هم من بنوا أمجاد الأمم، وسطروا قصص الكفاح والنجاح، وهم الجذور التي نرتوي منها الحكمة والتجارب، فكبار السن في مجتمعاتنا ليسوا مجرد أرقام تُضاف إلى تعداد السكان، بل هم قامات شامخة، ومصدر للعطاء اللامتناهي، وحلقة وصلبين الأمس واليوم، إنهم الذاكرة الحية التي تحفظ تاريخنا، والأيادي التي زرعت الخير، والقلوب التي لم تتوقف عن الحب.

وفي خضم صخب الحياة، قد تتوارى قيمة هؤلاء الشيوخ، لتُصبح حياتهم عرضة لأشكال من الإساءة تُدمي القلب وتُجرح الكرامة، واليوم، في الخامس عشر من يونيو، يقف العالم وقفة إجلال وتأمل في “اليوم العالمي للتوعية بإساءة معاملة المسنين”، مُعلناً رفضه القاطع لكل أشكال العنف والمعاناة التي قد تطال آباءنا وأجدادنا.

صمتٌ مؤلم.. حين تُهان الكرامة

إن إساءة معاملة كبار السن، التي تُعرف أيضًا بإيذاء المسنين، ليست مجرد حدث عابر، بل هي جرح عميق ينزف في صميم العلاقات المبنية على الثقة. قد تكون هذه الإساءة فعلًا مباشرًا، أو إهمالًا مقصودًا، أو حتى تقصيرًا في تقديم الرعاية الواجبة، وكلها تترك أثرًا بالغًا من الضرر والألم. إنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، تتخذ أشكالًا متعددة من الأذى الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي، وصولًا إلى الاستغلال المالي والإهمال والتجاهل الذي يهدر كرامة المسن واحترامه.

هذا اليوم، الخامس عشر من يونيو، هو اللحظة التي يصدح فيها العالم كله بالرفض لتلك المعاناة، إنه تذكير بأن العنف ضد كبار السن لا يقتصر على الضرب أو الأذى الجسدي الظاهر، بل يتسع ليشمل الابتزاز العاطفي الذي يهز الكيان، والضغوط المادية التي تسلب الطمأنينة، والإيذاء النفسي الذي يترك ندوبًا لا تندمل.

أرقام تكشف المستور

الواقع المرير يكشف عن أرقام مفزعة؛ فشخص واحد من كل ستة أشخاص ممن تجاوزوا الستين عامًا قد تعرض لشكل من أشكال الإساءة في بيئته المجتمعية خلال العام الماضي، وتزداد الصورة قتامة داخل المؤسسات المتخصصة كدور التمريض ومرافق الرعاية طويلة الأجل، حيث اعترف اثنان من كل ثلاثة موظفين بارتكابهم شكلاً من أشكال الإساءة في العام الماضي – بحسب الأمم المتحدة – .

ولم تكن جائحة كوفيد-19 إلا عاملًا إضافيًا لتفاقم هذه الأزمة الإنسانية. فالعزل والقيود المفروضة خلقت بيئة مواتية لارتفاع معدلات إساءة المعاملة، وتجلى ذلك في تسجيل 82% من وفيات الجائحة بين من تجاوزوا الستين عامًا، مما يكشف عن هشاشة هذه الفئة وأهمية حمايتها.

دعوة لبناء حصن الأمان

ومع ذلك تؤكد الأمم المتحدة أن العالم سيشهد تزايدًا في حالات إساءة معاملة كبار السن في السنوات القادمة، وذلك لسبب بسيط وحتمي، وهو أن أعدادهم تتزايد بسرعة هائلة، حيث سيتضاعف عدد سكان العالم ممن بلغوا الستين عامًا فما فوق، من 900 مليون نسمة في عام 2015 إلى نحو ملياري نسمة بحلول عام 2050، وفي ذلك الوقت، سيكون شخص واحد من كل ستة أشخاص في العالم قد تجاوز 65 عامًا.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لزيادة الوعي بهذه القضية، فإن الفجوة بين ما يجب أن يكون وما هو كائن لا تزال واسعة. كثير من البلدان تفتقر إلى البيانات الدقيقة، ويعاني العاملون في مرافق الرعاية من نقص في الأعداد والتأهيل، مما يزيد من المخاطر المحدقة بالمسنين.

