مسؤول أممي: شاهدتُ فظائع كثيرة كمسؤول إغاثة في غزة وإسرائيل تُحاول إسكاتنا
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، لرئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جوناثان ويتال، وصف فيه الحال في قطاع غزة، من مستشفيات مدمرة، ومقابر جماعية، وجثث تنهشها الكلاب في الشوارع. ويقول إنه بعد أن تكلّم علنا، اكتشف أن تأشيرته لن تُجدد.
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "غزة تعيش حصارا خانقا على مدى 22 شهرا، ولم يُسمح لها بالتنفس إلا بعد أن رضخت السلطات الإسرائيلية للضغوط السياسية من جهات أقوى نفوذا من القانون الدولي نفسه.
وأضاف ويتال: "أشارك في تنسيق الجهود الإنسانية في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأيا كانت المساعدات المنقذة للحياة التي دخلت منذ ذلك الحين، فقد كانت الاستثناء لا القاعدة. بعد مرور أكثر من عام على أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل، لمنع أعمال الإبادة الجماعية".
وتابع: "رغم جميع تحذيراتنا ما زلنا نشهد المجاعة، ونقصا في المياه، وأزمة صرف صحي، ونظاما صحيا متهالكا، في ظل عنف مستمر يُسفر عن مقتل عشرات الفلسطينيين يوميا، بمن فيهم الأطفال"
وأبرز: "نظرا لعجزنا عن تغيير هذا الوضع، لجأنا نحن العاملين في المجال الإنساني لاستخدام أصواتنا، إلى جانب أصوات الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بكل شيء، لوصف الظروف المروعة واللاإنسانية في غزة. إن التحدث علنا، كما أفعل الآن، في مواجهة معاناة متعمدة يمكن الوقاية منها، هو جزء من دورنا في تعزيز احترام القانون الدولي".
وأورد: "لكن القيام بذلك له ثمن. فبعد أن عقدتُ مؤتمرا صحفيا في غزة في 22 حزيران/ يونيو، وصفتُ فيه كيف تُطلق النار على المدنيين الجائعين أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء؛ وهو ما أسميته "ظروفا خُلقت للقتل"، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي في منشور على منصة "إكس" أن تأشيرتي لن تُجدد".
"تابع المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن الأمر معلنا أنه يجب علي المغادرة بحلول 29 تموز/ يوليو" أردف المسؤول الأممي، مسترسلا: "هذا الإسكات جزء من نمط أوسع. تواجه المنظمات غير الحكومية الدولية متطلبات تسجيل أكثر تقييدا، بما في ذلك بنود تحظر بعض الانتقادات لإسرائيل. المنظمات غير الحكومية الفلسطينية التي تواصل، رغم كل الصعاب، إنقاذ الأرواح يوميا تُقطع عنها الموارد التي تحتاجها للعمل".
وأضاف: "وكالات الأمم المتحدة تُمنح بشكل متزايد تأشيرات لستة أو ثلاثة أو شهر واحد فقط بناء على ما إذا كانت تُعتبر "جيدة أو سيئة أو قبيحة". استُهدفت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) من خلال التشريعات، ومُنع موظفوها الدوليون من الدخول، وتعرضت عملياتها للخنق تدريجيا".
وأبرز: "لا يمكن لهذه الأعمال الانتقامية أن تمحو الواقع الذي شهدناه، يوما بعد يوم، ليس فقط في غزة بل في الضفة الغربية أيضا. ما لاحظته هناك يبدو مختلفا عما يحدث في غزة، لكن هناك هدفا واحدا: قطع التواصل الجغرافي وإجبار الفلسطينيين على العيش في جيوب متقلصة باستمرار"، متابعا: "يُجبر الفلسطينيون في الضفة الغربية يوميا على النزوح والاحتواء: يُجبرون على الخروج من المناطق التي تتوسع فيها المستوطنات بعنف المستوطنين وعمليات الهدم، ويُحاصرون بشبكة من القيود على الحركة في مناطق سكنية متفرقة تشهد عمليات عسكرية متزايدة".
