في قرار اعتُبر انتصارا قضائيا كبيرا لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية، الجمعة الماضية، حكماً يقيد صلاحيات القضاة الفيدراليين في تعليق الأوامر التنفيذية على مستوى البلاد، ما يعني أن قرارات الرئيس لن تُعلق تلقائياً بمجرد تقديم دعاوى قضائية، بل سيقتصر أثر تلك الدعاوى على الأطراف المعنيين بها فقط.



وجاء الحكم بأغلبية 6 قضاة مقابل 3، وفقاً للانقسام الحزبي داخل المحكمة العليا، حيث عين الجمهوريون 6 من أعضائها مقابل 3 عينهم الديمقراطيون. 

وكتبت القاضية إيمي كوني باريت، التي عينها ترامب، نص القرار الذي وصفته بأنه يحد من "الرقابة المفرطة" على السلطة التنفيذية.

تقليص نطاق "الأوامر القضائية الوطنية"
ويمنح القرار الحكومة الفيدرالية القدرة على تنفيذ سياساتها بشكل فوري تقريباً، باستثناء الحالات التي يتقدم فيها الأفراد أو الهيئات بدعاوى قضائية خاصة. 

وكانت "الأوامر القضائية الوطنية" تُستخدم سابقاً لإيقاف تنفيذ السياسات التنفيذية في أنحاء البلاد بالكامل إلى حين الفصل القانوني في القضية، وهو ما قُيد بموجب الحكم الجديد.

وبذلك، يُفسح القرار المجال أمام إدارة ترامب للمضي قدماً في سياستها لإنهاء "حق المواطنة بالولادة"، دون أن يتضمن حكماً بشأن دستوريتها. 

ومن المقرر أن يدخل الأمر التنفيذي المتعلق بذلك حيز التنفيذ بعد 30 يوماً من صدور الحكم، في غياب أي عرقلة قانونية جديدة على مستوى الولايات.

نهاية "المواطنة التلقائية" في 28 ولاية؟
وبينما طعنت 22 ولاية ديمقراطية على الأمر التنفيذي لترامب، فإن الحكم الجديد يعني عملياً أن سياسة إنهاء منح الجنسية تلقائياً للأطفال المولودين لأشخاص غير مقيمين بشكل دائم قد تُطبق في 28 ولاية لم ترفع دعاوى ضدها. 

ويهدد ذلك بتغيير جذري في طريقة منح الجنسية الأمريكية، ولو بشكل مؤقت.

كما أنه يقيد قدرة المحاكم الفيدرالية على وقف الأوامر التنفيذية للرئيس، وهو ما كانت تعتمد عليه منظمات حقوقية وهيئات حكومية في التصدي لسياسات مثيرة للجدل أطلقها ترامب سابقاً، مثل حظر السفر، وترحيل المهاجرين، وقضايا الحريات المدنية.


سوتومايور: القرار مهزلة دستورية
وعارضت عضو المحكمة العليا٬ القاضية سونيا سوتومايور٬ القرار بشدة، واصفة إياه بـ"المهزلة لسيادة القانون"، وقالت إنه "دعوة مفتوحة لتجاوز الدستور"، منتقدة إغفال الحكم للبعد الدستوري المتمثل في التعديل الرابع عشر، الذي ينص على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة هم مواطنون أمريكيون".

وسبق أن أيدت المحكمة العليا هذا الحق عام 1989 عندما قضت بأن طفلاً وُلد في سان فرانسيسكو يعتبر مواطناً أمريكياً، رغم أن والديه كانا من رعايا الصين ولم يحصلا على إقامة دائمة.

ترامب: "فوز هائل"
في أول تعليق له، وصف ترامب القرار بأنه "نصر كبير للمحكمة العليا وللولايات المتحدة"، مؤكداً عزمه المضي قدماً في إصلاح "ثغرات المواطنة"، على حد وصفه. 

وأضاف أن التعديل الرابع عشر للدستور صُمم خصيصاً لتكريس حق الجنسية لأبناء العبيد المحررين، وليس لجميع من يولدون على الأراضي الأمريكية من زوار أو مقيمين غير شرعيين.

في المقابل، انتقد المدعي العام لولاية ماريلاند، أنتوني براون، القرار، معتبراً أنه "سيُدخل العائلات في حالة من عدم اليقين القانوني"، متعهداً بمواصلة الطعن على سياسة ترامب، التي وصفها بأنها "غير أمريكية وغير قانونية".

منظمات حقوقية تتجه للقضاء مجدداً
بدورها، أعلنت منظمة "كاسا دي ماريلاند"، التي حصلت سابقاً على أوامر قضائية لوقف سياسات ترامب، رفع دعاوى جماعية جديدة لحماية الأمهات الحوامل وأطفال المهاجرين، معتبرة أن الحكم لا يضع حداً نهائياً للمعركة القانونية.

ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" القرار بأنه "تحول جذري في موازين القوى بين القضاء والبيت الأبيض"، قد يؤدي إلى تقليص قدرة المحاكم الفيدرالية على مراجعة قرارات تمسّ قضايا كبرى، مثل حقوق العمال، أو التمويل الخارجي، أو فصل الموظفين المدنيين.

وشددت الصحيفة على أن الحكم قد يُستخدم في المستقبل من قبل إدارات رئاسية لتمرير قرارات مثيرة للجدل دون رقابة فعالة، خاصة إذا كانت تملك أغلبية في المحكمة العليا.


أحكام أخرى في آخر أيام الدورة القضائية
وفي ختام دورتها القضائية قبل العطلة الصيفية، أصدرت المحكمة العليا أيضاً أحكاماً أخرى، أبرزها:
رفض طعن ضد قانون بولاية تكساس يقيد وصول القاصرين إلى المحتوى الإباحي على الإنترنت.

وتضمنت القرارات السماح لأولياء الأمور بسحب أبنائهم من حصص دراسية تتناول موضوعات تتعلق بالمثلية في مدارس ولاية ماريلاند، لأسباب دينية، غضافة إلى دعم توصيات فريق الرعاية الصحية العليا ضمن قانون الرعاية الميسرة، بخصوص إلزام شركات التأمين بتغطية بعض الخدمات الطبية الأساسية.

وبينما يفتح القرار الجديد المجال أمام إدارة ترامب للضغط على ملف الهجرة والمواطنة مجدداً، يبقى الصراع القانوني محتدماً في المحاكم الأدنى، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات، مما قد يجعل هذا الملف إحدى ساحات الاشتباك السياسي والقانوني الأشد سخونة في الولايات المتحدة خلال الشهور المقبلة.

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، خاض الرئيس الأمريكي سلسلة من المواجهات مع السلطة القضائية، لم تنتهِ بخروجه من الحكم، بل تصاعدت على وقع ملاحقات مدنية وجنائية، في واحدة من أكثر المعارك القانونية تعقيداً في التاريخ الأمريكي المعاصر.

ورغم محاولاته المتكررة لتحجيم دور القضاء وتقليص سلطاته، ظل ترامب في مرمى تحقيقات وقرارات قضائية شملت قضايا تتعلق بالهجرة والضرائب والانتخابات وأمن الدولة. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ترامب المحكمة العليا الجنسية القضاء القضاء الجنسية المحكمة العليا الولادة ترامب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة العلیا

إقرأ أيضاً:

أمريكا.. مخاوف المهاجرين تتزايد بعد قرار المحكمة العليا بشأن جنسيّة الطفل عند الولادة

أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قراراً يسمح بتطبيق سياسة ترامب لتقييد جنسيّة الميلاد خلال 30 يوماً، دون حسم شرعيتها، ما أثار لبساً قانونياً ومخاوف واسعة بين المهاجرين وأفراد الجالية. اعلان

أثارت المحكمة العليا الأمريكية لبساً قانونياً واسعاً بعد أن سمحت بدخول سياسة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بتقييد جنسيّة الميلاد حيز التنفيذ خلال 30 يوماً، من دون أن تحكم بشكل نهائي على شرعية هذه السياسة.

القرار الذي صدر يوم الجمعة الماضي جاء من قبل الأغلبية المحافظة في المحكمة، حيث وافقت على طلب ترامب بتقليص سلطة القضاة الفيدراليين في إصدار أوامر تمنع تنفيذ سياسات إدارية قبل نظرها بالكامل في القضايا المرفوعة ضدها. لكن المحكمة لم تفصل في جوهر القضية، مما خلف فراغاً قانونياً يهدد بخلق تباين كبير في تطبيق القانون بين الولايات.

سياسة ترامب تهدد الجنسيّة بالولادة

السياسة التي أعلن عنها ترامب في يناير تهدف إلى إنهاء الاعتراف بجنسيّة الأطفال المولودين داخل الولايات المتحدة والذين لا يحمل أحد والديهما الجنسية الأمريكية أو إقامة دائمة قانونية. وتم حظر هذا الأمر من قبل ثلاثة قضاة في محاكم مقاطعات مختلفة، ما أدّى إلى تصعيده إلى المحكمة العليا.

وبناءً على القرار الأخير، فإن السياسة قد تبدأ تطبيقها في 28 ولاية لم تشارك في الدعاوى القضائية الرامية لوقفها، بينما ستبقى محظورة في الولايات الأخرى التي رفعت دعاوى قضائية.

وقد يؤدي هذا التباين إلى تقسيم قانوني غير مسبوق في تطبيق حق كان يُعتبر مضموناً بموجب التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، والذي يمنح الجنسيّة لأي شخص يولَد داخل البلاد بغض النظر عن وضع والديه.

ارتباك ومخاوف بين المهاجرين

في صباح اليوم التالي للقرار، بدأ المحامون والمدافعون عن حقوق المهاجرين في استقبال مكالمات من أفراد كثيرين يحاولون فهم مدى تأثرهم بالقرار. ومن بين هؤلاء لورينا، وهي طالبة لجوء كولومبية تبلغ من العمر 24 عاماً وتقيم في هيوستن وتتوقع ولادة طفلها في سبتمبر القادم. وقالت إنها "لم تفهم القرار بشكل جيد"، وأضافت أنها تخشى أن يُحرم طفلها من أي جنسية.

Relatedترامب يفعّل قرار حظر دخول مواطني 12 دولة: إليك كل ما يجب معرفته عن هذا الإجراء غوانتنامو يعود إلى الواجهة... ولكن للمهاجرين هذه المرّة!مظاهرة في لوس أنجلوس ضد سياسة ترامب المناهضة للهجرة

من جانبه، قدّم ترامب السياسة على أنها خطوة لوقف ما وصفه باستغلال نظام جنسيّة الميلاد من قبل مهاجرين يأتون خصيصاً لإنجاب أطفال على الأراضي الأمريكية.

وقال خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: "مئات الآلاف من الناس يتدفقون إلى بلدنا بسبب جنسيّة الميلاد. لم يكن الهدف من وجود هذا الحكم أصلاً."

مخاوف من الفوضى التشغيلية

على الصعيد العملي، قد تواجه المستشفيات والأطباء تحديات كبيرة في تحديد جنسية المواليد الجدد، خاصة مع غياب إرشادات واضحة حول آلية التطبيق. وأشارت كاثلين بوش-جوزيف، محللة السياسات في معهد السياسة المتعلقة بالهجرة، إلى أن الوضع قد يؤدي إلى "فوضى ارتباك" في أنحاء البلاد.

في الوقت نفسه، قدّم المدعى عليهم شكوى معدلة أمام محكمة اتحادية في ولاية ماريلاند تطالب بإدراج فئة واسعة من المتضررين المحتملين ضمن الدعوى القضائية بهدف توسيع نطاق الحظر ليشملهم.

ورغم السماح المؤقت بتطبيق السياسة، أكدت المحكمة أن بعض المجموعات، مثل منظمة "كاسا" و"مشروع الدفاع عن طالبي اللجوء"، لا تزال محظورة من تطبيق السياسة في ولاياتها، من دون أن تتضح آليات الالتحاق بهذه المنظمات أو كيفية التحقق منها على مستوى الولايات المختلفة.

ويقدر النشطاء أن نحو 150 ألف طفل سنوياً قد يفقدون حقهم في الجنسية الأمريكية إذا تم تطبيق السياسة بشكل كامل. ووصفت جوليانا ماسيدو دو ناسيمنتو، المتحدثة باسم منظمة "يونايتد وي دريم"، الوضع بأنه "فوضوي"، مشيرة إلى أنه سيؤدي إلى تقسيم المواطنين داخل الدولة الواحدة إلى فئات مختلفة من الحقوق.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ماذا بعد رفض المحكمة العليا الحد من صلاحيات ترامب؟
  • رغم حكم المحكمة العليا.. ترامب يواصل معركته القضائية بشأن حظر المواطنة بالولادة
  • أمريكا.. مخاوف المهاجرين تتزايد بعد قرار المحكمة العليا بشأن جنسيّة الطفل عند الولادة
  • ماذا يعني رفض الشيوخ تقييد صلاحيات ترامب في الحرب مع إيران؟
  • مجلس الشيوخ الأمريكي يرفض تقييد صلاحيات ترامب في الحرب مع إيران
  • مجلس الشيوخ يرفض تقييد صلاحيات ترامب بشأن الحرب مع إيران
  • المحكمة العليا الأمريكية تحدّ من صلاحيات القضاة الفيدراليين
  • المحكمة العليا تمنح ترامب انتصارا كبيرا على القضاة
  • المحكمة العليا الأميركية تقيد صلاحيات قضاة لعدم إصدار أوامر تعرقل تنفيذ سياسات ترامب