في حشد مصنوع ومكان مجهول خاطب حميدتي قواته قائلا: "أخرجونا من مناطق عزيزة وسنعود إليها بعزة"، فماذا يقصد حميدتي بالمناطق العزيزة؟

عندما هاجمت قوات الدعم السريع منزل القائد العام للقوات المسلحة في القيادة العامة للجيش بمئات الجنود، بالتزامن مع هجومين منفصلين على مطار الخرطوم والقصر الجمهوري، خرج قائد الدعم السريع في أول تصريح بأنه لا سبيل أمام قائد الجيش السوداني سوى الاستسلام وإلا سيكون مصيره الاعتقال، مستندا إلى تقديرات ميدانية خاطئة صورت له أن قواته المحتشدة في المواقع الاستراتيجية دانت لها كامل السيطرة على العاصمة وبعض المطارات الولائية، وكان الظهور الوحيد له منذ انطلاقة الحرب في مدخل القصر الجمهوري وهو يتأهب لتلاوة بيان الانقلاب واستلام السلطة خلال نصف ساعة حسب الخطة (ب) بعد فشل الاتفاق الإطاري في إيصاله للسلطة صحبة حلفائه السياسيين.



حينها أوصد حميدتي الباب أمام المبادرات الرامية لإسكات البنادق، وعندما وافق على الذهاب إلى منبر جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية كان مفاوضوه يتحدثون بلغة المسيطر على الأرض متمسكين بأماكن تواجدهم (العزيزة)، التي سيطروا عليها في أيام الحرب الأولى، وأصبحت تمثل رمزية النصر فحشدوا لها قوات النخبة والتسليح النوعي والإمداد المفتوح، وفي مقدمة هذه المواقع القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومقر الإذاعة والتلفزيون ومصفاة الجيلي للبترول وقاعدة طيبة العسكرية جنوبي الخرطوم، فهذه المواقع شكلت ملامح سيطرة شكلية على العاصمة مع بعض الجسور، لكنه فشل في السيطرة على مقار الجيش رغم حصارها الطويل بفضل الثبات الأسطوري للجيش في القيادة العامة والمدرعات وسلاح المهندسين والإشارة وحطاب ووادي سيدنا والسلاح الطبي.

كانت الآلة الإعلامية لقوات الدعم السريع تمارس الحرب النفسية لترسيخ مفهوم سيطرتها على 90 في المائة من العاصمة ومعظم الولايات، بعد تقدمها في ولايتي الجزيرة وسنار.

وريثما يعيد الجيش تنظيم صفوفه استولت قوات الدعم السريع على قيادة الجيش في أربع ولايات من أصل خمس، وبقيت الفاشر صامدة أمام مئات الهجمات منذ بداية الحرب.

في المقابل، كانت قيادة الجيش السوداني تخطط لعملية شاملة للعودة وإخراج الدعم السريع من الخرطوم والجزيرة وسنار، وهو ما تحقق بعد عامين من بداية الحرب.

حررت قوات الجيش السوداني إحدى القلاع الحصينة في مقر الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الوطنية امدرمان، بعد عملية حصار محكم وفتح الطريق بين قاعدة وادي سيدنا وسلاح المهندسين ليُحكم الجيش السيطرة على أجزاء واسعة من امدرمان والمدينة القديمة، مفسحا الطريق أمام آلاف من مقاتليه للتمركز عند مداخل جسري السلاح الطبي والحلفايا تأهبا للمرحلة الثانية من خطة التحرير الشامل.

في محور آخر كانت متحركات الجيش السوداني والقوات المساندة تحكم الحصار على وسط السودان في الجزيرة وسنجة وجبل موية، ولم تستغرق العملية وقتا طويلا فدحرت قوات الدعم السريع من تلك المحاور وانسحب ما تبقى منها نحو الخرطوم.

