بين أزمتي سانت كاترين وأيا صوفيا.. هل من علاقة؟
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
"أيا صوفيا" و"سانت كاترين" اسمان لقديستين مسيحيتين مصريتين، الأولى من البدرشين جنوب الجيزة، والثانية من الإسكندرية، وكلتا القديستين تحظيان بمكانة دينية عالية لدى المسيحيين في العالم وخاصة الأرثوذكس، نظرا لاستشهادهما في سبيل عقيدتهما، ورفضهما كل الإغراءات والتهديدات لثنيهما عن طريقهما، وهذا ما يفسر الحساسية الخاصة للمسيحيين الأرثوذكس تجاه التعامل مع آثارهما، سواء كنيسة أيا صوفيا في تركيا التي تحولت إلى مسجد، أو دير سانت كاترين في سيناء الذي صدر بشأنه حكم قضائي مصري مؤخرا حول طبيعة ملكية أراضيه وأثار حفيظة رهبانه ومن ورائهم اليونان.
القديسة أيا صوفيا ولدت مع نهاية القرن الأول الميلادي، وكانت تعبد الأوثان، ثم اعتنقت المسيحية، وذاع صيتها، وهو ما استفز الوالي الروماني في مصر كلوديوس، الذي حاكمها وأمرها بالعودة للوثنية فرفضت، فأمر بتعذيبها وقطع لسانها حتى ماتت. وبعد أكثر من قرنين (سنة 325 للميلاد) أمر الإمبراطور الروماني المسيحي قسطنطين العظيم بنقل رفاتها من مصر إلى مقر حكمه في القسطنطينية (إسطنبول الحالية)، وبنى لرفاتها كنيسة باسمها، وبعد تعرضها للاحتراق والتلف قام الإمبراطور جستينيان الأول بإعادة بنائها سنة 537 ميلادية. نلاحظ هنا أن اسم هذا الإمبراطور سيتكرر مرة أخرى مع بناء دير للقديسة المصرية الثانية "سانت كاترين" في سيناء هذه المرة، وهو الذي لا يزال قائما حتى الآن.
أما القديسة كاترينا السكندرية فقد عاشت في القرن السادس الميلادي، ووفقا للمصادر المسيحية فقد كانت أميرة وباحثة مرموقة أصبحت مسيحية في سن الرابعة عشرة تقريبا، وحولت مئات الأشخاص إلى المسيحية، واستشهدت في سن الثامنة عشرة تقريبا. أمر الإمبراطور ماكسينتيوس بإخضاعها لتعذيب رهيب ثم رميها في السجن، ثم قتلها بعد أن ذاع صيتها. وقد نجحت في إقناع الكثيرين باعتناق المسيحية ومن بينهم فاليريا ماكسيميلا، زوجة الإمبراطور نفسه، وفي القرن السادس بنى الإمبراطور جستينيان الأول ديرا لها في المكان الذي ناجى فيه سيدنا موسى ربه والمعروف بكنيسة التجلي.
تلك هي الخلفية التاريخية لهاتين القديستين المصريتين. ثارت أزمة طويلة بشأن كنيسة الأولى انتهت إلى تحويلها إلى مسجد، وثارت أزمة بشأن دير الثانية؛ استحضرت لدى أطرافها ملابسات أزمة الأولى.
لشرح الأمر، فإلى جانب الإشكاليات القانونية المرتبطة بطبيعة ملكية دير سانت كاترين لبعض الأراضي المحيطة به، وهي الإشكاليات التي تمس بدورها فكرة السيادة الوطنية، فإن جانبا مهما من أزمة الدير هو خوف رهبانه ومن خلفهم الكنيسة أو الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وعلى رأسها كنيسة القدس التي يتبع لها الدير، والكنيسة اليونانية، المظلة الأعلى لها، من تكرار ما حدث مع كنيسة أيا صوفيا ولو بطريقة مختلفة؛ تتمثل هذه المرة في هواجس من تخطيط الحكومة المصرية لإغلاق الدير، أو على الأقل طرد الرهبان اليونانيين منه، وهي هواجس غير صحيحة بالمرة، فالنظام المصري الحالي لا يفكر بالطريقة التي فكرت بها حكومة أردوغان في تركيا، كما أن السياق التاريخي والتطورات التي شهدتها مسيرة كنيسة أيا صوفيا في تركيا تختلف كثيرا عن وضع دير سانت كاترين في مصر.
