شجرة الديناميت.. نبات متطفل ماكر مصمم للقتل
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
تبدو وكأنها من وحي كاتب خيال علمي، أو نوع من النباتات الغريبة التي تنمو على كوكب فضائي مخيف. ومع أن اسمها قد يبدو ساذجًا، إلا أن هذه الشجرة أبعد ما تكون عن ذلك.
"شجرة الديناميت"، وتُسمى أيضًا "شجرة صندوق الرمل"، هي واحدة من أخطر الأشجار في العالم، ويشير اسمها العلمي "هورا كريبيتان" إلى كل من الشيء الذي ينكسر والصوت الذي يُصدره.
"شجرة الديناميت" هي شجرة كبيرة دائمة الخضرة من فصيلة "الفربيون"، وتُعرف عادةً بفصيلة السبيرج، وتتكون من حوالي 7500 نبات مزهر، موزعة على 218 جنسًا، وتعيش في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وتشمل نباتات عشبية حولية ومعمرة، وشجيرات وأشجارًا خشبية، بالإضافة إلى بعض النباتات المتسلقة، من بينها شجرة المطاط ونبات البونسيتا وزيت الخروع والكسافا.
تنمو الأشجار من هذا النوع في جميع المناطق الاستوائية تقريبًا في أميركا الشمالية والجنوبية، وخاصةً غابات الأمازون المطيرة، وتعد من أكبر أشجار الأميركتين الاستوائية، ويبلغ ارتفاعها حوالي 30 مترًا، ويتجاوز محيطها المتر الواحد.
ترتفع الشجرة عن سطح الأرض، وتتوجها أوراق طويلة خضراء داكنة. أما ثمرتها (أو كبسولة بذرتها) فتشبه شكل اليقطين بشكل غريب، وتتميز بجذع مرصَّع بأشواك مخروطية قصيرة.
إعلانكما تفضل هذه الشجرة التربة الرطبة في الغابات المطيرة الاستوائية، وتنمو جيدًا في الظل الجزئي أو الشمس المباشرة أو الجزئية، وتُزرع في بعض الأحيان كأشجار شوارع أو الجادة لارتفاعها وغطائها الواسع المظلل، ولكن لها مساوئ في أوراقها ولحائها وبذورها السامة، ناهيك عن كبسولاتها الصاخبة والخطيرة المتفجرة.
تُعرف "شجرة الديناميت" بهذا الاسم بسبب صوت الانفجار الذي تُصدره عند انفجار ثمارها، كما تُعرف بأسماء أخرى عديدة تُوفي بجميع ألقابها، منها شجرة الفاكهة المتفجرة و"شجرة القرد التي لا يُمكن تسلقها" بسبب أشواكها الحادة، وخشب الأبوسوم، وشجرة الأساكو وجابيلو.
ترسانة من الأسلحةفي عام 2019، صنفت منظمة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة هذا النوع على أنه "الأقل إثارة للقلق" بسبب توزعه الواسع وعدم وجود تهديدات مستقبلية كبيرة على نطاق واسع.
ويحذر علماء النبات من الانخداع بثمار "شجرة الديناميت" الصغيرة الجميلة الشبيهة باليقطين، فهذه الثمار المزخرفة لها قوة هائلة، وبمجرد أن تجف وتتحول إلى كبسولات بذور، تنفجر بصوت عالٍ وبقوة تُقارن بانفجار مسدس.
تقذف قوة الانفجار البذور بسرعة تزيد عن 240 كيلومترًا في الساعة، ويمكن أن تصل إلى مسافة 45 مترًا، في حين أن أسرع رمية في لعبة البيسبول تبلغ حوالي 160 كيلومترًا في الساعة، لذا فإن هذه الأشجار تقذف بذورًا يبلغ طولها سنتيمترين بسرعة أكبر بنحو 50%.
يمكن لانفجار كبسولات بذورها الكروية أن تكون قوية بدرجة كافية لإصابة الأشخاص أو الماشية الواقعة في "مرمى النيران" المتبادلة أو القريبة منها.
