أمضى الرئيس الأميركي السابق جو بايدن كل العام 2024 وهو يحاول أن يقنع رئيس حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أولاً بتحديد موعد قريب للحرب، ثم بوقفها وذلك عبر صفقة تبادل بين المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، ولكن مع فشله المتواصل وعجزه عن القدرة على إجبار نتنياهو على الامتثال لما يريده، بدافع انتخابي على أقل تقدير.
كان يدعي أحياناً أن الاتفاق قريب، وأنه قاب قوسين أو أدنى من التحقق، وأحياناً يلقي اللوم على حماس، ومن ثم يعلن إحباطه، بعد تسريبات من أوساط إدارته بأنه مارس الضغط أو حتى أنه هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية، وفي نهاية المطاف، خرج بايدن من البيت الأبيض دون رجعة، ودون أن يحقق أي منجز يذكر، وأخذ معه بفشله مع نتنياهو بالذات حزبه ونائبته كامالا هاريس، وفتح الباب بيده المرتعشة لخصمه السياسي دونالد ترامب ليعود إلى البيت الأبيض من بابه الواسع.
يبدو اليوم أن هناك تبادلاً في الأدوار، وأن ما مر به بايدن يمر به حالياً ترامب، فما دام نتنياهو هو من يجلس على الجانب الآخر من العلاقة الأميركية - الإسرائيلية، فإن الرؤساء الأميركيين يتغيرون ويتبدلون، ويبقى رئيس الحكومة الإسرائيلية كما هو.
وفي حقيقة الأمر ربما كان هذا أحد الأسباب التي تظهره كرجل ما زال مطلوباً للعدالة الدولية في الخارج، ومتهماً أمام القضاء الإسرائيلي في الداخل، من تبجح وعنجهية وغرور، كيف لا وهو يتلاعب برئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، كما لو كان لعبة بين يديه، ولم يقتصر الأمر على رئيس واحد، حتى لا يقال إن العيب أو المشكلة كانت في ذلك الرئيس شخصياً.
فقد فعل هذا مع ترامب في ولايته الأولى، حين واصل تحريكه بالريموت كونترول الذي بين يديه، فوجهه نحو إلغاء الاتفاق مع إيران العام 2018، الذي كان وقعه باراك أوباما قبل ذلك بثلاثة أعوام، ثم دفعه لارتكاب فعل تجنبه كل الرؤساء الأميركيون السابقون، نقصد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، ومن ثم الاعتراف بالضم غير القانوني للجولان المحتل، وأخيراً إبرام اتفاقيات أبراهام للتطبيع بين ثلاث دول عربية وإسرائيل بالقفز عن شرط إقامة الدولة الفلسطينية أولاً.
ثم تلاعب ببايدن الذي حاول أن يهرب من الشرق الأوسط، بعد أن حاول أن يكمل عمل ترامب الخاص باتفاقيات أبراهام، وذهب للرياض من أجل هذا الغرض، لكن علاقته السيئة مع الأمير محمد بن سلمان، حالت دون تحقيق أي إنجاز بهذا الخصوص، بل ولقنه الأمير السعودي المفعم بالحيوية والشباب والطموح درساً، دفعه بعيداً عن الشرق الأوسط إلى شرق أوروبا، حيث علق مستقبله ومستقبل حزبه السياسي بالحرب الروسية الأوكرانية، وحتى هنا لم يستطع أن يواجه نتنياهو، فمن بين كل دول الغرب الحليفة لأميركا، وقفت إسرائيل جانبا، ولم تنضم للتحالف السياسي الذي أقامته أميركا ضد الحرب الروسية على أوكرانيا.
ثم كانت الطامة الكبرى حين وقع طوفان الأقصى، فكانت تفاصيل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، تمثل إهانات متكررة ومتواصلة للرئيس الأميركي في مقابل رئيس حكومة إسرائيلي، ليس مطلوبا للعدالة الدولية، وللقضاء الإسرائيلي وحسب، بل ويواجه معارضة داخلية غير مسبوقة، لا تقتصر على المعارضة السياسية، بل يواجه مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية.
أي كان يمكن لبايدن أن يتحجج أو يطالب نتنياهو بإجماع داخلي، حتى يجلس إلى جانبه أو حتى وراءه في حرب أغضبت العالم بأسره، لكنه لم يقوَ حتى على منع نتنياهو من منح الفاشيين الإسرائيليين المقاعد الوزارية، وكان بايدن قد تورط بإعلان عدم رغبته في منح كل من إيتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش مقاعد حكومية حين قام نتنياهو بتشكيل حكومته الحالية، وذلك قبل أشهر قليلة من طوفان الأقصى، وكان ذلك محاولة من بايدن لتعزيز علاقة بلاده بالدول العربية، نظراً لتقديره بأن هذين الرجلين سيشعلان المنطقة توتراً وصخباً بمجرد مشاركتهما في الحكومة، فما بالنا وقد باتا يتحكمان بهما من خلال تهديد نتنياهو المرعوب من احتمال الخروج من المنصب ليكون تحت رحمة القضاء الإسرائيلي، بفض الشراكة معه، في حال تردد في مواصلة حرب الإبادة الجماعية، ومواصلة الطريق ضد العالم بأسره ؟
بالطبع كان ينظر إلى بايدن على أنه رئيس ضعيف، لا يتمتع بكاريزما باراك أوباما، ولا حتى بشخصية رونالد ريغان ولا حتى جورج بوش الأب، أما ترامب فهو ظهر، بعد أن فاجأ الدنيا كلها برفض نتائج انتخابات الرئاسة العام 2020، وظل يدعي تعرض النتيجة للتزوير.