فيما يخص كنيسة أيا صوفيا، فقد حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد عام 1453 بعد فتح القسطنطينية وفقا لأعراف ذلك الزمان، خاصة أن بعض المصادر التاريخية تشير إلى أنه اشتراها من ماله الخاص، وأصبحت مسجدا لمدة 500 عام، وبعد إنهاء الخلافة العثمانية حولها كمال أتاتورك عام 1934 إلى متحف، وكان ذلك جزءا من سياق تحولات كبرى أدخلها أتاتورك على تركيا، وأغلق بموجبها العديد من المساجد التاريخية المرتبطة في الأذهان بالدولة العثمانية التي أطاح بها، كما حول بعضها إلى متاحف أو حتى إسطبلات خيول. ثم ظهرت المطالبات مجددا بإعادة المتحف إلى مسجد، واتخذت هذه المطالبات أشكالا عديدة منها ما هو تاريخي وثقافي، وحتى تحركات شعبية قادتها بعض المجموعات والجمعيات الإسلامية ودعمها الزعيم الإسلامي التاريخي نجم الدين أربكان، واكتسبت زخما أكبر بدعم الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، وتدرج الوضع من ترك غرفة داخل المتحف للصلاة، ثم رفع الأذان فقط من مئذنتها دون السماح بالصلاة في صحنها، وصولا إلى صدور حكم قضائي من المحكمة العليا التركية في العام 2020 بعودة المتحف مسجدا، وفتحه للصلوات بشكل منتظم.
هاجت العواصم الغربية ضد هذا الإجراء، ومارست ضغوطا كثيفة على تركيا لثنيها عن قرارها، لكن أردوغان رفض تلك الضغوط، وحرص على إعادة افتتاح المسجد بنفسه كجزء أيضا من سياق تحولات كبرى يقودها لإعادة تركيا إلى هويتها الإسلامية التي غابت عنها في ظل الحقبة الكمالية.
وإذا كانت معركة استعادة أيا صوفيا كمسجد في تركيا استندت إلى خلفيات دينية وقومية وبالتالي قادتها أحزاب وجماعات إسلامية وقومية، فإن أزمة دير سانت كاترين لا تستند إلى خلفية دينية، وإن استندت في جانب منها إلى خلفية وطنية تتعلق بإقرار السيادة المصرية على أرض الدير، مع منح تابعي الدير حق الانتفاع بتلك الأرض، والالتزام بالقوانين المصرية الناظمة للمحميات الطبيعية.. الخ. ومن هنا فإن الأمر بسيط جدا في هذه الأزمة على خلاف ما تدعيه الرواية اليونانية من أن الحكومة المصرية تعتزم إغلاق الدير، وطرد رهبانه اليونانيين، وفي الحد الأدنى تسليمه إلى رهبان مصريين. وقد سارعت السلطات المصرية بدءا برأس النظام ووزير خارجيته وبقية أجهزته لطمأنة الجانب اليوناني على استمرار عمل الدير، واحترام طبيعته، ورهبانه.. الخ، والمطلوب الآن أن تتخلص اليونان فقط من عقدة أيا صوفيا لأنها تختلف بالفعل عن سانت كاترين.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سانت كاترين كنيسة تركيا مصري مصر تركيا كنيسة آيا صوفيا سانت كاترين قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دیر سانت کاترین فی ترکیا إلى مسجد
إقرأ أيضاً:
ما الذي حدث بين باكستان وأفغانستان؟ وما علاقة الهند؟
اندلعت السبت اشتباكات حدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية سقط فيها العشرات بين قتيل وجريح، ردا على غارات جوية باكستانية في أفغانستان وسط اتهامات من إسلام آباد لكابل بدعم جماعات مسلحة، وذلك قبل أن تعلن وزارة الدفاع الأفغانية في وقت لاحق من مساء أمس السبت انتهاء العمليات العسكرية.
ونحاول في هذا التقرير توضيح ما الذي حصل.
ماذا حدث في القتال الحدودي بين أفغانستان وباكستان؟اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات الأفغانية والباكستانية على طول خط دوراند الحدودي، شملت 7 ولايات أفغانية حدودية، وقالت وزارة الدفاع الأفغانية إن ذلك جاء ردا على غارات جوية باكستانية في أفغانستان الأسبوع الماضي، وأشارت باكستان إلى أنها ردت بنيران الأسلحة والمدفعية.
وأوقعت الاشتباكات خسائر في الأرواح والمعدات من الجانبين، وقال مسؤولون باكستانيون إن بلادهم أغلقت المعابر الحدودية مع أفغانستان اليوم الأحد.
وتأتي هذه الاشتباكات الأخيرة في ظل سياق تاريخي طويل من التوترات الحدودية، تفاقمت بعد عودة حركة طالبان إلى الحكم في كابل عام 2021. وخط دوراند نفسه لا تعترف به الحكومة الأفغانية كحدود رسمية، مما يضيف تعقيدا قانونيا وسياسيا للنزاع.
