ليبيا.. من أين نبدأ؟ دعوة لبناء مجتمع قبل الدولة
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
في خضمّ الفوضى والانقسام والانتظار الطويل لحلول تأتي من الخارج أو لا تأتي، يطرح الليبي اليوم سؤالًا صعبًا وبسيطًا في آن: إلى أين نحن ذاهبون؟ وهل ما نعيشه قدرٌ لا مفر منه؟
الجواب يبدأ من الاعتراف، لا من التبرير. علينا أن نعترف بما نحن فيه: انقسام سياسي، انهيار في مؤسسات الدولة، تراجع في التعليم، تفكك اجتماعي، تفاقم الفساد، وتغوّل السلاح على الدولة والقانون.
لكن الاعتراف وحده لا يكفي، إن لم يكن مقرونًا بـ تقييم صادق لما مررنا به.
قراءة في المراحل الثلاث
عهد المملكة الليبية (1951–1969):
مرحلة تأسيس الدولة، حكم القانون، والاستقلال. لكن التنمية بقيت محدودة، وغياب المشاركة الشعبية أضعف البناء السياسي.
عهد سبتمبر (1969–2011):
مرحلة يُفترض أن تكون ذهبية من حيث الاستقرار والموارد، لكنها افتقرت للحريات الحقيقية الواعية. نعم، كانت هناك دولة، لكن تم تغييب المجتمع المدني، وتمحور الحكم في يد سلطة مركزية ألغت المؤسسات تدريجيًا.
قد يرى البعض أن هناك هامشًا للحرية من منظور “سلطة الشعب”، فيما يراه آخرون مجرد شعارات. ومع كل ذلك، فقد كانت هناك سيادة، مقارنة بما نعيشه من انفلات وفوضى بعد 2011، حيث ضاعت الحرية في ظل غياب الدولة وانتشار الفساد وظهور ممارسات غريبة.
مرحلة ما بعد فبراير (2011–اليوم):
تحرر سياسي شكلي، قاد إلى فوضى وانقسام، نتيجة غياب مشروع وطني موحد، وتدخلات خارجية، وصراع على السلطة والثروة.
كل مرحلة قدمت ما قدمت، وأخفقت فيما أخفقت. لكن من المسؤول؟
نحن جميعًا، بدرجات متفاوتة: من صمت، من شارك، من انتفع، ومن تواطأ.
هل ما حدث بعد 2011 كان طبيعيًا؟
لا يمكن تبرير الفوضى والانقسام باسم الثورة أو التغيير.
حتى لو وُجدت مظالم حقيقية، فإن ما حدث لاحقًا من دمار ونهب وقتل وتشريد لا يمكن اعتباره “ثمنًا طبيعيًا”، بل هو نتيجة غياب الوعي والبوصلة، وافتقاد القيادة الراشدة، وتضارب المصالح بين الداخل والخارج.
علينا أن نُميّز بين:
مصالح الخارج في ليبيا
ومصالحنا كليبيين
الخلط بينهما هو ما سمح باستمرار الأزمة.
سؤال اللحظة: هل نحن في الطريق الصحيح؟
بعد أكثر من عقد، هل نملك مشروعًا وطنيًا؟
أم أننا فقط نُراكم خيبات، ونتبادل الاتهامات؟
كيف نُطالب بدولة، ونحن لم نُؤسس مجتمعًا ناضجًا ومسؤولًا؟
ألسنا نحن من يُعيد إنتاج الفشل، بسبب ثقافة الشك، والتقليد، ورفض الاعتراف بالخطأ؟
الحقيقة القاسية: المشكلة فينا
نعم، المشكلة فينا، في كل واحد منا: في المواطن الذي يصمت عن الفساد، في النخب التي تهادن الانقسام، في المثقف الذي يلوذ بالصمت، في الإعلام الذي يُبرر ولا يُوجّه.
“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
من أين نبدأ؟
نبدأ من الاعتراف أولًا، ثم من المجتمع، قبل الدولة.
خطوات واقعية:
1. تشخيص صريح للمشكلة، بلا مواربة
2. حملة توعية وطنية عبر الإعلام والمدارس والجامعات
3. مصالحة مجتمعية قاعدية، بعيدًا عن النخب المتصارعة
4. مشروع وطني جامع، تتبناه شخصيات نزيهة وذات مصداقية
5. قيادة انتقالية راشدة، لا تحتكر القرار بل تقوده نحو الوفاق
ونظرًا لتغوّل التعصب القبلي والمناطقي والجهوي، نعتقد أنه ليس أمامنا سوى دعم العمل الحزبي الوطني، باعتباره الإطار القادر على تمثيل الجميع، بشرط أن يتكوّن من مختلف شرائح المجتمع، بعيدًا عن الإقصاء والتمحور حول الجهوية أو القبيلة.
كما أن وجود دستور جامع أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها، يضع الأساس القانوني لنظام ديمقراطي عادل، ويضمن الحقوق، ويحد من الانقسام.
دور التدخل الإقليمي والدولي: واقع وتأثير
لا يمكن الحديث عن الأزمة الليبية دون الاعتراف بأن التدخلات الإقليمية والدولية لعبت دورًا كبيرًا في تعقيد المشهد.
هذه التدخلات غالبًا ما جاءت بدوافع ومصالح خارجية، لا علاقة لها بخدمة الشعب الليبي، بل بأجندات سياسية واقتصادية وجيوسياسية.
الإقليمي: دول تتنافس على النفوذ، عبر دعم أطراف متنازعة.
الدولي: قوى كبرى تتصارع على النفط والموقع الجغرافي.
لكن رغم ذلك، لا يمكن تحميل كل شيء للخارج. التدخل الخارجي يستغل ضعفنا الداخلي، وانقسامنا، وتشرذمنا.
هل من قادوا التغيير ما زالوا قادرين على القيادة؟
نسأل اليوم:
هل الذين قادوا التغيير، ما زالوا يمثلون إرادة الشعب؟
أم أن بعضهم غرق في لعبة المصالح الشخصية والجهوية؟
هل يملكون رؤية وطنية قادرة على جمع الليبيين، أم يكرّرون أخطاء الماضي؟
القيادة الرشيدة هي حجر الأساس في أي مشروع نهضة.
في ظل الفوضى… كيف نلوم النظام السابق؟
لا يمكن تحميل النظام السابق وحده مسؤولية كل ما جرى.
رغم عيوبه، كان هناك حد أدنى من الدولة، مقارنةً بالفوضى الحالية.
الفوضى ليست فقط نتاج إسقاط النظام، بل هي نتيجة تراكمات داخلية، وانقسامات اجتماعية، وتدخلات خارجية.
النظام السابق جزء من التاريخ، أما المستقبل فهو مسؤولية كل الليبيين.
الخلاصة:
بناء الدولة يبدأ ببناء المجتمع.
والمجتمع لا يُبنى إلا بالوعي، والمصالحة، والإرادة.
لدينا الإمكانيات، ولدينا دروس الماضي، لكن ما ينقصنا هو القرار الجماعي بالانطلاق.
وفي ظل انتشار التعصب القبلي والمناطقي والجهوي، نؤمن بأن العمل الحزبي الوطني الحقيقي قد يكون أحد الحلول، إذا ما تكوّن من مختلف شرائح المجتمع، وتجاوز منطق الهيمنة والإقصاء.
كما لا يمكن بناء دولة دون دستور وطني جامع، يُعبّر عن إرادة الليبيين، ويضع الأساس القانوني لنظام ديمقراطي عادل، يكفل الحقوق ويمنع الانقسام.
فهل نملك الشجاعة لنبدأ من جديد؟
وهل نحن مستعدون لنقول: كفى؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
مجلس النواب يرفع جلسته العامة إلى غدا الإثنين
رفع المستشار الدكتور حنفي جبالي، أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب، على أن يعود للانعقاد غدا الإثنين، لمناقشة تقرير لجنة الخطة والموازنة عن مشروع الموازنة الجديدة.
وشهدت الجلسة العامة اليوم، الموافقة على مجموع مشروع القانون المقدم من الحكومة بإصدار قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها.
اقرأ أيضاًمجلس النواب يوافق من حيث المبدأ على قانون تنظيم ملكية الدولة
مجلس النواب يناقش الموازنة العامة للدولة 2025/2026 الأسبوع القادم