ثم أعلن بشكل غير مسبوق أنه سيعيد محاولة العودة للبيت الأبيض، وظل 4 سنوات يمارس دور المرشح الرئاسي المعارض، وظهر مدعوماً من مؤيدين متطرفين، عصبويين لدرجة العنصرية ضد الآخرين، بمن فيهم نصف الشعب الأميركي، أي الخصم الديمقراطي، باختصار ظهر أو حاول أن يظهر كرئيس قوي، مختلف تماما عن بايدن، وقد ادعى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما كانت لتقع لو كان رئيسا، وأنه يمكنه أن يوقف الحرب في الشرق الأوسط خلال أيام، وواصل ذلك وبصوت أعلى بكثير حين فاز بالانتخابات، لدرجة أنه هدد بأنه سيحرق الشرق الأوسط، لو دخل البيت الأبيض، دون التوصل لاتفاقية الصفقة.
وفعلاً رضخ نتنياهو للتهديد، رغم أن تهديد ترامب كان يبدو موجها لحماس أصلاً، وبدأ تنفيذ صفقة تبادل مكونة من 3 مراحل، قبل تنصيب ترامب بيوم واحد فقط، وبذلك أوحى نتنياهو لترامب بأنه قد حقق له ما أراد، بما جعل الرئيس الأميركي ينتشي مثل طاووس في ريعان الشباب، ما أعاده إلى حضن نتنياهو، الذي كان قد أغضبه قبل 4 سنوات حين قام بتهنئة بايدن على فوزه بانتخابات 2020، لدرجة أنه استقبله في البيت الأبيض كأول مسؤول أجنبي يستقبله كرئيس أميركي ثم قام بتقديم أعظم هدية سياسية له.
وكانت إعلانه عن خطة مدوية تجاه غزة، مضمونها تهجير سكانها، إعلان أذهل نتنياهو والفاشيين الإسرائيليين، الذين ما زالوا يحلمون بتنفيذ تلك الخطة، رغم نسيان ترامب نفسه لها، بل وحتى أنه نسي إن كان قد تفوه بها من قبل.
وكما فعل بايدن، يفعل ترامب حالياً، فهو قد عين ممثلاً رسمياً له لمتابعة مسار صفقة التبادل، وهو ستيف ويتكوف، والذي يعد كما لو كان أهم من وزير الخارجية نفسه، بينما كان بايدن قد أرسل وزير خارجيته خلال عام واحد أكثر من عشر مرات لمتابعة هذا الملف، إضافة بالطبع لمستشار أمنه القومي، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وكذلك أكثر من مندوب خاص.
ولكن دون جدوى، ذلك أن المعضلة لا تكمن في الجانب الفني، ولا في إقناع حماس، لكن المشكلة تكمن بين أميركا وإسرائيل بالتحديد، فأميركا أيام بايدن كانت بحاجة لاتفاق الصفقة لغرض انتخابي، وللتخلص من الضغط الدولي والداخلي، حيث كانت تضطر كل الوقت للوقوف في وجه العالم كله المنتفض بالتظاهرات، والمنشغل بمناقشة مشاريع القرارات في مجلس الأمن والجمعية العامة، فيما أميركا في أيام ترامب الحالية بحاجة إلى الصفقة لتقديمها كإنجاز يخفف من المعارضة الداخلية ضد الرسوم الجمركية، ولفتح أبواب الشرق الأوسط أمام مزيد من الاستثمارات في أميركا بما يعزز اقتصادها ويقويه في مواجهة التحدي الاقتصادي الصيني.
أما إسرائيل فلا يمكنها في ظل حكومتها الفاشية الحالية، عقد صفقة توقف الحرب، ولو بعد حين، وبالتحديد لو أرفق اتفاق الصفقة بضمانة أميركية أو قبول إسرائيلي بالطبع بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، فهذا يعني تفكيك الائتلاف وسقوط حكومة نتنياهو، وهذا التباين.
ومع تصاعد الغضب الدولي، ومنه الأوروبي المهم، الذي يبدو أنه وجد في إسرائيل ضالته للرد على تخلي أميركا عن أوكرانيا، وتوريط أوروبا بوحل المواجهة مع روسيا، وذلك بنبذ إسرائيل، كما فعلت أميركا مع أوكرانيا، يعني أن ترامب يحارب طواحين الهواء حالياً، من أجل «احتواء» فتيل التوتر الذي يمسك به نتنياهو، في محاولته لإجبار ترامب على الدخول في المسار الذي سار عليه بايدن، وهو مسار الحرب الإقليمية، بدلاً من مسار الصفقات التجارية، وبما يشمله ذلك من الإبقاء على خيار مواجهة إيران، أميركيا وإسرائيل عسكرياً، ولهذا أظهر ترامب حنقه على نتنياهو وحذره تحذيراً شديد اللهجة، إن هو فكر في تخريب المفاوضات الأميركية الإيرانية.
