جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-03@02:35:32 GMT

الحب في زمن التوباكو (18)

تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT

الحب في زمن التوباكو (18)

 

مُزنة المسافر

 

جوليتا: انظري لهذا الشيء يا عمتي، لقد وجدت دمية جميلة بين حاجياتك.

ماتيلدا: أين وجدتها؟، إنها لسابينا.

جوليتا: من هي سابينا؟

ماتيلدا: صاحبة الدمية الأصلية، تعرفين يا ابنة أخي ذات يوم حملني الحنين إلى طرقات بعيدة، كان لي شوق أرجع قلبي للأرياف، قلت لنفسي ولخورخيه المنتج قبلها أنني سأكتب الإبداع، سيكون لي قلمٌ حر، وموسيقى ندية، وعيون سخية ترى وتنظر جيداً لكل شيء.

 

سأكون هنا في الأرياف لليالٍ خريفية، قبل أن يأتي موسم الشتاء القارس، وكنت أرى نفسي شاعرة بالريح القوية التي أفاقت مشاعري فجأة، وأرادت أن أمضي نحو حقول قريبة.

 

وهناك أدهشتني الفزاعات وأردتُ أن أقف كفزاعة تنظر للعالم المتكون من المداخن ومن البيوت الكوخية، وكنتُ أفكر ماذا لو سكنت روحي فزاعة؟، واقتربت مني طفلة هامسة: هل تعرفين أن الفزاعات تتحرك مساءً حين نذهب بعيداً عنها؟

وهنا تعرفت على الطفلة سابينا قالت لي: إنها مزارعة صغيرة، وأنها تدرس في المدرسة نهارًا، لكنها مساء تأتي للحقل مع جدتها، وصرنا نلتقي كثيرًا، أقدم أنا لها الحلويات وتقدم لي هي القصص الغريبة، وتخبرني أقاويل أهل الضِيَع، وتعاتبني إن لم أكن في الحقل قرب الفزاعات.

وسألتني سؤالًا سخيفًا: إن كان لي أبناء؟

ماتيلدا: ليس لدي أبناء بعد، لكن ربما لاحقًا.

سابينا: لماذا أنت هنا؟ أنت تكتبين كثيرًا.

ماتيلدا: أكتب الأغنيات.

سابينا: الأغنيات الحلوة!

 

ماتيلدا: شعرت بطفولة تخترق حياتي الممتلئة بالرصانة والنظام، كنتُ أرغب أن أكون مثل سابينا، منطلقة للحرية، يوما أكون كالفزاعة أخيف كل خنفساء تقترب مني، وجميع الغربان طبعًا، وفي أيام أخرى أكون فتاة بمخيلة جامحة وبروح صائحة نحو المرح.

 

كنا نأكل الطعام سوية وأحيانًا على طاولة المائدة في منزل عائلة سابينا، وصدف أن تواجد والدها باولو الذي كان متأخرًا في قدومه من منجم أو من حقل بعيد، لم أعرف أين يعمل، بدا على وجهه الإنهاك.

جلس وطلب أن تقدم والدة سابينا الطعام، كانت والدة سابينا أثينا قد امتعضت من دخوله الوقح، لم يسلم على أحد، ولا حتى على الضيفة التي هي أنا ماتيلدا، كانت حركات هذا الرجل غريبة، وكان وجهه مرهقًا للغاية، كان غائبًا لأيام وظهر فجأة ودخل المنزل دون أن يطرق الباب أو يسلم على أحد.

 

أثينا: إنك وقح يا رجل، لدينا ضيفة.

باولو: لقد سئمت من ثرثرتك يا امرأة سأغادر.

أثينا: ألن تأكل؟

باولو: سآكل لحم الذئب، أفضلُ ذلك، لا أريد أن أستمع إلى الهراء، إنكِ تجلبين العذاب.

أثينا: جيد، ارحل، سأفتح الباب لك الآن، ارحل يا باولو!

