واشنطن- يقترب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اتخاذ قرار السياسة الخارجية الأكثر أهمية خلال فترتي رئاسته السابقة والحالية، والمتمثل فيما إذا كان سيحاول توجيه ضربة قاضية ضد البرنامج النووي الإيراني.

ويُعتقد على نطاق كبير أن ترامب قد يدخل الحرب قريبا لقصف منشأة فوردو، في حين نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الجيش مستمر في نقل مقاتلات إلى الشرق الأوسط.

وقال مسؤول أميركي إن هذه العمليات تشمل طائرات مقاتلات "إف-16" و"إف-22″ و"إف-35"، كما أن قاذفات "بي-52" الموجودة في قاعدة "دييغو غارسيا" بالمحيط الهندي توفر خيارات حاسمة في حال فشل الدبلوماسية مع إيران.

مخاوف

وفي الوقت ذاته، ترسل إسرائيل إشارات واضحة -بما في ذلك من خلال أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ مثل ليندسي غراهام السيناتور الجمهوري من ولاية ساوث كارولينا والمقرب من ترامب، وغيره- بأنها تأمل أن تنضم واشنطن في أسرع وقت ممكن إلى شن الهجمات معها ضد إيران، وأن تستخدم إمكانياتها العسكرية الفريدة لتدمير المجمع النووي الإيراني في منطقة جبل فوردو المدفون في أعماق الأرض.

بالمقابل، عبر عدد من الخبراء -تحدثت إليهم الجزيرة نت- عن مخاوف من جر بلادهم إلى مستنقع حرب جديدة في الشرق الأوسط لا يُعرف كيف ولا متى ستنتهي.

وتفاقم الشعور بين الأميركيين بخطورة دور بلادهم في العدوان الإسرائيلي المستمر على إيران مع قرار ترامب مغادرة قمة مجموعة الدول السبع فجأة أمس الثلاثاء من غرب كندا قبل يوم من الموعد المحدد سابقا.

وقال "يجب أن أعود مبكرا لأسباب واضحة، إنهم يفهمون هنا ذلك، هناك أشياء كبيرة تحدث".

وقبل ساعات أنهى ترامب اجتماعه بكبار مستشاريه في غرفة العمليات لتقييم مستوى التدخل الأميركي في الصراع الإسرائيلي الإيراني، وذلك بمشاركة عدد من كبار المسؤولين، منهم وزير الخارجية ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه دي فانس ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين.

إعلان

وقبل الاجتماع غرد ترامب على منصته تروث سوشيال قائلا "نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى في إيران، هو هدف سهل ولن نقضي عليه على الأقل في الوقت الحالي".

وأضاف "صبرنا ينفد، لا نريد استهداف جنودنا، لدينا الآن سيطرة كاملة وشاملة على سماء إيران"، في إشارة إلى ما سمي التفوق الإسرائيلي الجوي منذ بداية القصف، وطالب طهران بالاستسلام غير المشروط.

انخراط أميركي

وأيا كان ما يقرره فإن ترامب سوف يطلق عواقب ستكون محورية لمستقبل إيران ولأمن إسرائيل والشرق الأوسط الأوسع وقوة الولايات المتحدة ونفوذها.

ولا يستطيع أن يعرف أحد ما إذا كان الهجوم الأميركي المتوقع على جبل فوردو سينجح أو ما إذا كان سيذهب بواشنطن إلى صراع طويل الأمد.

تاريخيا، رفض ترامب تورط بلاده في حروب لا تنتهي في الشرق الأوسط، وانتقد كثيرا المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري بسبب الدفع في هذا الاتجاه بعد تجربتي العراق وأفغانستان.

ولم تستهدف إيران حتى الآن القواعد أو الأفراد الأميركيين مباشرة، ولم توسع الصراع مثلا من خلال ملاحقة الشحن البحري في مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى موجات صدمة اقتصادية عالمية.

وقد يكون هذا علامة على أنها تريد تجنب المبادرة وإظهار العداء لترامب، لكن من المتفق عليه أنه في حين أن إسرائيل قادرة على تأخير البرنامج النووي الإيراني فإن الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على تدميره.

بدوره، قال جودت بهجت خبير الشؤون الإيرانية والمحاضر في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون للجزيرة نت إن واشنطن منخرطة بالفعل بشكل كبير في الحرب بين إيران وإسرائيل، حيث صرح ترامب بأنه كان على علم مسبقا بالهجوم.

وأضاف أن الولايات المتحدة تشارك في حماية إسرائيل من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، كما تستخدم تل أبيب أسلحة أميركية متطورة لقصف إيران.

