شهدت الأيام الثلاثة الماضية مجازر إسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين خلال توجههم للحصول على المساعدات من المراكز التي تديرها الشركة الأميركية في رفح جنوبي قطاع غزة، حيث بلغ إجمالي الشهداء 102، مع 490 مصابًا، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.

ووقعت المجزرة الأولى في الأول من يونيو/حزيران الجاري، وأعلنت حينها وزارة الصحة الفلسطينية أنها خلفت 35 شهيدًا، وإصابة أكثر من 200، وهو ما أكّدته المؤسسات الطبية الدولية في القطاع.

وأصدرت مؤسسة "أطباء بلا حدود" بيانًا قالت فيه إن فرقها داخل القطاع شاركت في استقبال الضحايا بعد وصولهم إلى مستشفى ناصر في خان يونس، كما أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن مستشفاها الميداني في رفح استقبل نحو 179 مصابًا.

يستند هذا التحقيق، الذي أجرته وكالة سند بشبكة الجزيرة، على تتبع الرواية الإسرائيلية حول الحادثة الأولى، ومراجعة شهادات الناجين والمقاطع التي وثقت الحدث، مما كشف جوانب مهمة في حيثيات حقيقة ما جرى من أحداث دامية على المواطنين الفلسطينيين في غزة.

تخبط إسرائيلي

رغم مضي ساعات على الحادثة، تأخر موقف الجيش الإسرائيلي وتعليقه عليها، وأصدر بعد ساعات بيانًا قال فيه إن ما نُشر حول مجزرة بمنطقة توزيع المساعدات مجرد أخبار كاذبة، نافيًا أن يكون الجيش أطلق النار على فلسطينيين قرب موقع توزيع المساعدات.

إعلان

ولاحقًا، نشر صحفيون إسرائيليون مقطعًا من كاميرات المراقبة المثبتة في موقع المساعدات، تظهر مشاهد عملية التوزيع "التي تمت دون عوائق" وفق المزاعم الإسرائيلية، وكان التصوير بعد الساعة الخامسة فجرًا.

وبعد ساعات، نشر الجيش عبر حساباته مقطعًا نهاريًا معدلًا قال إنه يظهر إطلاق "عناصر حماس النار على المواطنين" للسيطرة على المساعدات.

وفي تصريحات إعلامية، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه خلال الليل وعلى بعد كيلومتر من منطقة التوزيع، أطلقت القوات الإسرائيلية النار لمنع عدد من المشتبه بهم من الاقتراب من القوات، مدعيًا أنه لا صلة بين ما حدث وبين الوفيات المعلن عنها.

وعكست تلك التصريحات تضاربًا كبيرًا في رواية الجيش الإسرائيلي، حيث لا تتوافق البيانات زمنيًا ولا تقدم تصورًا واضحًا حول ما حدث.

#عاجل الاستنتاجات من التحقيق الاولي: جيش الدفاع لم يطلق النار نحو مدنيين بالقرب أو في منطقة توزيع المساعدات الإنسانية

⭕️في الساعات الأخيرة نشهد نشر تقارير كاذبة توجه اتهامات خطيرة إلى جيش الدفاع بخصوص اطلاق النار نحو مدنيين فلسطينيين في محيط مجمع توزيع المساعدات الإنسانية في…

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) June 1, 2025

تفنيد ادعاءات الجيش

نشر الصحفي الإسرائيلي إيتاي بلومنتال مقطع فيديو مسجلًا من كاميرات مراقبة داخل مركز المساعدات، يوثق 14 دقيقة من موقع توزيع المساعدات التابع لمؤسسة "جي إف إتش" (GHF) في تل السلطان، خلال الفترة ما بين الساعة 05:02 صباحًا و05:45 صباحًا، تُظهر عملية توزيع 15 ألف طرد غذائي.

وشاركت الحسابات الإسرائيلية المقطع، معلقةً بأنه يظهر حشود المدنيين والمنظمين والحراس المسلحين، دون ظهور أي مؤشرات على إطلاق نار أو فوضى أو حالة من انعدام النظام.

ولكن، وبمراجعة الفيديو المقسم إلى مقاطع زمنية، نجد أنه في المقطع الزمني بين (05:02 – 05:08)، وتحديدًا في الدقيقة الثالثة بين الثانية 10 و11، يُسمع إطلاق نار عبر طلقات رصاص مضيئة باتجاه مناطق تكدس المدنيين، أي أن هناك إطلاق نار مسجّلًا تقريبًا بين الساعة 05:05 و05:06.

