تعرضت إيران لهجمات كاسحة وماسحة في 13 حزيران/ يونيو من سلاح الجو الإسرائيلي، وأفقدها هول المفاجأة بعض توازنها، خاصة وأن بعض كبار قادتها العسكريين قضوا في الموجات الأولى لتلك الهجمات (التي وصفتها بعض وسائل الإعلام العربي ب"الاستباقية"، في ببغاوية مقيتة، مجاراة لوسائل إعلام غربية، كانت تجاري بدورها الإعلام العسكري الإسرائيلي، الذي سعى لتبرير العدوان على ايران بأنه استباقي، وكأنما كان هناك عدوان إيراني وشيك عليها، ومن ثم فلا حرج ولا إثم في استباق العدوان بعدوان رادع، وما زالت هذه الببغاوية السمجة تقول عن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حركة حماس، أنهم "رهائن"، بينما آلاف الرهائن الفلسطينيين في سجون إسرائيل "سجناء").
امتصت إيران الصدمة الأولى، وأمطرت إسرائيل بوابل من القذائف الصاروخية، جعلت صافرات الإنذار في كبريات مدن إسرائيل في حال ولولة شبه مستمرة لعدة أيام. وصحيح أن خسائر إيران في حرب الـ 12 يوما كانت أفدح بلغة الحساب، ولكن صحيح أيضا أنه لم يحدث أن تكبد العمق الإسرائيلي، في كل حروب إسرائيل مع جيرانها العرب، خسائر كتلك التي تسببت فيها الصواريخ الإيرانية، ولم تكن إسرائيل لتقبل وقف العدائيات، لولا أنها فوجئت بكفاءة قدرات إيران الهجومية، فقد كانت غاية حرب إسرائيل على إيران، كما أعلنها نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، شل برنامج إيران النووي، وإسقاط النظام الحاكم في طهران، ومن المؤكد أن بعض المنشآت النووية الإيرانية تضررت من الضربات الإسرائيلية، ولكن ليس هناك ما يؤكد أنها باتت مشلولة، كما يردد نتنياهو وكفيله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. أما أن تؤدي تلك الضربات والخسائر الناجمة عنها إلى حراك من نوع ما لإسقاط النظام الحاكم في طهران، فهذا محض غباء، فمهما كان نظام حكم ما في دولة ما، ظالما وفاسدا وباطشا ومرفوضا شعبيا، فإنه يحظى بسند شعبي كاسح عندما تتعرض تلك الدولة لعدوان خارجي.
لم يحدث أن تكبد العمق الإسرائيلي، في كل حروب إسرائيل مع جيرانها العرب، خسائر كتلك التي تسببت فيها الصواريخ الإيرانية، ولم تكن إسرائيل لتقبل وقف العدائيات، لولا أنها فوجئت بكفاءة قدرات إيران الهجوميةبدوره سعى ترامب لتصوير مشاركة سلاح الطيران الأمريكي في قصف المنشآت النووية الإيرانية، بأنه كان نجاحا كاسحا، وأن تلك المنشآت obliterated أي تم محوها تماما، وهذا ما لم يحدث، فالمنشأة النووية الأكبر، فوردو، التي كانت هدفا لطائرات يو2 الأمريكية، تعرضت للقصف بقذائف ذات قدرات اختراق فائقة لأعتى الموانع والسواتر، ولكن إيران كانت وقتها قد نقلت كل المواد الانشطارية المشعة إلى مواقع آمنة، ولهذا فإن الدمار الذي ربما لحق بفوردو غير ذي بال، وتستطيع إيران الاستمرار في تخصيب اليورانيوم في منشآت أخرى بديلة، ومن ثم يمكن القول بأن المشاركة الأمريكية في العدوان على إيران، كانت من باب جبر خاطر نتنياهو، توطئة لحثه على قبول وقف اطلاق النار، إنقاذا لما تبقى من ماء وجهه، بعد ان عرض إسرائيل لمخاطر وخسائر بشرية ومادية جمة.
ورغم أن النظام الحاكم في إيران، ظل وما زال بلا صديق أو حليف حقيقي، فما من دولة عدا الولايات المتحدة صفقت لعدوان إسرائيل عليها، بل انقلب الرأي العام الرسمي والشعبي على إسرائيل، وأضيف العدوان إلى سيرتها غير العطرة، ككيان قائم على البغي والعدوان، ولم تنصرف الأنظار كما حلم نتنياهو عن الأوضاع المأساوية، التي تسببت فيها إسرائيل في غزة.
ما كانت إسرائيل ستوقف عدوانها على إيران، لولا أن الأخيرة كالت لها الصاع صاعات، وأثبتت أن القبة الحديدة التي ياما تباهت بها إسرائيل كدرع واق من الصواريخ، تغدو قبة من كرتون إذا انهالت عبرها صواريخ كثيرة في زخات متتالية، بدليل أن إسرائيل استنجدت بواشنطن لتوافيها بالصواريخ الاعتراضية، لأن مخزونها منها أوشك على النفاد.
خرجت إيران من حرب إسرائيل عليها مثخنة بالجراح، فقد خسرت مئات الأرواح، ومن بينها أرواح بعض كبار العسكريين، وفقدت معظم ترسانتها من الصواريخ البالستية، وربما تعرض سلاح طيرانها للشلل التام بسبب ضرب المطارات الحربية، أو لأنها دمرت في معظمها في غارات اليوم الأول من الحرب، وترنحت كثيرا ثم لملمت شعثها ومارست الكر على إسرائيل، وأوجعت، وخسائر إسرائيل في البنى التحتية التي دكتها صواريخ إيران تناهز 6 مليار دولار، بينما تقديرات تكلفة عملياتها العسكرية تبلغ 20 مليار شيكل (5,9 بليون دولار) حسب إفادة عامير يارون، محافظ البنك المركزي الأمريكي، في لقاء مع قناة بلومبيرغ التلفزيونية، الذي أضاف أن تكهنات نمو إجمالي الدخل الوطني في إسرائيل، تفيد بأنه سينخفض خلال العام الجاري إلى 1,7% بعد ان كانت تقديراته 3,3%، بينما يقول المعهد الدولي للشؤون المالية ان العجز المتوقع في ميزانية 2025 في إسرائيل، سيرتفع من 5,5% الى 8,5%، وبموازاة ذلك يرتفع الدين العام من 69% الى 74%. وتلقت إدارة الضرائب الإسرائيلية حتى يوم 26 حزيران/ يونيو الجاري، 32075 دعوى تضرر بنايات و4119 دعوى تضرر سيارات ومركبات، و4456 دعوى تضرر معدات وآليات، والحبل على الجرار.
رغم أن النظام الحاكم في إيران، ظل وما زال بلا صديق أو حليف حقيقي، فما من دولة عدا الولايات المتحدة صفقت لعدوان إسرائيل عليها، بل انقلب الرأي العام الرسمي والشعبي على إسرائيل، وأضيف العدوان إلى سيرتها غير العطرة، ككيان قائم على البغي والعدوان.ولا شك أن خسائر إيران في الأرواح والممتلكات أفدح، ولكن لا شك أيضا في أن إيران أخرست من شمتوا فيها، عندما تلقت الضربات الأولى الموجعة، وكسبت تعاطفا دوليا لأنها كانت ضحية عدوان جائر لم تركع، له، بينما اثبت الشعب الإيراني أنه يتكلم بصوت واحد عندما يتعرض الوطن للمحن.
