بغداد- شهدت الساحة العراقية تطورا لافتا بقرار الإدارة الأميركية الصادر في التاسع من الشهر الحالي، والذي فرض عقوبات جديدة على عدد من الكيانات والأفراد العراقيين، كان أبرزها إدراج "شركة المهندس العامة للمقاولات" على القائمة السوداء.

تعمل شركة "المهندس" في مجالات الإنشاءات والزراعة والصناعة العراقية، وهي شركة عامة تابعة لهيئة الحشد الشعبي، تأسست بموافقة مجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسجلت رسميا في وزارة التجارة في فبراير/شباط 2023، وسُميت تيمنا بـ "أبو مهدي المهندس"، أحد أبرز القادة الميدانيين في الحشد الشعبي.

واستندت وزارة الخزانة الأميركية في قرارها إلى اتهامات تتعلق بـ "دعم إيران، والمساعدة في التهرب من العقوبات، وتهريب الأسلحة، والفساد الواسع النطاق".

فيما سارعت الحكومة العراقية على لسان المتحدث باسمها باسم العوادي إلى الإعراب عن أسفها لقرار الولايات المتحدة فرض العقوبات على شركة "المهندس" إلى جانب عدد من الأفراد العراقيين.

كما وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة وطنية، تضم ممثلين عن كل من وزارة المالية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والبنك المركزي، لتتولى مراجعة القضية ذات الصلة، وترفع تقريرها وتوصياتها خلال مدة 30 يوما.

إدارة الأزمة

أثار هذا الإجراء موجة من ردود الفعل داخل العراق، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن هذه العقوبات تمثل ضغوطا اقتصادية ومالية تستهدف تقويض نفوذ فصائل معينة وقطع مصادر تمويلها، برزت أصوات أخرى حذرت من التبعات الاقتصادية الوخيمة التي قد تطول الاقتصاد العراقي برمته.

وأكد المستشار السياسي عائد الهلالي، أن قرار الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على عدد من الفصائل المسلحة وشركة "المهندس" يمثل "خطوة سياسية تتجاوز الإطار الاقتصادي، وتهدف إلى ممارسة ضغط مباشر على العراق، ومحاولة التأثير في قراراته السيادية".

إعلان

وقال الهلالي للجزيرة نت إن الحكومة "أثبتت قدرتها العالية على التعامل مع الأزمات المعقدة بمهنية واتزان، بعيدا عن الانفعال أو الانجرار وراء المواقف المتشنجة"، مشيرا إلى أن "قوة الحكومة تتجلى في إدارتها الحكيمة لهذا الملف الحساس، من خلال التمسك بمبدأ سيادة الدولة، ورفض أي تدخل خارجي يمسّ مؤسساتها أو يُربك بيئتها الاقتصادية".

الهلالي: الحكومة تقود مقاربة تؤكد أن العراق محور استقرار في المنطقة (قناة العراقية الإخبارية)

 

وتوقع أن تتجه الحكومة نحو تفعيل القنوات الدبلوماسية، وفتح حوار مباشر مع واشنطن لتخفيف تداعيات هذه العقوبات، وأن تعمل على تحصين الاقتصاد الوطني، ودعم الشركات الوطنية المتأثرة، وتعزيز جهودها في ضبط السلاح الخارج عن إطار الدولة، وبناء منظومة أمنية واقتصادية متماسكة.

وشدد على أن العراق يمتلك رؤية متوازنة في علاقاته الدولية، قائمة على توازن المصالح واحترام السيادة، وأن الحكومة الحالية "تقود مقاربة واقعية تؤكد أن العراق ليس ساحة لتصفية الحسابات، بل محور استقرار في المنطقة".

وأكد الهلالي على أن هذه الأزمة -رغم حساسيتها- "ستشكل اختبارا جديدا لقدرة الدولة العراقية على توحيد الموقف الداخلي وترسيخ مفهوم السيادة الحقيقية عبر الحوار والحكمة"، مؤكدا أن التعامل المتزن مع هذه التطورات سيعزز مكانة العراق الإقليمية ويؤكد نضج قراره السياسي والمؤسسي.

الساعدي: العراق يسعى لإدارة علاقات متوازنة تركز على الشراكات طويلة الأمد مع دول الجوار (مواقع التواصل)مرحلة حساسة وحرجة

من ناحيته، أكد الباحث في الشأن السياسي أمير الساعدي أن "الحكومة العراقية تتجه نحو تهدئة الأوضاع، في ظل مرحلة انتخابية قادمة، حساسة وحرجة"، مشيرا إلى محاولات الحكومة الحالية إدارة ملف العلاقة مع واشنطن والتعامل مع تداعيات العقوبات الأخيرة.

وقال الساعدي للجزيرة نت إن الحكومة "تحاول تهدئة العلاقة بين الفصائل العراقية التي أصبحت تحت مظلة العقوبات"، موضحا أن قرار العقوبات لم يقتصر على شركة "المهندس" فحسب "بل هي واحدة من الأسماء التي أعلن عنها مؤخرا ضمن قائمة عقوبات الخزانة الأميركية" حسب تأكيده.

وأضاف أن الهدف الحكومي هو "الذهاب لمرحلة إجراء الانتخابات بوضع مستقر"، والحفاظ على "الهدنة المعلنة سابقا مع الفصائل العراقية".

وأشار إلى أن العراق يسعى لإدارة علاقات متوازنة تركز على "الشراكات طويلة الأمد" مع دول الجوار الإقليمي والدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، التي "لديها فضاء حيوي كبير داخل الساحة العراقية" حسب تعبيره، معتبرا أن تركيز الحكومة الحالية على ملف انسحاب القوات الأميركية "أحد نتاجات هذه العلاقة المتوازنة بشراكات حقيقية، والتي قد تكون أمنية واقتصادية وسياسية".

شركة "المهندس" تعمل في مجالات الإنشاءات والزراعة والصناعة وتأسست عام 2022 (الصحافة العراقية)أثر العقوبات

حذّر الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد الأنصاري، من التداعيات المباشرة للعقوبات الأميركية على الاقتصاد العراقي والمشاريع التنموية، وقال في حديث للجزيرة نت إن "المهندس شركة رسمية مسجلة في الدوائر العراقية، وتتعامل مع الحكومة العراقية بعقود ومشاريع".

إعلان

وأوضح أن فرض عقوبات على مثل هذه الشركات "سيؤثر على المتعاملين معها من مقاولين ثانويين" وسيؤدي إلى "مراجعة عقودها مع الدولة، بما يؤدي إلى تلكؤ هذه المشاريع"، التي وصفها بأنها "مهمة" وتعمل في مجالات زراعية وعمرانية وإسكانية.

وأكد الأنصاري أن العقوبات "تؤثر بصورة مباشرة على التعامل المصرفي العراقي، وعلى الثقة بالمصارف العراقية، وكذلك على تدفق الدولار إلى السوق المحلي"، مما يؤدي إلى "الاعتماد على السوق الموازي بضغط كبير".

وتوقع أن يكون هناك "تدقيق بصورة أشمل من قبل البنوك الأميركية على الحوالات العراقية"، مما "سيؤثر سلبا على زيادة الأسعار" ويضيف "ضغطا كبيرا على المواطن العراقي".

ودعا الخبير إلى ضرورة وجود جهود "دبلوماسية كبيرة" من قبل العراق للتفاهم مع الولايات المتحدة بشأن "جدية هذه العقوبات"، مؤكدا أن "هذه الأمور كلها يجب أن تُحل بصورة سريعة حتى لا يتداعى وينهار الاقتصاد العراقي".

وأشار إلى أن "العراق بحاجة إلى تفاهمات أكبر، ليتسنّى له حل مثل هذه المشاكل، أو إعلامه بشأن هذه العقوبات مبكرا لفهم أسبابها المتعلقة بشبهات الفساد وغسيل الأموال، وشبهات التعامل مع جهات محظورة" حسب قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات هذه العقوبات أن العراق

إقرأ أيضاً:

اقتصاد على الحافة: هل تنجو الرواتب من تداعيات انهيار النفط؟

12 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة:رفي قلب الاقتصاد العراقي، يتربع النفط كملكٍ متوج، يتحكم بمصير الأمة ويرسم حدود استقرارها المالي والاجتماعي. بإيرادات نفطية تشكل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، وتغطي ما يزيد على 95% من تمويل الموازنة الاتحادية،

ويبدو العراق كمن يمشي على حبلٍ مشدود فوق هوةٍ مالية عميقة. سعر برميل النفط، ذلك الرقم الذي يتراقص على شاشات الأسواق العالمية، ليس مجرد مؤشر اقتصادي، بل هو نبض الحياة الذي يحدد قدرة الحكومة على دفع رواتب الملايين، تمويل الخدمات العامة، وحتى الحفاظ على السلم الأهلي.

لكن، ماذا لو تحول هذا النبض إلى وخزٍ متقطع؟ مع تراجع أسعار النفط إلى حدود 60 دولاراً للبرميل، وتوقعاتٍ تشير إلى هبوطٍ محتمل إلى 50 دولاراً، يواجه العراق شبح أزمةٍ ماليةٍ تهدد بإعادة تشكيل ملامح اقتصاده ومجتمعه.

هيمنة النفط: نعمة أم نقمة؟

الاعتماد شبه المطلق على النفط ليس ظاهرة جديدة في العراق، لكنه يظل كالسيف ذي الحدين. بنية الموازنة العراقية، التي تُصمم بعناية لتلبية احتياجات إنفاق تشغيلي مرتفع، تعتمد بشكلٍ كبير على استقرار أسعار النفط. أكثر من ثلثي النفقات العامة مخصصة للرواتب والدعم الحكومي، مما يعني أن أي هزة في الأسواق العالمية تنعكس مباشرة على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها.

هذا الاعتماد المفرط جعل الاقتصاد العراقي رهينة تقلبات السوق، حيث يمكن لانخفاضٍ طفيف في سعر البرميل أن يُحدث فجوة مالية هائلة، تهدد بتجميد المشاريع التنموية وتعطيل الخدمات الأساسية.

أسعار النفط: شبح الانخفاض يلوح في الأفق

مع تراجع أسعار النفط إلى 60 دولاراً للبرميل، وتوقعات تشير إلى احتمال هبوطها إلى 50 دولاراً، يجد العراق نفسه أمام اختبارٍ ماليٍ غير مسبوق. هذه الأرقام ليست مجرد تقديرات، بل هي جرس إنذار يدق في أروقة الخزانة العراقية.

وإذا استمرت الأسعار في الانخفاض، فإن الإيرادات النفطية، التي تشكل العمود الفقري للموازنة، ستواجه انخفاضاً حاداً قد يدفع الحكومة إلى خياراتٍ قاسية. الإنفاق العام، الذي يعتمد بشكلٍ شبه كامل على هذه الإيرادات، سيواجه ضغوطاً هائلة، مما يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع شبح العجز المالي.

خيارات قاسية: بين الديون وسحب الأمانات

في ظل هذا الواقع القاتم، تبدو الحكومة العراقية أمام مفترق طرق. لسد الفجوة بين الإيرادات المتضائلة والنفقات المتزايدة، قد تلجأ إلى حلولٍ مؤقتة تحمل في طياتها مخاطر طويلة الأمد.

ومن بين هذه الحلول، مبادلة الديون بالأصول العامة، وهي خطوة قد تؤدي إلى تآكل الثروة الوطنية وتقليص سيطرة الدولة على مواردها الاستراتيجية. كما قد تضطر الحكومة إلى تأجيل صرف الرواتب أو توزيعها على دفعات متباعدة، مما سيثير استياءً شعبياً واسعاً في بلدٍ يعتمد ملايين مواطنيه على الرواتب الحكومية كمصدر دخل أساسي.

وفي خطوة أخرى قد تبدو يائسة، قد تلجأ الحكومة إلى سحب الأمانات المالية من المؤسسات الحكومية، مما يهدد بإضعاف هذه المؤسسات وقدرتها على أداء وظائفها.

أزمة هيكلية: هل يستطيع العراق التنويع؟

الأزمة الحالية ليست مجرد تقلبات مؤقتة في أسعار النفط، بل هي أزمة هيكلية تكشف هشاشة الاقتصاد العراقي.

والاعتماد المفرط على النفط يجعل البلاد عرضة لصدمات خارجية لا يمكن السيطرة عليها.

وفي الوقت الذي تتجه فيه دول الخليج المجاورة نحو تنويع اقتصاداتها، يظل العراق متأخراً في هذا المجال. الزراعة، الصناعة، والسياحة، وهي قطاعات يمكن أن تشكل بدائل اقتصادية، لا تزال تعاني من الإهمال وسوء الإدارة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • اقتصاد على الحافة: هل تنجو الرواتب من تداعيات انهيار النفط؟
  • قراءة في تأثيرات العقوبات الأميركية.. الاقتصاد العراقي ليس المتضرر الوحيد
  • العراق يعرب عن أسفه للعقوبات الأميركية على جهات مرتبطة بالحشد الشعبي ويشكّل لجنة لمراجعتها
  • بغداد تأسف للعقوبات الأميركية على شركة وأفراد عراقيين
  • السوداني:لانعترف بالعقوبات الأمريكية تجاه شركة المهندس و”مجاهدي الحشد وباقي الولائيين”!
  • كتائب حزب الله ترد على العقوبات الأميركية وتتوعد الاطار التنسيقي بـكشف المستور
  • الحكومة العراقية ترفض العقوبات الأمريكية على شركة المهندس
  • أمريكا تفرض عقوبات على شركة المهندس الحشدوية ومصارف عراقية وبعض الذيول
  • نائب إطاري:شمول شركة المهندس بالعقوبات الأمريكية ” تحدي للسيادة”!!