في خضم توتر متصاعد بين إدارة الرئيس دونالد ترامب ومؤسسات ثقافية أميركية، أكد المتحف الوطني للتاريخ الأميركي في واشنطن أن إدارة ترامب لم تمارس أي ضغوط مباشرة لإزالة لوحة تشير إلى إجراءات عزل الرئيس خلال ولايته الأولى.

وفي منشور عبر منصة "إكس"، أكدت مؤسسة "سميثسونيان"، التي تضم أبرز المتاحف في العاصمة، أنه "لم تطلب منا الإدارة ولا أي مسؤول حكومي سحب محتوى من المعرض".

ويعود الجدل إلى قسم "الرئاسة الأميركية: عبء مجيد" الذي افتُتح عام 2000، حيث أضيفت منذ سبتمبر/أيلول 2021 لوحة تذكارية توثق محاولتي عزل ترامب. وتعود المحاولة الأولى إلى ديسمبر/كانون الأول 2019 بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، أما الثانية فكانت في يناير/كانون الثاني 2021 بتهمة التحريض على التمرد عقب اقتحام مؤيديه مبنى الكابيتول. وقد برّأ مجلس الشيوخ ترامب في الحالتين.

وأوضحت "سميثسونيان" أن اللوحة التي أُزيلت كانت مخصصة للعرض "مؤقتا" في الأساس، وأنها "لم تكن تلبّي معايير المتحف من ناحية الشكل والموقع والتسلسل الزمني"، مضيفة أنها كانت تحجب الرؤية عن قطع أخرى معروضة. وأشار المتحف إلى أن هذا القسم "سيخضع للتحديث خلال الأسابيع المقبلة ليعكس كل إجراءات العزل" التي شهدتها الرئاسة الأميركية، من ضمنها تلك التي طالت أندرو جونسون (1868) وبيل كلينتون (1998)، وريتشارد نيكسون الذي استقال عام 1974 قبل أن يواجهها.

لكن صحيفة "واشنطن بوست"، التي كشفت المسألة، أشارت إلى أن هذا التغيير كان جزءا من مراجعة للمحتوى أجرتها المؤسسة بعد ضغوط من البيت الأبيض، الذي سبق له أن حاول إقالة مديرة المعرض الوطني للفنون قبل أن تستقيل في يونيو/حزيران.

"تطهير ثقافي" أم استعادة للتاريخ؟

ويأتي هذا الجدل في سياق أوسع من التوتر الذي تشهده مؤسسة "سميثسونيان"، التي باتت هدفا للرئيس ترامب وجهوده الرامية إلى إعادة صياغة الثقافة والتاريخ الأميركيين وفق رؤيته الخاصة التي تنتقد ما يسميه "الأيديولوجيا المثيرة للانقسام".

إعلان

ففي مارس/آذار الماضي، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا يهدف إلى استعادة السيطرة على محتوى متاحف "سميثسونيان"، متهما إياها بـ"التحريف التاريخي" وممارسة "التلقين الأيديولوجي" العنصري. ويسعى الأمر التنفيذي، بحسب نصه، إلى "تطهير" المؤسسة من الأفكار التي يعدّها "مناهضة لأميركا"، بما في ذلك التوجهات التي تعزز التنوع العرقي والثقافي، وتلك التي تناهض العنصرية وتناصر حقوق مجتمع الميم، وهي توجهات تجذرت في برامج المتاحف خلال السنوات الأخيرة.

ووجه ترامب انتقادات مباشرة لعدد من متاحف المؤسسة، من بينها المتحف الوطني لتاريخ الأميركيين الأفارقة وثقافتهم، متهما إياه باتباع "أيديولوجيا ضارة". ووصل الأمر إلى حد الإشارة إلى "حديقة الحيوانات الوطنية" باعتبارها قد تحتاج هي الأخرى إلى "تطهير" من محتوى غير ملائم.

"إعلان حرب" على رواية التاريخ

أثارت هذه الإجراءات ردود فعل غاضبة من الأكاديميين والناشطين، الذين رأوا فيها محاولة لطمس التاريخ الحقيقي للولايات المتحدة والعودة إلى سردية أحادية تتجاهل معاناة فئات كاملة من المجتمع.

وقال ديفيد بلايت، رئيس منظمة المؤرخين الأميركيين وأستاذ التاريخ في جامعة ييل، إن الأمر التنفيذي "إعلان حرب"، واصفا ما يحدث بأنه "تبجّح شائن" من قبل الإدارة التي تسعى لفرض تصورها الخاص لما يجب أن يكون عليه التاريخ، "كأنها الجهة الوحيدة المخوّلة بتحديد سردية البلاد".

من جهتها، رأت مارغاريت هوانغ، رئيسة مركز "ساذرن بوفرتي لوو سنتر"، أن خطوة ترامب تمثّل "محاولة فاضحة لمحو التاريخ"، مضيفة أن "تاريخ السود هو تاريخ الولايات المتحدة، وتاريخ النساء هو تاريخها. وهذا التاريخ، رغم ما فيه من بشاعة، هو أيضا رائع ويستحق أن يُروى بالكامل".

