الرائحة في القصة القصيرة جلسة حوارية في النادي الثقافي
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
أقام النادي الثقافي جلسة حوارية بعنوان "الرائحة في القصة القصيرة"، شارك فيها كل من د. محمد الشحات، والكاتب سعيد الحاتمي، والناقدة د. إبتسام الحجرية، وأدراتها الكاتبة سارة المسعودية، وقدمت الجلسة قراءات وتحليلات لتجليات الرائحة في النصوص القصصية العمانية، ودورها بوصفها محفزا سرديا، وعنصرا ذا حمولة جمالية وفلسفية وثقافية.
وقال الدكتور محمد الشحات: إن معالجة القصة القصيرة تقتضي وعيا بخصوصية هذا النوع المكثف، بخلاف السرد الروائي الممتد، مشيرا إلى وجود قصص عمانية لكتاب مثل: بشرى خلفان ويحيى سلام والخطاب المزروعي وسعيد الحاتمي وآخرين تنطلق من "الرائحة" كثيمة مركزية. وأضاف: "السؤال الأهم هو: كيف يتم تمثيل الرائحة في الشكل السردي؟ وكيف يُوظف هذا التمثيل؟".
أما الدكتورة إبتسام الحجرية، فتساءلت عن حضور الرائحة في القصة القصيرة العمانية، واستشهدت بنص منى السليمية "بلاليط أمي ميمونة"؛ حيث حضرت الرائحة ذهنيا لدى المتلقي، كما تناولت قصة "الرائحة الأخيرة" للمزروعي التي يتحدث فيها البطل عن دشداشة أهدتها له أمه، لافتة إلى أن "الرائحة من أكثر الحواس ارتباطا بالذاكرة".
وأشار الكاتب سعيد الحاتمي إلى أن الرائحة كُتبت كثيمة أساسية، متصورا -مما قرأه- أن الرائحة في القصة العمانية أكثر حضورا مقارنة بغيرها إقليميا، ويعود ذلك إلى الخلفية الثقافية للإنسان العماني، إضافة إلى أنها تعد من أقوى الحواس من الناحية البيولوجية. وقال: إن الأدب العماني تناول الرائحة على مستويات عدة، إما كمكوّن تكميلي أو كمكوّن رئيسي تتقاطع حوله بقية عناصر السرد.
الرائحة وتجربة القارئ
وعاد الشحات إلى سؤال "كيف تُحسن الرائحة من تجربة القارئ في القصة القصيرة؟"، رابطا ذلك بالتراث العربي، وقصة قميص يوسف الذي شمّه يعقوب، مشيرا إلى أن الرائحة قد تعمل كمحفّز سردي يُحرك الحبكة، أو تمثيلا ثقافيا لحالة ما، ولا يجب أن نتوقف عند الجانب الجمالي فقط، فهي أيضا ذات حمولة فلسفية. وأضاف: "حتى في مستوى الحيوانات، تعد الرائحة وسيلة تواصل جسدي وفسيولوجي وعاطفي".
وتطرق الشحات إلى رواية "العطر"، مشيرا إلى أن الهوس الإنساني بالرائحة ارتبط بفكرة الخلود؛ حيث ظن البطل أنه إذا استطاع تقطير روائح الأجساد وتحويلها إلى سائل، فقد يتجاوز الزمن والفناء. أما في مدونة القصة في عُمان، استشهد الشحات بقصة سعيد الحاتمي "رائحة لم ينتبه لها أحد"، التي تدور في فضاء مرفأ بيروت دون تسميته، وتحكي عن فتاة تعمل في مكتب محاسبة ويأتيها مرتادون ببزات عسكرية، فتقيم معهم علاقات تترك خلفها روائح، فتتفاعل الفتاة معها بالقبول أو النفور.
كما تناول الشحات قصة بشرى خلفان "رائحة لا تشبه أحدا"، والتي ترتبط فيها الرائحة بجهة الزوج الذي يحاول استعادة علاقة حميمة، فترتبط كل عودة برائحة جديدة، لتغدو الرائحة أداة تعرية للنفس البشرية. وقال إن القصة تنثر بذرة شك في قلب الزوج بعد ولادة طفلة بعينين خضراوين، فينقلب موقفه من الجذب إلى النفور، ويصبح البيت -بوصفه مكانا حميما- منفرا.