السؤال يبقى معلقاً، بينهما، أي بين ترامب ونتنياهو، ويدور حول من منهما سيلوي عنق الآخر، وحيث إن ترامب يطرق الباب السهل، والذي ليس بالضرورة يوصله لبر الأمان، وهو باب حماس، لذلك يواصل القول إنه قريب من اتفاق الصفقة، وإن ذلك قد يكون اليوم أو غداً!
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه بايدن نتنياهو ترامب غزة غزة نتنياهو الاحتلال بايدن ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البیت الأبیض الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
بأمر تنفيذي.. ترامب يوجّه بفتح تحقيق حول أهلية بايدن الذهنية خلال فترة ولايته
أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفتح تحقيق في تصرفات سلفه جو بايدن خلال فترة توليه المنصب، متهمًا مساعدي بايدن بالتستر على ما وصفه بـ"التدهور الإدراكي" للرئيس السابق وإخفائه عن الرأي العام. اعلان
وفي أمر تنفيذي صدر يوم الأربعاء، قال ترامب إن التحقيق سيبحث ما إذا كان "بعض الأفراد قد تآمروا لخداع الرأي العام بشأن الحالة العقلية لبايدن، ومارسوا سلطات وصلاحيات الرئاسة بطريقة غير دستورية".
ومن دون تقديم أدلة، اقترحت المذكرة أن مسؤولين لم تُكشف هويتهم ربما استغلوا بايدن عبر استخدام آلية تُعرف بـ"الفتح التلقائي"، وهي إجراء يتيح للرئيس إقرار وثيقة دون الحاجة إلى توقيعها فعليًا.
Relatedالمحكمة العليا تُمكّن ترامب من طرد نصف مليون مهاجر ترامب: قريبا جدا سنعلن عن اتفاق بشأن غزة إما اليوم أو غداترامب يضاعف الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيومعام 2005، أفاد مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل الأمريكية بأن نظام "الفتح التلقائي" – الذي استخدمه ترامب نفسه في المراسلات الروتينية – يُعد وسيلة قانونية تتيح للرئيس المصادقة على الوثائق الرسمية.
ويأتي تحقيق إدارة ترامب، الذي ستشرف عليه المدعية العامة الأمريكية بام بوندي ومستشار البيت الأبيض ديفيد وارينغتون، في إطار مسعى لتقويض شرعية بعض الأوامر التنفيذية وقرارات العفو التي أصدرها بايدن.
بايدن ينفي الاتهاماتردًا على ادعاءات ترامب، قال بايدن، الذي أعلن مؤخرًا إصابته بسرطان البروستاتا: "لأكن واضحًا: أنا من اتخذ القرارات خلال فترة رئاستي. قرارات العفو، والأوامر التنفيذية، والتشريعات، والإعلانات، كانت جميعها قراراتي. وأي إيحاء عكس ذلك هو محض افتراء وسخافة".
وأضاف الرئيس السابق أن خليفته سعى إلى استخدام الأمر التنفيذي الأخير كوسيلة لـ"تشتيت الانتباه".
وقال بايدن: "هذا ليس سوى محاولة من قبل دونالد ترامب والجمهوريين في الكونغرس لإلهاء الرأي العام، وذلك في مسعى لتمرير تشريع كارثي من شأنه تقليص برامج أساسية مثل Medicaid، وزيادة الأعباء على العائلات الأمريكية، وكل ذلك لتمويل إعفاءات ضريبية للأثرياء والشركات الكبرى".
معركة سياسية وتحقيق مثير للجدليمثل تحقيق ترامب في أداء إدارة بايدن تصعيدًا إضافيًا في مساعيه لاستهداف خصومه السياسيين.
وفي إطار تعزيز روايتهم حول ما يعتبرونه تجاوزات خلال رئاسة بايدن، حاول ترامب وحلفاؤه الاستناد إلى مقتطف ورد في كتاب "الخطيئة الأصلية" للصحافيَين جايك تابر من شبكة "سي إن إن" وأليكس تومبسون من موقع "أكسيوس".
وكتب الثنائي: "كان هناك خمسة أشخاص يتولّون فعليًا إدارة شؤون البلاد، فيما كان جو بايدن، في أفضل الأحوال، مجرد عضو بارز في مجلس الإدارة".
انتقد مقربون من بايدن ما ورد في الكتاب بشدة، ووصفت حفيدته نعومي محتواه بأنه "خرافة سياسية مبتذلة موجهة للطبقة الثرثارة التي لا تغيب عن المشهد".
وجاء انسحاب بايدن من السباق الرئاسي العام الماضي عقب مناظرة مع ترامب وُصفت بالكارثية، ما فتح الباب واسعًا أمام التساؤلات بشأن قدراته الذهنية.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة