بين تصعيد محسوب وردود أفعال مدروسة، يقف المشهد العسكري بين إسرائيل وإيران على حافة مواجهة معقدة تتشابك فيها الحسابات السياسية بالمعادلات العسكرية، ورغم الخطابات المتشددة، إلا أن كلا الطرفين يدرك حدود المواجهة وحدود المغامرة، كما يرى اللواء الدكتور سمير فرج، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية، الذي يقدم قراءة تحليلية تميل لإبراز صعود الأداء الإيراني في هذا الصراع المتعدد الأبعاد.

يبدأ اللواء سمير فرج تحليله بالتأكيد أن إسرائيل رغم تنفيذها لبعض الضربات الجوية داخل العمق الإيراني أو في مناطق نفوذ طهران الإقليمية، إلا أنها في واقع الأمر أصبحت عاجزة عن منع إيران من تثبيت أقدامها كقوة إقليمية وازنة ويقول "تل أبيب تدرك أن هامش المناورة أصبح أضيق بكثير من السابق، فإيران باتت تمتلك شبكة نفوذ واسعة تمتد من اليمن إلى لبنان مرورًا بالعراق وسوريا، وأي ضربة مباشرة لمراكز الثقل الإيرانية قد تشعل حربًا إقليمية شاملة ليست إسرائيل مستعدة لتحمل تكلفتها ".

ويضيف أن إسرائيل حاولت خلال السنوات الماضية استخدام سياسة "الضربات الجراحية" التي تستهدف منشآت معينة، لكنها لم تستطع أن توقف المشروع الصاروخي الإيراني أو تطور منظومات الطائرات المسيرة المتقدمة التي باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لتفوق إسرائيل الجوي التقليدي.

حتى في عمق الأراضي الإيرانية، اعتمدت إسرائيل على عمليات استخباراتية نوعية، لكن إيران أظهرت قدرة كبيرة على امتصاص الضربات والتكيف معها بل وتطوير منظومتها العسكرية بعدها، وذلك على حد وصفه.

ويرى اللواء فرج أن إيران نجحت خلال العقد الأخير في بناء ما يسميه بـ "معادلة الردع غير المتكافئ"، موضحًا "إيران لا تحتاج لخوض مواجهة تقليدية مع إسرائيل؛ فهي تعلم أن ساحة الاشتباك المفتوح ليست في صالحها أمام تفوق السلاح الجوي الإسرائيلي والدعم الأمريكي، لكنها في المقابل نجحت في بناء بيئة أمنية إقليمية محيطة بإسرائيل من خلال حلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بحيث أصبحت إسرائيل مهددة في جبهات متعددة يصعب عليها التحكم الكامل فيها ".

ويتابع اللواء فرج بأن إيران تدير هذا الصراع بعقلية "طول النفس"، مستفيدة من شبكة وكلائها الذين يمنحونها القدرة على الضغط المستمر على إسرائيل دون أن تتحمل طهران مباشرة كلفة المواجهة. ويضيف "الهجمات عبر الحوثيين في البحر الأحمر، وعمليات حزب الله في الحدود اللبنانية، والمناوشات في سوريا، كلها أوراق ضغط سياسية وعسكرية في يد طهران تستخدمها بحسابات دقيقة ".

وينتقل اللواء فرج إلى ساحة الحرب السيبرانية، التي يعتبرها من أبرز مظاهر توازن القوى الجديد بين الطرفين، فيقول  "رغم التفوق الإسرائيلي التكنولوجي التقليدي، أثبتت إيران قدرتها على تطوير هجمات سيبرانية معقدة طالت البنية التحتية الإسرائيلية من شبكات المياه والكهرباء وحتى المصارف، بل وتهديد منظومات الدفاع الجوي الذكية، وهو ما أجبر إسرائيل على تعزيز دفاعاتها السيبرانية بشكل غير مسبوق ".

