البلطجة السياسية في الحد من الأسلحة النووية
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
كلما هم المرء بالكتابة في قضية عامة وجد أحداثًا مروعة تشتعل من حوله، وتنعكس آثارها عليه بشكل مباشر بوصفه موجودًا بشريًّا أولًا، وبوصفه موجودًا يحيا في الجوار؛ في منطقة الشرق الأوسط المنكوبة التي تعيش أسوأ فترات تاريخها. فبينما لا تزال إسرائيل ترتكب يوميًّا المجازر المروعة ضد شعب فلسطين؛ تشن عدوانًا على إيران أدى إلى مزيد من اشتعال المنطقة من خلال الرد الإيراني المضاد.
معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أنشأتها لجنة برعاية الأمم المتحدة، وقعت عليها في البداية سنة 1968 ثماني عشرة دولة من بينها الدول النووية الخمس الكبرى، وهي: روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، وقد بلغ عدد الموقعين الآن 191 دولة. تدعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذه المعاهدة من خلال إجراء التحقيق بشأن التزام الدول ببنودها، وأهمها: الحد من انتشار الأسلحة النووية، ونزع السلاح النووي. ولكن بعضًا من قرارات هذه الوكالة كانت مسيسة، وأكثرها ظل بلا فاعلية أو تأثير. وهي مسيسة؛ لأنها تخضع للاستخدام والتوظيف من جانب القوى العظمى ذات النفوذ، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية؛ بحيث يتم التهديد باستخدام القوة بدعوى اختراق دولة ما للمعاهدة، والتغاضي عن استخدام هذه القوة بالنسبة إلى دول أخرى. ويصدق هذا عندما نتأمل ملابسات القرار الأخير للوكالة وما ترتب عليه؛ فخلال الفترة السابقة على عدوان إسرائيل كان رئيس الوكالة يصرح بأنه ليس هناك دليل يؤكد عدم سلمية المشروع النووي الإيراني، ولكن قبيل العدوان مباشرة صدر قرار الوكالة الذي صرح فيه بشكل أكثر صراحة بأن إيران غير ملتزمة باتفاقية منع الانتشار النووي. ومن الواضح أن ضغوطًا أمريكية مورست على الوكالة؛ لأن إسرائيل، بل الولايات المتحددة نفسها كانت تهدد بضرب إيران إن لم تخضع للتوقيع خلال ستين يومًا على اتفاق يحظر عليها تخصيب اليورانيوم إلا بشروطها! وقد جاءت الضربة من إسرائيل وبمباركة أمريكية معلنة. ثم لنا أن نتساءل: مَن الذي أعطى إسرائيل مشروعية توقيع العقاب على المخالفين للمعاهدة، مثلما حدث بضربها لإيران؟ ليست هناك أية مشروعية قانونية دولية؛ فهناك فقط تصريح من الدولة التي تقوم بدور «شرطي العالم» الإدارة الأمريكية إلى دولة الكيان التي تقوم بدور نائب هذا الشرطي في منطقة الشرق الأوسط.
لم يكن هذا هو الحال دائمًا؛ فبعض الدول دخلت سباق التسلح النووي مثل الهند وباكستان، ولم تلق عدوانًا مماثلًا، فهل الدول غير الموقعة على المعاهدة يحق لها التسلح النووي، وعدم الخضوع للتفتيش -وهو ما يعوق مهمة وكالة الطاقة الذرية-؟ ولماذا لا تتابع هذه الوكالة تنفيذ بنود المعاهدة فيما يتعلق بنزع أسلحة الدول النووية تدريجيًّا؟ أفلا يكون هذا مدعاة لانسحاب بعض الدول من هذه المعاهدة أو الاستهانة بها؛ ولذلك فإن كوريا الشمالية انسحبت من المعاهدة، وواصلت برنامجها النووي حتى أصبحت قوة مسلحة نووية، ومع ذلك فقد رضخت الولايات المتحدة للأمر الواقع، حتى إن ترامب نفسه قد زارها والتقى زعيمها. ولقد كان من المقرر أن تستأنف الولايات المتحدة التفاوض مع إيران في مسقط يوم الأحد من ذلك الأسبوع بشأن برنامجها النووي، وجاءت الضربة الإسرائيلية قبل ذلك بيومين وبعلم الولايات المتحدة وبدعم صريح ومعلن! وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المستهدَف كان جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات مهزومة منكسرة بحيث تُملَى عليها الشروط، وهذا ما يُعرف في لغة القانون بتوقيع «عقد إذعان»! ولكن خاب ظن إسرائيل وحليفها الأكبر؛ فقد ظهرت صلابة إيران وقدرتها على رد العدوان وتهديد الكيان الصهيوني في عقر داره. وعندئذ صرح ترامب بأن هذه الحرب ينبغي أن تنتهي، وجدد دعوته للمفاوضات! منتهى التناقض؛ لأن مَن هدد بالحرب ودعمها هو مَن يدعو إلى إنهائها! ولهذا ترفض إيران التفاوض إلا بعد استكمال ردها على العدوان، أي بعد أن تمتلك أوراق قوة في التفاوض. ولكن سيكون من الخطأ البالغ أن تُقدِم إيران على غلق مضيق هرمز؛ لأن هذا سيوقع ضررًا بالغًا على بلدان الخليج ومجمل الاقتصاد العالمي، ومن ثم سيعطي مشروعية قانونية للحرب عليها.
وعلى هذا كله؛ أرى أن الدوافع الحقيقية لهذه الحرب لا شأن لها بخرق معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإنما الحفاظ على إسرائيل باعتبارها القوة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط والذراع الطويلة للولايات المتحدة في المنطقة. وربما يدعونا هذا إلى التساؤل: لماذا لم تسع الدول العربية التي تشكل حزامًا جغرافيًّا يطوق إسرائيل إلى التحالف مع إيران وتركيا، لا بهدف العدوان على إسرائيل أو معاداتها، وإنما بهدف الشراكة والتعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية والعلمية؟ فمن شأن ذلك أن يخلق قوة موازية لإسرائيل يجعلها تُحجم عن أطماعها التوسعية والتفكير في حل جاد للدولتين، وتبنى سياسة العيش بسلام من دون عدوان. السياسة تقوم على خلق التوازنات التي تسمح بالتعايش والتفاوض عند الصراع. ولكننا لم نسع إلى خلق التوازنات في القوة؛ ولذلك فإن إسرائيل لا تزال تسعى إلى سياسة البلطجة والعدوان.
د. سعيد توفـيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحد من انتشار الأسلحة النوویة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الصين تخزن الرؤوس النووية بأسرع معدل في العالم وتصل الى 600 رأس نووي
يونيو 17, 2025آخر تحديث: يونيو 17, 2025
المستقلة/- تُنمّي الصين مخزونها من الرؤوس النووية بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى، وفقًا لبحث نُشر حديثًا.
وقدّر تقريرٌ نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) يوم الاثنين أن الصين تمتلك الآن ما لا يقل عن 600 رأس نووي، مع إضافة حوالي 100 رأس نووي سنويًا إلى مخزونها منذ عام 2023.
وفي مؤتمر صحفي دوري لوزارة الخارجية يوم الاثنين، رفض المتحدث باسم الوزارة، قوه جيا كون، التعليق على التقرير، لكنه قال: “لطالما التزمت الصين باستراتيجية الدفاع عن النفس النووية، وحافظت دائمًا على الحد الأدنى من قواتها النووية اللازم للأمن القومي، ولم تشارك في سباق التسلح”.
وأكد قوه أن الصين تلتزم بسياسة عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية في أي وقت، وأنها لن تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية.
وأضاف: “ستواصل الصين التزامها الراسخ بحماية مصالحها الأمنية المشروعة والحفاظ على السلام والاستقرار العالميين”.
بالمعدل الحالي للزيادة، قد تمتلك الصين 1500 رأس نووي بحلول عام 2035. وهذا يقارب ما تمتلكه روسيا والولايات المتحدة حاليًا من رؤوس حربية جاهزة للاستخدام في وقت قصير.
إن إجمالي مخزونات الأسلحة لدى روسيا والولايات المتحدة، والتي تشمل الأسلحة الجاهزة للاستخدام والرؤوس الحربية المُعلّقة، أكبر بكثير. ووفقًا لبحث معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تمتلك روسيا 5459 رأسًا حربيًا بينما تمتلك الولايات المتحدة 5177 رأسًا. وتمتلك الدولتان حوالي 90% من المخزون العالمي.
في العام الماضي، وافقت الولايات المتحدة على استراتيجية نووية جديدة تُركز على التهديد الصيني.
يُعتقد أن الصين تمتلك 24 رأسًا نوويًا مُثبتة بالفعل على صواريخ أو في قواعد تضم قوات عملياتية، مما يعني أنه يُمكن نشرها في وقت قصير جدًا.
وسّع شي جين بينغ، الزعيم الصيني، الترسانة النووية للبلاد بوتيرة أسرع من أي زعيم صيني آخر. جادل قادة سابقون، مثل دينغ شياو بينغ، بأن الصين لا تحتاج إلا إلى احتياطيات متواضعة لتكون رادعًا للخصوم المحتملين.
تُثير القدرات النووية الصينية قلقًا خاصًا لدى تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تدّعي الصين أنها جزء من أراضيها. وقد عزمت بكين على “توحيد” تايوان مع جمهورية الصين الشعبية، باستخدام القوة عند الضرورة. ويجادل باحثون صينيون بأن امتلاك رادع قوي، كالأسلحة النووية، يمكن أن يمنع أي طرف ثالث من التدخل في أي صراع. ويُعدّ خطر التدخل الأمريكي دعمًا لتايوان أحد العوامل التي تُبقي الحرب بعيدة المنال.
ولاحظ مؤلفو التقرير أن عدد الرؤوس الحربية التي تُفكّك سنويًا يتناقص، بينما تتسارع وتيرة نشر الأسلحة النووية الجديدة.
وقال هانز م. كريستنسن، الزميل المشارك في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: “إن عصر التخفيضات في عدد الأسلحة النووية في العالم، الذي استمر منذ نهاية الحرب الباردة، يقترب من نهايته”.
يجري بناء مئات من منشآت الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBM)، وهي صواريخ بعيدة المدى تُستخدم لحمل الأسلحة النووية، في حقول صحراوية شمال الصين. ووفقًا للتقرير، تضم ثلاث مناطق جبلية شرق الصين أيضًا صوامع صواريخ باليستية عابرة للقارات.