 

ماتيلدا: خرج باولو، وألقت أثينا بالصحون نحو الأرضية فانكسرت جميعها، وانحسر صوتها، فبكت أثينا بحرقة، لم أستطع أن أقول شيء، كان مشهدًا صعبًا، كانت سابينا تبكي، إنه شيء يتكرر كل ليلة هكذا أخبرتني، وشرحت أن والدها لا يعود إلا في ساعة العشاء، وفي أيام معينة يختفي ويظهر فجأة.

 

في اليوم التالي، ونحن في محطة القطار قدمت سابينا لي قبلة صغيرة، وكان وداعًا جميلًا لن أنساه، خصوصًا حين كنت أحمل حقيبة السفر، وأردت أن أغادر عائدةً إلى الديار، وقبل أن ألتحق بالقطار بشكل نهائي، ركضت سابينا ركضًا سريعًا وصرخت بأعلى صوتها: الدمية، الدمية!

خرجت بسرعة من القطار، عانقتها بشدة، وأخذت الدمية منها، كنتُ أفكر متى سأراها في حياتي من جديد، لذا أخذت الدمية لأتذكر سابينا دائمًا، وأتذكر الفزاعات والغربان والحقول ودمى الضِيَع والناس في الأرياف وهنا قررت أن أكتب أغنية بعنوان: سابينا، متى ستأتين إلى المدينة؟

 

كانت كلمات الأغنية كالتالي: قدومك سيكون جميلًا، سنلعب الغميضة، سنكون سوية، سنكون أصدقاء، سنكون رفقاء، نحمل الدمى والحلوى، لكن المدينة صعبة، عليكِ أن تكوني يقظة يا سابينا، أن لا تعيشي أي حَيْرة، وكوني لي خير جِيرة يا سابينا متى ستأتين إلى المدينة؟ المدينة تسأل وقلوبنا تحمل كل الحب لكِ يا سابينا، يا سابينا كوني في المدينة.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ذكرى رحيل «آخر ظرفاء الأدب والصحافة».. كامل الشناوي شاعر قتله الحب

تمر اليوم ذكرى رحيل الشاعر والصحفي الكبير كامل الشناوي، أحد أبرز وجوه الأدب العربي في القرن العشرين، والذي اقترنت سيرته بالإبداع والشجن والظرف، وبحكاية حب مأساوية ظلت تلاحقه حتى وفاته في نوفمبر 1965.

ولد الشناوي في السابع من ديسمبر 1908 بقرية نوسا البحر بمحافظة الدقهلية، بعد أشهر قليلة من وفاة الزعيم مصطفى كامل، فاختار والده - الشيخ سيد الشناوي القاضي الشرعي ورئيس المحكمة العليا الشرعية - أن يطلق عليه اسم «كامل» تيمنا بالزعيم الراحل.

نشأ في أسرة عريقة تجمع بين العلم والمكانة الاجتماعية، وكانت والدته صديقة هانم بنت سعيد باشا من سيدات القرية المرموقات، وهو الشقيق الأكبر للشاعر الغنائي مأمون الشناوي، كما كان عمه الإمام الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الأزهر.

التحق كامل الشناوي بالأزهر خمس سنوات قبل أن يتجه إلى المطالعة الحرة ومجالس الأدباء، ويدرس الآداب العربية والأجنبية.

بدأ حياته الصحفية في «الوادي» مع طه حسين، ثم «روز اليوسف» مع محمد التابعي، وتنقل بين «آخر ساعة» و«المصور»، قبل أن يتولى رئاسة قسم الأخبار في «الأهرام» عام 1954، ثم رئاسة تحرير «أخبار اليوم» حتى رحيله.

كان يقول عن نفسه: «ما بقتش في شعري صحفي، لكن أصبحت شاعرا في صحافتي»، وهي عبارة تلخص مسيرته التي جعلت من الشعر جوهرا لكتاباته الصحفية.

عرفه الوسط الأدبي بذكائه الحاد وخفة ظله وتلقائيته في صناعة النكتة والقفشة، حتى وصفه أنيس منصور بأنه «آخر ظرفاء الأدب والصحافة»، غير أن هذه الروح المرحة كانت تخفي ألما دفينا بدا واضحا في قصائده العاطفية.

أبدع الشناوي في عدد من الأعمال، من بينها: «اعترافات أبي نواس»، «أوبريت جميلة»، «الليل والحب والموت»، و«أوبريت أبو نواس»، وغنى له كبار الفنانين أعمالا أصبحت علامات في الوجدان العربي، منها:

لأم كلثوم «على باب مصر»، ولعبد الوهاب «الخطايا» و«نشيد الحرية»، ولعبد الحليم حافظ «لست قلبي» و«حبيبها»، ولنجاة «لا تكذبي» أشهر قصائده العاطفية، ولفريد الأطرش رائعتي «عدت يا يوم مولدي» و«لا وعينيكي»، فكانت قصائده العاطفية قصصا مغناة يشعر قارئها بأنه يعيش حكاية حب لا مجرد أبيات شعر.

لقب بـ«الشاعر المحروم» بعدما عاش تجربة حب مأساوية لازمت حياته، كما يروي رجاء النقاش في «شخصيات لا تنسى»، وكشف مصطفى أمين جانبا آخر من هذه المعاناة حين ذكر أن الشاعر كان يزور المقابر يوميا ليتعود على الجو الذي سيعيش فيه إلى الأبد، وقال عنه العقاد عبارته الشهيرة «لا تزال كما أنت، لست صغيرا ولا تريد أن تكون كبيرا»، وقد ظل هذا الجرح يؤلمه حتى قيل إنه مات مكتئبا دون مرض يذكر.

ورغم موهبته الكبيرة، لم يدون كامل الشناوي سوى ديوان صغير أصبح كنزا محببا لعشاق شعره، ويرى الكثير من النقاد أنه كان قادرا على منافسة نزار قباني لو أخلص للشعر وأبعد نفسه عن صخب الصحافة والسهر.

قبل عام من وفاته، عاش تجربة قريبة من الموت حين غاب عن الوعي ورآه رأي العين، فوصف ما حدث بأنه «بروفة للموت»، أدرك حينها أن النهاية تقترب، وقد صدق إحساسه.

كان الشناوي واسع الثقافة، تعلم الصحافة بالممارسة، وتمتع بذاكرة قوية وحضور مبهر في الأوساط الفنية والأدبية، وأحب تشجيع المواهب الشابة مثل عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي، وأخلص للفصحى طوال حياته، بينما اتجه شقيقه مأمون إلى العامية، ليصبح كلاهما علما في مجاله.

بقيت قصائده - خصوصا «لا تكذبي» و«عدت يا يوم مولدي» - شاهدا على شاعر عاش الحب حتى الألم، ولم يزل يحافظ على مكانته كأحد أبرز شعراء العاطفة في العصر الحديث.

اقرأ أيضاً«رحلت أمي وأختي».. وفاة شقيقة طارق الشناوي

طاجن اللحم ودكتوراه الشناوي.. تفاصيل أول لقاء بين طارق عبد العزيز ومحمود السعدني

70 عامًا على (يوليو) العزة والكرامة.. حكايات من تاريخ ثورة تحكي قصة (شعب وجيش)

مقالات مشابهة

  • فيلم "هيبتا 2" يجمع 4 ألاف جنية في السينما أمس
  • ملف الحدود البحرية يعود للواجهة، وعقيلة يتوجّه قريبا إلى أثينا
  • انطلاق تصوير فيلم «حين يكتب الحب» بطولة أحمد الفيشاوي وجميلة عوض
  • «دوائر الحب».. محمد نور يتعاون مع آدم في دويتو غنائي
  • شيرين رضا: بحب كل اللي اطلقت منهم
  • كيف تعرفين أن ابنتك المراهقة تعيش علاقة عاطفية..؟
  • مسلسلات تركية.. تشاغلا شيمشك عن دورها في المدينة البعيدة: إيبك.. لا تستسلم أبدًا
  • محمد نور يطرح “دوائر الحب” بمشاركة آدم
  • الحب خسارات كبيرة وغير مقصودة
  • ذكرى رحيل «آخر ظرفاء الأدب والصحافة».. كامل الشناوي شاعر قتله الحب