تناول تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية، سيناريو طرحه خبير عسكري ألماني حول هجوم روسي محتمل على مدينة نارفا الإستونية بحلول عام 2028، بهدف إلى دق ناقوس الخطر وتنبيه الرأي العام الغربي إلى المخاطر الاستراتيجية المحتملة.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نارفا مدينة إستونية صغيرة تقع في أقصى شمال شرق أوروبا على الحدود مع روسيا، ويفصل بينهما نهر يحمل الاسم نفسه، وعلى ضفتيه يتقابل صرحان تاريخيان شامخان يشهدان على قرون من التوتر والتنافس الإقليمي.



وتضيف الصحيفة أنه منذ انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي سنة 2023، فقدت مدينة نارفا مكانتها الرمزية كآخر معقل دفاعي للحلف، ومع ذلك لا تزال المدينة تحتل موقعاً محورياً في العديد من السيناريوهات التي تتوقع مواجهة محتملة بين موسكو والغرب.

يعود ذلك جزئيا إلى أن ثلث سكان نارفا يحملون جوازات سفر روسية، ما يدفع بعض المحللين إلى وصف المدينة بأنها تحتوي على "طابور خامس" محتمل يمكن استغلاله في حال اندلاع أي نزاع.


الحرب القادمة
وفي كتاب جديد بعنوان "الحرب القادمة"، طرح الخبير العسكري وأستاذ السياسة الدولية بجامعة بوندسفير في ميونخ، كارلو ماسالا، سيناريو يتعلق بالهجوم على فنلندا في 2028. واقتبس في المقال ما جاء على لسان أحد المسؤولين في الكرملين، بأن "الهدف من الحملة الروسية ينبغي أن يكون اختبار مدى استعداد دول الناتو للرد في حال تقدم القوات الروسية على الأرض".

وذكرت الصحيفة أن الهجوم على دول البلطيق، قد يهدف من حيث الشكل إلى احتلال أراض محددة، مثل ربط الأراضي الروسية بجيبها المعزول في كالينينغراد، الذي تفصل بينه وبين روسيا أراضي ليتوانيا، وهو سيناريو يُعدّ مغريًا من الناحية الاستراتيجية.

غير أن الهدف النهائي يكتسي على الأرجح طابعا سياسيا أكثر من كونه عسكريا بحتا، إذ قد يراهن الكرملين على أن مثل هذا العدوان سيُحدث ذعراً في أوروبا ويفجر انقسامات داخل حلف الناتو.

آلة الحرب
حسب الصحيفة، يرى بعض المراقبين أن فكرة هجوم عسكري روسي على دولة عضو في حلف الناتو تبدو مستحيلة وغير واقعية.

لكن هذا الرهان قد ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث قد يؤدي فشل القوات الروسية في أوكرانيا أو بقاء الوضع على حاله، إلى تبني موسكو موقفا انتقاميا وتصعيديا.

وبالمقابل قد يؤدي قبول المجتمع الدولي بضم الأراضي الأوكرانية، مع تصاعد الضغوط على كييف، إلى زيادة طموحات موسكو وتوسيع نطاق أهدافها الاستراتيجية، وفقا للصحيفة.

وتتوقع لوموند أن يخرج الجيش الروسي من حرب أوكرانيا مرهقًا، حيث لم ينجح منذ كانون الثاني/ يناير 2024 في السيطرة إلا على أقل من 1 بالمئة من الأراضي الأوكرانية، مقابل خسائر فادحة.

لكن من وجهة نظر ماسالا، لن ينتظر الكرملين تعافي قواته بالكامل، فالتاريخ يُظهر أن روسيا شنت حروبًا ضد جيرانها بمعدل مرة كل عشرين إلى خمس وعشرين سنة. أما فلاديمير بوتين، الذي يخوض الآن خامس تدخل عسكري له بعد الشيشان وجورجيا والقرم وسوريا وأوكرانيا، فقد حوّل بلاده إلى آلة حربية دائمة الحركة.

في سنة 1700، شهدت مدينة نارفا واحدة من أهم المعارك في التاريخ الأوروبي، حيث حققت السويد، المتحالفة آنذاك مع بولندا والفرسان القوزاق الأوكرانيين والإمبراطورية العثمانية، نصرًا حاسمًا على روسيا.

كانت تلك المعركة إيذانًا ببدء "الحرب الشمالية الكبرى" التي استمرت حتى سنة 1721، وانتهت بانتصار القيصر بطرس الأكبر، الذي عُرف لاحقًا بلقب "بطرس العظيم"، وكرّست دخول روسيا إلى الساحة الأوروبية كقوة فاعلة.

في سنة 2022، أعاد فلاديمير بوتين استحضار هذا الفصل التاريخي ليبرر رؤيته التوسعية، مشيرًا إلى أن بطرس الأكبر، عند استيلائه على دول البلطيق، لم يفعل سوى "استعادة ما كان ملكًا لروسيا"، مضيفًا بنبرة ذات مغزى: "يبدو أن دورنا قد حان الآن لاستعادة أراضي روسيا."