ويحذر روبرت ماكوي، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية واشنطن، من أن هذه السياسة قد تؤدي إلى استقالات جماعية في صفوف القائمين على المؤسسة، وتقويض رسالتها التي تقوم على تمثيل كل أطياف المجتمع. ويضيف: "حين نفقد هذه المساحة المشتركة، نبدأ في تهميش كثير من المجموعات. وهذه المؤسسات لا تنقل التاريخ فقط، بل تمنح الناس إحساسا بالمعنى والانتماء".

ويبدو أن ما هو على المحك يتجاوز مصير لوحة في متحف، إنه، كما يصفه ديفيد بلايت، "الحق في رواية القصة الأميركية كما هي، بكل تعقيداتها وتناقضاتها وإنجازاتها وإخفاقاتها. وحين تُصادر هذه القصة، نفقد شيئا جوهريا من هويتنا الجماعية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

اتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب..ما مصير غزة؟

 

 

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إن إدارته تسعى لضمان حصول سكان قطاع غزة على الغذاء، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويأتي ذلك بالتزامن مع تقارير إعلامية تحدثت عن اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على ما يسمى "مبادئ الحل" في غزة.

وأكد ترامب أن الولايات المتحدة قدمت 60 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في غزة قبل أسبوعين، لكنه لا يرى أثرًا ملموسًا لتلك المساعدات، مضيفًا أن "من الضروري أن يحصل الناس في القطاع على الطعام".

ونقلت شبكة "ABC" الأميركية عن مسؤول في حكومة الاحتلال أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الذي يزور الاحتلال الإسرائيلي حاليًا، توصل إلى تفاهم مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن مبادئ تتضمن وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، ونزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالإضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر.

وفي السياق نفسه، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن ترامب يُتوقع أن يوافق اليوم على "خطة جديدة للمساعدات الإنسانية" إلى غزة، بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.

من جانبه، وصل وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى تل أبيب قادمًا من القدس لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين بشأن ما وصفه بـ"تخفيف معاناة سكان غزة"، وسط ضغوط أوروبية متزايدة لإنهاء الحرب.

وعلى الأرض، تتصاعد مظاهر الغضب داخل الكيان الإسرائيلي، حيث تظاهر عشرات من ضباط الجيش والأمن السابقين أمام وزارة الدفاع مطالبين بوقف الحرب، فيما دعا ذوو الأسرى الإسرائيليين الولايات المتحدة إلى الضغط على نتنياهو لإبرام صفقة تبادل شاملة.

كما فرقت الشرطة الإسرائيلية مظاهرة في تل أبيب نظّمها ناشطون يطالبون بوقف سياسة التجويع في غزة، وسط تصاعد الغضب الشعبي من إدارة الحرب.

وفي ظل استمرار تدهور الأوضاع، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن موجة الجوع في القطاع لا يمكن كبحها دون "زيادة هائلة في حجم المساعدات"، في وقت لا تدخل فيه إلى غزة إلا أعداد ضئيلة من الشاحنات مقارنة بالاحتياج الفعلي.

وقال المكتب الحكومي في غزة إن 104 شاحنات مساعدات دخلت أمس، لكن غالبيتها تعرضت للنهب نتيجة فوضى أمنية ممنهجة، متهما الاحتلال بممارسة سياسة "هندسة الفوضى والتجويع" لتفكيك البنية المجتمعية، في ظل حاجة القطاع لأكثر من 600 شاحنة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية.

وأكد المكتب أن "جريمة الفوضى والتجويع" التي تطال أكثر من 2.4 مليون إنسان، بينهم 1.1 مليون طفل، هي جزء من الإبادة الجماعية المتواصلة بدعم أميركي مباشر، محمّلاً الاحتلال والدول الداعمة له المسؤولية الكاملة عن استمرار الكارثة.

وبحسب أرقام رسمية ، أسفرت الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن أكثر من 207 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن عشرات الآلاف من المفقودين والنازحين، في ظل دمار شامل ومجاعة تُعد الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.


© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند اتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب..ما مصير غزة؟ طريقة تحضير مسحوق الهوجيتشا بديل الماتشا الجديد أدعية أول جمعة من الشهر الجديد كلمات حزينة عن أول جمعة بعد وفاة الأب دعاء في أول جمعة لأبي المتوفي Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • صحيفة أمريكية تُكذب ترامب وتكشف بالأرقام حقيقة أموال المساعدات التي أُرسلت لسكان غزة: ما يُنشر غير صحيح
  • الليلة التي خاف فيها ترامب.. تقرير عبري يكشف كيف أرعبت صنعاء حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”؟
  • ميدفيديف يفتح أدراج الحرب ويذكّر ترامب بـ”اليد الميتة”
  • الحكومة: الحوثيون يجنون من قطع التبغ الذي سيطروا عليه نصف مليار دولار سنوياً
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • اتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب..ما مصير غزة؟
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • واشنطن: ترامب يريد اتفاق سلام في أوكرانيا قبل 8 أغسطس