وأشار إلى أنّه: "كما تُجزأ غزة. يُحشر سكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة الآن في 12% فقط من مساحة القطاع. أتذكر أنني تلقيت مكالمة مخيفة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، علمت فيها عن التهجير القسري لكامل شمال غزة. منذ ذلك الافتتاح الوحشي، هُجّرت غزة بأكملها تقريبا، ليس مرة واحدة بل مرارا وتكرارا، دون مأوى أو طعام أو أمان كاف".
وتابع: "رأيت بنفسي ما يبدو أنه تفكيك ممنهج لوسائل دعم الحياة الفلسطينية. وكجزء من دورنا في تنسيق العمليات الإنسانية، ساعدت أنا وزملائي في نقل المرضى خارج أجنحة العناية المركزة المظلمة والمليئة بالقطط في المستشفيات المدمرة التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية، حيث كان يتم دفن الموتى في الساحة من قبل آخر الموظفين المحرومين من النوم الذين شهدوا اقتياد زملائهم بعيدا".
"ساعدنا في الكشف عن مقابر جماعية في باحات مستشفيات أخرى، حيث بحثت العائلات بين الملابس المتناثرة، محاولة التعرف على أحبائهم الذين جُردوا من ملابسهم قبل أن يُقتلوا أو يُغيّبوا. تجادلنا مع جنود كانوا يحاولون إخراج مريض مصاب بإصابة في النخاع الشوكي بالقوة من سيارة إسعاف أثناء إجلائه من المستشفى" وفقا للمقال ذاته.
ومضى بالقول: "أعدنا جثث عمال الإغاثة الإنسانية الذين قُتلوا بغارات مسيّرات ونيران الدبابات أثناء محاولتهم إيصال المساعدات، وجمعنا جثث أفراد عائلات العاملين في المنظمات غير الحكومية الذين قُتلوا في مواقع تُصنفها القوات الإسرائيلية على أنها: مواقع إنسانية".
وتابع: "رأينا مسعفين بزيهم الرسمي يُقتلون ويُدفنون تحت سيارات الإسعاف التي سحقتها القوات الإسرائيلية. قُصفت ملاجئ النازحين المكتظة، والآباء يتشبثون بأطفالهم المصابين أو القتلى. جثث لا تُحصى في الشوارع تنهشها الكلاب. أناس ينادون من تحت الأنقاض، وحُرموا من مساعدة المسعفين حتى فارقوا الحياة. أطفال يُصابون بسوء التغذية بينما تشق المساعدات طريقها وسط عقبات لا تُقهر من العراقيل".
وأضاف: "تتهمنا السلطات الإسرائيلية بأننا سبب المشكلة. يقولون إننا نفشل في تَسلّم البضائع من المعابر. لسنا مقصرين، بل نُعاق. في الأسبوع الماضي، كنتُ ضمن قافلة متجهة إلى معبر كرم أبو سالم من داخل غزة. رافقنا شاحنات فارغة عبر منطقة مكتظة، وهو طريق معقد بلا داع وفرته القوات الإسرائيلية".
"عندما اصطفت الشاحنات عند نقطة انتظار، وأخيرا، جاء الضوء الأخضر للتحرك للمعبر من القوات الإسرائيلية، تحرك معنا آلاف اليائسين، على أمل أن تعود الشاحنات محملة بالطعام. وبينما كنا نزحف للأمام، تشبث الناس بالمركبات حتى رأينا أول جثة على جانب الطريق، مصابة برصاصة في الظهر من اتجاه القوات الإسرائيلية. عند المعبر، كانت البوابة مغلقة. انتظرنا حوالي ساعتين حتى فتحها جندي" أورد المقال.
واسترسل: "استغرقت تلك القافلة 15 ساعة لإكمالها. مع قوافل أخرى، أخرت القوات الإسرائيلية الشاحنات العائدة بينما تجمعت الحشود وقتلت اليائسين الذين كانوا ينتظرون وصول الشاحنات. نهبت عصابات مسلحة تعمل تحت مراقبة القوات الإسرائيلية بعض بضائعنا".
وأوضح: "خلال وقف إطلاق النار، كنا نُسيّر قوافل متعددة يوميا. والآن، عادت الفوضى والقتل والعرقلة إلى طبيعتها. المساعدات حيوية، لكنها لن تكون أبدا علاجا للنقص المُدبر".
وأضاف: "لقد كانت محكمة العدل الدولية واضحة. ففي تدابيرها المؤقتة المُلزمة، لم تكتفِ بأمر إسرائيل بمنع الأعمال المحظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بل أمرتها أيضا بتمكين الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المُلحة، بما في ذلك زيادة معابر المساعدات".
وأبرز: "في رأي استشاري منفصل، لم تترك محكمة العدل الدولية مجالا للشك: إن احتلال إسرائيل المُستمر لغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، غير قانوني، بموجب القانون الدولي".
واختتم بالقول إنّ: "ما يتكشف ليس مُعقدا. إنه ليس حتميا. إنه نتيجة خيارات سياسية مُتعمدة من قِبل أولئك الذين يصنعون هذه الظروف وأولئك الذين يُمكّنونها. طال انتظار إنهاء الاحتلال. إن مصداقية النظام متعدد الأطراف تضعف بسبب ازدواجية المعايير والإفلات من العقاب. لا يمكن للقانون الدولي أن يكون أداة لخدمة البعض إذا أريد له أن يكون أداة فعّالة لحماية الجميع".
واستطرد: "غزة تغرق بالفعل تحت وطأة القنابل والجوع وحصار لا هوادة فيه على ضروريات الحياة. كل تأخير في تطبيق أبسط القواعد لحماية الحياة البشرية هو بمثابة يد أخرى تضغط على غزة وهي تكافح من أجل التنفس".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية غزة القانون الدولي الضفة الغربية القدس القدس غزة قطاع غزة الضفة الغربية القانون الدولي المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات الإسرائیلیة الأمم المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
الحرب التي أيقظت الحقيقة بين إيران وإسرائيل
محمد بن علي البادي
عندما تنطق الحرب... تسكت الروايات الكاذبة، وتتكشّف المعادن، ويسقط القناع عن الوجوه المصطنعة.
فالحرب ليست مجرد تبادل للضربات، بل امتحان للثبات، وميزان للقوة، وكاشفة للخونة قبل الأعداء.
والحرب الأخيرة بين إيران والكيان الصهيوني لم تكن استثناءً، بل كانت صاعقة أضاءت ظلام التردد، وزلزالًا هزّ المنطقة من أساسها.
فيها اختُبرت الإرادات، وانكشفت النوايا، وسُجلت دروس... من لم يفهمها اليوم، سيدفع ثمنها غدًا.
فهي ليست معركة صواريخ فحسب، بل معركة وعي، وسيادة، وبقاء.
لقد اهتزت لها غرف القرار الصهيوني، وارتبكت لأجلها أجهزة استخبارات دولية، وتزعزعت بسببها حسابات تحالفات عتيقة.
أما الدرس الأكبر، فهو أن الردع الحقيقي لا يُشترى، ولا يُستورد، بل يُصنع من الداخل: بالتطهير قبل التسليح، وبالثبات قبل الصواريخ.
من يتابع الشأن الإيراني عن قرب، يُدرك أن طهران لم تسقط تحت وطأة الضربة الإسرائيلية المباغتة، بل استفاقت منها بسرعة لافتة، والتقطت أنفاسها بثبات وهدوء، ثم شرعت في إعادة تموضعها العسكري والسياسي بحنكة نادرة.
كانت الضربة موجعة، نعم... لكنّ إسرائيل تكبّدت خلالها خسائر بشرية وبنيوية وعسكرية كبرى، حاولت التعتيم عليها، غير أن الإعلام الخارجي سرعان ما فضح المستور، وكشف عمق الاختراق وردّة الفعل الإيرانية، وأثبت أن إيران ليست هدفًا سهلًا، ولا عدوًّا يُستهان به.
وفي سرعة هادئة، أطلقت إيران عملية شاملة لإعادة ترتيب الداخل: تعيين قادة جدد، وتحريك التحالفات، وترميم البنية التحتية، وإعادة توزيع مراكز القوة.
لكنّ الأهم من كل ذلك، أنها بدأت حيث يجب أن يبدأ أي مشروع نهوض حقيقي: من الداخل.
فلم تنتظر ترميم المباني، بل بدأت أولًا بتصفية الخونة والعملاء، وكأنّ الرسالة كانت: "لن نعيد البناء فوق فساد".
فكل يوم يمضي، إلا ويُكشف فيه عن جاسوس جديد يعمل لصالح الكيان الصهيوني أو أحد وكلائه.