هناك إطلاق نار مسجل تقريبا بين الساعة 05:05 و05:06 (مواقع التواصل)

كما يوثق المقطع المنشور المشهد داخل مركز المساعدات نفسه، وتحديدًا مسار الخروج، ما اعتبرته الحسابات الإسرائيلية ردًا واضحًا على الادعاءات، في حين أن المصادر الفلسطينية الرسمية لم تدّعِ أن المجزرة وقعت داخل مركز المساعدات، بل في الطريق إليه، وهو ما يطرح تساؤلات حول تجاهل نشر مقاطع الكاميرا التي توثق مسار الدخول.

إعلان

وبالبحث في المقاطع التي وثقها المدنيون بالقرب من نقطة المساعدات، وجدنا هذا الفيديو الذي تظهر فيه أصوات إطلاق رصاص، نشره شاب يدعى همام أبو طه.

View this post on Instagram

A post shared by همام ابوطه???????? (@khqn)

تواصل فريق "سند" مع المصور للحصول على شهادته والفيديو مباشرة لاستخراج البيانات الوصفية، فتبين أن توقيت التصوير هو 05:06، وهو ما يتطابق مع ظهور إطلاق الرصاص المضيء في مقطع كاميرا المراقبة.

وبمراجعة شهادة أبو طه، ذكر أنه كان موجودًا عند منطقة دوار العلم، وهو ما يتطابق مع شهادات عدة مواطنين كانوا في نفس المنطقة، وأفاد بإطلاق القوات الإسرائيلية النار عليهم أثناء انتظارهم الدخول لتسلم المساعدات.

قمنا بتحديد نقطة دوار العلم في الخريطة التالية بالرقم (2)، بينما حددنا موقع تصوير نقطة المساعدات بالرقم (1)، وتبيّن وجود مسافة تقارب 900 متر بين مركز المساعدات ومنطقة انتظار المواطنين عند دوار العلم.

وجود مسافة تقارب 900 متر بين مركز المساعدات ومنطقة انتظار المواطنين عند دوار العلم (سند – الجزيرة)

قمنا أيضًا بتحليل الإصابات الظاهرة في فيديو جثث المدنيين على الشاطئ، حيث يمكن تمييز إصابات قاتلة مباشرة بمنطقة الرأس في اثنتين من الجثث على الأقل، انتشرت مشاهدها عبر منصات التواصل.

كما شكّل المقطع الذي نشره الجيش لإظهار مسلحين يطلقون النار على المواطنين أداةً للتضليل في يد الحسابات الإسرائيلية الناطقة بالإنجليزية، حيث حظي بتفاعل واسع عبر المنصات الأجنبية، مرفقًا بتعليقات تفيد بأن "حماس" هي من أطلقت النار لمنع المواطنين من الوصول إلى مقر التوزيع.

كما أن مطابقة المكان الظاهر في المقطع مع الخرائط تظهر أنه ليس في رفح أصلًا، بل في منطقة خان يونس.

#عاجل ‼️ المشاهد من مسيرة الدرون تكشف: مسلحون يطلقون النار نحو سكان غزة في طريقهم لجمع المساعدات الانسانية

⭕️يكشف توثيق التقطته مسيرة درون في وقت سابق اليوم مسلحون وملثمون وهم يلقون الحجارة ويطلقون النار نحو سكان قطاع غزة الذين يحاولون جمع المساعدات الإنسانية التي تم سرقتها في… pic.twitter.com/A18HYdETeb

— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) June 1, 2025

وبالبحث في المنصات الفلسطينية، عثرنا على شهادات تتحدث عن وجود عصابات مسلحة تسيطر على شاحنات المساعدات وتبيعها للمواطنين، وقد وثَّقت مقاطع مصورة اعتداءات هذه العصابات التي رصدتها مسيرات الجيش الإسرائيلي.

إعلان

ووصف المكتب الإعلامي الحكومي هذه العصابات بأنها تمتلك علاقات أمنية مع الاحتلال، ويسمح لها بسرقة المساعدات تحت حمايته.

كما ادعى أحد الحسابات أن ما حدث كان محاولة من بعض اللصوص لنهب إحدى الشاحنات القادمة إلى المستودع، فقام مسؤولو الأمن الأميركيون بإطلاق قنابل الغاز لإبعادهم.

وبحسب التحقق، لم يعلن الجيش أو المؤسسة الأميركية عن أي محاولة نهب لشاحنات تابعة لهم، كما أن الفيديوهات التي نشرتها كاميرات المراقبة لا تظهر وجود أي شاحنات في المكان.

وبين تضارب رواية الجيش الإسرائيلي، يتوافق تصريح الجيش بشأن إطلاق النار لإبعاد مشتبه بهم عن القوات مع شهادات الناجين عن إطلاق النار عليهم، وتدعمه المقاطع المتوفرة للحادث.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات الجیش الإسرائیلی توزیع المساعدات مرکز المساعدات النار نحو إطلاق نار وهو ما فی رفح مقطع ا

إقرأ أيضاً:

البيت الأبيض: لا نصدق رواية حماس بشأن إطلاق النار على متلقي المساعدات

قال البيت الأبيض، اليوم، إنه على علم بالتقارير التي تفيد بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق النار على مدنيين كانوا يتلقون مساعدات إنسانية في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الإدارة الأميركية تتابع الوضع عن كثب.

وأوضح أن "الولايات المتحدة "لا تعتمد على رواية حركة حماس" بشأن ما حدث.

وزير خارجية إيران: ندعم جهود مصر وقطر لوقف إطلاق النار في غزةمندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الاحتلال ارتكب جرائم مروعة تجاه القطاع الطبي في غزةالأغذية العالمي.. أكثر من مليوني شخص في غزة على حافة المجاعة.. وخبير: القطاع مهدد بخطر الموت جوعاقصف جوي للاحتلال على شمال خان يونس جنوب قطاع غزة

ويعاني أكثر من 3000 فلسطيني من أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري من الحرمان من الأدوية والعلاجات الحيوية لأكثر من ثلاثة أشهر في قطاع غزة المحاصر، حيث يواصل الحصار الإسرائيلي خنق النظام الصحي المدمر بالفعل في القطاع.

في تصريحٍ لإذاعة صوت فلسطين اليوم الثلاثاء، وصف محمد أبو عفش، مدير الإغاثة الطبية في شمال غزة، الوضع بأنه كارثة إنسانية شاملة.

وقال أبو عفش: "لقد انهار القطاع الصحي في غزة"، مُلقيًا باللوم على الحصار الإسرائيلي المستمر والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية والطبية.

وأضاف: "نستقبل الجرحى يوميًا، بينما مستشفياتنا مُشلولة، وصيدلياتنا فارغة، ولا حلول في الأفق".

وحذر من أن المنع المتعمد للإمدادات الطبية والمعدات المنقذة للحياة يُعرّض آلاف الفلسطينيين المصابين بأمراض مزمنة لخطر ضرر لا شفاء منه.

وقال: "منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لم يحصل مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم على الأدوية الأساسية"، مضيفًا أن المراكز الصحية في جميع أنحاء غزة قد نفدت مخزوناتها بالكامل.

طباعة شارك جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة البيت الأبيض القطاع الصحي في غزة الحصار الإسرائيلي

مقالات مشابهة

  • بعد القصف الإسرائيلي.. الجيش اللبناني يهدد بتجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار
  • بيان عاجل من الجيش اللبناني بشأن خروقات قوات الاحتلال لوقف إطلاق النار
  • تحقيق CNN يؤكد: هكذا ارتكب الاحتلال المجزرة في “مؤسسة غزة” الأمريكية
  • ‏صحيفة "إسرائيل هيوم" عن مصدر أمني: الجيش الإسرائيلي بات يسيطر على نحو 50% من مساحة قطاع غزة
  • ‏الجيش الإسرائيلي: قواتنا نفذت عملية الإنقاذ بالتعاون مع المخابرات والقوات الخاصة استنادا لمعلومات استخباراتية دقيقة
  • تحقيق لـCNN: أدلة ميدانية تكشف تورط الجيش الإسرائيلي في إطلاق النار قرب موقع توزيع المساعدات برفح
  • تحقيق لـسي إن إن يؤكد تورط الاحتلال بمجازر المساعدات في رفح
  • الأمم المتحدة: يجب التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن جميع المحتجزين
  • البيت الأبيض: لا نصدق رواية حماس بشأن إطلاق النار على متلقي المساعدات