تفعيل النص السردي بالرائحة
ورأت الحجرية أن الرائحة قد تكون عنصرا من عناصر التشويق والإيحاء، واستشهدت بقصة ليحيى سلام، التي تحكي عن شابين آسيويين يسكنان عمان، فتُصاب الراوية بالحساسية كلما اقتربت من أحدهما، وهو ما يشي بتحميل الرائحة دلالة صحية ونفسية. كما أشارت إلى قصة "الرائحة الأخيرة"؛ حيث الأم تحاول الاعتذار عن خطيئة قديمة عبر الرائحة.
ورأى الحاتمي أن للرائحة أهمية في نقل الشخصيات والمكان، وهي أداة سردية تستدعي الذاكرة والحنين. وقال: "عندما يتواصل القارئ جيدا مع النص، فإن جزءا مهما من فهمه يتوقف على إدراكه للرائحة"، مشيرا إلى أن أغلب السرديات الحديثة ترتبط بالرائحة والذاكرة، وارتباطها هذا هو ارتباط بالهوية.
وتوقف الشحات عند مجموعة "حليب التفاح"، قائلاً إن قصة "الحسناء والقناع" فيها تركيز على الرائحة بوصفها عاملا من عوامل نمو الشخصية، مشبها حضور الرائحة بتكون البذور ورائحة الطفل حديث الولادة.
وأضافت الحجرية: إن الذاكرة ذات طبقات؛ منها ما هو فردي ومنها الجمعي، وقد نبدأ من الجمعية حتى نتمرد ونبني ذاكرتنا الخاصة. أما الحاتمي، فأشار إلى أن الرائحة هي أقرب محفّزات الذاكرة، ولهذا استخدمتها النصوص العمانية لاستدعاء الحنين، مؤكدا أنه "لا يمكن التعميم، فبعض النصوص استخدمتها بوعي محكم، وأخرى بوصفها أداة سردية غير أساسية".
وتطرقت الحجرية إلى مفهوم "الهوية الشمية"، مشيرة إلى أن اللبان مثلا يختلف في دلالته من كاتب لآخر، فبينما كان يحمل قدسية، قد لا يحمل ذاتها اليوم. واستشهدت بنص أحمد الحجري في "الرقص مع السراب"؛ حيث البطلة تصف رحلتها إلى المدرسة واصفة كل ما يصطف في طريقها من أشجار ونباتات، وقالت عنها: "قصة تزكم أنفك برائحة كل هذه النباتات".
وأشار الشحات إلى أن جميع الحواس لها ذاكرة، وليس الشم فقط، لكن تفعيل النص السردي بالرائحة يرتبط بعمر الذات وتجربتها. وأشار إلى قصة "الرائحة" لعبدالعزيز الفارسي، عن مهندس كندي يصنع جهازا ينقل الروائح عبر الشاشات، اسمه "سميل ون"، ثم "سميل تو"، ثم "سميل ثري"، قبل أن تقع كوارث.
وأكد أن علينا الانتقال من اعتبار الرائحة مكونا للسرد إلى كونها "ذاكرة شعب وثقافة"، موضحا أن علاقتها بالتنصت والتجسس والتلصص واضحة في الأدب العالمي، لا سيما الأدب البوليسي، مشيرا إلى أن الموضوع يحتاج إلى دراسات ثقافية معمقة.
دلالات وتحولات
وخلص الحاتمي إلى أن دلالات الرائحة تتغير مع الزمن، مستعرضا اختلاف استخدامها بين الكاتبات والكتاب؛ إذ تلجأ الكاتبات إلى روائح الصابون والورد وبودرة الأطفال، في حين يستخدمها بعض الكتاب بروائح العرق والبارود والمجاري. وقال إن استخدامها تطور من شكل مباشر في الثمانينات إلى أن أصبحت أداة سردية رئيسة.
واختتمت الحجرية بالتمييز بين "الرائحة الحسية المباشرة" و"الرائحة المجازية"، مشيرة إلى أن الأنف قد يرمز إلى الصدق أو الكذب، وأن الاستخدام المجازي حاضر في القصة العمانية، خاصة عند تناول مواضيع مسكوت عنها.
أما الشحات، فنوّه بوجود فجوة بين ثراء المعجم الشمي العربي وبين استثماره في القصة، قائلا: "المهم أن نرصد التحولات في التعامل مع الرائحة كثيمة، وهل هي مرتبطة بسياقات اجتماعية وأيديولوجية؟ وهل تختلف باختلاف الجندر؟"، مشيرا إلى أن هوية البيت العماني تشتم من رائحته، وأن هذه الهوية عنصر مهم للبحث في بنية المجتمع والنص السردي معا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی القصة القصیرة مشیرا إلى أن
إقرأ أيضاً:
توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدا غدا
تحتفل أكاديمية الفنون ومهرجان VS-Film للأفلام القصيرة جدا في تمام الساعة السادسة مساء غدا الأربعاء بقاعة الدكتور ثروت عكاشة بمقر الأكاديمية بالهرم بتوزيع جوائز النسخة الثانية من مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدا بحضور الدكتورة غادة جبارة رئيس الأكاديمية والفنانة الكبيرة إلهام شاهين رئيس شرف المهرجان والدكتور وليد شوشة عميد المعهد العالي للنقد الفني وأساتذة وعمداء معاهد الأكاديمية .
تكرم الأكاديمية والمهرجان علي هامش الإحتفالية كل من الكاتب الكبير محمد سلماوي والناقدة الكبيرة ماجدة موريس والدكتور عبد الله بانخر أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز .
أكدت الدكتورة غادة جبارة علي أن المسابقة الهدف منها تقديم دراسات بحثية ومقالات تسهم في ترسيخ صناعة حقيقية للأفلام القصيرة جدا وفي نفس الوقت تجديد دماء النقد السينمائي بأسماء شابة وواعدة من الدارسين والباحثين والهواة من المحبين لفن السينما .
وقالت : نعتز بالشراكة مع مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا في هذه المسابقة النوعية والجديدة من نوعها في المنطقة العربية وعاما بعد أخر سوف تقدم إلي الساحة النقدية أسماء جديدة نحتاج إليها في هذه النوعية من الأفلام التي أصبحت سمة العصر الحالي ونري إنها سينما المستقبل .
من جانبه قالت الفنانة الكبيرة إلهام شاهين رئيس شرف المهرجان : أن المهرجان أخذ علي عاتقه منذ إنطلاقه علي الإهتمام بكافة التفاصيل المتعلقة بصناعة الفيلم القصير جدا ونفتخر بإطلاق هذه المسابقة النوعية التي تهتم بالكتابات النقدية والتحليلية للأفلام القصيرة جدا
موضحة أن المسابقة ستشهد تطويرا وتجديدا علي مدار الدورات المقبلة سواء من حيث عدد الجوائز الممنوحة أو قيمتها المادية لتشجيع عدد أكبر من المهتمين بالشأن السينمائي العربي علي المشاركة لفتح أفاق جديدة حول الفيلم القصير جدا .
بدوره أشار الدكتور أسامة أبونار رئيس المهرجان إلي نجاح المسابقة في تجاوز الحدود منذ إنطلاقتها الأولي بالمشاركات العربية الكبيرة التي حظيت بها العام الماضي .
لافتا إلي أن حجم المشاركات هذا العام تضاعف مرات عديدة وهو مايؤكد أن الساحة السينمائية تحتاج إلي مثل هذه المسابقة لأن صناعة السينما تعتمد علي عوامل كثيرة منها النقد والدراسة والتحليل لإنهم المؤشر الحقيقي لتطوير الصناعة وتحديثها .
ومن ناحيته ذكر الأستاذ زياد باسمير المدير التنفيذي للمهرجان أن المسابقة حققت صدي عربي كبير أسهم في تنوع الكتابات والدراسات النقدية حول الأفلام القصيرة جدا سواء كانت عربية أم أجنبية .
وأوضح أن إدارة المهرجان تدرس التوسع في المسابقة وتحديثها بدءا من العدورة الثالثة بهدف فتح مجالات أوسع أمام المهتمين بفنون السينما من دارسين وباحثين وجمهور أيضا للكتابة حول الأفلام القصيرة جدا
ولفت إلي أن إطلاق أسماء 4 من كبار النقاد الراحلين مثل سمير فريد وسامي السلاموني وعلي أبوشادي وإيريس نظمي هو نوع من التكريم لأسمائهم الخالدة وعرفانا بدورهم في إرساء قواعد راسخة للنقد السينمائي في المنطقة العربية