ما أسباب القتال؟القتال جاء كرد فعل أفغاني على غارات جوية باكستانية استهدفت العاصمة كابل وولايات خوست وننغرهار، وذلك وسط اتهامات من إسلام آباد لكابل بدعم مسلحي حركة طالبان باكستان وتوفير ملاذ آمن لهم في أفغانستان للتدريب والتخطيط وتنفيذ هجمات ضد باكستان، وهو ما تنفيه حكومة كابل وتؤكد أنها لن تسمح لأحد باستخدام أراضي أفغانستان لاستهداف دول أخرى.
وكانت حركة طالبان باكستان أعلنت الجمعة مسؤوليتها عن هجمات متزامنة استهدفت قوات الأمن الباكستانية في إقليم خيبر بختونخوا الحدودي مع أفغانستان، وأسفرت عن مقتل 23 شخصا، بينهم 20 عنصرا أمنيا و3 مدنيين.
صرح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد اليوم الأحد بأن قوات أفغانية سيطرت في عمليات حدودية الليلة الماضية على 25 موقعا تابعا للجيش الباكستاني وقتلت 58 جنديا وأصابت 30 آخرين، لافتا أيضا إلى "مقتل 9 من قوات طالبان".
إعلانكما ذكرت أفغانستان أن 20 جنديا أفغانيا سقطوا بين قتيل وجريح.
ولم يصدر تعليق بعد من باكستان، لكن مسؤولين أمنيين باكستانيين قالوا إنهم أوقعوا خسائر في صفوف القوات الأفغانية دون ذكر عدد محدد.
وأعلنت كلتا الدولتين تدميرهما عددا من المراكز الحدودية للطرف الآخر. ونشر مسؤولون أمنيون باكستانيون لقطات فيديو قالوا إنها تظهر قصف مواقع أفغانية.
من الأطراف المتورطة في القتال؟أما الأطراف المتورطة في هذا القتال فتشمل القوات المسلحة الباكستانية التابعة للحكومة التي تديرها حركة طالبان، والجيش الباكستاني، وحركة باكستان طالبان، إلى جانب اتهامات باكستانية مباشرة للهند بتوفير التمويل والدعم لحركة طالبان باكستان.
وقالت كابل اليوم الأحد إنها أوقفت الهجمات بناء على طلب قطر والسعودية. وأصدرت الدولتان بيانين عبرتا فيهما عن قلقهما إزاء الاشتباكات.
الهند ليست طرفا مباشرا في القتال، لكنها متهمة من قبل باكستان بتمويل ودعم المسلحين الذين ينفذون هجمات داخل أراضيها، وهي اتهامات نفتها الهند.
كما أن الهند تستغل توتر العلاقات بين كابل وإسلام آباد لتعزيز علاقاتها مع الحكومة الأفغانية، وقد رفعت مستوى تمثيلها الدبلوماسي في كابل. وتعكس زيارة وزير الخارجية الأفغاني إلى الهند مؤخرا ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين تقاربا إستراتيجيا واضحا بين البلدين.
ويرى المحلّل الهندي برافين دونتي من مجموعة الأزمات الدولية أن "نيودلهي تعكف على توسيع نفوذها إلى كابل كي لا تبقى متخلّفة عن ركب خصميها الصين وباكستان"، كما "ترغب في الحصول على ضمانات أفغانية في مجال مكافحة الإرهاب، فضلا عن تعاون إقليمي في مجال الأمن".
كيف تبدو العلاقة بين الحكومتين الباكستانية والأفغانية؟رغم إعلان توقف المعارك بين الجانبين فإن مسؤولين محليين باكستانيين أفادوا بأن المعبرين الحدوديين الرئيسيين لباكستان مع أفغانستان، في طورخم وتشامان، أُغلقا اليوم الأحد، كما تم إغلاق 3 معابر صغيرة على الأقل في خارلاتشي وأنجور أدا وغلام خان.
ولا تزال العلاقة بين البلدين اللتين تمتلكان حدودا مشتركة طولها 2600 كيلومترا، متوترة للغاية وتتسم بالاتهامات المتبادلة والدعم المزعوم للجماعات المسلحة.
ويعكس التصعيد العسكري الأخير هشاشة العلاقة بينهما رغم دعوات دولية لضبط النفس، كما يعكس فشل الطرفين في بناء آلية أمنية مشتركة لضبط الحدود.
وقد يؤدي استمرار التصعيد إلى زعزعة استقرار المنطقة الحدودية خاصة في خيبر بختونخوا وبلوشستان، مما قد يدفع الجماعات المسلكة إلى استغلال الفوضى لتوسيع عملياتها.
كما قد يفتح التوتر بين كابل وإسلام آباد المجال لتدخلات إقليمية من الهند والصين وروسيا، وهو أمر لا تطمح باكستان إلى حصوله.