الجزيرة:
2025-08-11@21:09:00 GMT

فرص نجاح الحكومة السودان الجديدة

تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT

فرص نجاح الحكومة السودان الجديدة

بعد طول ترقّب، أعلن رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس تعيين وزيرَي الدفاع والداخلية في حكومته المنتظرة دون الإفصاح عن الموعد المحدد لإعلان بقية حقائب الحكومة، الأمر الذي يعكس حجم التعقيدات التي تواجه مشاوراته مع فرقاء الساحة السياسية، وبالأخص الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا قبل خمس سنوات.

وكان رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان قد كلّف إدريس بمهام رئيس الوزراء بعد ما يقارب أربع سنوات من قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول والتي قضت بحل الحكومة حينذاك وفضّ الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، وظلّ الموقع شاغرًا طوال هذه المدة، مما أدى إلى تعميق المشاكل في جهاز الخدمة العامة، وإحداث التسيب في أدائها.

وعلى الرغم من تردد اسم كامل إدريس مبكرًا فإن توازنات اللعبة السياسية داخليًا وخارجيًا أخرت تولّيه هذا المنصب المهم خمس سنوات، ويأتي تعيينه وسط تحديات كبيرة تواجه السودان، خاصة بعد اندلاع الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع على الشعب السوداني والتي تجاوزت العامين مخلفة مآسي إنسانية هائلة، ووضعًا اقتصاديًا مزريًا، وتمزقًا في المشهد السياسي وخلافات عميقة بين المكونات الاجتماعية السودانية المختلفة.

فقد أضافت الحرب الحالية صعوبات أخرى جديدة على الأوضاع الموروثة أصلًا في هذا البلد الذي مزقته الصراعات وأخرت مشاريع التنمية فيه، وبما أن الدكتور كامل إدريس لا ينتمي للنادي السياسي المعروف تاريخيًا في السودان بتوزيع الولاءات والانتماءات بين القوى السياسية المتناحرة، حيث إنه لا ينتمي لأي حزب سياسي، بل ظلّ خارج السودان حتى بعد انتهاء فترة تكليفه بقيادة المنظمة العالمية للملكية الفكرية، فإن ذلك قد يكون عامل قوة وضعف في نفس الوقت.

ففي بلد مثل السودان الذي تلعب فيه العوامل الاجتماعية والقبلية دورًا مؤثرًا في تشكيل المشهد السياسي يحتاج المرء إلى معرفة الديناميات التي تحكم ذلك التنوع القبلي والإثني، ومن ثمّ ترتيب الأمور على نحو يضمن التوازن ويحقق الرضا، بينما يرى آخرون أن عدم تصنيف كامل إدريس وانتمائه لأي حزب قد يعفيه من كثير من الالتزامات التي تقع على الأحزاب كونها تتشكل من خلفيات اجتماعية شتى وملزمة بإحداث التوافق والتوازن في التمثيل.

إعلان

كل هذه الأمور تطرح تساؤلًا مركزيًا عن فرص نجاحه وسط هذه الأمواج العاتية والتحديات الكبيرة.

وضع عسكري مقلق وملفات مدنية شائكة

لعل التحدي الأبرز الذي يواجه الدكتور إدريس هو الوضع العسكري والأمني في البلاد، وعلى الرغم من أن هذا الملف تقع مسؤوليته بصورة مباشرة على مجلس السيادة والقوات المسلحة السودانية، ولكن تفاصيل إدارته وآثاره العملية والإنسانية ستؤثر وبشدة على فرص نجاح هذه الحكومة التي لم تعلن بعد.

ومن مدينة بورتسودان – ألف كيلومتر شرق الخرطوم العاصمة – العاصمة الإدارية حاليًا أعلن إدريس أن من أولويات حكومته العودة ومباشرة المهام من العاصمة الخرطوم، ومع أهمية هذا الهدف وتعلق قلوب ملايين السودانيين به، هل بإمكان الحكومة تحقيقه في المدى القريب؟

عمليًا لا تزال حرب المليشيا على الشعب السوداني مستمرة، وصحيح أن الجيش والقوات التي تسانده نجحوا وبعد تضحيات كبيرة في هزيمة المليشيا وطردها من ولايات: سنار، الجزيرة والخرطوم، ولكن المليشيا اعتمدت تكتيكًا آخر وهو مهاجمة هذه المواقع عبر المسيرات الإستراتيجية واستهداف البنية التحتية، وخاصة خدمات الكهرباء والمياه؛ بغرض تعطيل خطة الحكومة الرامية لتطبيع الأوضاع العامة، والعمل على إعادة ملايين النازحين واللاجئين إلى بيوتهم، هذا فضلًا عن استمرار معركة الكرامة في ولايات كردفان، حيث تحقق متحركات الجيش تقدمًا ملحوظًا على الأرض.

وعلى الرغم من التحالف الذي نشأ بين المليشيا وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، نجح الجيش في تحقيق انتصارات متتالية في مدن كردفان، واستعاد بعض المناطق من حركات التمرد هناك، وفي دارفور تسيطر المليشيا على أربع ولايات بينما تحتدم المعارك حول الفاشر وتخومها في ولاية شمال دارفور.

وقد شكل صمود الفاشر والتضحيات التي قدمتها القوات المسلحة مسنودة بالقوات المشتركة- وهي قوة قتالية فعالة تتكون من حركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا- إفشالًا لخطط المليشيا بإعلان حكومة موازية تكون الفاشر عاصمتها.

ولا يقل الملف الاقتصادي تعقيدًا عن الملف العسكري والأمني، حيث خلّفت الحرب وضعًا معقدًا وغاية في الصعوبة، فقد استهدفت مليشيا الدعم السريع وبشكل ممنهج كل المؤسسات الاقتصادية من مصانع وبنوك ودمرتها تدميرًا شاملًا في العاصمة الخرطوم، وهناك تقديرات أولية تقول إن حجم الخسائر يتجاوز 215 مليار دولار في القطاعين: الصناعي، والزراعي وحدهما، بينما تقول تقارير المنظمات الإنسانية إن 70% من المستشفيات والمؤسسات الصحية خارج الخدمة حاليًا والخسائر في البنية الصحية تقدر بحوالي 11 مليار دولار.

كما أن المليشيا قامت بعمليات نهب واسعة ومنظمة استهدفت ممتلكات المواطنين ومدخراتهم، بجانب تخريب خدمات المياه والكهرباء وسرقة معدات الطاقة والمحولات الكهربائية، والتحدي الأبرز في هذا المحور هو في كيفية إعادة تشغيل النظام الاقتصادي وإعادة بناء، منظومته اللوجيستية، وضمان توفير المطلوبات العاجلة لتحريك عجلة الاقتصاد.

إنسانيًا تقول الأمم المتحدة إن الوضع في السودان يعتبر الأسوأ عالميًا، حيث تسببت الحرب في مقتل ما بين 70 ألفًا إلى 100 ألف قتيل من المدنيين، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين لدول الجوار عشرة ملايين، وتوقفت العملية التعليمية لأكثر من ستة ملايين تلميذ، وأكثر من 700 ألف طالب جامعي.

إعلان

وبعد تحرير الخرطوم بدأت عودة المواطنين لمنازلهم، ولكن لا تزال الشكوى قائمة من انعدام الخدمات الأساسية، خاصة بعد استهداف مليشيا الدعم السريع محطات المياه والكهرباء بالمسيرات الحربية، ويقول والي ولاية الخرطوم إن حكومة الولاية قادرة على توفير الأمن والخدمات.

وتتزايد الأزمة الإنسانية في ولايات دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان، حيث لا تزال المعارك دائرة، مما يضعف قدرة المواطنين على الوصول لمزارعهم وممارسة نشاطاتهم الاقتصادية المطلوبة.

مشاورات صعبة لتشكيل الحكومة

يحتاج رئيس الوزراء كامل إدريس تجاوز عتبة التشكيل الوزاري للوصول إلى الملفات الصعبة ومباشرة مهامه، ولا تبدو خطوة تجاوز تلك العتبة سهلة، خاصة أن أطراف اتفاق جوبا، وأبرزهم حركة العدل والمساواة برئاسة الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية، وحركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور تصرّ على الاحتفاظ بنفس الوزارات المهمة كالمالية والمعادن والتي ظلت تشغلها منذ التوقيع على اتفاق جوبا في 2020.

بينما يرى رئيس الوزراء والدائرة المحيطة به أن الحكومة ملزمة فقط بنسبة الـ 25% التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام دون النص على وزارات محددة، وتقول تقارير صحفية إن رئيس مجلس السيادة تدخل في المشاورات لتقريب وجهات النظر ومحاصرة عوامل الاختلاف.

أدى الفراغ في موقع رئيس الوزراء إلى مشاكل في الخدمة المدنية اضطر معه مجلس السيادة لممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية في الفترة الماضية، وتحتاج مستويات الحكم لإعادة تنظيم الاختصاصات بما يخلق الانسجام ويؤسس للتعاون البناء دون تدخل من أحد الأطراف في صلاحيات الآخر.

وعلى كل فإن المهمة المركزية أمام رئيس الوزراء وحكومته المرتقبة هي استعادة عمل أجهزة الدولة لتعمل بكفاءة وقدرة تمكنها من إعادة تفعيل ديوان الخدمة العامة، والعمل على نقل الحكومة للعاصمة القومية الخرطوم، وهو ما يتطلب وبصورة عاجلة دعم قوات الشرطة والأمن وأجهزة العدالة كالنيابة والقضاء لتقوم بدورها، إذ مع بداية عودة النازحين لمنازلهم برزت مشكلة التفلتات الأمنية في الخرطوم من مجموعات كانت تعمل مع الدعم السريع التي قامت إبان سيطرتها على الخرطوم بإطلاق سراح آلاف الموقوفين في السجون وتسليحهم في معركة عدوانها ضد الشعب السوداني.

كما أن الحكومة بحاجة عاجلة لخطة اقتصادية إسعافية تركز على الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج في محاور الزراعة والصناعة والاستثمار، وتوظيف الموارد المتاحة كالذهب والبترول والموانئ؛ لتوفير الأرضية المناسبة لانطلاق برنامج إعادة الإعمار الكبير.

وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الكرامة ضد المليشيا فإن الحكومة مدعوة لبذل الجهد الكبير لتوفير مظلة الدعم الداخلي والخارجي من أجل استكمال تحرير البلاد وهزيمة مشروع المليشيا.

وهي ليست مهمة سهلة خاصة في ظل التصعيد الخطير الذي شهدته الحرب في الأسبوع الماضي باحتلال المليشيا منطقة المثلث الحدودي الإستراتيجية التي تتوزع بين السودان، ومصر، وليبيا، وذلك بمساندة من مليشيات ليبية مدعومة من خليفة حفتر، وعلاقات مضطربة مع دول الجوار في تشاد وجنوب السودان وكينيا التي توفر ملاذًا لقيادات المليشيا العسكرية والسياسية، ويزداد التحدي في هذه النقطة من سعي المليشيا لإنشاء حكومة موازية في دارفور والمناطق التي تسيطر عليها على غرار التجربة الليبية.

وعلى الرغم من فشلها حتى الآن في ذلك، فإن الأمر يتطلب تحركًا دبلوماسيًا فاعلًا يحاصر المليشيا ويقضي على طموحاتها السياسية، وما يشجع في هذا الأمر هو الترحاب الذي قوبلت به خطوة تعيين رئيس الوزراء من قبل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وأطراف إقليمية عدة.

ويرجح أن يعود السودان عضوًا فاعلًا في الاتحاد الأفريقي بعد رفع تجميد عضويته منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفي مارس/ آذار الماضي أدان الاتحاد الأفريقي محاولات المليشيا إقامة حكومة موازية، وهو ما اعتبره المراقبون تحولًا في الموقف الأفريقي نتيجة التغيير الذي تم في رئاسة المفوضية والجهود الكبيرة التي اضطلع بها مندوب السودان في المنظمة الأفريقية المهمة، وفي ظل تراجع الحديث عن الحلول السياسية تحتاج الحكومة لصياغة مشروع متكامل للتعامل مع المستجدات المتوقعة في هذا الإطار.

إعلان

وبعد الفراغ من المهام العاجلة تنتظر الحكومة المقبلة مهمة كبرى، وهي كيفية تهيئة البلاد نحو الوضع السياسي الطبيعي، وإنهاء حالة الانتقال الهشة التي استطالت منذ سقوط النظام السابق في أبريل/ نيسان من العام 2019، وكان من المرجح أن تنتهي بالانتخابات بعد أربع سنوات.

والتحدي الأبرز هنا هو في تفكك الحاضنة السياسية التي تقف خلف الجيش، وفشلها في تكوين تحالف مرن يمكنها من الدفع السياسي والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب، وتحتاج الحكومة والمجلس السيادي تعميق التشاور مع الأطراف السياسية؛ لتنظيم الحوار السوداني- السوداني الذي وعد به رئيس الوزراء في أول خطاب له بعد أداء القسم، وذلك للنظر في كيفية التحول نحو الانتخابات وإنهاء حالة الانتقال، وفي خضم ذلك تطل قضايا لا تقل أهمية مثل رتق النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وخطاب الكراهية الذي انتشر بصورة كبيرة بين المكونات الاجتماعية.

وعلى كلٍّ فإنه يبدو أن رئيس الوزراء محيط بكل تلك الصعوبات، فقد خرج مخاطبًا الشعب السوداني ليحدد أولويات حكومته وخطتها لاستعادة الاستقرار ومسار بناء الدولة، ومن خلال ذلك البيان أطلق شعار الأمل ليكون عنوانًا لبرنامج حكومته المنتظرة، كما أنه خاطب أجهزة الإعلام داعيًا إياها لمساعدة الحكومة على استقاء الأخبار من مظانها وعدم تعميق الخلاف بين المكونات الوطنية.

ويحتاج رئيس الوزراء إلى الإسراع بإعلان حكومته، فالشعب ينتظر العمل على الأرض والإنجازات التي تمكنه من العودة إلى دياره واستئناف حياته، ولن يكفي شعار الأمل وحده لتحقيق تلك التطلعات الكبيرة، ولذلك لا يزال كثير من المواطنين يتساءل متى سيبدأ العمل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الشعب السودانی وعلى الرغم من الدعم السریع مجلس السیادة رئیس الوزراء اتفاق جوبا کامل إدریس فی هذا

إقرأ أيضاً:

الوجه الآخر لحرب السودان.. مرتزقة وراء البحار

هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مقاتلون أجانب في صفوف قوات الدعم السريع، فهذه الحرب المدمرة أكبر من أن يقودها فصيل تمرد على قيادة الجيش السوداني، فقضى على بنية الدولة السودانية الحديثة التي تجاوز عمرها مائة عام. ومع مرور الأيام، بدأت تتكشف المساهمة الفعلية لدول الجوار والإقليم في حرب السودان، منذ أن أطلق الدعم السريع الطلقة الأولى في الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2023. ولم يعد خافيا على أحد مَن هم الذين يحاربون الجيش السوداني، ولصالح مَن يفعلون ذلك.

أخطأت قوات الدعم السريع ومن يخطط لها في تقدير تكلفة الحرب بشريا وماديا، إذ ظنت قيادتها أن الاستيلاء على السلطة لن يكلف سوى بضع ساعات من الزمن، مدعومة بتعزيزات عسكرية احتياطية دفعت بها قبل ساعات من انقلابها الفاشل من خارج الخرطوم، وتمكنت حينها من الانتشار مؤقتا وعزل مقرات الجيش السوداني عن بعضها البعض داخل الخرطوم.

في المقابل، كانت خطة الجيش السوداني طويلة الأمد، وتهدف إلى استنزاف قوات النخبة المزودة بالعتاد الكافي للسيطرة على كامل السودان، فهلك الصف الأول من هذه القوات، وفتحت أبواب الاستنفار على مصراعيها لتعويض الخسائر البشرية الجسيمة.

وبحسب هذه المعطيات، غادر نائب قائد الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، الخرطوم مبكرا لاستنفار الحواضن الاجتماعية في دارفور وكردفان، والاستعانة بمقاتلين أجانب من دول الجوار ومناطق التداخل القبلي مع السودان، مغريا إياهم بأن منازل مواطني الخرطوم المليئة بالذهب والأموال في انتظارهم. وقد استعان الدعم السريع بوحدات متخصصة في المدفعية من جنوب السودان، وقناصين من إثيوبيا، وطيارين لأغراض الإمداد اللوجستي من كينيا، وآلاف المقاتلين في القوات البرية من تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا والنيجر؛ هلك معظمهم في معارك الخرطوم والجزيرة وسنار، بينما تراجع من تبقى منهم إلى دارفور للمشاركة في حصار الفاشر، التي تشهد أزمة إنسانية كارثية، حيث تمنع قوات الدعم السريع عن سكانها الطعام والدواء، رافضة كل المبادرات الإنسانية والقرارات الدولية لفك الحصار عنها.

وإذا وضعنا في الاعتبار دوافع هؤلاء المقاتلين العابرين للحدود، بجانب الارتزاق، فهناك دوافع قبلية وغيرها، لكن تدفق المرتزقة العابرين للبحار إلى السودان يكشف الوجه الآخر للحرب، إذ تُدار من قبل أطراف أكبر من تصورات قوة متمردة حديثة التكوين تخوض حربا لطمس معالم الدولة السودانية.

وعلى مدى العامين الماضيين، أثبتت تقارير ميدانية تورط مرتزقة كولومبيين في عمليات عسكرية داخل الخرطوم وخارجها، مما اضطر سفارتهم في القاهرة للاعتذار لوزارة الخارجية السودانية عن هذه التصرفات. كما شارك خبراء من أوكرانيا في تزويد وتدريب عناصر الدعم السريع على استخدام الطيران المسيَّر في هجمات انتحارية ضد منشآت مدنية وشبكات الكهرباء. إلى جانب ذلك، شارك مقاتلون من مجموعة "فاغنر" الروسية في مهام قتالية وحماية شخصيات وقيادات بارزة في قوات الدعم السريع متعددة الجنسيات.

وقد انخرط جميع هؤلاء في حرب لا دوافع لهم فيها سوى جلب المال والغنائم، ومن أجل ذلك مارسوا جرائم منظمة تمثلت في نهب البنوك والأسواق والممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير الجامعات والمؤسسات التعليمية، وكل ما يتعلق بطمس الهوية السودانية، إضافة إلى القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب وانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني.

وكشفت معارك الفاشر الأخيرة عن مشاركة مرتزقة كولومبيين في حصار المدينة واستهداف المدنيين بالقصف المدفعي، وتدريب مقاتلين، بينهم أطفال، على حرب المدن، إضافة إلى إدارتهم للعمليات الجوية في مطار نيالا، الذي تستخدمه قوات الدعم السريع كقاعدة عسكرية للإمداد العسكري وإجلاء الجرحى إلى خارج السودان، وكمنفذ جوي لحكومته الافتراضية.

كما أظهرت الهجمات الأخيرة على مدينة الفاشر تحالفا جديدا بين مليشيات قبلية ومرتزقة من وراء البحار، يمارسون القتل خارج القانون والتهجير القسري لمواطنين عزّل، وسط تجاهل المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا لفك الحصار عنهم، رغم أنهم ضحايا صراع دولي وإقليمي مستمر تجاوز مرحلة الخلاف الداخلي، وبات مهددا لأمن المنطقة بأكملها. ولا مبادرات جديدة بعد فشل الرباعية الدولية، سوى الزج بالمزيد من المرتزقة متعددي الجنسيات إلى السودان.

في المحصلة، بدأت معركة جديدة في سبيل مقاومة "الاستعمار الجديد" الذي أطل برأسه عبر مشروع رعاة الدعم السريع الرامي إلى تفتيت السودان. وقد عبّر عن ذلك اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي في أديس أبابا، الذي رفض التدخلات الخارجية في السودان، وأدان الحصار المفروض على الفاشر، والمحاولات المستميتة لتقسيم البلاد ووضعها تحت الوصاية الدولية والإقليمية.

مقالات مشابهة

  • الوجه الآخر لحرب السودان.. مرتزقة وراء البحار
  • عاجل | رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري: الاستهداف المتعمد للصحفيين لا يحجب الفظائع التي ترتكبها إسرائيل بقطاع غزة
  • رئيس الوزراء يتابع توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة
  • ماذا قالت حرم رئيس الوزراء في أول ظهور إعلامي لها؟
  • مقابر الحرب العشوائية.. مأساة وحكايات لم تُروَ في قلب الخرطوم
  • تم احتواء الكوليرا في الخرطوم والوفيات صفر
  • شاهد بالفيديو.. أيقونة الثورة السودانية “دسيس مان” يظهر حزيناً بعد إصابته بكسور في يديه ويلمح لإنفصاله عن الدعم السريع والجمهور يكشف بالأدلة: (سبب الكسور التعذيب الذي تعرض له من المليشيا)
  • دعوات لإنقاذه.. ما الذي يتهدد اتفاق السلام في جنوب السودان؟
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