أبو دليق … أول وتاني وتالت وعاشر
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
أبو دليق … أول وتاني وتالت وعاشر ..
أمس قام والي الخرطوم الرجل الهمام المحبوب بزيارة أبو دليق ، وأبو دليق لمن لا يعلم أتوقع لها أن تكون عاصمة مشروع الهواد الزراعي الضخم مثل مدني لمشروع الجزيرة والمناقل لامتداد المناقل ذلك أن الوديان الطبيعية. التي تغذي المشروع تبدأ منها ومن حواليها ثم تنحدر شمالا وتميل غربا حتى تصب في النيل جهات الدامر تقريبا ، وفي أبو دليق فرحوا به ربما لأنه أول مسئول سيادي يزور أبو دليق من زمن المك نمر.
ومع مشاهدة الخبر تذكرت مقالا عنها كتبته في 22 أبريل 2022م فهيا بنا.
(العاصمة أبودليق والشيخ شخبوط آل نهيان … هل من مقارنة ؟
لا أعلم لماذا تذكرت الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان وأنا أقرأ في الأسافير البشارات التي يراد لها أن تكون مفرحة، عن مشروع العاصمة الجديدة في أبودليق في سهل البطانة والتي سوف تكلف ثلاث مليار دولار فقط لا غير.
فمن هو الشيخ شخبوط ؟
قد لا يعلم إلا القليل من السودانيين شيئا عن هذه الشخصية إلا من قدر له أن يعمل في دولة الإمارات العربية حينا من دهرها المبكر ، فهو شقيق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهو الذي سبقه في حكم إمارة أبوظبي.
ولد الشيخ شخبوط في 1 يونيو 1905م وعاش حياته بحلوها ومرها حتى توفاه الله يوم 11 فبراير 1989م.
وقد حكم الشيخ شخبوط من سنة 1928م حتى سنة 1966م حين تمت إزاحته عن الحكم لصالح أخيه الشيخ زايد.
بعد أن تمت عملية الإزاحة تم إبعاده ولاحقا تم السماح له بالعودة والعيش في مدينة العين.
لماذا وماذا كانت مبررات ماحدث ؟
الصحفي واليوتيوبر الفلسطيني أسامة فوزي الذي يعيش في الولايات المتحدة عمل لعدة سنوات في سبعينات القرن الماضي في الإمارات بين التدريس والإعلام ، وله تفسير قصه في إحدى فيديوهاته.
قال إنه التقى بالشيخ شخبوط خلال سنوات إقامته المحصورة في مدينة العين ، فوجده إنسانا مثقفا يجيد اللغة الإنجليزية واكتشف شخصية غير ما أشيع عنها.
مع بدايات إكتشاف النفط وبوادر تدفق المال النفطي لخزينة الإمارة التي كانت لا تزال بدائية بدوية في ذلك الوقت تم تقديم مقترحات المشاريع للشيخ شخبوط وكانت تشمل مشاريخ ضخمة لطرق وكباري معلقة وغيرها.
صحيح أن كل تلك المشاريع وأكثر منها تحققت لاحقا ، ولكن الشيخ شخبوط وفقا لرواية أسامة فوزي كان له في تلك البداية تقديره المختلف وترتيبه للأولويات فقد رد عليهم أن الوقت ما زال مبكرا لمثل هذه المشاريع العملاقة وشعبه ما زال يعيش في الخيام وأن أولوياته لبناء المدارس لنشر التعليم وبناء المساكن.
خليفته الشيخ زايد بن سلطان كان حاكما محبوبا لدى شعبه ولدى السودانيين لا شك في ذلك وهو من لعب الدور الأساس في تجميع تلك الإمارات المتفرقة لتكوين الدولة الإتحادية واستعان بالكفاءات والخبرات السودانية في تصميم وتأسيس البنية التحتية للدولة في جميع المجالات فأبلوا بلاءا حسنا وما زال بعضهم يعيش شيخوخته هناك.
