الهجوم الإسرائيلي على إيران .. الخيار شمشون!
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
قبل 48 ساعة من العودة إلى المفاوضات الأميركية الإيرانية في العاصمة العمانية مسقط، شنّت القوات الإسرائيلية أوسع وأعنف هجوم عسكري على المنشآت النووية ومراكز القيادة والسيطرة في إيران. نال الهجوم من قيادات عسكرية بارزة، بينها رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري، وعلماء كبار يشرفون على البرنامج النووي. لم يكن ذلك الهجوم بذاته مفاجئاً، فقد دأبت إسرائيل لسنوات طويلة على التحريض ضد المشروع النووي الإيراني، حتى تكون وحدها من يحتكر القوة النووية في الشرق الأوسط.
في عام 1991 أزاح الصحافي الاستقصائي الأميركي، سيمور هيرش، لأول مرة ستائر الكتمان عن الترسانة النووية الإسرائيلية، في كتابه «الخيار شمشون». عندما بدا أن العراق مضى خطوات واسعة تمهيدية في مشروعه النووي جرى قصفه يوم 7 حزيران 1981. في الوقت نفسه قبل القصف وبعده دأبت إسرائيل على اغتيال عدد كبير من العلماء العرب، أشهرهم العالم المصري الدكتور يحيى المشد. في الحالتين، العراقية والإيرانية، حرصت الولايات المتحدة على نفي أن تكون منخرطة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية. تابع هيرش الملف نفسه في تحقيقات نشرتها «نيويورك تايمز» و»نيويوركر» الأميركيتين.
كان أهم ما نشره: «الخطة السرية لوكالة الاستخبارات الأميركية للهجوم على إيران». في شباط 2007 تطرق إلى خطة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني لـ»قطع رقبة إيران». كان تقديره، في محاضرة ألقاها بالجامعة الأميركية بدعوة من «مؤسسة هيكل للصحافة العربية»، أن عدواناً وشيكاً على إيران قد يحدث في غضون الشهور القليلة المقبلة، كاشفاً عن أن (9) مليارات دولار من الأموال العراقية اختفت من أحد البنوك الأميركية لتمويل العملية العسكرية الوشيكة. غير أن ذلك لم يحدث وذهبت الحوادث باتجاه آخر.
وقعت اتفاقية بين إيران والولايات المتحدة عام (2015) تضمنت إجراءات تمنع خروج المشروع النووي عن طابعه السلمي، غير أن دونالد ترامب بولايته الأولى ألغاها بعد وقت قصير على دخوله البيت الأبيض؛ استجابة للضغوط الإسرائيلية وتخلصاً بذات الوقت من إرث سلفه باراك أوباما.
بنظرة تاريخية، فإن الهجوم الإسرائيلي نوع من العودة إلى الخيار شمشون، احتكار السلاح النووي ومنع أي دولة بالقوة المسلحة من امتلاكه؛ حتى تنفرد بقيادة المنطقة وإعادة هندسة الشرق الأوسط من جديد. وبنظرة إستراتيجية لم يكن ممكناً لإسرائيل أن تقدم على هذه الخطوة الخطرة ما لم يكن هناك ضوء أخضر أميركي، يوفر المعلومات الاستخباراتية والأسلحة والذخائر اللازمة لاختراق التحصينات حتى يمكن الوصول إلى هدفها الرئيس في تقويض المشروع النووي الإيراني. الأهم حماية الأجواء الإسرائيلية من أي رد فعل إيراني متوقع بالمسيّرات، أو بالصواريخ الباليستية. أي كلام ينفي الدور الأميركي محض دعايات.
ساهم ترامب في خداع الإيرانيين حتى تكون المفاجأة كاملة. في اليوم السابق مباشرة قال في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض: «لا أقول إن هجوماً إسرائيلياً وشيكاً، لكنه قوى ومحتمل». لم ينفِ ولم يؤكد. أريد بشدة تجنب الحرب مع إيران، لكن عليها أن تبدي مرونة في المفاوضات.