وبرأيه، إذا هاجمت إيران القواعد العسكرية الأميركية في الخليج فسيصبح التدخل الأميركي أكثر علنية، وفي الوقت ذاته لا يمكن استبعاد أن تختلق إسرائيل هجوما على قنصلية أو سفارة أو قاعدة عسكرية أميركية، وأن تتهم طهران بالوقوف وراءه من أجل إقناع واشنطن بشكل أكبر.

انتقادات

من جانبه، دعا مجلس تحرير صحيفة وول ستريت جورنال القريبة فكريا من الحزب الجمهوري ومن ترامب إلى التدخل "لإنجاز المهمة التي لا يمكن لإسرائيل حسمها، وهي القضاء على اليورانيوم المخصب في فوردو، والذي يكفي لإنتاج قنابل عدة".

وذكرت الصحيفة أن "مكمن الخطر في أنه إذا احتفظت إيران بالوقود النووي الذي قامت بالفعل بتخصيبه بشكل كبير، بالإضافة إلى أجهزة الطرد المركزي لتخصيب المزيد فقد تنطلق البلاد لصنع قنبلة نووية".

وأشارت إلى أن "هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه لواشنطن أن تتدخل، حيث تفتقر إسرائيل إلى القنابل المخترقة للتحصينات العميقة والقاذفات الثقيلة لإيصالها، والتي يمكن أن تلحق المزيد من الضرر بالمواقع المدفونة".

وفي مواجهة الانتقادات لتدخّل متوقع من الولايات المتحدة في العدوان على إيران من تيار "أميركا أولا" بالحزب الجمهوري يقول ترامب "بالنظر إلى أنني الشخص الذي طوّر أميركا أولا، وبالنظر إلى أن المصطلح لم يتم استخدامه حتى جئت أعتقد أنني الشخص الذي يقرر معنى ذلك".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف الحرب الثقافية على متاحف واشنطن

في خضم توتر متصاعد بين إدارة الرئيس دونالد ترامب ومؤسسات ثقافية أميركية، أكد المتحف الوطني للتاريخ الأميركي في واشنطن أن إدارة ترامب لم تمارس أي ضغوط مباشرة لإزالة لوحة تشير إلى إجراءات عزل الرئيس خلال ولايته الأولى.

وفي منشور عبر منصة "إكس"، أكدت مؤسسة "سميثسونيان"، التي تضم أبرز المتاحف في العاصمة، أنه "لم تطلب منا الإدارة ولا أي مسؤول حكومي سحب محتوى من المعرض".

ويعود الجدل إلى قسم "الرئاسة الأميركية: عبء مجيد" الذي افتُتح عام 2000، حيث أضيفت منذ سبتمبر/أيلول 2021 لوحة تذكارية توثق محاولتي عزل ترامب. وتعود المحاولة الأولى إلى ديسمبر/كانون الأول 2019 بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، أما الثانية فكانت في يناير/كانون الثاني 2021 بتهمة التحريض على التمرد عقب اقتحام مؤيديه مبنى الكابيتول. وقد برّأ مجلس الشيوخ ترامب في الحالتين.

وأوضحت "سميثسونيان" أن اللوحة التي أُزيلت كانت مخصصة للعرض "مؤقتا" في الأساس، وأنها "لم تكن تلبّي معايير المتحف من ناحية الشكل والموقع والتسلسل الزمني"، مضيفة أنها كانت تحجب الرؤية عن قطع أخرى معروضة. وأشار المتحف إلى أن هذا القسم "سيخضع للتحديث خلال الأسابيع المقبلة ليعكس كل إجراءات العزل" التي شهدتها الرئاسة الأميركية، من ضمنها تلك التي طالت أندرو جونسون (1868) وبيل كلينتون (1998)، وريتشارد نيكسون الذي استقال عام 1974 قبل أن يواجهها.

لكن صحيفة "واشنطن بوست"، التي كشفت المسألة، أشارت إلى أن هذا التغيير كان جزءا من مراجعة للمحتوى أجرتها المؤسسة بعد ضغوط من البيت الأبيض، الذي سبق له أن حاول إقالة مديرة المعرض الوطني للفنون قبل أن تستقيل في يونيو/حزيران.

"تطهير ثقافي" أم استعادة للتاريخ؟

ويأتي هذا الجدل في سياق أوسع من التوتر الذي تشهده مؤسسة "سميثسونيان"، التي باتت هدفا للرئيس ترامب وجهوده الرامية إلى إعادة صياغة الثقافة والتاريخ الأميركيين وفق رؤيته الخاصة التي تنتقد ما يسميه "الأيديولوجيا المثيرة للانقسام".