ولحسن الحظ، من السهل التنبؤ بموعد انفجارها، وبالتالي يمكن تجنبها، فهي لا تنفجر ليلا أو عندما يكون الهواء رطبًا، بل تحتاج إلى حرارة وجفاف لإطلاق هجوم البذور الشرس.
تتكون الثمرة من 15 أو 16 جزءًا مُرتَّبة حول محور مركزي، ويبلغ قطرها 7.6 سنتيمترات، وتفقد أكثر من نصف رطوبتها لتصل إلى مرحلة تصبح فيها جافة لدرجة أن الأجزاء تنقسم بعنف وتنفصل عن المحور، مما يؤدي إلى تشتت البذور.
إعلانأضف لذلك أن لحاء "شجرة الديناميت" مُغطّى بكثافة من أعلى إلى أسفل برؤوس حادة تشبه السكاكين، طولها بوصة واحدة، مما يجعلها أشبه إلى حد ما بأداة تعذيب من العصور الوسطى.
هذه السكاكين أو الأشواك المخروطية المصنوعة من اللحاء الذي يحذر كل مَنْ يفكر بتسلقها، يبلغ عرضها نصف بوصة عند القاعدة، وتتناقص تدريجيًا إلى طرف يشبه الإبرة.
تغطي الأشواك المدببة الشجرة بالكامل، وتبرز من اللحاء الأملس على طوله، وتكون كثيفة جدًا على بعض الأشجار لدرجة أن قواعدها تتلامس، مُشكّلةً درعا مسننًا لا يمكن اختراقه، ولذلك لا تتسلقها القرود.
عندما يفشل كل شيء من الأسلحة الفائتة، تعتمد "شجرة الديناميت" على سلاح صمد أمام اختبار الزمن، وهو السم، حيث تتميز ثمارها (وهي الجزء نفسه الذي ينفجر) بسميتها الشديدة لدرجة أن قضمة واحدة تُسبب تقلصات عنيفة وقيئا وإسهالا.
تُفرز "شجرة الديناميت" عصارة حمراء سميكة سامة أيضًا، وتُسبب طفحًا جلديا أحمر مزعجًا عند ملامستها، ناهيك عن العمى المؤقت في حال ملامستها العين.
في الواقع إنها سامة لدرجة أن عصارة هذه الشجرة استُخدمت لصنع سهام سامة أو سم للصيد أو في الحروب. وكان السكان الأصليون يخلطون أحيانًا مادة "اللاتكس" السامة بالرمل لتخدير الأسماك.
إستراتيجية التكاثربفضل نظامها المتفجر والفعال في نشر البذور، فإن "شجرة الديناميت" مهيأة للتوسع، ففي تنزانيا بشرقي أفريقيا، تُعد هذه الشجرة الآن نوعًا غازيا. ومن المفارقات أنها زُرعت هناك عمدًا للحصول على الظل.
علميًا، تبدو هذه إستراتيجية تكاثر أكثر منها هجومًا دفاعيا. يُعدّ إطلاق البذور من النبات الأم أكثر موثوقية من تشتيتها بواسطة الحيوانات أو الرياح، إذ لا يضطر النبات إلى الاعتماد على قوى خارجية لحمل البذور بعيدًا.
إعلانكما أن انتشار البذور المتفجر يقلل من المنافسة، حيث تُقذف البذور بعيدًا عن النبات الأم قدر الإمكان، مستخدمةً آليات متنوعة لتخزين الطاقة وإطلاقها، مما يزيد من فرص بقائها وإنباتها.
استخدامات محفوفة بالمخاطررغم أن معظم أجزاء هذه الشجرة تُعد سامة وتبدو كأنها تخطط للعنف بكل الطرق، فإنها لا تخلو من بعض الميزات الإيجابية، حيث يُمكن الاستفادة من بعض أجزائها في العديد من المجالات.