وقد توقفت الحرب دون أن يخرج أي من طرفيها منتصرا بأي قدر. ومع هذا فإن من حق كبير القوم في ايران، على خامنئي، التباهي بالنصر، من منطلق ان عدم الانكسار امام العدوان وحرمان المعتدي من تحقيق غاياته، نصر معنوي. والحقيقة التي لا مراء فيها هي أن إيران أكثر قدرة من إسرائيل على تحمل الخسائر البشرية والمادية، دون استجداء المدد من "كفيل"، وأن إيران ستبقى، كما كانت عبر التاريخ المدون، عصيّة على الاستعمار والإذلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه إيران الإسرائيلي حرب الرأي إيران إسرائيل رأي حرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الحاکم فی
إقرأ أيضاً:
شددت على أهمية السماح بدخول المساعدات.. 27 دولة تضغط على إسرائيل لوقف العدوان
البلاد (الرياض)
في تحرك دبلوماسي واسع، طالب وزراء خارجية 27 دولة؛ من بينها بريطانيا وفرنسا، إسرائيل بالسماح بإدخال شحنات المساعدات الإنسانية التابعة للمنظمات الدولية إلى قطاع غزة دون عوائق، ووقف استخدام “القوة الفتاكة” في مواقع توزيعها، وضمان حماية المدنيين والعاملين في المجالين الإنساني والطبي. وجاء هذا النداء في وقت تتفاقم فيه أزمة الجوع التي تضرب القطاع المحاصر منذ أشهر.
الدول الموقعة على البيان دعت إسرائيل لاتخاذ خطوات عاجلة وملموسة؛ تشمل منح تصاريح فورية، وتسهيل وصول منظمات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين بشكل آمن وواسع النطاق، لإدخال المساعدات عبر المعابر، في ظل استمرار العمليات العسكرية.
بالتوازي، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عرض على قادة الجيش خطة للسيطرة الكاملة على غزة؛ بدعم من تيارات اليمين المتشدد في حكومته، لكن قيادات الجيش حذرت من تكرار تجربة لبنان 1982، إذا مضت الخطة دون تصور واضح لمرحلة ما بعد الحرب. الانقسامات بين القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تعكس توتراً متصاعداً بين متطلبات الأمن القومي والحسابات السياسية.
ميدانياً، وصل وفد من حركة حماس إلى القاهرة برئاسة خليل الحية؛ لاستئناف المباحثات بشأن وقف إطلاق النار بعد فترة من الجمود. مصادر مصرية أكدت أن المفاوضات تركز على هدنة مؤقتة لمدة 60 يوماً، مع بحث مبادرة شاملة، تتضمن تبادل أسرى ونزع سلاح الحركة مقابل إنهاء العمليات العسكرية. تأتي هذه المفاوضات ضمن تحركات مصرية مكثفة، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، للتوصل لاتفاق يفتح الباب أمام مؤتمر دولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.
في السياق نفسه، واصلت السلطات المصرية إرسال المساعدات الإنسانية، حيث جرى تجهيز 300 شاحنة محملة بالإمدادات الغذائية والطبية والخيام عبر معبر كرم أبو سالم، في إطار الجهود الإغاثية المستمرة لدعم سكان القطاع.
على الأرض، يعيش أهالي غزة أوضاعاً إنسانية متدهورة، حيث تعاني العائلات من نقص حاد في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، فيما تعمل المستشفيات الميدانية بأقصى طاقتها لمواجهة الإصابات البالغة وسط شح في الأدوية والمستلزمات الطبية. وتصف منظمات الإغاثة الوضع بأنه “كارثي وغير مسبوق” منذ بداية الحصار.
ويرى محللون أن الضغوط الدولية، إلى جانب التحركات الإقليمية النشطة، قد تشكل فرصة ضيقة لوقف التصعيد إذا ما توافرت إرادة سياسية من الأطراف المعنية، غير أن استمرار الانقسامات داخل إسرائيل، وتعقيد ملفات التفاوض مع الفصائل الفلسطينية، يبقيان المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما في ذلك خطر اتساع دائرة الصراع.