صحيفة التغيير السودانية:
2025-10-12@13:00:40 GMT

ابتزاز (الكاهن) في زمن الحرب

تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT

ابتزاز (الكاهن) في زمن الحرب

بثينة تروس

إعلان تشكيل ما سُمّيت بـ(حكومة الأمل)، بقيادة رئيس الوزراء كامل إدريس، أظهر للعلن صراع خفي، ولكنه شرس على المناصب الوزارية. رئيس الوزراء الذي بدا متأثرًا بنموذج العدالة في سويسرا، حاول أن يتجاوز الواقع السياسي المعقد في البلاد بعبارات مثالية من قبيل (يقتضي الأمر أن نمحو من قاموسنا المحاصصة والمحاسبة والمحسوبية، بكل أشكالها وألوانها، وأن نحتكم إلى مبادئ العدالة والشفافية).

وهكذا، غفل عن أن التمكين في هذه الحرب اللعينة أعاد إنتاج نفسه بصيغ قديمة، هي ذاتها التي جعلت من قوات الدعم السريع وليدًا شرعيًا خرج من رحم المؤسسة العسكرية، وأن حميدتي (حمايتي) بات فوق الجيش، شريكًا له في السلطة والثروة.
ما إن كُشف النقاب عن أسماء المرشحين للوزارات، حتى اندفع كل من قاتل إلى جانب الجيش وأُذن له بحمل السلاح ضد الدعم السريع من الحركات المسلحة، وكتائب البراء بن مالك، والدفاع الشعبي، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية، وكتيبة شيبة ضرار، وغيرهم من المليشيات الوليدة الموالية للجيش ليصطفوا في طابور طويل، ملوّحين بالتهديد ومطالبين بـحقهم المطلق في الاستوزار، أما الوزارة أو التمرد. ومعركة اليوم لم تعد فقط مع الدعم السريع، بل باتت مع الداخل السياسي ذاته، مع شبكات المصالح التي ترى في الوزارات غنيمة معركة الكرامة، وتحول الجنرال البرهان من (الكاهن) هازم التمرد للشريك الذي لا يؤتمن.
ظن الكيزان انهم سوف يستغفلون الحركات المسلحة، تغنوا بأغاني الجهاد و (مشتركة فووووق) ولم يحسبوا حسابات أطماع الحركات المسلحة وقادتها الذين ايدوا انقلاب البرهان علي حكومة رئيس الوزراء حمدوك، وناصروه من اجل الاحتفاظ بالسلطة والثروة، وغدروا بثورة ديسمبر السلمية التي حولتهم من مليشيات متمردة في نظر الجيش الي وزراء، ، تخلي هؤلاء عن قضايا اقاليمهم في الامن والسلام المستدام والعيش الكريم مفضلين اطماعهم الشخصية باحقية اتفاقية جوبا للسلام التي صارت (جنازة بحر)! ومن سخرية الاقدار يرفعون اتفاقية السلام بيد وبالأخرى يضغطون على زناد البنادق. واليوم، يعود المشهد ذاته الذي عرفه السودانيون في عهد نظام الكيزان، لعبة الخيانات والاغتيالات في سبيل نهب المال العام (لقد أكلوا الأموال اكلا عجيبا)، فحين شعرت الحركات المسلحة بمخطط حكومة بورتسودان في التخلص منها، انسحبت من منطقة المثلث وتركتها نهبا للدعم السريع، لتأكد ان الجيش لا قبل له بالنصر من دون دعمها وقواتها.
وموقف وزير المالية (الكوز) جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، الرافض التخلي عن المنصب ومستحقاته، يعيدنا إلى ذاكرة وزراء كيزان اخرون لم يخفوا حزنهم على مفارقة المناصب، من بينهم وزير المعادن الأسبق كمال عبد اللطيف، الذي لم يتردد في البكاء عند إقالته، في مشهد أثار سخرية الشارع السوداني. ولا يزال كثيرون يتذكرون قضايا الفساد المرتبطة بشركات مثل (الموارد المعدنية)، التي تحوّلت إلى مظلة مالية تغذي كتائب ظل وواجهات أمنية بموارد الدولة. وفي ظل هذا المشهد، جاءت حكومة الأمل بتعهدات فضفاضة حول الزهد في المناصب ومكافحة الفساد وتقديم وزراء ذوي كفاءة، لكن أولى قراراتها مثل تعيين الفريق حسن داؤود كبرون وزيراً للدفاع، وهو الذي شغل من قبل منصب المدير المالي للمؤسسة العسكرية، وخازن بيت مال قادة الجيش، بدت كأنها إعادة تدوير لرجالات النظام السابق، ممن كانت تمر عبرهم صفقات الذهب المهرّب إلى الخارج.
المؤسف في هذه المرحلة من الحرب اللعينة، أن الجيش يواجه ابتزازًا فاضحًا، وتهديدات صريحة تُوجَّه للجنرال عبد الفتاح البرهان إما منح المناصب، أو نترك الجيش فريسة للفوضى والهزائم، بزعم أنهم (صنّاع النصر الحقيقيون)، يبقى السؤال هل يمكن بناء دولة في ظل تفاقم الحروب على ركام الفساد والطمع السلطوي؟ وهل يمكن لحكومة الأمل أن تتجاوز هذا الإرث دون مواجهة حقيقية مع الحركات المسلحة والمليشيات الجهادية التي تعيق الإصلاح من الداخل؟ وهل لا تزال الحكومة تصر على مواصلة الحرب، وهزيمة تمرد الدعم السريع ولو استمرت الحرب لمائة عام؟ وهل يعني أعلان تذمر الحركات المسلحة بداية فصل اَخر من فصول الحرب قد يقودها للتحالف مع الدعم السريع ضد الجيش؟
وفي ظل هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، لا خيار أمام السودانيين سوى كسر دائرة الابتزاز والتمكين، وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة الحقيقية لا شعاراتها. فالحرب وحدها لن تصنع كرامة، ما لم تُهزم عقلية الغنيمة التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية.
لن يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم.

الوسومبثينة تروس

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرکات المسلحة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

حكومة السودان تُطالب بمُساندة دولية للقضاء على الدعم السريع

قالت حكومة السودان، اليوم الأحد، إن هجوم الأمس الدامي لن يزيد شعب السودان إلا تمسكاً بموقفه الثابت بضرورة القضاء على ميليشيا الدعم السريع التي تزعزع الأمن في المنطقة والإقليم

وأضافت :"جرائم الدعم السريع تحتم على الإرادة الدولية مساعدة السودان على اجتثاث هذه الميليشيا ومحاسبة قادتها".

وتابعت بالقول :"ما ترتكبه ميليشيا الدعم السريع تحدي واضح لقرارات مجلس الأمن ولا مبالاة بالقانون الدولي الإنساني".

وأكملت قائلةً :"نستنكر استمرار الصمت الدولي حيال ما ظلت ترتكبه ميليشيا الدعم السريع من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحقّ المدنيين في مدينة الفاشر ومدن السودان الأخرى".

اقرأ أيضاً.. صحافة أمريكا تُبرز دور مصر في إنهاء مُعاناة غزة

اقرأ أيضاً.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا

صحة غزة: آلاف المرضى والجرحى بحاجة عاجلة للعلاج الأغذية العالمي: الطرق المدمرة في غزة تعيق إيصال المساعدات الغذائية

وذكرت مصادر محلية سودانية أن أعداد ضحايا استهداف مسيرة تابعة للدعم السريع مركز إيواء في الفاشر ارتفع إلى 60 قتيلا

وقال تيدروس أدهانوم، مدير منظمة الصحة العالمية، إنه يدعو إلى حماية المرافق الصحية في الفاشر وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

وأضاف :"الهجمات على مستشفى في مدينة الفاشر أدت إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 12 آخرين".

وأكمل :"مدينة الفاشر بالسودان تحت الحصار منذ أوائل مايو 2024".

وفي وقتٍ سابق، حمّلت شبكة أطباء السودان قوات الدعم السريع المسئولية المباشرة عن الكارثة الإنسانية في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، نتيجة استمرار حصارها المفروض على المدينة.

وأوضحت الشبكة أن ما يجري في الفاشر لم يعد مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو "جريمة ممنهجة" تمارس بحق السكان المدنيين، في ظل انقطاع الإمدادات الطبية والغذائية.

وأشارت إلى أن حصيلة الوفيات بين الأطفال والنساء بسبب سوء التغذية ارتفعت إلى 23 حالة، وسط تحذيرات من تدهور أكبر إذا استمر الحصار المفروض على المدينة.

وقال كامل إدريس، رئيس وزراء السودان، إنه يدعو إلى "التفاف شعبي" لفك الحصار عن الفاشر.

وأضاف :"فك الحصار عن الفاشر سيكون قضيتنا الرئيسية بالأمم المتحدة".

وناشد رئيس الوزراء السوداني المجتمع الدولي دعم مبادرة فك الحصار عن الفاشر.

وأشارت مصادر محلية سودانية إلى أن مُسيرة تابعة للدعم السريع استهدفت مسجداً بحي الدرجة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان أمس الجمعة.

وذكرت المصادر أن العملية أسفرت عن مقتل 70 مدنياً.

وقالت الأمم المتحدة إن قوات الدعم السريع شنت عمليات قتل بحق المدنيين في الفاشر.

وأضافت :"الأزمة الإنسانية في السودان باتت منسية، وذلك بعد نفذت قوات الدعم السريع عمليات إعدام ميداني في 13 منظقة بالسودان".

وذكرت مصادر محلية سودانية أن الجيش السوداني ينفذ خطة استراتيجية للقضاء على الدعم السريع في كردفان وشمال دارفور.

وأشارت المصادر السودانية إلى أن الجيش السوداني يحقق تقدما في عدد من البلدات بإقليم كردفان.

وقال الجيش السوداني إن المضادات الأرضية التابعة له تصدت لهجوم الدعم السريع بالمسيرات على منشآت بمدينة الأبيض في شمال كردفان.

 

 

مقالات مشابهة

  • السودان يدين الصمت الدولي تجاه هجمات «الدعم السريع» في الفاشر
  • مدغشقر.. انقسام داخل الجيش بعد إعلان فيلق عسكري نفسه قيادة عليا للقوات المسلحة
  • السيادة السوداني يستنكر الصمت الدولي على جرائم الدعم السريع
  • سقوط قذائف داخل أحياء الدلنج إثر قصف لقوات الدعم السريع أمس
  • حكومة السودان تُطالب بمُساندة دولية للقضاء على الدعم السريع
  • مئات القتلى والجرحى بسبب هجمات الدعم السريع على الفاشر
  • مقتل 30 سودانيا إثر قصف الدعم السريع مركز إيواء للنازحين في مدينة الفاشر
  • 30 قتيلا بقصف للدعم السريع على الفاشر
  • 13 قتيلا في قصف لقوات الدعم السريع على مسجد في الفاشر في السودان
  • السودان.. مقتل 13 شخصًا بقصف قوات الدعم السريع لمسجد في الفاشر