريين وسنحاول من خلال الهيكلية الجديدة تغيير المفهوم الأمني ليكون مصدر أمان للسوريين لا مصدر قلق.
وقال الوزير خطاب: نواجه تحديات أمنية كبيرة تستدعي وجود قائد واحد للعمل الأمني في كل محافظة، وإن تنظيم داعش من أخطر التحديات التي نواجهها اليوم واستطعنا إحباط عدة عمليات له.
يتبع..
أنس خطاب وزير الداخلية 2025-06-04tarekسابق الوزير خطاب: كان السوري يشعر سابقاً بالنفور من رجال الأمن ويخشى منهم خوفاً من الاعتقال أما الأمن اليوم فقد تحول إلى حالة خدمية وسيشعر السوريون أنهم منهم ولهم انظر ايضاً وزير الداخلية يلتقي نظيره السعودي في جدة
جدة-سانا التقى وزير الداخلية السيد أنس خطاب نظيره السعودي عبد العزيز بن سعود في
آخر الأخبار 2025-06-04الوزير خطاب: كان السوري يشعر سابقاً بالنفور من رجال الأمن ويخشى منهم خوفاً من الاعتقال أما الأمن اليوم فقد تحول إلى حالة خدمية وسيشعر السوريون أنهم منهم ولهم 2025-06-04الوزير الشيباني يوقّع مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مذكرة تفاهم في مجال أمن الغذاء ومكافحة السرطان 2025-06-04الوزير خطاب: 8 ملايين مواطن سوري كانوا على قوائم المطلوبين لأفرع أمن النظام البائد وقمنا بإزالة 5 ملايين من هذه القوائم حتى الآن 2025-06-04الوزير خطاب: منذ اليوم الأول للتحرير نسقنا مع الدول المتضررة من تجارة المخدرات وعلى رأسها السعودية والأردن واستطعنا ضبط الكثير من الشحنات والمعدات المستخدمة في إنتاج المخدرات 2025-06-04الوزير خطاب: مئات الآلاف ذاقوا سابقاً الويلات في سجون النظام البائد ونعمل على تحويل السجون إلى مراكز لإعادة تأهيل المحكومين ودمجهم بالمجتمع 2025-06-04الوزير خطاب: جزء من ضباط الشرطة المنشقين كانوا يعملون في الشمال سابقاً وما زالوا قائمين على رأس عملهم ونعمل على استقطاب المزيد من المنشقين على مراحل 2025-06-04الوزير خطاب: الأجهزة الأمنية ستكون خاضعة للرقابة والتفتيش والمحاسبة المسلكية 2025-06-04الوزير خطاب: وجدنا في أرشيف الأمن السياسي ملايين التقارير المرفوعة التي تسبب بأذى المواطنين واليوم أخضعنا الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية وستكون أبوابها مفتوحة للشكاوى 2025-06-04الوزير خطاب: نواجه أيضاً خطر المخدرات حيث تحولت البلد في عهد النظام البائد إلى مصنع لها ومصدّر إلى كل دول العالم واستطعنا وقف تصنيعها ومصادرة كل معامل إنتاجها ونحن في مرحلة الكشف عن المخدرات المخبأة 2025-06-04الوزير خطاب: تنظيم داعش من أخطر التحديات التي نواجهها اليوم واستطعنا إحباط عدة عمليات له
صور من سورية منوعات حلويات العيد: صناعة عريقة وطقوس ينتظرها السوريون من عيد لآخر 2025-06-03 تأثير القهوة على الصحة يعتمد على جيناتك 2025-05-29فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |