الجزيرة:
2025-08-12@07:02:51 GMT

التحول العظيم في العالم ونظرية النهايات

تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT

التحول العظيم في العالم ونظرية النهايات

نحن الآن أمام مرحلة تاريخية فارقة، قد تُقارن بتحولات كبرى شهدها التاريخ البشري مثل الثورة الصناعية أو سقوط الإمبراطورية الرومانية. كما أشار الفيلسوف المجري كارل بولاني إلى "التحول العظيم" (The Great Transformation) الذي يصف فيه كيف غيّرت الرأسمالية السوقية البنية الاجتماعية والاقتصادية التقليدية، فإن العالم اليوم يمر بتحول مشابه، لكنه أكثر تعقيدًا وشمولًا.

هناك العديد من النظريات التي تحاول قراءة هذا الواقع الجديد، بعضها يراه فوضى مستمرة كما في كتاب العالم في فوضى (The World in Disarray) لريتشارد هاس، أو تفككًا كما يراه المؤرخ نيل فيرغسون.

لكن هناك رؤية أوسع ترى أن كل هذه الفوضى ما هي إلا جزء من عملية انتقالية نحو نظام دولي جديد، وتُعرف هذه النظرية باسم "التحول العظيم"، وهي نظرية شاركت فيها مجموعة من الشخصيات الفكرية والمؤسسات العلمية العالمية.

بالتالي، نحن لا نعيش مجرد أزمات متفرقة، بل نشهد منحنًى واضحًا من الفوضى التي ستفضي إلى ولادة نظام عالمي جديد.

تيارات رئيسية لسيناريوهات التحول التيار الأول: تيار دافوس (الاستمرارية عبر التكنولوجيا)

هذا التيار يسعى إلى الحفاظ على النظام القديم، لكنه يحاول إعطاءه وجهًا حديثًا باستخدام التحولات التقنية الكبرى. ويتجلى ذلك في مؤتمر دافوس، ونظرية "الثورة الصناعية الرابعة" التي طرحها كلاوس شواب، والمقرّب منه الكاتب الإسرائيلي يوفال نوح حراري.

هذا التنظير يربط بين التقدم التكنولوجي والتحول العالمي، ويرى أن البشر لم يعودوا سوى بيانات قابلة للتحليل والبرمجة من قبل الشبكات العصبية الاصطناعية. في هذا السياق، الإنسان ليس صانع القرار، بل هو كائن يتم "برمجته".

ومن وجهة نظر المنتقدين، فإن هذا التيار جزء من محاولة لتحويل الحكم إلى أيدي التكنوقراطيين الذين يتحكمون في المال والتكنولوجيا، ويميلون إلى فرض نظام عالمي واحد، موحّد، وغير متعدد الثقافات.

إعلان

الدول النامية، وخاصة في الجنوب العالمي، عليها أن تتبع قواعد اللعبة الجديدة، والتي تفرض عليها الانفتاح الكامل على استثمارات الشركات الكبرى، دون اعتبار للأعراف أو الهويات الثقافية.

في هذا السياق، تُعتبر القيم مثل التنوع الثقافي، والكرامة الإنسانية، وحتى فكرة العالم متعدد الأقطاب، عقبات أمام "التمدد التقني الكبير". وهكذا، فإن الخيار الوحيد المسموح به هو إما قبول هذا المستقبل "الوردي" الذي ترسمه الشركات الكبرى، أو العودة إلى "الماضي"، وهو أمر يُصنَّف بأنه غير عملي وغير متناسب مع مسار التطور.

تيار نظرية الفوضى (تفكك النظام القديم)

في المقابل، هناك تيار آخر يرى أن النظام العالمي الحالي، الذي شُكّل بعد الحرب العالمية الثانية، قد فقد قدرته على إدارة التعقيدات الجديدة، سواء كانت هذه التعقيدات ديمغرافية، بيئية، تقنية، أو حتى فكرية، فإن المنظومة الاقتصادية والسياسية القائمة لم تعد قادرة على استيعابها.

هذا التيار يشير إلى أن النظام العالمي أصبح غير طبيعي، كما ذكر عالم المستقبل زيا ساردار، وأننا نعيش حالة خلل عميقة في كل شيء: من السياسة إلى الاقتصاد، ومن البيئة إلى الثقافة.

عناوين كثيرة كالعودة إلى الغاب، أو العالم في فوضى، أو تفكك العالم، إذا تتبعت البحث عن هذه المصطلحات في Google Trends فستجد أنها تنتشر لأسباب معروفة بشكل كبير في دول أميركا اللاتينية ودول أفريقية.

مثال بارز على ذلك هو المقارنة بين حرب العراق عام 2003، حيث حرصت الولايات المتحدة وبريطانيا على الحصول على غطاء قانوني من الأمم المتحدة رغم عدم موافقتها على العملية، وبين الضربات الإسرائيلية الحديثة على إيران، حيث لم يعد القانون الدولي أو الشرعية عنصرًا في الحسابات السياسية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه أعلن، صراحة، أنه لا يعبأ بالقوانين الدولية، وتعامل وكأنه إمبراطور لا يمكن لأحد منازعته. هذا يدل على أن النظام العالمي يفقد تدريجيًا قدرته على ضبط النفس، ويدخل في حالة من الفوضى المتسارعة، مما يستدعي إعادة نظر جذرية في مفاهيم السيادة، والقانون الدولي، والتعاون البشري.

التيار الثالث: التحول العظيم

في المقابل، سنجد مشاريع وكتبًا ودراسات وتيارات ترى أن العالم في حالة فوضى، وأن بنية النظام العالمي والاقتصادي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد قادرًا على إدراك وإدارة المتغيرات التي يشهدها العالم، سواء التحولات الكبرى (الديمغرافيا، البيئة بما في ذلك الطاقة، التقنية)، أو البنية الفكرية، ما يشمل النظريات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بفكرة التوازن كنظرية الأقطاب والعرض والطلب، أو ما يسمى بالمنهج الاختزالي السائد في العالم بعد مدرسة فيينا التي تسربت إلى المناهج العلمية والجامعات بعد الحرب العالمية الثانية.

إسرائيل جزء من تلك المدرسة؛ ثيودور هرتزل كان من دائرة فيينا، والفكر الذي نشأ عن هذه المدرسة هو الذي أسّس لأغلب النظريات التي تُدرَّس في العالم اليوم، سواء في العلوم التطبيقية أو الإنسانية.

كل البروتوكولات التي يُكتب بها البحث في الجامعات مصدرها هذه المدرسة. كل ذلك يتفكك اليوم، ونحن نعيش في وضع غير طبيعي، كما كتب عالم المستقبليات ساردار ضياء الحق.

إعلان

لذا، ما نعيشه اليوم هو خلل كبير في النظام، وعجز تام عن إدارة العالم. يمكن هنا أن نأخذ ما يحدث من عدوان إسرائيلي على إيران ونقارنه بما حدث في حرب العراق، ورغم أن الحربين تمثلان حالة من الفوضى في صناعة القرار، فإن المقارنة بينهما تبين حالة الفوضى بشكل واضح.

في حرب العراق، كان الخروج بقرار من الأمم المتحدة قضية أساسية، والتوصيف القانوني للتوجه نحو الحرب أخذ زمنًا حتى استطاعت بريطانيا أن تشكل تحالفات تقتنع بشرعية الحرب ضمن القرار رغم قرار مجلس الأمن رقم 14001.

لم يكن الأمر سهلًا من الناحية القانونية، ويقول توني بلير في مذكراته إنه، على كل حال، وُجد وجه قانوني سهّل عليهم الحصول على شرعية الحرب والوصول إلى حلفاء يمكنهم دعم شرعية المعركة.

لو قارنت ما حدث في العراق بما يحدث اليوم، فستجد أن ضرب إسرائيل لإيران وتصريحات ترامب لا تبالي بأي شيء اسمه قانون أو شرعية، بل إن رئيس الولايات المتحدة الأميركية تحدث علنًا عن الاغتيالات في انتهاك صارخ ليس فقط لسيادة الدول، بل تعامل بمنطق الإمبراطور الذي على الجميع أن يحذر من غضبه.

التحول العظيم

التيار الثالث هو الذي ينظر لكل تلك المؤشرات على أنها قوى تدفع نحو نظام عالمي جديد. بالطبع، عادة ما يخطئ كثيرون حين يتصورون أن هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب، فيستخدمون أبجديات الماضي لرسم صورة المستقبل، وهذا يجعل الأفق يضيق والإبداع يتضاءل.

يمثل هذا التيار كتّاب من اليسار مثل هيرديت نيجري في كتابه الإمبراطورية (Empire)، أو تصورات عن نظرية الشبكة مثل أنا ماريا، مستشارة الرئيس الأميركي السابق أوباما، أو مشروع "نظرية التحول العظيم" لمجموعة من الجامعات.

هنا تكون الحرب جزءًا من التحول إذا لم تنتهِ بحالة بربرية. فالوعي، وتماثل العالم مع المعرفة الكونية، ووجود جهد لحماية البيئة، ونشأة المواطن العالمي، فضلًا عن مؤسسات تخضع للقانون وليس لمجرد قواعد عامة غير ملزمة كما هو حال النظام العالمي الحالي، قد يتطور ذلك لتحول كبير يطال كل شيء حين تكون التقنية في سياقها الصحيح، وهو دعم قدرة البشر على حل مشاكلهم بطريقة إبداعية بعيدة عن الانحيازات الثقافية والانقسامات العرقية والإثنية.

العرب والتحول العظيم

هذه المسارات الثلاثة لن تتحقق بشكل تلقائي، بل سيعتمد هذا التحول على جهد الناس وقدرتهم على الدفع نحو مستقبل مشرق. لذا، فالمخاطر على الأمة الإسلامية والعربية هي أن هذه الحروب والأزمات تنتهي بها إلى حالة من الفوضى والتخلف، مما يجعل مسارها يضمن لها القعود في المقاعد الخلفية.

ومن هنا، تصبح حضارة ميتة حين تحيا دول وشعوب أخرى استطاعت أن تنفذ من حبال الإمبراطورية الأميركية، وتتقدّم نحو الأمام لتكون في مصافّها، وربما فرضت إرادتها في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم.

فكّرْ في الدول الإسكندنافية، في دول من جنوب شرق آسيا، ترَ كيف أن هذه المسارات قد تختلف من منطقة لأخرى. وهذا يعني أن مجموعة من الأفكار ستنتهي كالحداثة وما بعد الحداثة، والرأسمالية، والديمقراطية، وغيرها كثير.

فكل شيء من مخلفات الحداثة، بما فيها إسرائيل، سيكون جزءًا من الماضي عندما تنشأ دول قادرة على فرض سرديتها ومعارفها وتسريبها في المجال الأكبر، الذي تحدث عنه بنجامين برتيون في كتابه عن البرمجة والسيادة (Programming and Sovereignty). فالأولى- أي البرمجة- صارت هي المعرفة، ومن ثم ستتبعها السيادة في مجال يُسمّيه النسق أو التراكم النسقي.

إن المستقبل صار جزءًا من عملية التصميم الذي يسعى كثيرون إليه. إنه خيال وأفكار تتراكم لتكون نسقًا ينشأ عنه تحول كبير. إنه عمل لتحقيق هذه التصاميم على أرض الواقع، وعندما ينجح الآخرون في بناء نظام آخر لم نُسهم فيه، عندها سندرك كم كنّا مخطئين.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النظام العالمی هذا التیار من الفوضى

إقرأ أيضاً:

رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟

استقبلت فرنسا أكثر من 100 مليون شخص في عام 2024، لكن الاحتجاجات السياحية كانت قليلة ومتباعدة. اعلان

في اليونان، يرسم السكان المحليون رسومات الجرافيتي على الجدران. وفي إيطاليا والبرتغال وإسبانيا، لجأوا إلى استخدام مسدسات المياه والاحتجاجات الجماهيرية للتعبير عن غضبهم بسبب العدد الكبير من المهاجرين.

في حين بدأت المشاعر المعادية للسياحة تتصاعد في جميع أنحاء أوروبا، إلا أن دولة واحدة تتجلى بوضوح في صمتها النسبي. إنها الدولة الأكثر زيارة في العالم: فرنسا.

على الرغم من أنها تستقبل حوالي 100 مليون مسافر سنويًا، إلا أن فرنسا نادرًا ما تتصدر عناوين الصحف بسبب الاحتجاجات ضد السياحة - وهو ما يتناقض تمامًا مع جيرانها الذين يعبّرون عن إحباطهم المتزايد إزاء المدن المزدحمة وارتفاع الإيجارات وسوء السلوك.

لا يوجد ما يمنع فرنسا من مواجهة ردود الفعل السلبية ضد السياح، كما أن المخاوف من هكذا ردات فعل ليست بلا مبرر. غير أن الالتزام بالسياحة المستدامة، إلى جانب البنية التحتية المتينة واستراتيجية توزيع الزوار على مختلف المناطق والمواسم، جميعها عوامل مؤثرة في الحد من هذه المخاطر.

فرنسا اتخذت نهجًا طويل الأمد

على عكس العديد من الدول التي تسعى جاهدة الآن لكبح جماح السياحة الجماعية، بدأت فرنسا في تمهيد الطريق منذ سنوات.

جعلت وكالة تنمية السياحة في فرنسا (أتو فرانس) الاستدامة ركيزةً أساسيةً لاستراتيجيتها. وبموجب خارطة طريق مدتها عشر سنوات - "خطة فرنسا للوجهة" - خصصت الحكومة 1.9 مليار يورو في عام 2021 لتشجيع السفر الأكثر مراعاةً للبيئة ومسؤولية.

وهذا يعني الدفع باتجاه السفر بالسكك الحديدية بدلاً من الرحلات الجوية القصيرة، والاستثمار في المدن متوسطة الحجم، وتشجيع الزوار على تجاوز المدن المعتادة، مثل باريس ونيس.

وعززت فرنسا جهودها هذا العام، مع تعهد جديد بالاستثمار في سياحة أكثر مراعاةً للبيئة وشمولاً وذكاءً رقمياً. ويأمل قادة السياحة أن يؤدي هذا الاستثمار إلى إقامات أطول، وحشود أقل، وتجارب أكثر فائدة.

تقول فيرونيكا ديكواترو، رئيسة قسم الأعمال التجارية بين المستهلكين والتوريد في أوميو، وهو محرك بحث سفر أوروبي: "لقد استثمرت السلطات الفرنسية في السفر المستدام لسنوات".

وتضيف: "ينصب التركيز الآن على تحسين جودة التجارب السياحية، وتوزيع أعداد الزوار على مدار العام لمكافحة السياحة المفرطة، والتركيز على ممارسات السياحة البيئية والرقمية والاجتماعية والشاملة".

قوة القطارات

تمتلك فرنسا واحدة من أوسع شبكات السكك الحديدية في أوروبا - 28,000 كيلومتر من المسارات، بما في ذلك 2,800 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية عالية السرعة.

تقول ديكواترو: "تُعدّ فرنسا من بين أكثر الدول سهولةً في الوصول للسياحة بالسكك الحديدية".

وتوضح أن المدن التي لا يتجاوز عدد سكانها 20,000 نسمة لديها محطات قطار. وبفضل قطارها عالي السرعة، يُمكنك الوصول من باريس إلى مرسيليا في ثلاث ساعات.

هذا النوع من الوصول يُعيد تشكيل أنماط السياحة، ويُعيد تشكيل السياسات أيضًا.

في عام 2023، حظرت فرنسا رسميًا الرحلات الجوية الداخلية على بعض المسارات التي يُمكن قطعها في أقل من ساعتين ونصف بالقطار. ورغم أن تأثيرها على المناخ غير واضح، إلا أن هذه الخطوة عززت السفر بالقطار، ومن المُرجح أنها شجعت الرحلات إلى مناطق ربما كانت غائبة عن الأنظار.

Related حتى الحبس له فاتورة.. فرنسا تدرس إلزام السجناء بدفع تكاليف احتجازهم والعائلات المتضرر الأكبرارتفاع قياسي منذ عقدين.. المستشفيات العامة في فرنسا تسجل خسائر بنحو 3 مليارات يوروجنوب فرنسا يواجه أضخم حرائق الغابات منذ نصف قرن وسط تحذيرات من تدهور الأحوال الجوية

السياح مُشتتون عمدًا

بينما تمتاز إسبانيا بساحل كوستا برافا، وتشتهر إيطاليا بمدينة البندقية، تجمع فرنسا كل هذه المزايا معًا، وهذا ما يميزها.

تقول مارين برات، مصممة فعاليات السفر والأعمال في "لوار سيكريتس": "يتوزع السياح في فرنسا. إنهم لا يقصدون مكانًا واحدًا فقط، بل يسافرون إلى عدة مناطق".

وتضيف برات: "يزداد عدد الناس الذين يرغبون في السفر بعيدًا عن الطرق التقليدية. إنهم يرغبون في رؤية مناطق مختلفة - ليس فقط المناطق الكلاسيكية، مثل باريس ونورماندي وجنوب فرنسا. الآن، يمكنهم أن يروا على إنستغرام أنه يُمكنهم السفر على بُعد ساعة ونصف من باريس واكتشاف القرى الساحرة وفنون الطهي والمدن النابضة بالحياة بسهولة".

ميزة ثقافية

يأتي إرث فرنسا في استضافة الغرباء ثماره اليوم. إذ تقول برات: "لطالما كانت فرنسا ملتقى للثقافات لقرون. من الطبيعي أن يزور فرنسا الناس من جميع أنحاء العالم... إنه جزء كبير من اقتصادنا".

هذا التاريخ الطويل من الاستضافة، إلى جانب بنية تحتية سياحية قوية، من المرجح أن يكون قد ساهم في حماية فرنسا من بعض المشاكل التي تشهدها أماكن أخرى.

وكما تشير برات، فقد ازداد عدد الوافدين من أسواق جديدة مثل الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا وأفريقيا في السنوات الأخيرة، فهم يجدون المزيد من الأنشطة خارج المدن الكبرى وينجذبون إليها أيضًا.

وتضيف: "نحاول الترويج لمزيد من التجارب المحلية. نحن منخرطون بشكل كبير في منطقتنا. نريد الترويج لمزيد من صانعي النبيذ العضوي أو الحيوي، والمزيد من الأطعمة المحلية والعضوية، والأشخاص الذين يعملون بهذه الطريقة".

وتقول فيرونيكا ديكواترو إن بيانات شركتها تدعم ذلك.

وتضيف: "كثيرًا ما يختار المسافرون باريس كوجهة أولى لهم." ولكن من هناك، كما تقول، يتوسعون، مضيفةً أن مرسيليا وستراسبورغ تنموان بسرعة، بفضل تحسن الاتصالات ووجود المزيد من التجارب التي يمكن للمسافرين تجربتها عند وصولهم إلى هناك.

هل يُمكن للتنظيم أن يُجنّب فرنسا الانتقام؟

لم تنجُ فرنسا من الاحتكاكات إذ إن الإضرابات المتكررة، في قطاع السكك الحديدية والطيران وغيرها، لا تزال جزءًا من يوميات الدولة الأوروبية. كما يُمكن أن يُشكّل الازدحام والتحديث العمراني مشاكلَ مُلحّة.

في غضون ذلك، جذبت دورة الألعاب الأولمبية العام الماضي اهتمامًا كبيرًا إلى مدينة الأضواء، لدرجة أن أكثر من 50 مليون شخص زاروها في عام 2024 وحده.

في وقتٍ سابق من هذا الصيف، بدأ سكان مونمارتر يُدقّون ناقوس الخطر بشأن تزايد حشود السياح. قال أحد السكان لوكالة "رويترز": "يأتي الناس لثلاث ساعات، يستمتعون، يشترون قبعةً أو كريبًا، ثم يغادرون، كما لو كانوا في مدينة ملاهي". بينما تأمل السلطات أن يُساعد التنظيم في درء الأسوأ

في حين أن تأجير أماكن الإقامة قصيرة الأجل قد تسبب في أزمات سكنية في مدن مثل لشبونة وبرشلونة، إلا أن السلطات في فرنسا كانت أسرع في التحرّك.

بموجب قانون صدر العام الماضي - قانون "لوي لو مور" - يمكن للحكومات المحلية وضع حد أقصى لإيجارات العطلات، وخفض عدد ليالي استئجار المساكن (من 120 إلى 90 ليلة)، وتغريم مُلّاك العقارات الذين يتجاهلون القواعد.

سواءً أكان الأمر يتعلق بقوانين تُنظّم الإيجارات قصيرة الأجل أو خطة رئيسية لنمو أكثر استدامة، يبدو أن نظام السياحة الفرنسي صامد. في عصر السياحة المفرطة، قد يكون السلاح السري للبلاد هو أنها خططت لهذه اللحظة منذ البداية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • كأس العالم للرياضات الإلكترونية.. انطلاق النسخة الإقليمية الجديدة من دوري الملوك العالمي
  • أنس الشريف ورفاقه.. حكاية طاقم الجزيرة الذي قتل أمام العالم
  • هل يعيد لقاء ترامب وبوتين المرتقب تشكيل النظام العالمي؟
  • الحاجز المرجاني العظيم يسجل أكبر خسارة منذ عقود
  • رغم كونها الدولة الأكثر زيارة في العالم.. كيف نجت فرنسا من الاحتجاجات ضد السياحة التي عصفت بجيرانها؟
  • بريطانيا تكشف تفاصيل التحول الاستراتيجي الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر
  • نظام الدفع الأفريقي الموحد.. ما الذي يعنيه انضمام الجزائر لأكبر شبكة تسوية مالية في القارة؟
  • مفتي الجمهورية يشكر الرئيس السيسي على رعايته للمؤتمر العالمي لدار الإفتاء
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