ومنذ بداية الحرب تتحصن مجموعات من قوات نخبة الدعم السريع في مصفاة الجيلي للبترول شمال الخرطوم بحري، متحصنة بالمنشآت المدنية والتضاريس الجغرافية المحيطة بالمصفاة، مع إجبار العاملين فيها على تشغيلها لإمداد القوات المنتشرة في المنطقة بالوقود، بل واتخذتها قاعدة للهجوم على بعض محليات ولاية نهر النيل، فاكتسحها الجيش بعد حصار محكم عقب عملية عبور الجسور الشهيرة إلى الخرطوم وبحري.

وبناء على هذا الواقع، بدأت مجموعات كبيرة من قوات الدعم السريع والمتعاونين معها بمغادرة الخرطوم باتجاه حواضنهم الاجتماعية في كردفان ودارفور، وسط اختفاء تام لقيادة الدعم السريع التي بدأت عمليا نقل إدارة عملياتها إلى دارفور؛ بعد تسريبات عن نقل أسرى من الجيش السوداني وسياسيين إلى نيالا جنوب دارفور.

في هذه الظروف فتحت وحدات من الجيش الطريق الرابط بين القيادة العامة وسلاح المدرعات ليتم فك حصار القيادة كاملا بعد وصول طلائع الجيش إليها من بحري عقب تحرير المصفاة، ولم يتبق من الدعم السريع سوى مجموعات معزولة داخل القصر الجمهوري وجزيرة توتي ومنطقة المقرن.

لحقت تلك الهزائم المتتالية بالدعم السريع لأسباب عديدة؛ أهمها غياب القيادة والخلافات القبلية وفشل جولات القائد الثاني للدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في ضواحي كردفان ودارفور ودول الجوار لاستقطاب مقاتلين جدد بعد هلاك القوة الصلبة في معارك تحرير الخرطوم.

استغرقت عملية تحرير الخرطوم عاما كاملا منذ تحرير الإذاعة والتلفزيون وانطلاق قوات الجيش السوداني لتحرير المتبقي من مثلث العاصمة في الخرطوم وبحري، وتحت ضغط وحصار محكم أُجبرت قوات الدعم السريع على إخلاء آخر معاقلها ورمزيتها في وسط الخرطوم، بعد خسارة خيرة مقاتليها وهروب ما تبقى منهم إلى جسر جبل أولياء في طريق العودة إلى دارفور، وما تبقي منهم في صالحة غادرها لاحقا بعد ارتكاب مجازر انتقامية بحق المواطنين.

الواقع أن قوات الدعم السريع ومع دخول الحرب عامها الثالث أجبرت على التراجع للدفاع عن مناطق حواضنها الاجتماعية في دارفور وكردفان بعد ضربات وخسائر تكبدتها في مختلف المحاور، وانعدام الدافع وسط المقاتلين واتساع الهوة بين مكوناتها الاجتماعية، وحملة التخوين لقادة بارزين بالتعاون مع الجيش السوداني.

يبدو أن المعطيات المذكورة دفعت قائد الدعم السريع حميدتي، قبل أيام، للظهور العلني الثاني وسط جنوده منذ صبيحة الخامس عشر من نيسان/ أبريل، في مسرح تم إعداده بعناية، فهو أراد بهذا الظهور أن يثبت أنه على قيد الحياة، منهيا الجدل حول ما يشاع عن إصابته ومقتله في بدايات الحرب. كما أن لغة الخطاب حملت اعترافا بالهزيمة وبحملات الرفض الواسعة له وسط السودانيين بسبب الانتهاكات غير المسبوقة لقواته في مناطق سيطرتها، وفقدان مناطق مهمة يحلم بتعويضها بدخول ولايتي الشمالية ونهر النيل، وأن دخول قواته المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا سيسهم في تأمين الحدود ويكافح الهجرة غير الشرعية والتهريب، وغيرها من الظواهر التي تسبب صداعا لدول الجوار، لكن اللافت في خطاب حميدتي إعلانه فتح علاقة جديدة مع مصر التي ظل يتهمها بمساندة الجيش السوداني منذ بداية الحرب، بل إن دخول قواته مطار مروى واعتقال ضباط مصريين كان بسبب اعتقاده أن الطيران المصري يهاجم قواته في مقراتها باستمرار.

كما غازل حميدتي لأول مرة قادة قوات الكفاح المسلح في دارفور (جبريل ومناوي) مرحبا بالتحالف معهم وهو تحول جديد في استراتيجية الدعم السريع التي تعتبر كل حلفاء الجيش أعداء لمشروعها القديم المتجدد.

ويبدو ان حميدتي يرغب بالاستثمار في خلافات مزعومة تؤخر تشكيل حكومة "الأمل" التي أعلن عن ملامحها الدكتور كامل إدريس وشرع في تكوينها بتسمية حقيبتي الدفاع والداخلية، ورشحت أنباء تفيد عن خلافات بين رئيس الوزراء والموقعين على اتفاق سلام جوبا بشأن الحقائب الوزارية الممنوحة لشركاء السلام، لكن اجتماعات قيادية نجحت في احتواء الخلاف.

ويمنّي حميدتي نفسه بفض الشراكة والتحالف بين الجيش السوداني وحركات الكفاح المسلح التي تقاتل الدعم السريع وتلعب أدوارا مؤثرة في معركة الكرامة، إلا أن المسافة ما تزال واسعة بين الدعم السريع وأطراف سلام جوبا، بعد الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت بحق الأخيرة في الجنينة والفاشر ومناطق واسعة تحت سيطرة الدعم السريع.

وملخص الأمر أن حميدتي يخطط لمرحلة جديدة؛ أهم ملامحها مغازلة خصومه الحاليين داخليا وخارجيا، لأنه بالرغم مما يجده من دعم خارجي طوال العامين الماضيين، إلا أن المحصلة النهائية كانت أن يخاطب جنوده على الحدود بينما كان يخاطبهم من بوابة القصر الجمهوري بداية الحرب.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء حميدتي الدعم السريع الجيش السوداني مصر مصر السودان الجيش حميدتي الدعم السريع قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع القصر الجمهوری الجیش السودانی بدایة الحرب

إقرأ أيضاً:

السودان وليبيا ومصر.. هل يحول “الدعم السريع” الحدود المتوترة إلى ساحة حرب؟

متابعات – وكالات ـ تاق برس- تساءل معهد دراسات إيطالي عن مدى إمكانية تحول المثلث الليبي السوداني المصري إلى مسرح جديد للحرب وعدم الاستقرار الإقليمي، في ظل استخدام المنطقة كمركز لتهريب الأسلحة والبشر.

ولا يقتصر الأمر على التهريب، حيث تتوغل مليشيات الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” في المنطقة الحدودية مما قد يحولها إلى بؤرة دائمة للعنف دون تنسيق أمني وسياسي فعال.

وسلط  معهد “تحليل العلاقات الدولية” الضوء على تأثير الصراعات في دارفور وغرب السودان على الوضع في جنوب ليبيا، والدور غير المباشر لدول مثل الإمارات وروسيا.

*تزاحم الأطراف الإقليمية*

وأكد أن “الصراع في السودان تجاوز حدود الدولة، ليصبح مسرحا إقليميا تتقاطع فيه مصالح عدة أطراف”.

ويضيف المعهد أن “سيطرة قوات الدعم السريع على الممر الحدودي الثلاثي زاد من قلق الدول المجاورة، التي أصبحت متورطة في الصراع، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء”.

وفي هذا الصدد، ذكر أن “شرق ليبيا، الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، تشكل نقطة محورية في إعادة تنظيم البنية اللوجستية لقوات الدعم السريع”.

ويقول المعهد إنه “رغم نفي قيادة حفتر أي تورط مباشر، تظهر الأدلة تعاونا لوجستيا وعسكريا مع مليشيات سودانية، ما يثير شكوكا قوية”.

وبشكل أوضح، يؤكد أن “سيطرة حفتر تمكن قوات الدعم السريع من الوصول إلى قاعدة خلفية مستقرة، تسمح بتمرير الأسلحة والمركبات والأفراد”.

وتكشف العلاقة الغامضة بين حفتر والقوات عن ديناميكية دعم سياسي وعسكري غير معلن، تحفظ هامشا من الإنكار الاستراتيجي.

أما فيما يخص الإمارات، فيوضح أنها “تلعب دورا مؤثرا خارج الإقليم، مع سياسة إستراتيجية واضحة في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل”.

إضافة إلى ذلك، يقول معهد “تحليل العلاقات الدولية” إن “دعم الإمارات اللوجستي والمالي لحفتر في ليبيا مهد طريقا لمثلث دعم غير مباشر لقوات الدعم السريع السودانية”.

وهذا الطريق “يرفع احتمال تزويد هذه القوات بالسلاح عبر قنوات غير شفافة، مما يمكنها من تعزيز ضغطها العسكري وتوسيع نفوذها”.

وعلى حد وصف المعهد، يبدو أن الهدف الإماراتي مزدوج؛ “احتواء النفوذ الإسلامي” و”ترسيخ مكانتها كقوة شرق أوسطية مؤثرة في الصراعات الإفريقية”.

ومن جانبها، تحافظ القاهرة تاريخيا على تحالف إستراتيجي مع القوات المسلحة السودانية، اعتمادا على القرب الجغرافي والتعاون العسكري المشترك و”مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة”، وفق تعبيره.

ويمثل تقدم قوات الدعم السريع نحو الحدود المصرية تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، سواء عسكريا أو عبر تدفقات الهجرة، ما قد يدفع مصر لزيادة انخراطها، ولو بالدعم اللوجستي أو الاستخباراتي.

ومن جهة أخرى، يذكر المعهد أن “أنقرة تعتمد نفوذا إقليميا عبر دعم الأحزاب الإسلامية المعتدلة والحكومات المنتخبة في الساحل والقرن الإفريقي”.

ولفت إلى أن “توسعات قوات الدعم السريع، التي تعد في بعض الأوساط التركية مليشيات غير نظامية مدعومة من خصوم إقليميين، تثير مخاوف من تعزيز شبكات سلفية معادية لتركيا في ليبيا والسودان”.

ولا تنخرط تركيا مباشرة في الصراع السوداني، ولكن قد تدفع مصالحها المتشابكة مع مصر والإمارات وليبيا إلى موقف أكثر وضوحا.

ويتوقف ذلك على ما إذا هددت الحرب مصالحها الإستراتيجية في شمال شرق إفريقيا أو الاقتصادية في البحر الأحمر .

*فوضى غير محكمة*

وفي هذا الإطار، يلفت المعهد الإيطالي النظر إلى أن “سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر تمثل عاملا جديدا وحاسما في توازن الأمن الإقليمي”.

وعلى حد قوله، فإن هذه المنطقة، تفتقر إلى السيطرة الحكومية الكاملة وتتمتع بتاريخ طويل من الأنشطة غير القانونية، وتُعد من أبرز بؤر عدم الاستقرار في شرق الساحل الإفريقي.

ولذلك، فإن استيلاء كيان شبه عسكري خارج إطار الدولة على هذه المساحة الجغرافية قد يؤدي إلى توسيع نطاق التهديدات الموجهة للدول المجاورة والمنطقة المتوسطية بشكل عام.

وبشكل أكثر تفصيلا، يوضح المعهد أن المثلث الحدودي يرتبط بشبكات تهريب راسخة تشمل الوقود والأسلحة الخفيفة والسلع، والأكثر أهمية من ذلك البشر.

وبحسب المعهد، إذا تمكنت قوات الدعم السريع من فرض سيطرة فعالة على هذه الطرق، فلن يؤدي ذلك إلى وقف الأنشطة الإجرامية، بل سيحولها إلى تنظيم غير رسمي وعسكري.

ويرى المعهد أن “تلك المليشيات قد تستغل هذه الشبكات كمصدر تمويل، ولتكوين تحالفات محلية ولتوسيع نفوذها عبر آليات اقتصادية واجتماعية”.

ومن جهة أخرى، يلفت إلى أن “غياب سيطرة دولة معترف بها على الممر الصحراوي السوداني يفتح قنوات جديدة للهجرة غير النظامية شمالا”.

“وبذلك، تصبح مسارات السودان-ليبيا-أوروبا معرضة لتدفقات سرية متزايدة، سواء لأسباب اقتصادية أو هروبا من العنف”.

وهو ما يزيد -وفق المعهد- الضغط على الحدود المصرية والليبية، ثم الأوروبية، ويعقد إستراتيجيات احتواء الهجرة في دول شمال البحر المتوسط.
علاوة على ذلك، يوضح أن “صعود جماعات مسلحة مثل قوات الدعم السريع في شبكات حدودية حيوية يشكل تهديدا لسيادة الدول”.

فمن ناحية، ينوه أن مصر معرضة لتزايد التسللات والأنشطة غير القانونية في جنوبها. ومن جهة أخرى، تواجه ليبيا التي تفتقر لسلطة مركزية موحدة، خطر عدم الاستقرار المتزايد.

وبشكل عام، يبرز المعهد أن “تزايد مراكز القوى غير الحكومية يقلل من قدرة الحكومات على احتكار القوة وضبط الحدود”.

وأضاف: “كما يعكس أن التداخل بين الصراع المسلح والشبكات الإجرامية يحول المنطقة إلى مزيج من الحرب والتجارة غير المشروعة”.

وبالفعل، تستغل قوات الدعم السريع موقعها لدمج السيطرة العسكرية بالأنشطة الاقتصادية غير القانونية، مما يخلق نظام حكم فعلي خارج الأطر المؤسسية.

وهو ما يشكل تهديدا طويل الأمد للأمن الإقليمي ويعوق جهود السلام وإعادة البناء، على حد قول المعهد.

*آثار تمدد المليشيات*

ونتيجة للمشهد السابق ذكره، يسلط الضوء على أن “التمدد التدريجي لقوات الدعم السريع في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر يفاقم من حدة الأزمة الإنسانية التي تُعد من بين الأسوأ عالميا”.

إذ تسبب الصراع المسلح بتهجير ملايين الأشخاص داخليا وخارجيا، في ظل هشاشة اقتصادية وانهيار للبنية التحتية وغياب سلطة حكومية فاعلة.

ومع وجود أكثر من 13 مليون نازح، يقول المعهد: إن “تعاظم نفوذ هذه القوات في مناطق إستراتيجية ينبئ بموجات نزوح جديدة”.

فقد تزيد الهجرة القسرية عبر الحدود الشمالية إلى مصر وتشاد وليبيا، مما يثقل كاهل الدول المقصودة لوجستيا وسياسيا، لا سيما في المناطق الحدودية الضعيفة التي قد تنهار تحت الضغط السكاني المفاجئ.

ومن ناحية أخرى، يشير المعهد إلى أن “حالة عدم الاستقرار الناتجة عن الوجود المسلح لقوات الدعم السريع وتآكل مؤسسات الدولة يؤدي إلى ضعف كبير في قدرة وكالات الإغاثة على العمل بأمان”.

وأوضح: “إذ تُقطع ممرات الإمداد وتُنهب المخازن الغذائية وتُحتل المستشفيات أو تُدمر، كما تعيق حالة الأمن الهشة توزيع المياه والأدوية والغذاء، خصوصا في المناطق الريفية والمراكز الحضرية الصغيرة”.

وإلى جانب الأثر المادي، يبرز المعهد الإيطالي أن “الحرب تسهم في تفتيت النسيج الاجتماعي، مع تفاقم الانقسامات الإثنية والقبلية والجغرافية، المدفوعة بتجنيد قسري وثأر محلي ومنطق البقاء، مما يعزز عسكرة المجتمعات”.

وفي ظل سيطرة قوات الدعم السريع كسلطة أمر واقع في كثير من المناطق، تُفرض أشكال حكم موازٍ يبدو منظما لكنه قائم على القمع وإخضاع المدنيين.

علاوة على ذلك، يضيف أن “توسعات الصراع وتورط الأطراف الخارجية تعقد من عمل الهيئات الإقليمية الإفريقية، مرحبا لا سيما الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية، اللتين فقدتا تأثيرهما تدريجيا أمام الديناميات الجيوسياسية المعقدة التي تفوق قدراتهما” .

*تحييد الدور الإفريقي*

وفي هذا السياق، يسلط المعهد الضوء على “ازدياد تراجع هامش المناورة أمام الفاعلين الأفارقة في السودان مع تصاعد حضور القوى الإقليمية وغير الإقليمية، وهو ما يجعلهم عاجزين عن فرض أجندة تفاوضية مستقلة أو ملزمة”.

وهنا، يؤكد أن “المبادرات الدبلوماسية المتخذة حتى الآن كانت متفرقة وتفتقر إلى رؤية موحدة، وغالبا ما تتأخر عن سرعة الأحداث الميدانية”.

ويضيف المعهد أن “غياب أدوات الإكراه والموارد المالية الكافية يعيق الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية من ممارسة تأثير فعال على أطراف النزاع”.

وفي هذا الصدد، يعكس أن “مبدأ عدم التدخل، الذي يعد ركيزة الدبلوماسية الإفريقية بعد الاستعمار، يتصادم مع واقع صراع تشارك فيه القوى الإفريقية الكبرى بشكل مباشر أو عبر وكلاء”.

فمصر، عضو الاتحاد الإفريقي، تدعم علنا القوات المسلحة السودانية، في حين تتسم مواقف دول أخرى في القرن الإفريقي بالغموض والتحفظ.

وهذه التباينات تقوض جهود المبادرات متعددة الأطراف، كما أنها تضع الاتحاد الإفريقي في موقف مزدوج بين دعم السلام وعدم القدرة على تحقيق الحياد اللازم لإدارة المفاوضات.

ويتابع المعهد: “في ظل غياب قيادة إقليمية قوية وشرعية، يهيمن على فضاء التفاوض فاعلون خارجيون بمصالح استراتيجية متباينة”.

وهو ما يهدد بنقل العمليات الدبلوماسية بعيدا عن الإطار الإفريقي إلى منصات دولية أو اتفاقات ثنائية تقررها قوى خارج القارة.

وفي هذه النقطة، يحذر المعهد من أن “هذا الأمر يحد من السيادة السياسية الإفريقية في إدارة نزاعاتها ويفتح الباب أمام حلول خارجية قد تكون غير مستدامة”.

ولاستعادة الفاعلية، يدعو الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية إلى “مراجعة هياكلهما وتعزيز التكامل بين الدبلوماسية الوقائية والضغط السياسي”.

كما يدعو إلى “تحسين كفاءة فرق التفاوض وتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على أسس متكافئة”.
ورأى أنه “في حال لم يحدث ذلك، ستظل المؤسستان في موضع المراقب في أزمة تدور في قلب القارة”.

الدعم السريعالسودانليبيا

مقالات مشابهة

  • واشنطن تدين العنف ضد المدنيين.. الجيش السوداني يصد هجوماً لـ«الدعم» قرب الفاشر
  • الجيش السوداني يستهدف مواقع للدعم السريع في ولاية شرق دارفور
  • الجيش السوداني يتصدى لمليشيا الدعم الإرهابية
  • في ذكرى تأسيسه.. الهجوم بمسيرات على الجيش السوداني بمدينة تمبول
  • ضربة نوعية: الجيش السوداني يدك تمركزات الدعم السريع.. ومقتل قائد ميداني بارز
  • الجيش السوداني يوجه ضربة موجعة إلى “الدعم السريع” في كردفان
  • الجيش السوداني يتصدى لهجمات «الدعم» في الفاشر
  • الوجه الآخر لحرب السودان.. مرتزقة وراء البحار
  • السودان وليبيا ومصر.. هل يحول “الدعم السريع” الحدود المتوترة إلى ساحة حرب؟
  • قوات الجيش السوداني تصد هجمات لمدفعية ميليشا الدعم السريع في الفاشر