وفي هذا اليوم العالمي، نسلط الضوء بشكل خاص على الانتهاكات التي يتعرض لها كبار السن في مرافق الرعاية طويلة الأمد، فمع ازدياد اعتماد المجتمعات على هذا النمط من الرعاية، يقع على عاتقنا واجب أخلاقي وإنساني صون كرامة المسنين وسلامتهم وحقوقهم، فإنهم يستحقون بيئة آمنة تُحافظ على إنسانيتهم وتحفظ لهم احترامهم عندما تخور قواهم.

واجبٌ إنساني.. مسؤولية مجتمعية

إن الأذى الذي يتعرض له كبار السن لا يقتصر على الجسد، بل يخلف ندوبًا نفسية قد تمتد لسنوات طويلة، ومع تسارع وتيرة الشيخوخة في العالم، يُتوقع أن تتضاعف معدلات الإساءة في غياب استجابات فعالة وحلول جذرية.

إن حماية كبار السن هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الحكومات والمؤسسات والأفراد، فيجب أن نعمل معًا لبناء مجتمعات تُقدر وتحترم كبارها، وتوفر لهم الحماية والدعم الذي يستحقونه، فكرامتهم هي كرامتنا، وسلامتهم هي مؤشر على رقي حضارتنا.

محمد الحيدر – جريدة الرياض

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: کبار السن أشکال ا

إقرأ أيضاً:

إيطاليا تطلق مشروع بناء أطول جسر معلق في العالم بأزيد من 13 مليار أورو

أعطت لجنة وزارية إيطالية الضوء الأخضر النهائي لمشروع بقيمة 13,5 مليار أورو لبناء أطول جسر معلق في العالم يربط جزيرة صقلية بالبر الرئيسي.

وقال نائب رئيس الوزراء ووزير البنية التحتية، ماتيو سالفيني، خلال الاجتماع، « سيكون هذا أطول جسر معلق في العالم »، مضيفا أن هذا المشروع « يشكل محفزا للتنمية ».

وسيكون الجسر معلقا بين دعامتين قائمتين يصل ارتفاع كل واحدة منهما إلى 400 متر، وستمتد المسافة بينهما إلى 3,3 كيلومترا.

وأكدت الحكومة الإيطالية أن هذا المشروع، الذي من المتوقع أن يكتمل بحلول العام 2032، يمثل إنجازا تقنيا قادرا على مقاومة الرياح العاتية والزلازل في منطقة تربط بين صفيحتين تكتونيتين.

كما تأمل الحكومة أن يساهم هذا الجسر المعلق في تحقيق نمو اقتصادي، وتوفير فرص عمل لمنطقتي صقلية وكالابريا.

وحصل تحالف (يورولينك)، الذي تقوده المجموعة الإيطالية (ويبيلد)، على عقد تنفيذ المشروع في العام 2006، لكن هذا العقد ألغي بعد أزمة الديون في منطقة الأورو. ومع ذلك، ما يزال التحالف هو المقاول المسؤول عن المشروع بعد إعادة إطلاقه.

 

 

كلمات دلالية اكبر العالم ايطاليا بناء تشييد جسر

مقالات مشابهة

  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ
  • مستشارة اجتماعية: مشاركة كبار السن بأعمال تطوعية تسهم بنقل خبراتهم للأجيال
  • كلام من قلق
  • شقة بديلة لكل مستأجر.. كبار السن محصنين بإنهاء مشروط لعقود الإيجار القديم
  • إيطاليا تطلق مشروع بناء أطول جسر معلق في العالم بأزيد من 13 مليار أورو
  • الحسيني: مصر الدولة الأولى في العالم التي تمتلك دستور دواء
  • الأمم المتحدة:السودان يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم
  • رئيس مجلس السيادة يتفقد “ذاكرة السودان الحضارية”.. ويصدر توجيهات عاجلة
  • رسالة دكتوراة بطب الأزهر تناقش استخدام الموجات فوق الصوتية كمؤشر للتنبؤ بانخفاض ضغط الدم قبل التخدير الكلي في المرضى كبار السن