بدا أنه منفتح على المفاوضات، مؤكداً أننا قريبون من اتفاق جيد، فيما كان يعرف يقيناً أن هجوماً إسرائيلياً سوف يشن بعد ساعات. أخذ يلوّح بالفوائد المتوقعة من بناء علاقات تجارية مع طهران إذا ما أبدت استعداداً لتقبل شروطه في منع التخصيب النووي. بدا ذلك تلويحاً بـ»العصا والجزرة» قبل استئناف المفاوضات.
بالتوقيت نفسه، اتهم مجلس محافظي الهيئة الدولية للطاقة الذرية إيران بعدم الامتثال لمقتضى التزاماتها طبقاً لاتفاقية (2015)، التي تحللت منها كل الأطراف! وطلبت الإدارة الأميركية من مواطنيها وبعض دبلوماسييها في العراق المغادرة. بدا ذلك كله تمهيداً للعمل العسكري. رغم الاحتقانات المعلنة بين ترامب وبنيامين نتنياهو، إلا أن كليهما في حاجة ماسة إلى الآخر.
الأول، يطلب تجديد الثقة فيه من اللوبيات اليهودية وترميم صورته كـ»رجل قوي» أمام تزايد الاحتجاجات على سياساته في المجتمع الأميركي. إخفاقاته في ملفات عديدة تدخل في صميم اهتمامات المواطن الأميركي تكاد تقوض شعبيته وصورته، خاصة في ملفَي الرسوم الجمركية والصدامات في شوارع لوس أنجلوس ومدن أخرى من جراء سياساته الخشنة ضد المهاجرين.
والثاني، يطلب تجنب إطاحة حكومته على خلفية استمرار الحرب على غزة دون أفق سياسي بعمل عسكري ضد إيران يحظى تقليدياً بدعم الفرقاء الإسرائيليين أو أن تكون هذه الحرب بالذات صورة النصر التي يبحث عنها دون جدوى في غزة.
بعد الهجوم الإسرائيلي، نفى ترامب أي ضلوع فيه، لكنه لم يتردد في التأكيد على موقفه الأصلي.. منع إيران من الحصول على السلاح النووي.
صبيحة الهجوم، قال حرفياً: «لن نسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية، ونأمل أن تعود إلى المفاوضات في موعدها المقرر!»، ما معنى ذلك التصريح في سياقه وتوقيته؟ إنه طلب التوقيع على اتفاقية استسلام.
يكاد يكون شبه مستحيل أن تلبي طهران طلبه، المعنى بالضبط سقوط شرعية النظام وتفجير الوضع الداخلي. لا يملك الإيرانيون غير الرد بأقصى ما تطيقه قوّتهم، إنها مسألة وجود وهيبة وبقاء نظام. ما مدى الهجوم الإسرائيلي؟ وما حجم الرد الإيراني؟ هذان سؤالان جوهريان في الصراع على المنطقة ومستقبلها. إذا تقوّضت إيران، تبدأ على الفور الحقبة الإسرائيلية الخاسر الأكبر فيها العالم العربي.
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإيرانية البرنامج النووي إيران الاحتلال البرنامج النووي الهجوم الاسرائيلي مقالات مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهجوم الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
التصعيد الإيراني ـ الإسرائيلي يُفرمل الخروج الأميركي من أرض الرافدين
16 يونيو، 2025
بغداد/المسلة: ظهر مجددا ملف الوجود العسكري الأجنبي في العراق كعنوان رئيسي للنقاشات السياسية والأمنية، مع تصاعد التوترات الإقليمية بين طهران وتل أبيب، وإعلان خطط الانسحاب الأميركي التدريجي بحلول 2026.
ويُعرقل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل خطط الانسحاب الأميركي من العراق، مع تحوّل الساحة العراقية إلى جزء من معادلة الردع الإقليمي غير المعلنة.
ويُخشى في واشنطن من أن يؤدي الخروج المتسرع إلى فراغ تستغله القوى المعادية للولايات المتحدة أو خلايا التنظيمات المتطرفة.