إنه عمل أمني واستخباراتي عميق، يُدار ليلًا ونهارًا بلا ضجيج، ويقدّم درسًا استراتيجيًا بالغ الأهمية: أن التحصين الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن الخيانة الداخلية أخطر من ألف دبابة على الحدود.
وقبل الحرب، وأثناء اشتعالها، كانت هناك جيوش إلكترونية منظمة تشن حملة دعائية شرسة ضد إيران، توازي الهجوم العسكري وتخدم أهدافه.
رُوّج حينها أن ما يجري ليس سوى "مسرحية مفبركة" متفق عليها بين أمريكا وإسرائيل وإيران، لتضليل الشعوب وإيهامها بعداء وهميّ لا وجود له.
وقد نجحت هذه الحملات مؤقتًا في زرع الشك، وزعزعة الثقة، ودفع بعض الناس إلى الاستهزاء بالمواقف، بل واتهام الضحية بالتواطؤ!
لكن الحرب نفسها جاءت لتفضح هذه الروايات السطحية، ولتُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن ما دار كان حربًا حقيقية ضروسًا، تكبّد فيها الطرفان خسائر فادحة.
ولو لم تكن إيران تمتلك الجاهزية والقدرة وتماسك القرار، لما توقفت الحرب عند حدّ معين، بل كانت ستتدحرج لما هو أعنف.
وهكذا، سقطت كذبة "التمثيلية"، وتبيّن أن الصواريخ لا تُمثّل، وأن الدم لا يُهرق على خشبات المسارح.
ومع مرور الوقت، لا تكاد تمر فترة حتى تظهر تقارير إعلامية واستخباراتية تؤكد، تصريحًا أو تلميحًا، أن إسرائيل لم تكن وحدها في المشهد، بل كانت عنصرًا ضمن شبكة أوسع، اتفقت على ضرب إيران، أو على الأقل، غضّت الطرف عن ذلك.
ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن إيران أو اتهام تلك الدول بالتآمر، فالحكمة تقتضي أن نُحسن قراءة الإشارات دون الجزم القاطع، فليس كل ما يُقال يُصدق، ولكن أيضًا: "لا دخان بلا نار"... هكذا علّمتنا السياسة والتجربة.
ولولا قوة الردع الإيرانية، لربما تباهت بعض الأطراف علنًا بسقوط طهران، وتقدّمت لتقطف ثمار الانهيار.
لكن الرد الإيراني الصلب جاء صفعة لإسرائيل، ورسالةً مشفّرة للمشغّلين الأساسيين في الخفاء: أن من يظن إيران لقمة سائغة... لم يفهم بعد طبيعة النار التي يحاول اللعب بها.
لقد أثبتت هذه الحرب أن الردع لا يُبنى في لحظة، ولا في اجتماع طارئ، بل هو ثمرة مسيرة طويلة من التحدي والاستعداد.
ورغم الحصار والعقوبات، استطاعت إيران أن تبني منظومة عسكرية واستخباراتية متماسكة، جاهزة لحرب مفاجئة في أي وقت، وقادرة على فرض معادلاتها.
وهنا يتجلى الدرس الكبير: أن العداوات قد تكون صامتة اليوم، لكنها قابلة للاشتعال في أي لحظة، وحينها لا وقت لبناء القوة... بل لا بد أن تكون القوة قائمة وجاهزة ومتجذّرة.
الخاتمة
إن أعظم ما أظهرته هذه التجربة، أن لا أمان لأمةٍ أو دولة، لا في حدودها القريبة، ولا في بعادها، بل ولا في أحشائها الداخلية. فالخيانة التي تنمو في صلب المجتمع قد تكون أخطر من أي عدوان خارجي.
إذ يمكن لخائنٍ واحد أن يُسقط هيبة دولة، ويفتح بوابات الدمار من الداخل.
لهذا، فإن التحصين الحقيقي لا يبدأ بسياج من الأسلاك الشائكة، ولا بصواريخ عابرة، بل يبدأ بغسل القلوب، وبناء الثقة، ومراقبة الداخل قبل الخارج.
فلا بد لكل وطن أن يدرك أن قوته الحقيقية تكمن في صفائه الداخلي… قبل أن يتصدى لأعدائه.