تمتلك هذه الأشجار خشبًا خفيف الوزن وناعما ومتينا نسبيًا يُستخدم تقليديًا لصنع الزوارق المحلية المحفورة، إذ يتميز بمقاومته العالية للكسر والانحناء، مما يجعله مثاليًا لصناعة الصناديق والأقفاص والخشب الرقائقي والأثاث المتين تحت اسم "الحورة"، ومن السهل العمل عليها سواءً باليد أو بالآلات.
ومع ذلك، يضطر العمال الذين يقطعون الأشجار أو يعملون بخشبها إلى تغطية أعينهم لحمايتها من عصارتها، كما قد يكون تنظيف الجذوع استعدادًا لاستخدام الخشب صعبًا لأن لمس ثمارها الخشبية يُسبب التهاب الجلد.
مع ذلك، تُستخدم بعض أجزاء الثمار الخشبية في صناعة الأساور والقلائد، وهذا يُسبب التهاب الجلد لدى صانعي المجوهرات ومرتديها.
كما أن لبعض أجزائها فوائد طبية غير متوقعة، حيث يمكن استخراج الزيت من بذورها واستخدامه كمليِّن قوي (بكميات قليلة). بالإضافة إلى ذلك، تحتوي بذورها على زيت سام يمكن تحويله إلى وقود الديزل الحيوي والصابون.
ويزعم البعض أن أوراقها الكبيرة والمُغطاة التي توفر ظلا عميقا يمكن استخدامها بنجاح لعلاج الأكزيما، وهو ادعاء قد يصعب تصديقه لأن أجزاءً من الشجرة تُسبب التهاب الجلد أيضا بمجرد لمسها.
ومن جوانبها الإيجابية أيضًا، يُمكن استخدام مستخلصات أخرى لعلاج حالات من التهاب المفاصل الروماتويدي إلى الديدان المعوية، حتى إن زيت بذورها قيد البحث كمبيد حشري.
ويبدو أن اللحاء، الذي يحمل السهام السامة، قد استُخدم بنجاح لعلاج الجذام، كما استخدم "اللاتكس" من اللحاء، والذي يُستخدم كسم للسهام، في تسريع تساقط الأسنان المريضة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج هذه الشجرة لدرجة أن الذی ی
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد سياسة.. ولا يمكن فصلهما
سهام بنت أحمد الحارثية
harthisa@icloud.com
منذ أن تشكّلت الدول وبدأت تمارس وظائفها، ظل الاقتصاد جزءًا لا يتجزأ من أدواتها السياسية، فالسياسات الاقتصادية ليست مجرد قرارات تقنية تُتخذ بمعزل عن الواقع، بل هي في جوهرها قرارات سياسية تعكس مصالح، وأولويات، وتوازنات قوى. القول إن الاقتصاد محايد أو مستقل عن السياسة يتجاهل حقيقة أن كل قرار مالي أو استثماري أو تجاري يتطلب إرادة سياسية لتوجيهه، وتحمل تبعاته.
في التاريخ القديم، كانت السيطرة على الموارد الاقتصادية تُعد بمثابة إحكام للسيادة السياسية. الإمبراطورية الرومانية لم تكن لتصمد دون تأمين تدفق القمح من مستعمراتها، وعلى رأسها مصر، التي شكّلت “سلة الغذاء” للإمبراطورية. وفي ذلك الزمن، لم يكن الغذاء مجرد سلعة؛ بل أداة للحكم، والاستقرار السياسي كان رهناً بالوفرة الاقتصادية.
أما في العصر الحديث، فقد تجلّت العلاقة بين الاقتصاد والسياسة بوضوح في أزمة النفط عام 1973، حين قررت الدول العربية المنتجة للنفط خفض الإنتاج وفرض حظر على الولايات المتحدة وهولندا بسبب دعمهما لإسرائيل. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 300%، وانزلاق الاقتصاد العالمي في موجة تضخم وركود حاد. وهنا لم يكن النفط مجرد مادة خام؛ بل أداة سياسية أثَّرت في مواقف دول، وساهمت في إعادة تشكيل النظام الدولي.