وفي المقابل يوضح أن إسرائيل، رغم تنفيذها هجمات إلكترونية مثل الهجوم الشهير على منشأة "نطنز"، إلا أن القدرات الإيرانية تزداد تطورًا بمرور الوقت، ويقول "إيران باتت تمتلك خبرات واسعة في الدفاع والهجوم الإلكتروني، مستفيدة من شراكات استراتيجية مع قوى كبرى مثل روسيا والصين."

ويعتبر اللواء فرج أن ساحة الخليج تظل من أخطر ساحات المواجهة المحتملة، لكنه يرى أن إيران نجحت في تحويل مضيق هرمز إلى ورقة استراتيجية تمثل كابحًا أمام اندلاع حرب شاملة، حيث يوضح "مجرد تهديد إيران بغلق المضيق أو استهداف الملاحة الدولية يرفع تكلفة أي عمل عسكري ضدها بشكل فوري، وهو ما يضع ضغوطًا مباشرة على أسواق الطاقة العالمية والاقتصاد الدولي كله."

وفيما يخص الدور الأمريكي، يلفت اللواء فرج إلى أن الولايات المتحدة ورغم تحالفها الوثيق مع إسرائيل، باتت أكثر حذرًا من الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إيران بعد تجاربها في العراق وأفغانستان، ويضيف  "واشنطن تدرك أن أي مواجهة مفتوحة مع إيران قد تفجر المنطقة بأكملها وتخلق بيئة استراتيجية أكثر تعقيدًا مما تواجهه حاليًا في صراعها مع الصين وروسيا، لذلك تحاول قدر الإمكان حصر دورها في الدعم اللوجستي والمخابراتي لإسرائيل مع ترك مسافة فاصلة عن الحرب المباشرة ".

وفي ختام تحليله، يضع اللواء فرج السيناريو الأخطر أمام صناع القرار، وهو تحول الصراع المحدود إلى مواجهة إقليمية كبرى بفعل خطأ في الحسابات، ويقول  "إذا فقد أحد الأطراف السيطرة على أعصابه السياسية أو وقعت عملية خاطئة غير محسوبة، فقد نجد أنفسنا أمام حرب شاملة تمتد من لبنان إلى الخليج، ومن اليمن إلى سوريا والعراق، مع دخول قوى دولية كبرى إما بشكل مباشر أو غير مباشر في مسارات الأزمة ".

ويختم اللواء الدكتور سمير فرج قراءته قائلًا "المشهد بين إيران وإسرائيل اليوم يُدار بمنطق التوازنات الدقيقة، لكن لا يمكن تجاهل أن إيران باتت لاعبًا إقليميًا يمتلك أوراقًا متعددة تمنحه عمقًا استراتيجيًا كبيرًا وقدرة على التأثير في معادلات المنطقة بصورة فاعلة، أما إسرائيل  فهي في موقع دفاعي أكثر من أي وقت مضى رغم كل ما تملكه من تفوق عسكري تقليدي، والمرحلة القادمة ستظل مرشحة لمزيد من التعقيد وربما لمفاجآت غير متوقعة".

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: اللواء سمير فرج الطائرات حرب شاملة الحسابات اندلاع حرب العراق وسوريا مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية مستشار الأكاديمية العسكرية دكتور سمير فرج اللواء فرج سمیر فرج أن إیران

إقرأ أيضاً:

في مواجهة حاسمة بكأس آسيا 2025.. ســــلة العنـابي تـواجه كـوريا الجنــوبية

يستعد منتخب قطر لكرة السلة لخوض مواجهة مصيرية ضد نظيره الكوري الجنوبي في الجولة الثانية من منافسات المجموعة الأولى من النسخة الحادية والثلاثين من بطولة كأس آسيا 2025، والتي تشهد مشاركة 16 منتخبًا آسيويًا في البطولة التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة السلة «FIBA Asia» خلال الفترة من 5 حتى 17 أغسطس الجاري في المملكة العربية السعودية.
اللقاء المرتقب اليوم عند الساعة الحادية عشرة صباحًا على صالة مدينة الملك عبدالله الرياضية «الجوهرة»، ويُعد نقطة فاصلة في تحديد مصير الفريقين نحو التأهل إلى الأدوار النهائية.
ويدخل «منتخب قطر» الذي سبق له تحقيق المركز الثالث في نسختي 2003 و2005، اللقاء بعد خسارته بفارق ضئيل أمام منتخب لبنان بنتيجة 80-84، في افتتاح مبارياته. 
وفي المقابل، يدخل منتخب كوريا الجنوبية المباراة بعد بداية صعبة في البطولة، حيث تعرض لهزيمة ثقيلة أمام أستراليا بنتيجة 97-61، إذ فرض الأستراليون سيطرتهم منذ البداية بقيادة النجم جاك ماكفاي الذي أبدع في الرميات البعيدة وساهم في حسم المباراة لصالح فريقه بسهولة. 
تأتي هذه المواجهة الصعبة في ظل امتلاك أستراليا ولبنان نقطتين في صدارة المجموعة، ثم قطر وكوريا الجنوبية برصيد نقطة واحدة، ما يجعل كل مباراة حاسمة جدًا في الصراع على المراكز الثلاثة الأولى المؤهلة.
ومن المقرر أن يختتم منتخب قطر مبارياته في دور المجموعات بمواجهة منتخب أستراليا في الساعة الحادية عشرة صباح السبت.ويشرف على تدريب منتخب قطر المدير الفني التركي هاكان ديمير، ويعاونه كل من جنكيز كاراداج، عبدو سو، أتيلا يابجير، ومحمد فورال. ويتولى الجوانب الإدارية السيد جاسم إبراهيم أشكناني كمدير للمنتخب، ونبيل جمعة كمساعد إداري، فيما يقود الجهاز الطبي الدكتور عادل سليم والدكتور عادل هورميا، إضافة إلى أخصائي العلاج الطبيعي نيكاسيو ساجاينو.
ويضم منتخب قطر في قائمته 12 لاعبًا هم: براندون جودوين، ألين هادزيبيغوفيتش، سيدو نداي، زين الدين بدري، تايلر هاريس، ألادجي ماجاسا، عمر سعد، مصطفى نداو، محمد بشير، بابكر ديانج، عبدالرحمن سعد، ومحمود درويش.
ويُعد الفوز في هذه المباراة خطوة مهمة في طريق المنتخب القطري نحو التأهل المباشر أو ضمان المشاركة في مباريات التصفيات الإقصائية المؤهلة إلى ربع النهائي، خاصة مع وجود نظام يمنح أصحاب المركز الأول مباشرة تأشيرة العبور، فيما يخوض أصحاب المركزين الثاني والثالث مباريات «كروس» إقصائية.

قطر عنابي السلة كأس آسيا 2025

مقالات مشابهة

  • في مواجهة حاسمة بكأس آسيا 2025.. ســــلة العنـابي تـواجه كـوريا الجنــوبية
  • نجم الزمالك السابق: التحديات كثيرة أمام فيريرا.. لكن الأدوات متاحة
  • إيران تعلن دعمها لحزب الله في مواجهة نزع السلاح
  • إيران تدعم حزب الله في مواجهة خطة تجريده من سلاحه
  • إيران تدعم قرارات حزب الله في مواجهة خطة الحكومة اللبنانية لنزع السلاح
  • مجلة عسكرية بلجيكية: صواريخ اليمن غيّرت معادلة الردع الاقليمي
  • ميسي يغيب عن إنتر ميامي في مواجهة بوماس المكسيكي
  • إيران تعدم شخصا مدانا بالتجسس لصالح إسرائيل
  • التحقيق مع زوجين تخلصا من رضيعهما خوفًا من الفضيحة
  • مسؤول أممي: شاهدتُ فظائع كثيرة كمسؤول إغاثة في غزة وإسرائيل تُحاول إسكاتنا