لجريدة عمان:
2025-10-14@01:49:34 GMT

دروس هيكل في زيارة جديدة للتاريخ!

تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT

دروس هيكل في زيارة جديدة للتاريخ!

(1)

على مدى الأسبوعين الفائتين انشغل العالم كله بوقائع وأحداث الحرب الإقليمية التي اندلعت بين إيران وإسرائيل، يتابعها لحظة بلحظة.. عشرات المئات بل الآلاف من التحليلات والقراءات والمتابعات كل يوضح ويشرح ويحلل من منظوره: السياسي والاقتصادي والآثار المترتبة على العدوان الإسرائيلي وتبعات الرد الإيراني..

لكن القليل بل أقل القليل من لاذ بالتاريخ وفلسفته وعظاته والبحث عن قوانينه!

أقل القليل من اتجه إلى المكتبة المؤلفة والمترجمة ليحاول أن يعود إلى جذور الصراع وأصوله الفلسفية والحضارية، وأقل القليل من عكف على دراسة "تاريخ" طرفي الصراع وفهم الطبيعة التكوينية لكل طرف وسياق تشكل الصراع والأزمات في العقود الستة الأخيرة!

فلا يمكن فهم قوة الصمود الإيراني ولا حالة التعاطف الشعبية والجمعية الغامرة في البلدان العربية والإسلامية (مع كل المنافسات والصراعات المذهبية المعلنة والمكتومة على السواء)، إلا بالرجوع إلى التاريخ؛ القريب منه والوسيط والبعيد!

وعلى الرغم من رحيله منذ قرابة السنوات العشر، حضر اسم الراحل الخبير القدير الكاتب الفذ محمد حسنين هيكل في استدعاءات طالت أم قصرت ولم لا فلا أحد يمكن أن يتجاهل قدرات هيكل السياسية والتحليلية الفائقة فضلا على امتلاكه القدرة التعبيرية والسردية المذهلة في صياغة أفكاره والتعبير عنها وإيصالها من أقصر طريق وأتمه إلى جمهوره العريض؛

يمزج هيكل الصحافة بالتاريخ بالوعي به واستكناه روحه وفلسفته، بالتحليل السياسي، ويقدم نصا مدهشا لا تنقصه الدراما ولا تغيب عنه المفارقة، وبناء المشهد، واستغلال فذ لجماليات العبارة العربية من حيث حسن التقسيم وبراعة العرض واعتماد المقابلة وإيحاءات المفردات.

. إلخ. إنه يكتب عن الحاضر وعينه دائمًا على الماضي لاستقصاء الجذور وربط التفاصيل ببعضها البعض وردها إلى أصولها؛ وكشف الدوافع والمبررات لوقوع الأحداث أو تفسير سير الحركة في نهر التاريخ كما جرى أو يجري..

(2)

على كل حال، فقد توقفت أمام عملين كبيرين له؛ أولهما صدر في مقتبل حياته الصحفية والمهنية بعنوان «إيران فوق البركان» وهو الكتاب الذي خصصه للانقلاب ضد حركة مصدق وتأميم البترول الإيراني في مطالع خمسينيات القرن الماضي.

أما الكتاب الثاني، وربما كان من الأكثر شهرة وذيوعًا ضمن عدد كبير من أعماله المهمة التي طبعت مرارًا «مدافع آية الله ـ قصة إيران والثورة»، الذي صدر في طبعات عدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وحتى وقتنا هذا.

لكن الأكثرية غفلت عن واحدٍ من أهم كتب محمد حسنين هيكل وأكثرها اتصالًا بهذا الموضوع؛ الحرب الإسرائيلية الإيرانية، كتاب على خطورته وأهميته وعمق تناولاته وأحاديثه "الخطيرة" لم يحظ أبدًا بما يستحق من إعادة قراءة ومراجعة، بل واستعانة ضرورية بمادته في إضاءة التحليلات الراهنة وإغنائها بأفكار ومساحات من المعرفة بإيران وتكوينها التاريخي والديموغرافي والثقافي، ما يساعد على فهم الكثير والكثير في هذا السياق.

«زيارة جديدة للتاريخ»، لمحمد حسنين هيكل واحد من أخطر الكتب التي سجلت بأمانة وموثوقية النص الكامل لحوارات مطولة أجراها الصحفي الكبير مع ست شخصيات من أبرز زعماء العالم، ومفكريه، وشخصياته الكبرى المعاصرة له. من بينهم نص الحوار الكامل الذي أجراه هيكل مع شاه إيران السابق، وهو حوار شديد الأهمية والقيمة معا.

جرَت كتابة فصول هذا الكتاب سنة 1985، وكان هذا الكتاب -كما يقول هيكل في تقديمه الموجز-: "كان هذا الكتاب إذن فترة استراحة بين سفرتين، وفي هذه الاستراحة وبينما رُحت أقلب بعض الملفات والأوراق استعدادًا وتأهبًا للجديد، صادفت مذكرات وخطابات وصورا أعادت إلى الذاكرة ساعات سبقت عشت فيها مع بعض من قابلت، وتداعت مواقف ومشاهد، وخطر لي -وأمامي فسحة من الوقت- أنني أستطيع أن أستعيد وأتأمل بل وأتحاور من جديد (في الضمير) مع كبار أتاحت لي الظروف فرصة أن أتعرف إليهم وأحاورهم وجها لوجه.

وكذلك اخترت ست شخصيات وجدتُ ما يخصها جاهزًا أمامي، ثم رُحت أكتب عن أيام معها، واخترت للفصول عنوان «زيارة جديدة للتاريخ»، وشرحت قصدي في مقدمةٍ مهدت بها".

ثم يهدي محمد حسنين هيكل كتابه إلى "هؤلاء الذين يملكون الجرأة على مراجعة المألوف والمعروف.. وأنفسهم".

ويا له من إهداء دال!

(3)

لماذا انفرد هذا الكتاب من بين كتب هيكل بهذه الخصوصية التي أدعيها، وهذه القدرة على منحنا وجهة نظر قابلة لمزيد من الفهم والتعميق والتطوير؟

لعل هذا الكتاب، من وجهة نظري، مع مجموعته الضخمة عن حرب الثلاثين عاما (في أربعة أجزاء ضخام)، تمثل أهم وأقيم بل أخطر ما كتب هيكل وتركه من بعده، وإن كان كتاب «زيارة جديدة للتاريخ» يزيد عليها بالإضافة إلى الأهمية والقيمة، "المتعة" الخالصة بل المضاعفة من الحكي الممتع والسرد المتدفق والتحليل الرائق والمعلومة الموثقة والتفسير العميق.

هذه المجموعة بكاملها وفي القلب منها «زيارة جديدة للتاريخ» يمكن اعتبارها مزيجًا فذًا بين التاريخ الموثق والصحافة الحية النابضة، والسرد الأدبي المثير للإعجاب والتحليل السياسي المدهش الذي لا أعتقد أنني قد قرأت مثله من قبل أو من بعد، وبخاصة «ملفات السويس»، و«الانفجار 1967».

أما الأمتع على الإطلاق «زيارة جديدة للتاريخ»، هنا الأديب هيكل يأخذ معلومة صغيرة جدًا من الصحفي هيكل، فيصنع منها بناء قصصيا مدهشا، عمل رفيع المستوى يحقق لقارئه متعة قراءة الروايات والأدب الخالص، وهو أمر مثير للإعجاب إذا ما أخذنا في الاعتبار رصانة الحوارات وعمق التحليلات وتداخل المعارف السياسية بالتاريخية بالجغرافية.. إلخ.

أما من الناحية التي تعنينا هنا في هذا المقام، وهو مركزية "التاريخ" ومحوريته في فهم واستجلاء ما يحدث على الأرض، من ثم القدرة على الإدلاء ببيان واضح المعالم محدد القسمات؛ فهذا هو عين الاستشهاد ومحل النظر وعلامة الاستدعاء!

تمثل العودة إلى التاريخ الدقيق والمستقصي لجذور المسألة -وطوال الوقت- المدخل الصحيح والأكثر معقولية ومنطقية لفهم ما يدور الآن، وهنا، وقبل الإدلاء بحرف واحد أو كلمة واحدة مما تناثر طوال الأسابيع الماضية في صورة تحليلات وقراءات واستشرافات مستقبلية.. إلخ. فمن المستحيل ادعاء معرفة دقيقة وإحاطة كلية شاملة بالمشهد أو كتابة "تحليل سياسي" متماسك له وجاهته وقائم على حيثيات منطقية بدون عودة إلى الماضي..

(4)

"التاريخ" هو البعد الأخطر في قراءة أي حدث راهن. ومعظم ما كتب طوال الفترة الماضية (إلا ما رحم ربي) من تحليلات سياسية واستراتيجية لا يعدو أن يكون ثرثرة وحشو كلام واستعراض معلوماتي بلا قيمة وبلا سياق أو إطار تحليلي مقنع ما دام افتقد العمق التاريخي للموضوع.. بدون ذلك يظل أي تحليل معلقا في الفراغ، ولا يساوي شيئا.. وهذا هو درس كتابات هيكل سواء اتفقنا معه أم اختلفنا معه أو مع انحيازاته وميوله الأيديولوجية أيا ما كانت ومدى تغليبه لها في هذه الحقبة أو تلك.

وأخيرًا.. يمكننا أيضا أن نضيف إلى محورية "التاريخ" كذلك بل الدرس الأكبر الذي يمكن أن نتعلمه من زيارة جديدة للتاريخ بل في كل كتبه هو محورية "الجغرافيا" وأن البداية تكون من الخريطة (وهو الدرس الذي تعلمه هو من ديجول ثم نقله لنا).

لا سياسة ولا تاريخ ولا تحليل بدون "جغرافيا"، هذه العناصر الثلاثة لازمة وضرورية في أي تأصيل للمسألة من جوانبها كافة، ليس فقط في وقائعها كأزمة راهنة، بل في أسبابها ونتائجها وتداعياتها وما يمكن أن يترتب عليها في موازين القوى ورسم السياسات ومسار المفاوضات في كل شيء يتعلق بالشرق الأوسط ولسنوات قادمة..

هذه بعض دروس هيكل في «زيارة جديدة للتاريخ».. وما أحوجنا إلى تلك الزيارات وتلك الدروس!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: زیارة جدیدة للتاریخ حسنین هیکل هذا الکتاب هیکل فی

إقرأ أيضاً:

فيديو للتاريخ.. الديهي يفضح حملات التشويه الإخوانية ضد مصر

نشر الإعلامي نشأت الديهي، فيديو تاريخي يفضح فيه الحملات الإخوانية الممولة من الخارج لتشويه صورة مصر وقياداتها أمام توتر الشرق الاوسط.

أحمد موسى يوجه الشكر للرئيس السيسي بعد وقف حرب غزة.. بث مباشراتفاق غزة.. موعد تبادل الأسرى لا يزال غير محسوم.. وحماس تؤكد: نزع السلاح غير وارد

واستعرض نشأت الديهي، خلال برنامجه "بالورقة والقلم" المذاع على قناة "TEN"، كل الأبواق الإخوانية الممولة التي تعادي مصر ورئيسها وأجهزتها وتصدر صورة مضللة أن مصر هي التي تحاصر غزة، كما يزعمون.

جهود الرئيس السيسي والمخابرات

وقال الإعلامي نشأت الديهي، إن مصر تبذل جهودا منذ عامين وليس لها سوى القضية الفلسطينية ولم تكتفي بعمل مظاهرات بالقول فقط، وإنما شملت الأفعال بالضغط على كل الأطراف.

وأضاف نشأت الديهي، خلال برنامج "بالورقة والقلم" المذاع عبر فضائية "TeN"، مساء السبت، أن المفاوضات أكثر تكلفة ومشقة من الحرب نفسها.

وتابع: رجال المخابرات العامة المصرية نقدم لهم تحية تقدير وعرفان لهم، والتاريخ سيسجل من نور ما فعله الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورجال المخابرات المصرية، فالإنجاز الذي حققناه لا يقل إنجازا عما جرى في كامب ديفيد.

وأشار إلى أن الكل الآن يشكر مصر في فلسطين، بمجرد ما تم الإعلان عن نجاح الخطة والتوقيع على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.

وتابع: عاد أكثر من نصف مليون فلسطيني من الجنوب والوسط إلى الشماع في قطاع غزة.

العالم لا يسمع إلا مصر

وقال الإعلامي نشأت الديهي، إننا آمنا بدورنا وإمكانياتنا وواجهنا كل المخططات وأجهضنا كل المؤامرات، وكانوا لنا بالمرصاد بحملات ممنهجة وممولة لتشويه الدولة المصرية ورئيسها وإعلامها ومؤسساتها.

وأضاف نشأت الديهي، خلال برنامجه "بالورقة والقلم" المذاع على قناة "TEN"، أن العالم كله الآن لا يرى إلا مصر ولا يسمع إلا مصر، وهذا نتيجة الشرف والنبل والإخلاص والقوة، أصبحت مصر اليوم هي مسار حديث وترقب العالم كله.

وتابع: نجحت مصر بعد مرور عامين كاملين في محاولات مستميتة من الجميع خاصة الأطراف المتقاتلة ألا نصل إلى اتفاق، والضحية هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وقفت مصر وقالت لا للتهجر ولا لتصفية القضية الفلسطينية.

طباعة شارك نشأت الديهي الحملات الإخوانية مصر غزة القضية الفلسطينية المخابرات الرئيس عبد الفتاح السيسي

مقالات مشابهة

  • حكم دخول الحائض المسجد أو ملحقاته لطلب العلم
  • للتاريخ.. الرأس الأخضر يتأهل لـ كأس العالم 2025
  • دروس من الحركة الإرشادية لتقوية صحتك النفسية.. لقاء توعى بأزهر مطروح
  • تتيح زيارة 112 موقعا أثريا.. السياحة تكشف عن منصة جديدة للطلاب مجانا
  • حمدي هيكل: أول نفس نضيف أتنفسه بعد وقف العدوان على غزة
  • من الكنيست إلى شرم الشيخ.. زيارة ترامب تفتح صفحة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط
  • معلومات جديدة حول الوفد القطري الذي تعرض لحادث السير في شرم الشيخ
  • فيديو للتاريخ.. الديهي يفضح حملات التشويه الإخوانية ضد مصر
  • البليدة.. حجز أزيد من قنطار كيف مخبأة تحت هيكل سيارة
  • تفاصيل جديدة عن زيارة البابا إلى لبنان