تعد مجموعة «صديقة الأمل» أول إصدارات الكاتبة وداد الإسطنبولي فـي القصة القصيرة. صدرت الطبعة الأولى فـي عام 2024 عن «دار الآن ناشرون وموزعون فـي الأردن»، وتضمنت تسع عشرة قصة، من أبرز عناوينها: «اختاري الأسود، خور روري، استنزاف، أمل، بعثرة، خربشات، لمن القبعة؟، خيانة، دهشة، أحمد، حب وضياع، العروس والحلي، الأطلال، صانع سفن، صانعة المصافات، صانع حلوى، أمي ترضع عنزًا، صندوق الأسرار، والمجمر».

تسعى هذه المقالة إلى تحليل الأبعاد التفاعلية فـي العتبات النصية، وتفكيك تمثلات المعاناة النسائية فـي القصص.

فـي العتبات النصية يتمحور الخطاب حول الذات والقارئ. ينفتح الغلاف على رمزية الأمل بوصفه طاقة داخلية تنبثق من الذات، لا مجرد فكرة مستحضرة من الخارج. تتجسد هذه الفكرة بصريًا من خلال تصميم الغلاف، الذي يوظف عناصر كالفراشات بوصفها رمزًا للتحول والقوة الناعمة، وهو ما تنسجه الكاتبة لاحقًا فـي المتن السردي، كما فـي قصة «استنزاف»، حيث تقول البطلة: «الآن أنت تعلمين وجهتكِ، وخطواتكِ... غربت شمسٌ، وأشرقت شمسٌ أخرى»، أو فـي قصة «صندوق الأسرار»، حين تقول رحاب: «لم يكن الطلاق بالنسبة لي فشلًا، وإنما كان طاقة دفعتني إلى إثبات وجودي».

يلفت الانتباه أيضًا الإهداء الذي تصدرت به الكاتبة مجموعتها: «... إلى ذاتي، إلى صديقة الأمل، أقف قليلا هنا وينحني القلم، ويتوقف الكلام. إليها صديقة الأمل، ذاتي البهية المشبعة بالطموح والأمل، المؤمنة بالفجر...». فـي هذا النص القصير، تعيد الكاتبة تعريف ذاتها بصفتها «صديقة الأمل»، ما يدل على انقسام الذات بين «أنا» كاتبة موجِّهة، و«ذات» مؤمنة، حَالِمة، تتلقى الإهداء. تؤسس هذه الصيغة لإطار وجداني يستبق النصوص، وتمنح المتلقي مفاتيح شعورية مسبقة.

ولتعزيز هذا البعد التواصلي، تُفرد الكاتبة صفحة كاملة للقراء تقول فـيها التالي: «عزيزي القارئ... اغتنم هذا الكتاب واجعله صديقًا، وستشعر بدفء كلماته». يوحي هذا الخطاب برغبة واضحة فـي كسر الحاجز النفسي بين النص والمتلقي، من خلال التماس علاقة وجدانية مباشرة، هي فـي حقيقتها نوع من التعاقد العاطفـي، لا الإيهامي فقط، كما هو الحال فـي بعض النصوص الحداثية. إن محاولة بناء علاقة مع القراء قائمة على كسر الحاجز النفسي بين القارئ والنص، هي غاية مهمة، والكاتبة تهدف من خلال هذا إلى تكوين صداقة معهم، مهما كان مستوى ما جاء فـي المجموعة من اختلال أو ضعف. إن الخطاب الموجه إلى القارئ يؤشر على وجود مسبق فـي تأسيس ميثاق بطريق غير مباشرة لاستدرار تعاطفه، لا من موقع الضعف، بل من موقع مغامرة الذات الكاتبة خوض كتابة القصة والمكاشفة والتقدير الذاتي.

الناظر فـي قصص المجموعة يجد تميزها فـي تنوّع تمثلات المعاناة النسائية وتباين الموضوعات. يمكن تصنيفها إلى ثلاثة محاور رئيسية:-

أولا: قصص الموروث الثقافـي المادي فـي ظفار: من بينها «العروس والحلي، صانع سفن، صانعة المصافات، صانع حلوى، والمجمر». تعكس هذه القصص اهتمام الكاتبة بتوثيق الحياة التقليدية والحِرَف الصناعية المرتبطة بالمرأة والمجتمع المحلي، لكنها لا تتجاوز البعد التوثيقي فـي كثير من الأحيان إلى بناء حبكة سردية عميقة.

ثانيا: قصص اجتماعية ذات منحى نسوي واضح: مثل «اختاري الأسود» التي تتناول معاناة الأرامل، و«استنزاف» فـي تصوير الخيانة الزوجية، «حب وضياع» فـي تمثيل الصراع بين الأجيال، و«صندوق الأسرار» التي تسلط الضوء على ظاهرة الطلاق وعبء الأمومة بعد غياب الأب. تتسم هذه القصص بحساسية عالية تجاه قضايا النساء، لكنها تعاني أحيانًا من المباشرة، حيث تطغى الرسالة على البناء الفني.

ثالثا: قصص تأملية وجدانية: تميل بعض القصص إلى اللغة الوجدانية القريبة من المقالات الأدبية، كما فـي «بعثرة» و«خربشات». فـي هذه النصوص، تبرز المجازية العالية، وتغيب عناصر البنية القصصية المحكمة، مما يضعف من فاعليتها الفنية.

سأتوقف عند قراءة معمقة فـي قصة «أمي ترضع عنزًا». تُعد هذه القصة من أبرز القصص التي تجمع بين الصدمة فـي العنوان، وفـي الحمولة الرمزية، والطرح الاجتماعي الناقد. تروي القصة معاناة امرأة أرملة تضطر للعمل فـي مهن شاقة لإعالة أبنائها. حيث تعمل خيّاطة.. وخادمة فـي المنازل.. وبائعة أغراض.. وحلاّبة فـي حظيرة. فـي لحظة محورية، يُهدي صاحب المزرعة الأم عنزة مريضة فاقدة لأمها، وتعتني بها كأنها ابنتها، بل تُرضعها، وعدَّها أبناؤها أختهم من الرضاعة ما يثير غيرة ابنها عمر، الذي يقدم فـي النهاية على ذبحها بدافع الجوع. تكتب الكاتبة على لسان عمر: «... أصبحتُ ككلب مسعور لم يذُق اللحم منذ فترة طويلة. سال لعابي، «...» نعم ذبحت العنزة وشرختها...». تصل أمه وتقف وراء ظهره، فالتفتَ بسرعة إليها لتنفرج عيناه وهي تستلقي شاحبة بلا حراك، ودمعة حارقة تقف عند مدمع عينيها.

قال: مرتبكا: «مصيرها يوما سيكون الذبح، شئنا أم أبينا».

ينتهي النص بصدمة موت الأم وترك أثر وجداني عميق. إن العنوان يعمل على أكثر من مستوى: يثير فضول القارئ، ويصدمه، ثم يكشف تدريجيًا عن بنية اجتماعية قاسية. المشهد الذي تُمسك فـيه الأم بالعنزة وتُرضعها، ليس مشهد شفقة، بل هو إعلان عن علاقة بديلة للأمومة، نابعة من فقر الحرمان والحنين إلى الأنثى الغائبة «الطفلة». القصة توازن بين اللغة الشاعرية والبنية الدرامية، وتشكل مثالًا ناضجًا فـي المجموعة.

تكشف مجموعة «صديقة الأمل» أن وداد الإسطنبولي تملك طاقة شعورية عالية، وهمًّا إنسانيًا واضحًا، خاصة فـي تمثيلها لمعاناة النساء فـي مجتمع محلي متغير. ومع أن المجموعة لا تخلو من مواطن ضعف بنيوي فـي قصص كثيرة؛ كالاعتماد على بنية المقالة الإنشائية، أو غلبة الرسالة على الحكاية، واللغة التقريرية على السرد، إلا أنها تؤسس لصوت قصصي واعد. وقد تكون الخطوة القادمة فـي تجربة الكاتبة هي تعميق البناء الفني، دون أن تتخلى عن صلتها الصادقة بالذات والقارئ، وهي السمة الأبرز فـي هذه المجموعة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

النباشون.. رحلة يومية بين النفايات بحثا عن الأمل

في قلب مدينة البصرة، حيث تزكم الأنوف برائحة النفايات المتصاعدة من أكوام القمامة الشاهقة، يعيش آلاف الأشخاص حياة قاسية ومؤلمة، هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، الذين يطلق عليهم "النباشون"، يبحثون يوميا في أكوام القمامة عن أي شيء ذي قيمة، محاولين توفير لقمة العيش لعائلاتهم.

تحت أشعة الشمس الحارقة وأمام أعين المارة، ينبشون في القمامة بأيديهم العارية، معرضين أنفسهم للأمراض والأخطار، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشونها، فإنهم يواجهون أيضا مطاردات من الجهات الحكومية التي تحاول منعهم من حرق الأسلاك لاستخراج النحاس، مما يزيد من معاناتهم.

النباشون هم الأشخاص الذين يعملون في جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من النفايات (الجزيرة) النباشون

النباشون هم الأشخاص الذين يعملون في جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من النفايات، حيث يقومون بتفريغ حاويات القمامة والبحث بين القمامة عن مواد مثل الورق والكرتون والبلاستيك والحديد وغيرها، ثم يقومون ببيعها إلى مراكز إعادة التدوير.

بين النفط والفقر

زكية، أم لـ6 أطفال، تصف حياتها بأنها كابوس، قائلة: "نحن نعيش في مدينة غنية بالنفط، ولكننا نعاني من الفقر والجوع، مبينة خلال حديثها للجزيرة نت: "أخرج كل صباح بحثًا عن أي شيء يمكن بيعه لتوفير الطعام لأطفالي، ولكن راتبي اليومي الذي لا يتجاوز 20-30 ألف دينار (نحو 13-20 دولارا) لا يكفي حتى لشراء الخبز".

أما جبار علي، وهو شاب ترك دراسته لمساعدة عائلته، فيقول: "نحن نعمل في ظروف صعبة للغاية، ونخرج للبحث عن أي شيء يمكن أن نبيعه"، مضيفا "نشعر بالإحباط واليأس، ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟".

يصف عباس أحمد، وهو والد لطفلين وأحد العاملين في جمع النفايات، ظروف عمله بأنها قاسية للغاية، ويقول: "نحن نعمل في ظروف بيئية سيئة للغاية، ونعرض أنفسنا للأمراض والأخطار".

إعلان

ويضيف أحمد للجزيرة نت: "نخرج كل يوم منذ الصباح الباكر، ونعمل حتى وقت متأخر من المساء، لنوفر قوت يومنا لأطفالنا".

النباشون يبحثون يوميا في أكوام القمامة عن أي شيء ذي قيمة (الجزيرة) إجراءات حكومة البصرة

للاطلاع على إجراءات الحكومة المحلية بالبصرة تجاه هذه العوائل، التقت الجزيرة نت عضو مجلس محافظة البصرة حيدر علي حسين المرياني، الذي أكد أن عديدا من هذه العائلات التي تعتمد على جمع النفايات تعيش تحت خط الفقر.

وأوضح المرياني أن عديدا من تلك العوائل لم تتقدم بطلب للحصول على المساعدات الاجتماعية، بينما يجد آخرون أن تلك المساعدات لا تغطي احتياجاتهم المعيشية الأساسية، التي ارتفعت ارتفاعا كبيرا بسبب غلاء الأسعار والضرائب، مستدركا بالقول إن رواتب الرعاية الاجتماعية تتراوح ما بين 150-175 ألف دينار شهريا (نحو 100-117 دولارا) وإذا ما وصلت إلى 300 ألف دينار (نحو 200 دولار) فإنها لا تكفي أيضا لسد حاجة المواطن البسيط.

وأضاف المرياني أن هؤلاء الأشخاص يتنقلون بين مناطق مختلفة في المحافظة، مما يجعل من الصعب حصرهم وتقديم المساعدات إليهم بشكل مباشر، مؤكدا أن أبوابهم مفتوحة لتقديم كل أشكال الدعم الممكن لهذه الفئة، بهدف تحسين أوضاعهم المعيشية وإنهاء هذه المعاناة التي لا تليق بأهل البصرة.

مقالات مشابهة

  • البشرة الدهنية الحساسة تحت أشعة الشمس.. رحلة بين المعاناة والمواجهة
  • البرازيلي مالكوم من المعاناة في برشلونة إلى جلاد غوارديولا مع الهلال
  • حكاوي ماتريوشكا.. حيث تتحول القصص إلى مرايا للأمل والعمق الإنساني
  • الجراحات النسائية التجميلية (2)
  • الكاتبة الصحفية نور العمروسي تتقدم للبرلمان بمقترح قانون لتغليظ عقوبة حيازة السلاح الأبيض
  • القارئ الواعي.. محمد المنصور نموذجا
  • باحث فلسطيني: المعاناة في غزة واقع دموي يتطلب تحركا إنسانيا
  • كرة القدم تمنح الأمل.. بولندا تحتضن كأس العالم للأطفال اليتامى
  • النباشون.. رحلة يومية بين النفايات بحثا عن الأمل