ويُعيد التوتر الإقليمي ترتيب أولويات الإدارة الأميركية، التي باتت تفضل البقاء الاستخباري واللوجستي المؤقت كضمانة لاستقرار هش في المنطقة.
ويُراقب العراق هذه التحولات بقلق، مدركًا أن أمنه الداخلي بات رهينًا لصراعات لا تُدار من بغداد، لكنه يسعى لتثبيت معادلة السيادة المشروطة.
وأكد مسؤولون عراقيون أن القوات العراقية باتت على درجة عالية من الجهوزية، معززة بتدريبات نوعية وتكنولوجيا متقدمة، مستفيدة من الدعم الأميركي والأوروبي الذي استمر لقرابة عقدين.
وانتقد نواب في البرلمان ما وصفوه بـ”العرقلة المقصودة” لتزويد العراق بمنظومات دفاع جوي متطورة، لافتين إلى أن واشنطن لم توافق حتى الآن على بيع منظومات “باتريوت” أو “ناسامز”، رغم الطلبات الرسمية المتكررة منذ 2019.
وشددت التصريحات الحكومية على أن الخطة المعلنة تستهدف انسحابا منظما لا يُحدث فراغا أمنيا، فيما كشفت مصادر غربية أن عدد القوات الأميركية في العراق لا يزال يتراوح بين 2,500 و2,700 جندي، يتركزون في قواعد عسكرية ضمن مهمة التحالف الدولي.
وأفاد دبلوماسيون أن واشنطن تسعى لإعادة تموضع قواتها في المنطقة من خلال تعزيز الحضور الاستخباري واللوجستي في أربيل، دون التورط مجددا في عمليات ميدانية، في وقت تشهد فيه سوريا انسحابا تدريجيا لقوات التحالف، مع الحفاظ على وجود رمزي في التنف ودير الزور.
وأشار نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي إلى أن الاتفاقية الإطارية الموقعة مع واشنطن عام 2008 ما زالت تمثل الأساس القانوني لأي وجود عسكري أميركي، محذرا من أن أي وجود خارج هذا الإطار سيكون موضع رفض سياسي وشعبي واسع.
ورأى مراقبون أن الانسحاب الكامل يبدو مؤجلا بفعل التطورات الإقليمية، خصوصا بعد التصعيد الأخير في غزة، الذي دفع الإدارة الأميركية إلى مراجعة خياراتها في الشرق الأوسط، وسط ضغوط داخلية تطالب بتقليص الانخراط الخارجي.
وأكد خبراء عسكريون أن العراق بات يعتمد على قواته المسلحة بدرجة كبيرة، مشيرين إلى أن جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة الذهبية والشرطة الاتحادية تواصل تنفيذ عمليات نوعية ضد فلول تنظيم داعش، الذي خسر نحو 95% من قدراته منذ عام 2017 بحسب تقارير استخباراتية محلية.
وأظهرت بيانات وزارة الدفاع العراقية أن البلاد نفذت أكثر من 400 غارة جوية ضد أهداف إرهابية خلال عام 2024، باستخدام طائرات “إف-16″ و”سكان إيغل” المسيرة، في إطار استراتيجية أمنية داخلية متكاملة تعتمد على الجهد الاستخباري المحلي.
وانطلقت مباحثات عراقية أوروبية جديدة مطلع 2025 حول اتفاقيات تعاون ثنائي في مجالات الدفاع والصناعات العسكرية، تشمل برامج تدريب وتبادل خبرات وتحديث منظومات التسليح، في ظل رغبة بغداد في تقليل الاعتماد على حلف الناتو دون خسارة الدعم الفني اللازم.
وأجمع محللون سياسيون على أن مستقبل الشراكة الأمنية مع الغرب بات رهن معادلة دقيقة: تعزيز السيادة من جهة، والحفاظ على الاستقرار عبر تنسيق أمني غير قتالي من جهة أخرى، خصوصا في ظل ملفات إقليمية مفتوحة مثل سوريا واليمن ولبنان.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts