ابتزاز (الكاهن) في زمن الحرب
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
بثينة تروس
إعلان تشكيل ما سُمّيت بـ(حكومة الأمل)، بقيادة رئيس الوزراء كامل إدريس، أظهر للعلن صراع خفي، ولكنه شرس على المناصب الوزارية. رئيس الوزراء الذي بدا متأثرًا بنموذج العدالة في سويسرا، حاول أن يتجاوز الواقع السياسي المعقد في البلاد بعبارات مثالية من قبيل (يقتضي الأمر أن نمحو من قاموسنا المحاصصة والمحاسبة والمحسوبية، بكل أشكالها وألوانها، وأن نحتكم إلى مبادئ العدالة والشفافية).
ما إن كُشف النقاب عن أسماء المرشحين للوزارات، حتى اندفع كل من قاتل إلى جانب الجيش وأُذن له بحمل السلاح ضد الدعم السريع من الحركات المسلحة، وكتائب البراء بن مالك، والدفاع الشعبي، والمستنفرين، والمقاومة الشعبية، وكتيبة شيبة ضرار، وغيرهم من المليشيات الوليدة الموالية للجيش ليصطفوا في طابور طويل، ملوّحين بالتهديد ومطالبين بـحقهم المطلق في الاستوزار، أما الوزارة أو التمرد. ومعركة اليوم لم تعد فقط مع الدعم السريع، بل باتت مع الداخل السياسي ذاته، مع شبكات المصالح التي ترى في الوزارات غنيمة معركة الكرامة، وتحول الجنرال البرهان من (الكاهن) هازم التمرد للشريك الذي لا يؤتمن.
ظن الكيزان انهم سوف يستغفلون الحركات المسلحة، تغنوا بأغاني الجهاد و (مشتركة فووووق) ولم يحسبوا حسابات أطماع الحركات المسلحة وقادتها الذين ايدوا انقلاب البرهان علي حكومة رئيس الوزراء حمدوك، وناصروه من اجل الاحتفاظ بالسلطة والثروة، وغدروا بثورة ديسمبر السلمية التي حولتهم من مليشيات متمردة في نظر الجيش الي وزراء، ، تخلي هؤلاء عن قضايا اقاليمهم في الامن والسلام المستدام والعيش الكريم مفضلين اطماعهم الشخصية باحقية اتفاقية جوبا للسلام التي صارت (جنازة بحر)! ومن سخرية الاقدار يرفعون اتفاقية السلام بيد وبالأخرى يضغطون على زناد البنادق. واليوم، يعود المشهد ذاته الذي عرفه السودانيون في عهد نظام الكيزان، لعبة الخيانات والاغتيالات في سبيل نهب المال العام (لقد أكلوا الأموال اكلا عجيبا)، فحين شعرت الحركات المسلحة بمخطط حكومة بورتسودان في التخلص منها، انسحبت من منطقة المثلث وتركتها نهبا للدعم السريع، لتأكد ان الجيش لا قبل له بالنصر من دون دعمها وقواتها.
وموقف وزير المالية (الكوز) جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، الرافض التخلي عن المنصب ومستحقاته، يعيدنا إلى ذاكرة وزراء كيزان اخرون لم يخفوا حزنهم على مفارقة المناصب، من بينهم وزير المعادن الأسبق كمال عبد اللطيف، الذي لم يتردد في البكاء عند إقالته، في مشهد أثار سخرية الشارع السوداني. ولا يزال كثيرون يتذكرون قضايا الفساد المرتبطة بشركات مثل (الموارد المعدنية)، التي تحوّلت إلى مظلة مالية تغذي كتائب ظل وواجهات أمنية بموارد الدولة. وفي ظل هذا المشهد، جاءت حكومة الأمل بتعهدات فضفاضة حول الزهد في المناصب ومكافحة الفساد وتقديم وزراء ذوي كفاءة، لكن أولى قراراتها مثل تعيين الفريق حسن داؤود كبرون وزيراً للدفاع، وهو الذي شغل من قبل منصب المدير المالي للمؤسسة العسكرية، وخازن بيت مال قادة الجيش، بدت كأنها إعادة تدوير لرجالات النظام السابق، ممن كانت تمر عبرهم صفقات الذهب المهرّب إلى الخارج.
المؤسف في هذه المرحلة من الحرب اللعينة، أن الجيش يواجه ابتزازًا فاضحًا، وتهديدات صريحة تُوجَّه للجنرال عبد الفتاح البرهان إما منح المناصب، أو نترك الجيش فريسة للفوضى والهزائم، بزعم أنهم (صنّاع النصر الحقيقيون)، يبقى السؤال هل يمكن بناء دولة في ظل تفاقم الحروب على ركام الفساد والطمع السلطوي؟ وهل يمكن لحكومة الأمل أن تتجاوز هذا الإرث دون مواجهة حقيقية مع الحركات المسلحة والمليشيات الجهادية التي تعيق الإصلاح من الداخل؟ وهل لا تزال الحكومة تصر على مواصلة الحرب، وهزيمة تمرد الدعم السريع ولو استمرت الحرب لمائة عام؟ وهل يعني أعلان تذمر الحركات المسلحة بداية فصل اَخر من فصول الحرب قد يقودها للتحالف مع الدعم السريع ضد الجيش؟
وفي ظل هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، لا خيار أمام السودانيين سوى كسر دائرة الابتزاز والتمكين، وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة الحقيقية لا شعاراتها. فالحرب وحدها لن تصنع كرامة، ما لم تُهزم عقلية الغنيمة التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية.
لن يحل مشكلة السودان الا السودانيون أنفسهم. الوسومبثينة تروس
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحرکات المسلحة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: الدعم السريع ترتكب فظائع بحق المدنيين في الفاشر
أدانت الأمم المتحدة الأربعاء الهجمات الدامية أسفرت عن مقتل 57 مدنيا على الأقل يوم الاثنين، وشنتها قوات الدعم السريع في شمال دارفور، مؤكدة أنها ترتكب فظائع لا تطاق بحق المدنيين في الفاشر.
أعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في بيان عن "استيائه للهجوم الواسع النطاق الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر المحاصرة ومخيم أبو شوك المجاور".
أخبار متعلقة مصر تطلب إيضاحات للتصريحات الإسرائيلية عما يسمى "إسرائيل الكبرى"التهمت 500 هكتار.. جهود الإطفاء تتواصل لإخماد حريق غابات في المغربوفقًا للأمم المتحدة، فقد قُتل ما لا يقل عن 57 مدنيًا بينهم 40 في المخيم وحده، ويُشتبه أيضًا في وقوع عمليات إعدام تعسفي.مقتل أكثر من 40 مدنيًاوهاجمت قوات الدعم السريع يوم الاثنين مخيم أبو شوك، وفتحت النار على المدنيين وفقًا لخلية الطوارئ بالمخيم، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 مدنيًا وإصابة 19 آخرين على الأقل، بينما كان المقاتلون يتقدمون نحو الفاشر، آخر مدينة في منطقة غرب دارفور لا تزال تحت سيطرة الجيش.
وقال تورك: "نشهد بأسف شديد مرة أخرى فظائع لا تُطاق ترتكب بحق المدنيين في الفاشر حيث بعيشون منذ أكثر من عام تحت الحصار والهجمات المتواصلة والظروف الإنسانية الكارثية".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الأمم المتحدة تتهم الدعم السريع بارتكاب فظائع بحق المدنيين في الفاشر - متداولة
في الأشهر الأخيرة، استهدفت قوات الدعم السريع الفاشر والمخيمات المجاورة عقب انسحابها من العاصمة الخرطوم في مارس.خطر الاضطهاد بدوافع عرقيةوأضاف تورك: "مرة أخرى، أُحذّر من خطر الاضطهاد بدوافع عرقية في ظل محاولات قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر ومخيم أبو شوك".
ودعا الأطراف المتحاربة إلى الإسراع في إبرام هدنة إنسانية مؤقتة في المناطق المحاصرة للوصول إلى السكان المنكوبين.