حدود النار والسيادة.. بين كسر الهيمنة أو السقوط في فخ المساومة
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
[email protected]
عكس كل التوقعات السياسية أقدمت الولايات المتحدة على قصف مواقع نووية داخل إيران في خطوة اعتُبرت تصعيدًا خطيرًا لا يُمكن فصله عن مشروع الهيمنة الصهيوأمريكية الذي يستهدف إخضاع المنطقة وقواها الفاعلة. هذا الاعتداء لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة دموية مفادها أن واشنطن وتل أبيب ماضيتان في مخطط ضرب كل قوة ترفض الانصياع لمعادلة الخضوع والتطبيع وتتمسك بسيادتها وقرارها الوطني.
استمرار الغطرسة والصلف الصهيوأمريكي بات يهدد ليس فقط إيران؛ بل الاستقرار الإقليمي ككل. فالمنطقة تتحول تدريجيًا إلى ساحة مفتوحة للابتزاز العسكري والسياسي، تُفرض فيها السياسات بقوة السلاح لا عبر احترام القوانين الدولية أو المواثيق الإنسانية. القصف لم يكن استهدافًا تقنيًا لمنشآت نووية بقدر ما كان خطوة محسوبة لتقويض القدرات الإيرانية وتقديم خدمة مجانية للكيان الصهيوني الذي طالما عبّر عن خشيته من تعاظم القدرات الدفاعية الإيرانية ودورها الإقليمي الداعم لحركات المقاومة.
ووسط هذا المشهد المشتعل لا بد من طرح سؤال جوهري: ما هي حقيقة المصالح الأمريكية في المنطقة، وهل ما زالت واشنطن تمارس دور "الضامن للاستقرار" كما تزعم، أم أنها تحوّلت إلى أكبر مهدّد له؟ فكل تحرّك أمريكي في العقدين الأخيرين أفضى إلى فوضى مدمّرة: من العراق إلى سوريا، ومن ليبيا إلى اليمن، والآن إيران. واشنطن لم تعد تسعى فقط لحماية مصالحها بقدر ما تعمل على ضمان تفوّق إسرائيل بأي وسيلة، حتى لو كان الثمن إشعال حرب إقليمية شاملة.
هذه الضربة وإن وُجّهت إلى إيران، فإن ارتداداتها تطال أطرافًا عديدة، وعلى رأسها فصائل المقاومة الفلسطينية؛ إذ يُتوقع أن تنعكس على ديناميكيات الصراع مع الاحتلال، فكل إضعاف للداعم الإقليمي الأول للمقاومة وغياب دعم عربي، يفتح المجال أمام العدو للتمدد ميدانيًا وسياسيًا.
من شأن هذا القصف أن يدفع الكيان الصهيوني إلى استغلال اللحظة لفرض مزيد من الوقائع على الأرض؛ سواء في القدس أو الضفة أو غزة، في ظل رهان واضح على انشغال طهران وارتباك محور المقاومة. وفي المقابل، فإن ردة الفعل الإيرانية ستكون محددة مرحليا ليس فقط لمستقبل الصراع مع واشنطن وتل أبيب، بل أيضًا لمعادلات الدعم والردع التي تستند إليها المقاومة الفلسطينية وسواها من القوى التحررية في المنطقة.
اليوم، إيران أمام مفترق طرق حاسم: إما أن ترد بقوة تُعيد الاعتبار للردع الاستراتيجي وتكسر منطق العربدة العسكرية، أو أن تتعامل مع الحادثة كملف قابل للتفاوض بما يفتح الباب أمام مزيد من التنازلات.
الخطورة لا تكمن فقط في طبيعة الضربة، بل في كيفية التعاطي معها. الردّ الحاسم الذي بات شرطًا لحفظ ماء الوجه، وتأكيد أن معادلة الردع ما زالت قائمة. أما الرهان على التهدئة والدبلوماسية في ظل هذا الإرهاب الصهيوأمريكي فهو وَهْمٌ مُكلِّف، قد تترتب عليه خسائر مضاعفة في قادم الأيام.
لقد آن الأوان للتأكيد أن زمن استباحة الدول تحت مسمى الأمن القومي الأمريكي أو "حماية الحلفاء" قد ولّى، وأن اليد التي تمتد لضرب السيادة الوطنية لن تُترك بلا حساب. لم يعد كافيًا إصدار بيانات الشجب أو عقد الجلسات الطارئة. نحن أمام مشروع عدواني لا يردعه سوى موقف شجاع يضع حدًّا لهذه العربدة، ويرسم حدود النار والسيادة بوضوح.
وفي النهاية، لا يُقاس موقع الدول في التاريخ بعدد المرات التي تجنّبت فيها المواجهة، بل بالمرات التي نهضت فيها في لحظة الشك، وأكدت حضورها كدولة لا تُستباح.
إيران اليوم في قلب هذه اللحظة. فهل سترد بما يليق؟ أم ستفتح الباب لجولة جديدة من المساومات والتراجعات؟ الإجابة لا تخصّ طهران وحدها، بل تحدد مصير أمة كاملة تخوض معركة وجود لا تقبل أنصاف المواقف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تهمة جديدة للمتهم بقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن
أظهرت وثائق محكمة أن الولايات المتحدة وجهت أمس الأربعاء تهمة ارتكاب جريمة كراهية اتحادية ضد المشتبه به في قتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية بالرصاص خارج متحف في واشنطن في مايو/أيار الماضي، بدعوى أنه استهدفهما لأنهما إسرائيليان.
ويواجه إلياس رودريغيز (30 عاما) أيضا تهما بالقتل من الدرجة الأولى وقتل مسؤولين أجانب، وتتضمن لائحة الاتهام نتائج خاصة من شأنها أن تجعله يواجه عقوبة الإعدام في حالة إدانته.
واتُهم رودريغيز بإطلاق النار على يارون ليشينسكي (30 عاما) وسارة لين ميلغريم (26 عاما) عندما كان الاثنان يغادران حدثا في 21 مايو/أيارالماضي في المتحف اليهودي بالعاصمة نظمته اللجنة اليهودية الأميركية الداعمة لإسرائيل.
"فعلتها من أجل غزة"
وقال رودريغيز للشرطة في مكان الحادث "فعلتها من أجل فلسطين. فعلتها من أجل غزة"، حسبما ورد في وثائق رسمية. وروى شهود أنهم سمعوه يهتف "فلسطين حرة" بعد اعتقاله.
ولم يقر المشتبه به بعد بالتهم السابقة التي تشمل التسبب في القتل بسلاح ناري وإطلاق النار في جريمة عنف.
وقالت جانين بيرو المدعية العامة الاتحادية في واشنطن في مايو/أيار الماضي إن الحادث سيتم التحقيق فيه باعتباره جريمة كراهية وقد تصل عقوبة التهم إلى الإعدام.
وتأتي لائحة الاتهام التي أصدرتها هيئة محلفين اتحادية كبرى قبل أن يمثل رودريغيز أمام المحكمة يوم الجمعة.
وتقول اللائحة إن رودريغيز لديه تاريخ من المنشورات العنيفة على الإنترنت ضد الإسرائيليين.
وجاء في لائحة الاتهام أن رودريغيز، قبل إطلاق النار، كتب كلمات أعدها للنشر تلقائيا على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت لاحق من يوم الحادث مرفقة بوثيقة تقول إن منفذي العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والمحرضين عليها "فقدوا إنسانيتهم".
وسافر رودريغيز، الذي ولد وترعرع في شيكاغو، إلى واشنطن في اليوم السابق لإطلاق النار.
إعلانوذكرت إفادة لمكتب التحقيقات الاتحادي أن لقطات فيديو من كاميرا المراقبة أظهرت رودريغيز وهو يطلق حوالي 20 طلقة على موظفي السفارة ثم توقف مؤقتا لإعادة تعبئة الذخيرة قبل استئناف إطلاق النار.
وقالت الإفادة إنه ألقى سلاحه بعيدا ودخل إلى المتحف حيث اعتقل.
ويرى ناشطون أن ما جرى نتيجة للغضب المتصاعد في أنحاء العالم بسبب جرائم إسرائيل في قطاع غزة والمستمرة منذ 22 شهرا وراح ضحيتها عشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين.
وقبل يومين نقلت "سي إن إن" الأميركية أنه في حال إقرار هيئة المحلفين للاتهامات الموجهة لرودريغيز فإن هذه القضية ستكون نموذجا رئيسيا لمنهج إدارة دونالد ترامب في التعامل مع القضايا التي تخص الجالية اليهودية في الولايات المتحدة.