في التجربة الصينية، شكّل النمو الاقتصادي منذ نهاية السبعينيات خطة سياسية منظمة، لم يكن تحرير السوق وتوسيع قطاع التصدير هدفًا اقتصاديًا فحسب، بل وسيلة استراتيجية لإرساء شرعية الحزب الشيوعي داخليًا، وتعزيز مكانة الصين في النظام العالمي. خلال أربعة عقود، نجحت الصين في انتشال أكثر من 800 مليون إنسان من الفقر، وفق بيانات البنك الدولي، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو إنجاز اقتصادي ما كان ليتحقق لولا رؤية سياسية محكمة.
الواقع الأوروبي يعزز أيضًا هذا الترابط الوثيق، فالاتحاد الأوروبي بُني على فكرة أن التكامل الاقتصادي سيمنع اندلاع الحروب مجددًا بين دول القارة. إنشاء السوق الموحدة، وتبني العملة الموحدة “اليورو”، لم يكن مسعى اقتصاديًا بحتًا، بل هدفًا سياسيًا طويل المدى لتحقيق السلام والاستقرار. رغم التحديات، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نحو 18 تريليون دولار في عام 2023؛ مما يعكس عمق هذا التكامل الذي جمع بين السياسة والاقتصاد.
في منطقتنا العربية، تتضح العلاقة في اعتماد العديد من الدول على السياسات الاقتصادية كأدوات للتماسك الاجتماعي والسياسي. برامج الدعم الحكومي للوقود والغذاء، والتوظيف في القطاع العام، والإعفاءات الضريبية، كلها قرارات اقتصادية تُستخدم سياسيًا لاحتواء التوترات الاجتماعية وتعزيز شرعية الدولة. وفي دول الخليج، مثلًا، لا تُفهم خطط التنويع الاقتصادي بمعزل عن التحولات السياسية والاجتماعية التي تهدف إلى ضمان الاستدامة والاستقرار في عالم ما بعد النفط.
ومن واقع تجربتي، حين ناديت أثناء المقاطعة الشعبية الأخيرة بعد حرب غزة بضرورة تطوير المنتج المحلي ليحل محل السلع المُقاطَعة، اعتبر البعض أن هذا الموقف تعاطف عاطفي لا علاقة له بالاقتصاد، وأن الأجدى هو تغيير سلوك المستهلك فقط. لكن هذا الفهم يغفل عن حقيقة أن الأزمات تخلق فرصًا لإعادة توجيه الموارد، وتعزيز الإنتاج الوطني، وتثبيت السيادة الاقتصادية. وقد وقعت بعض الجهات والدول في هذا الخطأ، حين تعاملت مع المقاطعة كفعل شعبي مؤقت بدل أن تستثمره في بناء بدائل وطنية مستدامة.
حتى في مفاوضات صندوق النقد الدولي مع الدول، يظهر الاقتصاد كأداة ضغط سياسي.. الاشتراطات المصاحبة لبرامج الإصلاح، مثل تحرير سعر الصرف، أو خفض الدعم، أو خصخصة المؤسسات، ليست فقط إصلاحات تقنية، بل تؤثر مباشرة في القاعدة الاجتماعية والسياسية للحكم، وتعيد رسم العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
في النهاية.. الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة. لا يمكن فصل الإنفاق عن التمويل، ولا الضرائب عن العقد الاجتماعي، ولا الاستثمار عن رؤية الدولة لمكانتها في الداخل والخارج. كل قرار مالي هو رسالة سياسية، وكل سياسة اقتصادية تعكس هوية الدولة وأولوياتها… لهذا، فإن من يزعم أن الاقتصاد حيادي، يغفل عن واحدة من أهم حقائق التاريخ: الاقتصاد كان وسيظل أداة للسياسة، وأحيانًا جوهرها.