إعلان

ففي مارس/آذار الماضي، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا يهدف إلى استعادة السيطرة على محتوى متاحف "سميثسونيان"، متهما إياها بـ"التحريف التاريخي" وممارسة "التلقين الأيديولوجي" العنصري. ويسعى الأمر التنفيذي، بحسب نصه، إلى "تطهير" المؤسسة من الأفكار التي يعدّها "مناهضة لأميركا"، بما في ذلك التوجهات التي تعزز التنوع العرقي والثقافي، وتلك التي تناهض العنصرية وتناصر حقوق مجتمع الميم، وهي توجهات تجذرت في برامج المتاحف خلال السنوات الأخيرة.

ووجه ترامب انتقادات مباشرة لعدد من متاحف المؤسسة، من بينها المتحف الوطني لتاريخ الأميركيين الأفارقة وثقافتهم، متهما إياه باتباع "أيديولوجيا ضارة". ووصل الأمر إلى حد الإشارة إلى "حديقة الحيوانات الوطنية" باعتبارها قد تحتاج هي الأخرى إلى "تطهير" من محتوى غير ملائم.

"إعلان حرب" على رواية التاريخ

أثارت هذه الإجراءات ردود فعل غاضبة من الأكاديميين والناشطين، الذين رأوا فيها محاولة لطمس التاريخ الحقيقي للولايات المتحدة والعودة إلى سردية أحادية تتجاهل معاناة فئات كاملة من المجتمع.

وقال ديفيد بلايت، رئيس منظمة المؤرخين الأميركيين وأستاذ التاريخ في جامعة ييل، إن الأمر التنفيذي "إعلان حرب"، واصفا ما يحدث بأنه "تبجّح شائن" من قبل الإدارة التي تسعى لفرض تصورها الخاص لما يجب أن يكون عليه التاريخ، "كأنها الجهة الوحيدة المخوّلة بتحديد سردية البلاد".

من جهتها، رأت مارغاريت هوانغ، رئيسة مركز "ساذرن بوفرتي لوو سنتر"، أن خطوة ترامب تمثّل "محاولة فاضحة لمحو التاريخ"، مضيفة أن "تاريخ السود هو تاريخ الولايات المتحدة، وتاريخ النساء هو تاريخها. وهذا التاريخ، رغم ما فيه من بشاعة، هو أيضا رائع ويستحق أن يُروى بالكامل".

ويحذر روبرت ماكوي، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية واشنطن، من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى استقالات جماعية في صفوف القائمين على المؤسسة، وتقويض رسالتها التي تقوم على تمثيل كل أطياف المجتمع. ويضيف: "حين نفقد هذه المساحة المشتركة، نبدأ في تهميش كثير من المجموعات. وهذه المؤسسات لا تنقل التاريخ فقط، بل تمنح الناس إحساسا بالمعنى والانتماء".

ويبدو أن ما هو على المحك يتجاوز مصير لوحة في متحف، إنه، كما يصفه ديفيد بلايت، "الحق في رواية القصة الأميركية كما هي، بكل تعقيداتها وتناقضاتها وإنجازاتها وإخفاقاتها. وحين تُصادر هذه القصة، نفقد شيئا جوهريا من هويتنا الجماعية".

مقالات مشابهة

  • إيران.. إنشاء مجلس أمني جديد بعد الحرب مع إسرائيل
  • برئاسة بزشكيان.. إيران تشكل مجلسًا دفاعيًا بعد الحرب مع إسرائيل
  • جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف الحرب الثقافية على متاحف واشنطن
  • لأول مرة.. سلاح الردع الأمريكي مهدد بالنفاد بسبب إسرائيل
  • ظريف يقترح آلية إقليمية موسعة لإنهاء المخاوف من برنامج إيران النووي
  • بروك تايلور تدعي: أمريكا تبذل جهودًا مكثفة للتهدئة.. وحماس تتحمل مسؤولية شلال الدم بـ غزة
  • ويتكوف: حماس منفتحة على التخلي عن سلاحها.. ونتنياهو ملزم بإنهاء الحرب
  • ضربة تقضي على النووي .. مخاوف من عودة الحرب بين إيران و إسرائيل
  • وزير الخارجية الأمريكي يبحث مع نظيرته الكندية الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط
  • عبد المنعم سعيد: حل الدولتين يجعل إسرائيل سنغافورة في الشرق الأوسط