ولكن كل ذلك لا يمنع من حقيقة أن بريطانيا لعبت دورا مؤثرا في رسم الخارطة السياسية للجزيرة العربية وكان لها القدح المعلى في إزاحة حكام ودعم آخرين ومن كان يتم إزاحتهم كان يتم دعم الإزاحة بمختلف القصص والمبررات ، ولكن كل قصة لابد وأن يأتي يوما ما من يبرز لها تفاصيل جديدة خاصة ونحن في عصر ثورة المعلومات.
هل عدنا لعصر الشيخ شخبوط ؟
كان هذا أول سؤال تبادر لذهني وأنا أتلقى عبر الأسافير معلومات مقترح ومخطط العاصمة الإدارية الجديدة في أبودليق بسهل البطانة مكللا بكل ما يلزم من التفاصيل الرائعة الخلابة من شاكلة أن الفريق الذي أشرف على هذا المخطط سافر للبرازيل ونيجيريا وتعرف على تجاربهم في العواصم الجديدة مثل ساوباولو وأبوجا ، وحقيقة لم يقصروا وقاموا بالواجب ولا يسعنا بعد كل تلك الأسفار إلا أن نحمدل لهم السلامة.
أما تكلفة الثلاث مليارات المطلوبة للتنفيذ فقد قالت الصياغات الإحتفائية التضليلية للخبر أنها ليست مشكلة !!
والصياغات تضليلية ليست بمعنى أن الخبر برمته صحيح أو مفبرك ولكن لأنها تسعى لاستدراجنا لخانة الفرح الأهبل أو الإعتراض الأجوف على أن موقع أبودليق ليس مناسبا والأفضل منه مثلا تلك المنطقة في جبل عوينات أو غيرها ، ومثل تلك الإعتراضات المبرمجة التي يتم من خلالها الاستعاضة عن بناء مؤسسي للتخطيط والتشاور واتخاذ القرارات وغيرها من ضرورات الحكم الراشد.
حاكورة البطانة : وطالما أن الموضة حواكير فلا استبعد (بل هذا ما أرجوه) مع الأخبار الجديدة أن تنفض قبيلة الشكرية الغبار عن ذلك الصك الذي منحهم بموجبه سلطان سنار كامل سهل البطانة حاكورة لهم تمتد من النيل الأزرق حتى نهر عطبرة وأن تطلب موافقتها وتضع اشتراطاتها على تنفيذ المشروع فالحواكير ليست فقط في دارفور ، ولعل حقوق القبائل التاريخية تثبت لنا أنها ربما تكون وياللعجب حائط الصد الأخير.
#كمال_حامد ???? إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشیخ شخبوط
إقرأ أيضاً:
الضيف الذي غادر بيوتنا… وماذا بقي من البركة؟
وصلني مؤخرًا مقطع مؤثر لرجل يتحدث بحرقة عن كارثة خفية تسللت إلى بيوتنا دون أن نشعر. قالها بصدق، “بيوتنا بدأت تهدم وتُهجَر لأن الضيف لم يعد يزورها. صرنا نلتقي بأحبابنا في المقاهي والمطاعم بدلًا من أن نفتح لهم أبواب منازلنا، فغابت البركة، وتسللت الوحدة إلى الجدران.”
الرجل لا يشتكي غياب الضيوف فقط، بل يرثي لحال البيوت التي أصبحت بلا روح، بلا دفء، بلا ملائكة رحمة.
ولم يكن ذلك المشهد منفصلًا عن واقعنا؛ تذكرت صديقي الذي عرض عليّ التصميم الهندسي لمنزله الجديد. شرح كيف استغل المساحات بأفضل صورة، لكنه فجّر مفاجأة حين قال إنه ألغى الصالونات التقليدية تمامًا. فسّر ذلك ببساطة: “لم يعد أحد يزورنا، الصوالين التي رأيتها في كل البيوت التي سكنتها كانت مهجورة. نلتقي الجميع في الكوفي شوب!”
كلامه لم يكن غريبًا، بل انعكاسًا لما أصبح قاعدة جديدة في حياة الكثير منا. المقاهي والمطاعم تحولت من أماكن للترفيه إلى بدائل شبه دائمة لمجالس البيوت.
جميلة هي فكرة الخروج والترويح عن النفس، ولا ننكر بهجة الأماكن العامة وما تضيفه من تنويع للقاءات. لكنّ المصيبة أن هذه الأماكن استبدلت بمجالس البيوت الدافئة، حتى صرنا نخشى استقبال الضيف في منازلنا، ونتعلل بالخصوصية، أو ضيق الوقت، أو الحاجة إلى “تنسيق مسبق”.
كانت بيوتنا في الماضي عامرة بالضيوف، وكان صوت الجرس يعلن عن زيارة لا تحتاج إلى إذن أو ترتيبات مسبقة. فُتحت الأبواب، وامتلأت المجالس، وتسامرت الأرواح. كان الكرم يُقاس بالنية لا بالكلفة، والترحيب لا بالتكلف. وكانت أبسط ضيافة—قهوة، تمر، كلمة طيبة—كافية لتُبهج القلب وتحيي العلاقة.
أما اليوم، فتحوّلت الضيافة إلى ساحة منافسة، وعبء ثقيل. نخجل من دعوة الآخرين إن لم تكن الموائد متخمة، والديكور مصقولًا يليق بعدسات “الستوري”، وكأن القيمة في الشكل لا الجوهر. أصبحت الزيارات اختبارًا لقدرة المضيف على الإبهار، لا على الإكرام. حتى الضيف، صار يشعر بأنه ملزم بإحضار هدية باهظة أو حلوى فاخرة، خشية أن يُتهم بالتقصير أو عدم التقدير.
المطاعم التي كانت مجرد محطات للترفيه، باتت تحتضن أحاديثنا الخاصة، وأسرارنا العائلية. يقول الرجل في المقطع: “أصبح العاملون في المطاعم يعرفون أسرارنا.. من يغضب من أولاده، ومن يشتكي من زوجه، ومن يعيش ضيقًا لا يُحتمل.”
رحلت الخصوصية الحقيقية، ولم تأتِ بديلًا عنها إلا “خصوصية وهمية” نختبئ خلفها لنبرر هجرنا للبيوت والضيوف.
بكل صراحة، المشكلة ليست في الضيوف، بل فينا نحن. نحن من كبّل ثقافة الضيافة بمظاهر زائفة، وحوّلنا الزيارة من لقاء بسيط إلى استعراض اجتماعي. فقدنا القناعة بما نملك، وأصبحنا نخجل من استقبال الآخرين إلا إذا كان كل شيء “كاملاً”.
النتيجة؟ بيوت مغلقة، قلوب منعزلة، وجيل جديد لا يعرف ماذا يعني أن يفتح الباب على ضيف، أو أن يُقدَّم له القهوة من يد صاحب البيت لا من نادل في مقهى. جيل لم يذق دفء المجالس ولا صخب الأحاديث البسيطة، ولا لحظة الصمت التي تسبق الدعاء للضيف بظهر الغيب.
إن الضيافة، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، ليست عن المبالغة أو التفاخر، بل عن الإيمان. ففي الحديث الشريف: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه.”
اتمنى ان نعيد الحياة إلى بيوتنا، ونُعيد ثقافة الضيافة التي كانت جزءًا أصيلًا من هويتنا. ليس المطلوب دعوة فاخرة، بل دعوة صادقة. ليس المهم أن تُبهِر ضيفك، بل أن تُكرِمه. فبعض البركة لا تأتي إلا على أقدام الضيوف، وبعض القلوب لا تحيا إلا بصوت الجرس وهو يقرع معلنًا عن زائر كريم.
jebadr@