رسالة ماسالا
ويأتي تحذير كارلو ماسالا في وقت تتصاعد فيه الضبابية حول مستقبل الالتزام الأمريكي تجاه القارة الأوروبية.

وفي السيناريو الذي يطرحه الخبير الألماني، لا يتردد رئيس الولايات المتحدة في إعلان موقف واضح مفاده: "لن أخاطر باندلاع حرب عالمية ثالثة من أجل مدينة إستونية صغيرة".

وفي حال تعرضت نارفا لهجوم عسكري وفق هذا السيناريو، يمكن لإستونيا الاعتماد على دعم القوات البريطانية والفرنسية المتمركزة في قاعدة "تابا" العسكرية، الواقعة على بُعد نحو مئة كيلومتر.

وختمت الصحيفة بأن الرسالة الأساسية من السيناريو الذي يطرحه ماسالا ضرورة أن توضح أوروبا لموسكو بأن أي اعتداء على أراضيها سيقابل برد فوري وحازم، من أول كيلومتر مربع من الأراضي المستهدفة، وهذا اختبار لم تعرفه القارة الأوروبية في العصر الحديث.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية روسيا فنلندا الناتو الولايات المتحدة الولايات المتحدة روسيا اوكرانيا الناتو فنلندا صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الكلمات وحدها لا تكفي.. لماذا تغير الموقف الأوروبي الآن ضد إسرائيل؟

تشهد الساحة الأوروبية تصاعدا غير مسبوق في وتيرة التحولات السياسية والدبلوماسية تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتحولت مواقف القادة الأوروبيين من مجرد الإدانة وتصريحات الشجب إلى تحركات ملموسة تهدد بتغيير ملامح العلاقات مع تل أبيب.

وفي ضوء هذا التحول، برزت في الخطاب الأوروبي دعوات صريحة لفرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتقليص الامتيازات التجارية، بل وتطبيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة.

وفي الوقت ذاته، تصاعد النقاش حول الاعتراف بدولة فلسطين كخطوة رمزية وإستراتيجية للضغط على إسرائيل وإعادة إحياء مسار حل الدولتين.

وفي تقرير تحليلي نشرتها مجموعة الأزمات الدولية بعنوان "أوروبا تندد بحرب غزة: الكلمات وحدها لا توقف الحرب"، أكدت المجموعة أن هذه التطورات تعكس وعيا أوروبيا متناميا بأن الكلمات وحدها لم تعد كافية لوقف نزيف الدم وتردي الأوضاع في غزة، وأن التحول من مربع الإدانة اللفظية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة أصبح ضرورة ملحة لاختبار جدية أوروبا وقدرتها على التأثير في ميدان السياسة الدولية.

تحولات الموقف الأوروبي

فبعد أشهر من الاكتفاء بالتحذيرات والقلق اللفظي، بدأت عواصم أوروبية عدة اتخاذ مواقف أكثر وضوحا وحزما ضد عدوان جيش الاحتلال، مدفوعة بتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة التي أودت بحياة ما لا يقل عن 54 ألفا، ودفعت أكثر من 2.2 مليون فلسطيني إلى حافة المجاعة.

إعلان

وتقول مجموعة الأزمات في تقريرها إن دولا مثل فرنسا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة وكندا انضمت مؤخرا إلى دول أخرى كإسبانيا وأيرلندا والنرويج في الدعوة العلنية لوقف الحرب، في حين بدأت ألمانيا -التي طالما اتسم موقفها بدعم قوي لإسرائيل- تعبر عن قلق متزايد.

وامتدت التحولات إلى إيطاليا والنمسا، حيث وجه قادتهما رسائل مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعكس تغيرا في المزاج الأوروبي العام.

هذه المواقف التصاعدية جاءت إثر تزايد الانتقادات داخل إسرائيل نفسها لطول أمد الحرب، وتزايد القلق الأوروبي إزاء استخدام المساعدات الإنسانية سلاحا لتجويع الفلسطينيين، وصعوبة تبرير استمرار الهجوم في ظل صور الأطفال الجوعى وتدمير البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج.

 "الكلمات لا تكفي"

وجاء في تقرير المجموعة أن أوروبا لم تعد تكتفي بالإدانة اللفظية، بل بدأت فعليا استخدام أدوات ضغط دبلوماسية واقتصادية.

ففي مايو/أيار الماضي، صوّت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالأغلبية على مراجعة مدى التزام إسرائيل ببند حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة التجارية، وهي خطوة قد تفتح الطريق لتعليق بعض الامتيازات التجارية والعلمية التي تتمتع بها إسرائيل، كما تستعد بروكسل أيضا لمناقشة خيارات جديدة خلال اجتماع وزراء الخارجية في 23 يونيو/حزيران الجاري.

وعلى المستوى الثنائي، أوقفت المملكة المتحدة "مؤقتا" مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين متشددين، وذلك في الوقت الذي تفكر فيه إسبانيا جديا في حظر تصدير السلاح لإسرائيل.

أما ألمانيا -التي طالما عرفت بدعمها القوي لإسرائيل- فتواجه ضغوطا من داخل البرلمان لوقف صادرات الأسلحة، بينما علقت بريطانيا بعض التراخيص العسكرية.

ورغم أن بعض قادة الدول الأوروبية (مثل المجر والتشيك) رفضوا تنفيذ مذكرات التوقيف الدولية الصادرة بحق نتنياهو ومسؤولين آخرين، فإن تزايد الأصوات المطالبة بعقوبات شخصية أو اقتصادية ضد القادة الإسرائيليين الذين يتورطون في انتهاك القانون الدولي أصبح ملموسا في الخطاب الأوروبي، وهناك توجه لتطبيق هذه المذكرات على أفراد محددين ليكون أكثر عمليا.

إعلان

رمزية الدولة الفلسطينية

وأشارت مجموعة الأزمات إلى بروز الاعتراف بدولة فلسطين كأداة ضغط سياسي ورمزية متزايدة في الوقت الحالي، مع تلويح دول عدة باتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.

فمع إعلان مالطا وسلسلة من الدول الأوروبية عزمها العمل على الاعتراف بدولة فلسطينية، يكتسب حل الدولتين زخما في المحافل الدبلوماسية في هذا الوقت، ولذلك تستعد فرنسا لاستضافة مؤتمر دولي في الأمم المتحدة لتعزيز حل الدولتين، وهذا التحرك يعد تحديا لحكومة نتنياهو التي ترفض هذا الحل.

ورغم أن الاعتراف الأوروبي لا يكفي لتغيير واقع غزة على الأرض، فإنه يحمل رسالة سياسية قوية ويشكل ضغطا معنويا على إسرائيل، وتبقى الفكرة أن الاعتراف يجب أن يترافق مع خطوات واقعية لوقف الحرب وكبح التوسع الاستيطاني، وليس مجرد إعلان رمزي معزول، حسب ما جاء في تقرير مجموعات الأزمات.

ردود فعل الحكومة الإسرائيلية تعكس قلقا كبيرا من فقدان الامتيازات التجارية مع أوروبا (وكالات) الموقف الإسرائيلي

وعلى الجهة الأخرى، جاء الرد الإسرائيلي على التحولات الأوروبية "حادا واستفزازيا"؛ فقد اتهم نتنياهو كلا من باريس ولندن "بمساعدة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)"، وهدد بضم رسمي لمناطق بالضفة الغربية إذا استمرت الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين.

وفي الوقت ذاته، أكد مسؤولون إسرائيليون أن حكومتهم ليست معنية كثيرا بمواقف أوروبا، لكن التهديدات بعزل دبلوماسي وفرض عقوبات لم تعد محل تجاهل من قبل القادة الإسرائيليين، حسب تحليل مجموعة الأزمات.

وأشار تقرير المجموعة كذلك إلى أن ردود الفعل الإسرائيلية تعكس قلقا كبيرا من فقدان الامتيازات التجارية والتوجه نحو عزلة دولية أعمق، خاصة مع موافقة الحكومة الإسرائيلية مؤخرا على إقامة 22 مستوطنة جديدة، وهو ما يعد أكبر توسع استيطاني منذ 3 عقود.

ويصل تحليل مجموعة الأزمات الدولية للموقف الأوروبي من الحرب الإسرائيلية على غزة إلى أن أوروبا رغم كونها ليست صاحبة التأثير الحاسم المنفرد على القرار الإسرائيلي، فإن مواقفها الأخيرة تفتح الباب أمام تحولات جوهرية في العلاقات مع إسرائيل، وتمنح المجتمع الدولي خيارات ضغط إضافية قد تسهم في وقف الحرب أو الحد من تداعياتها الإنسانية والسياسية، شريطة أن تقترن الأقوال بالأفعال والإجراءات الملموسة على الأرض.

إعلان

مقالات مشابهة

  • إصابة طفل بانفجار جسم غريب من مخلفات الحرب على أطراف مدينة إدلب
  • الوزير الشيباني: نشيد بالدور الحيوي الذي أداه الاتحاد الأوروبي بدعم اللاجئين حيث فتحت أوروبا أبوابها لمن فر من جرائم النظام البائد.
  • وليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • ليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
  • الكلمات وحدها لا تكفي.. لماذا تغير الموقف الأوروبي الآن ضد إسرائيل؟
  • تصاعد التوتر أم بوادر سلام.. محادثات إسطنبول تفتح نافذة أمل في قلب النزاع الأوكراني
  • نتنياهو: الثمن الذي ندفعه في الحرب باهظ
  • بريطانيا وإعلان الحرب على روسيا!
  • روسيا تهاجم سومي وأوكرانيا تستهدف جسر القرم